|
تجميل الرسالة المحمدية
طاهر مرزوق
الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 14:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شعرت بالملل من كثرة الأحاديث والخطب لرجال الدين والثقافة والدعاة عن الرسالة الفطرية التى تدعو للسلام والمحبة وتحرم القتل والعنف، وتحترم حقوق الإنسان وحرية مليار وستمائة مليون مسلم فى معادة العالم بأسره، لأنهم يجدون أن كتابهم القرآن يحتوى على الكمال فى الشريعة والأخلاق والعلوم والإعجاز الذى جعلهم فى مصاف الدول المتقدمة وصانعى حضارة أيامنا المعاصرة، بينما أصحاب الأديان الأخرى المشركة بالله والكفار يعيشون فى أذيال الأمم المتخلفة وسط ظلام تراثهم العتيق ونرجسيتهم الإستعلائية التى لا أساس لها من الواقع ولا من التاريخ، وفى بحثى عن كلام مختلف عن هذه الأسطوانة المشروخة المخالفة للواقع، وجدت مقال شدنى عنوانه { أزمة عقل معطل*} فى جريدة العرب للأستاذ عبد الرحمن بسيسو، وأعتقدت أن هذا المقال سيكون ضالتى ويتفق مع رأيى فى أن المثقفين ورجال الدين لديهم أزمة وعقولهم معطلة أفسدت وعطلت عقول العامة والخاصة من الشعوب فى منطقتنا العربية. فى بداية مقال الأستاذ بسيسو عرض لأزمة العقل المعطل والمتكلس والمتحجر مما يستلزم حسب قوله:{أنّ أيّ تجديد ثقافيّ يتوخّى إطلاق نهضة حضارية شاملة لا يبدأ إلا بإعادة النظر في منظومات المبادئ العقلية والمفاهيم القديمة والمعارف المتراكمة والأحكام الدنيوية المكتسبة، ونقدها جميعا؛ أي بإعادة النّظر في الثراث الثّقافي بأكمله، وذلك بإعمال مبادئ العقل الفطرية الجوهرية في جميع مكوناته وفق رؤية تكاملية عميقة ذات منهج عقليّ رصين}، كلام جيد حثنى على الأستمرار فى القراءة لكن بعد هذه الفقرة بدأت الأفكار فى المقال تأخذ منحنى آخر، حتى بدأ الكلام المفيد فى التفكك والترنح وسط قبائل النرجسيون والكاذبون والمنافقون لأنفسهم وللعالم من حولهم، حيث بدأ الأستاذ بسيسو الدخول فى هدف مقاله: { ومن الحقّ أنّ الرّسالة المحمّدية قد افتتحت زمن استناد الدّين إلى العقل}. الأخ بسيسو لم يتكلم عن الإسلام بل عن الرسالة المحمدية أى رسالة محمد وليست رسالة الله، فإذا كان الله أعطاه رسالة يقوم بتوصيلها وتبليغها لمجموعة من الناس، فالرسالة ليست رسالة محمدية وإلا يكون محمد هو صاحب الرسالة وهو كاتبها وهو قول يقترب من الحقيقة، عموماً لنترك هذا لأنه ليس موضوعنا ونتعمق أكثر حيث أنحرف كاتب المقال مائة وثمانون درجة ونسب إلى الرسالة المحمدية أنها أفتتحت زمن إستناد الدّين إلى العقل، ولا أعرف أين هو العقل من الأمور الغيبية التى بدأت بإدعاء محمد وحسب روايته الشخصية جداً أقصد كما وردت فى الصحيحين وعلى لسان عائشة وليست خديجة زوجته فى تلك الأيام حين بلغ الرسول محمد الأربعين :{ فقد نزل الوحي لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، وتروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي، أول ما بدأ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك جبريل فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . سورة العلق, الآيات 1-5. } وعن كيفية نزول الوحي عليه، كان الرسول محمد يقول: «أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك جبريل رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول.}. يتفق غالبية المفسرين على هذه القصة ولا مجال لنا فى هذا المقام إلا التأكيد على أن بداية الرسالة المحمدية لم تكن كما قال الأخ بسيسو "بداية زمن أستناد الدين إلى العقل"، بالعكس كما رأينا فى رواية الصحيحين من المنطقى أن تكون رواية نزول الوحى بلسان زوجته خديجة، لكن هنا نقرأ الرواية بلسان عائشة التى خطبها بعد موت خديجة أى أن عائشة لم تسمع من خديجة شيئاً، عائشة إذن سمعت هذا الكلام مثلها مثل بقية الناس بل ومن بقية القصة يتضح لنا أن خديجة النصرانية أخذت زوجها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل النصرانى مثلها وكان يكتب الأنجيل بالعربى، وحتى نهاية القصة نكتشف أننا أمام كلام غيبى لا علاقة له بالعقل والمنطق، رواه محمد وتناقلته الألسنة عن خديجة النصرانية وورقة بن نوفل وعن عائشة وعن مسلم والبخارى، وبين سطور القصة نكتشف أن جبريل كان مثل صلصلة الجرس وأحياناً أخرى مثل رجل وهى تهيؤات إنسان تمثل بنظام عبادة الرهبان والكهنة فى زمانه، الذين كانوا يلجأون إلى المغارات فى الجبال للإنعزال عن العالم والتعبد للإله الذين كانوا يؤمنون به.
