أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة














المزيد.....

منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة


رضوى الأسود

الحوار المتمدن-العدد: 4810 - 2015 / 5 / 18 - 13:00
المحور: الادب والفن
    


أول ما يصدمك، أو دعنى أقول يثير فضولك فى هذه الرواية لأشرف الخمايسى هو العنوان الذى تفك طلسمه مع كل صفحة تُقِدم على قراءتها .. فما القراءة سوى مغامرة كما الكتابة، لتكتشف أن منافى الرب ما هى إلا منافى الإنسان التى يصنعها بيده وعقله، والتى يأتى تعريفها مرتين تحديداً وبكل وضوح من الروائى نفسه، فيقول مرة أنها "منافى الروح والجسد"، ومرة أخرة "الحزن".
تأتى شخصيتان مثل بطل الرواية (حجيزى)، والراهب (يوأنس) ليكونا مثالين صارخين لكيفية نفى الإنسان نفسه بنفسه، وحرمانها من متعها التى خلقت من أجلها، فيتجلى المسيح ليبين أن "بهجة الإنسان وسعادته هما المقصد الإلهى"، منتقداً من يعيشون فى جبل الرهبان بقوله: "يحيون بقلوب مقفلة، يؤلهون تقاليدهم ويحطمون الجمال، يخترعون قيماً قاسية كأنهم يحبون تعذيب أنفسهم، ما أردت من الإنسان تقديس ما يفقده بهجته، الآب الذى ارسلنى قال لى هذا، وقال أن مسرته فى أن يصير الإنسان رباً لا عبداً". وكان الإنتقاد ذاته هو ما وجهه (حجيزى) لأهل (الوعرة) الذين إنزعجوا من تمثال قدّ من الصخر لطفلة، ورأوا أنه عاراً ألصق بهم مما يوجب تحطيمه!
شخصية المسيح هنا محورية، فهو الذى أثر فى بطل الرواية وبدّل وجهة نظر ذلك الرجل الذى عاش عمراً طويلاً (مائة عام) لا يهاب الموت، لكنه يرتعب من فكرة الدفن مستنكراً بقوله: "لماذا يدفن الناس أعز الناس؟"، يرى أنه أثر فى الحياة وصنعها، فكيف لا يظل له نصيباً منها؟ فما أنفك يفكر بشتى الطرق كيف يتفادى الدفن، فتارة يتجه لإعتناق المسيحية التى تقوم على مبدأ قيامة الجسد بعد الموت، وتارة يسف مسحوقاً يساعد على عدم تحلل الجسد، لكن فى خضم كل هذا يكتشف أنه كان يعيش ميتاً بين الأحياء.
يبدو أن الحضارة المصرية القديمة كان لها عميق الأثر فى روح وعقل الروائى والذى تجسد فى تلك الرواية التى تناقش فكرة البعث (القيامة) والخلود كما إنشغل بها المصرى القديم، أيضاً فى إحتفاءه بالمرأة وإعادة الإعتبار لها وتجسيدها كبهجة ربما وحيدة للحياة، أيضاً كما بجلتها القوانين والأعراف فى العصور القديمة.
تعج الرواية بمرادفات كثيرة للموت، حتى أن الكاتب يقول فى عبارة واحدة: "بلاد الموتى، القبور، الجبانة" وكأنه يشرح لفظ أستعصى على الفهم، لكنه فى الواقع كان دائم التأكيد على فكرته من خلال عاملين أساسيين .. الإطناب، والمقابلة التى نجد منها الكثير: المقابلة بين البشر المتمثلون فى شخوص الرواية وبيان مدى ضعفهم أمام واحة الوعرة القوية بكل ما تحمله من غرد وصخور عملاقة تطول السماء، وأخرى بين بيوت الوعرة التى تتلاصق لتأتنس ببعضها مقابل وحشة الصحراء، وثالثة بين حجيزى الذى يعيش منشغلاً بفكره عن متع الحياة حتى أنه لا يبتسم أبداً، وصديقه سعدون الذى لايفكر تقريباً ويستمتع بحياته ضاحكاً باستمرار.