هذا من ناحية نزول الوحى الغيبى الذى طلب منه جبريل أن يقرأ وإصراره الغير منطقى على القراءة مهما حاول أهل التأويل أن يذهبوا فى تأويلهم مذاهب شتى، لأن صاحب الرسالة المحمدية لم يفسر لنفسه أو لصحابته أو لزوجته الكبيرة أو الصغيرة معنى تلك العبارات الخمس، خاصةً الإصرار العقيم من جبريل بأن يقرأ محمد ولم يفسر لنا هل كان بين يديه كتاباً أو ورقة مكتوبة، بل كان المفروض من جبريل أن يبشر محمد بأن الله قد أختاره رسولاً ونبياً وبعد ذلك يبدأ فى تبليغه ما يريد سواء كان مقروءاً أو مكتوباً، لذلك نلاحظ أن القصة خالية من المنطق تتماهى مع الخيال والأحلام التى تحدث أثناء النوم، والبعض يعتبرها حقيقة وواقع والبعض الآخر يعتبرها مجرد أحلام وخيالات لا وجود لها. نستكمل ما كتبه الأخ بسيسو فى مقاله: { فصفّته من السّحر والخرافة والشّعوذة، وخلّصته من الكهانة. ولأنها زوّدت الإنسان بتصوّر علميّ للطبيعة عوضا عن ذاك التّصور السّحري الذي حكم نظرته إليها على امتداد القرون السابقة على انبثاق أنوارها}. يؤكد الأخ بسيسو على أن الرسالة المحمدية قد أنهت السحر والخرافة وخلصت الدين من الكهانة، وهذا مخالف للواقع لأن الخرافات كثيرة التى وردت فى كتب التراث ويرددها الكهنة رجال الدين ، والكهانة لم تنتهى بل تم تلبيسها أزياء وصفات أخرى مثل علماء الدين وشيوخ الدين وآئمة المساجد والدعاة والفقهاء والكل يقدمون الفتاوى فى أمور الرسالة المحمدية لكل مؤمن بها، ويستطرد فى قوله أن الدين أى الرسالة المحمدية قد " زودت الإنسان بتصور علمى للطبيعة عوضاً عن ذاك التصور السحرى الذي حكم نظرته إليها على امتداد القرون السابقة على انبثاق أنوارها"، هذا التصور العلمى الذى يتحدث عنه صاحب المقال كان مناسباً للبيئة البدوية فى الجزيرة العربية حيث عاش محمد، حيث أن مكة والمدينة وقريش وسكان هذه المنطقة البدوية كانوا جزءاً صغيراً من عالم ذلك الزمان، هذا التصور العلمى الذى لا وجود له إلا فى منطق الأخ بسيسو لأنه تجاهل الحضارات والمدن والمراكز العلمية التى كانت متواجدة فى ذلك الزمان بالأسكندرية واليونان والرومان وغيرها، وقد قام عالم الرياضيات والفلكى اليونانى إراتوستينس المولود سنة 276 قبل الميلاد ورئيس أمناء مكتبة الأسكندرية بقياس محيط الكرة الأرضية، والعلامة بطليموس الذى شرح فى كتبه حركة القمر والشهر القمرى وحركة الكواكب وظواهر الكسوف والخسوف وغيرها من المفاهيم الفلكية. ولا ننسى أن فلاسفة وعلماء اليونان أخذوا من المصريين مبادئ العلوم ومنها الأرقام العشرية وعمليات الكسور ونظريات المتواليات الهندسية، وفكرة الساعات المائية والمزولة وغيرها من الأسس الرياضية والفلكية، بل أن الفراعنة أبتكروا تقويماً فلكياً أتخذوا فيه السنة النجمية وحدة لقياس الزمن وحددوا طول السنة ب365 يوماً وهو التقويم المصرى الذى ما زال يستخدم فى مصر فى المجتمع الزراعى وكان أساس بقية تقويمات العالم، والإعجاز العلمى فى العمارة الفرعونية حيث هرم خوفو (2604 ق.م – 2581 ق. م) يظل شامخاً متحدياً تقف علماء الدنيا كلها أمامه حيارى فى كيف بناه المصريين الفراعنة ويعجزون عن بناء واحد مثله ولو مجرد نموذج صغير يشبهه!! وأقف هنا فالكثير يمكن قوله من تصورات علمية إنسانية قام بها الإنسان بدون آلهة قبل الميلاد وبعده، فكيف يا أخى بسيسو تقول أن تلك التصورات السابقة على أنبثاق أنوار الرسالة المحمدية كانت تصورات سحرية؟ كانت العلوم موجودة لكنها لم توجد بالجزيرة العربية حيث كان يغمرها ظلام التخلف والجاهلية، حيث عاش العرب ومحمد حيث كثرت تصوراتهم الخرافية والسحرية كما تحكى كتب التراث المزيفة والمكتوبة من طرف واحد، فالأنوار العلمية كانت موجودة قبل حمل الرسالة المحمدية على ظهور الخيل وأسنة الرماح والسيوف فى غزواتهم!!! أخطأت أختيارى مقال أزمة عقل معطل الذى أخذ من وقتى وعقلى مثل ما يأخذه منى أقوال رجال الدين وعلماءه الذين هربت من شعاراتهم وأقوالهم النرجسية والذين أنارتهم الرسالة المحمدية بأحاديثها العلمية فى أحاديث الشفاء بجناح الذبابة الذى يعرفه الجميع، وحديث صياح الديكة ونهيق الحمار والذى سأتكلم عنه فى المقال القادم حيث يقدم تصور علمى وعقلى منطقى وليس خرافى ومن الأكتشافات الحديثة التى تناولتها الرسالة المحمدية. أرجو من القراء أن يجتازوا أزمة العقول المعطلة ويتناولوا بالتفكير والتمحيص كل ما جاء فى هذه المقالة للتحرر من قيود الكهنة رجال الدين المهيمنة على عقولنا جميعاً لتجديد أفكارنا الثقافية لمواكبة العلوم الحقيقية وأن يحاولوا أكتشاف الحقائق المنطقية لصالح مستقبلهم.
* http://www.alarab.co.uk/?id=50268
#طاهر_مرزوق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث القرضاوى وجبريل
-
داعش كفاراً ومسلمين
-
الأوباش طلائع الإخوان الإسلامى
-
مكافحة صحيح الإسلام
-
صحيح الإسلام التسامح
-
إسلام التسامح والذبح
-
صحيح الإسلام الأكثر دموية
-
لبيك يا عريان لبيك
-
دستور التيار التكفيرى
-
دموية الإخوان المسلمين
-
الإخوان جرائم فى المساجد
-
خضوع الشعوب المسلمة
-
كان يوم أسود يا شعب مصر
-
أين الموبايل وكاميرا التصوير يا شعب مصر
-
شيوخ الإسلام وإخفاء الحقيقة
-
المسلمين الذين يريدهم الله
-
أولاد مرشح الإخوان أمريكيين ويريد حكم المصريين
-
السلفيين والإخوان المسلمين ودمار مصر
-
نجوم وعلماء الإسلام الحديث
-
دولة القبائل الإسلامية
المزيد.....
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|