نلاحظ عمق الثقافة المسيحية عند الروائى للتأكيد على أن هذا الدين بالإضافة إلى الإسلام، يشكلا ثنائياً غير منفصل، وموروثاً ثقافياً فريداً عند الشعب المصرى الذى إحتضن واستقبل كل الأديان إستقبالاً حسناً.
اللغة قوية، قاتمة كما يليق بالموت، جريئة فى تحطيمها للتابوهات، فهى من النوع الذى يعتبر فيه القارىء شريكاً أساسياً للكاتب الذى لايكف طوال الوقت عن صدمة وعيه بعنف. فالكاتب ينتقد التراث الدينى فى الإسلام، وذلك حينما يتشكك (حجيزى) فى غالبية الأحاديث التى تأتى على لسان إمام الجامع (مزيد)، كما أنه أيضاً ينتقد المسيحية وتحديداً فيما يخص طبيعة الرب هل هى ناسوتية أم لاهوتية، وكذلك قيامته! تأتى عبقرية وذكاء ذلك النقد فى أنه يجىء على ألسنة أناس رقيقة الحال والثقافة -وربما أميين- فى حواراتهم العادية وبشكل فكاهى، وقليلاً ما كانت تأتى بشكل جدى فى اسئلة إيمانية صريحة وموجعة تفضح عمق مأزق الإنسان: "من لم تتلوث يده بدماء الأبرار خسر، ومن أجرى أنهاراً من دمائهم ربح، أى حكمة هذه التى يريد الرب أن يعلمها لنا؟"، "لماذا لا يقدم لنا الله حلولاً، إلا إذا قدم له الواحد منا ما يملكه؟! لماذا دائماً يتعامل بمنطق التجار، هات وخد؟!"
موجات الجنس المتلاحقة فى هذه الرواية ما أتت سوى لتأكيد وإستعراض روعة الحياة، فالجنس يأتى دائماً مقابلاً قوياً للموت قادراً دوماً على هزيمته بكل عنف.
الرواية تحتفى بالمكان الذى يُعَد أحد أبطال الرواية، فكم من صفحات تنوء بحملها من الوصف الدقيق والمؤثر، فقد نجح الروائى فى نقل القارىء بكل حرفية وسلاسة إلى ذلك المكان البعيد الغائص فى قلب الصحراء الغربية لنرى بأعيننا رأى العين أنشطة حياتية يومية (رعى الغنم، ملء المياه من البئر، طلع النخيل)، وظواهر طبيعية خاصة بالمكان (الغرد) .
يهدى أشرف الخمايسى روايته للإنسان، وما الإنسان سوى بطله (حجيزى)، الذى يتطور وتتغير قناعاته مع الوقت، وكما يقول: "على الرغم من أن الموت كان يتعمد ان يطل على الإنسان من كل ناحية من حياته، ويصدر صخباً لا ينتهى تردده، إلا أن الإنسان عاش حياته يتمتع بأبهج ما أتيح له منها، وكانت قمة إنتصاره على الموت، ان حوله إلا ملاذ أخير يسعى إليه إذا قست عليه الدنيا" أى أنه رغم سلطة الموت، إلا أن الإنسان يمكن أن يكون أكثر سلطوية منه حينما يذهب إليه بإرادته كملجأ أخير يختاره إذا أظلمت الدنيا وهذا ما فعله حجيزى حينما وجد أنه قد أصبح وحيداً دونما صديقيه، فأراد أن يلحق بهما. هنا ايضاً تأكيد تكرارى لإرادة الإنسان التى يظل يملكها حتى آخر لحظات عمره.
تحية لأشرف الخمايسى الذى أبدع فى غزل ملحمة للموت الذى يحاصرنا من كل إتجاه، ليفتح أعيننا على روعة الحياة.





#رضوى_الأسود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إن كانت ثورات -الربيع العربى- صنيعة صهيوأمريكية .. فماذا نحن ...
- عن الإخوان والإعلام وحماس ومصير الثورة
- دستور غير دستوري


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة