|
تجربة حب وسفر وقصائد
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 1334 - 2005 / 10 / 1 - 11:23
المحور:
الادب والفن
تجربة حب وسفر وقصائد خلدون جاويد انا احتفالي النزعة واريد ان احلق تحليقة ايكاروس او عباس بن فرناس . اعلم ان الشمس ستذيب الأشياء جميعا . أي ان ايكاروس سيسقط لأن الحرارة ستذيب الشمع ... لكن سأمضي في هيجاني وتدفقي حتى ارى واحس والمس . البليد لايعرفني انا عاشق وطن الرأفة والسلام وأيضا أحد ملوك الليل والطاولات المحتفية بالذوق الألوهي حد التصوف بالكلمة والكأس والشعر والحب والكلام والطعام والاناقة . انا نهم أوطان وضفائر فجرية اللون ! لكن الزمان آسري أي ان العالم سجن والدانمارك زنزانته كما قال ذلك هاملت الذي شاركته قليلا او كثيرا من تلك المرارات . اليوم 22 /8 قرر الطبيب رصد اسمي في قائمة المتقاعدين ... التقاعد المبكر محاولة على الطيران من ربقة القسر الذي لابد منه . لا عمل بعد اليوم ... فقط قصائد وقراءات وجنون ... وأحلام وآمال على قدر بقية العمر ... وانداح مشحوفي السومري باتجاه الخرافة ... قررت الذهاب الى العراق لكن ذلك وفق الطاحونة الجهنمية للسلاّبة ولأرادة الاوغاد يعني المسك بأحلامي ونحرها في حفرة . نعم سافرت للعراق لشهر ما بعد السقوط وعدت ادراجي مليئا بالغبار ورائحة البانزين والدخان والذباب والنفاق والكذب والألوان الصفراء الكالحة . اهلي الأحبة الرائعون انهكتهم الدكتاتورية والحصار لكنهم أحياء بالقدرة . وكل شئ شاحب عدا الشعر . لا أقوى على الكتابة الاّ في غار بعيد عن الضجيج والا ّ سأذهب الى العراق لأعيش فقط . وهل يقوى ان يعيش المرء بين المذابح اليومية ... نعم انا أقوى بدون الشاعر التي يتقمصني وساسافر الى العراق قريبا وفي اقرب فترة امان نسبي ... لا اريد ان اموت لكن اريد ان اعشق بلدي واتعبد واريد ان لايقتلني احد من ابنائه ولا اقتل احد ابناء رافدي ّ جراء اختلاف الأفكار . هل هذه طوباوية؟ ... في كل هذه البلدان التي نعيش صباحاتها ليس سوى الظلال والورد ومياه السواحل والطفولة الزاهية واستلهام كل لحظة من الحياة من أجل مراح وصداقات واقتناء اجمل مكتشفات التسلية والبهجة ... وانا الراحل من بلدي المكتوي بجهنم الاغتراب رحت اعتاد حياة هادئة شبيهة بالروح الدانماركية لكن ليس بشمولها واطلاقها بل ربما على هامشها ، والهامش ليس بالقليل : حياة آمنة اذ لايوجد هنا من يسأل عنك ... سلام تام لا احد يعتقلك اعتقالا كيفا ... لا احد يفتشك او يقول لك ماذا تقرأ وهذا الكتاب ممنوع ... لا أحد يتدخل بطريقة افكارك كن وطنيا او نازيا او شيوعيا او فاشيا او مسلما او يهوديا او مسيحيا او من أي ديانة اخرى ... كن من قائمة الشاذات او الشاذين كن كيفما تريد واشرب ماتريد وكل ماتريد ... فقط عليك عدم تصدير الارهاب ، عدم تشويه سمعة الآخر ... وعليك بالقيام بالعمل الوظيفي من اجل حصولك على راتبك المعاشي . هنا رتعت الجمجمة العراقية وسواها بنوم رغيد ويمكنها ذلك لو تلتزم كل يوم بقوانين البلد واساسه : - التواصل مع الآخر وعدم غلق باب الحوار – الاحترام بين الناس – العمل اساس الحياة . تواصلت واحترمت وعملت الى حين استجدت ظروف ما في حياتي . - المرض ( الكآبة وألام الظهر وارتفاع ضغط الدم ) .. - الطلاق الذي أضاع عليّ فرصة العيش تحت سقف واحد مع أولادي على الأقل . - التقاعد الذي حصلت عليه بعد فترة ثلاث سنوات من المرض . - العزلة نسبيا . ووفرة من الوقت عليّ مسؤولية استثمارها لصالح ما ، عام وخاص ! . الجديد هو ... الى اين : " الى اين تمضي وردة بحنينها ---- اذا ابصرت غصن الحنان محطما " ... أيام وانا حاني المشية وئيد الخطى ... ايام وانا اعاني ضرورة التوقف منتصف الشارع لأتنفس ليس الاّ . ايام وقلبي يشخر ! اسمع نبضاته كأني مثل صوت حنفية داخلي حتى انهار وضعي واتصل لي ولدي الحبيب بسيارة اسعاف لتنقلني الى المستشفى . ايام وانا لا اقوى على رفع اقدامي من الارض بيسر اذ كنت اشعر انهما ثقيلتان كأني اسير ببسطال وسطه ماء ! ... ادوية وادوية للقلب للظهر للتخلص من الماء في الجسم . وفوقها اريد الذهاب الى العراق ... اذ ماقيمتي بدون عراق ... لكن ماقيمتي للعراق لو اقتل بلا اية فائدة مرجوة او اختطف او اتفجر او اتجرجر !... نعم رأيت عائلتي واصدقائي بعد السقوط ... لكن لا معنى هنا بلا عراق حتى لو نمت رغيدا لا معنى بلا عراق حتى لو اكلت وشربت وفرحت وتأملت وسافرت بين كل العواصم ... العراق هو اساس العمر وسر وجودنا وبدونه تراب ! عيون 4 مليون عراقي تشرئب من على سياج الوطن كالسوسن الدامع تريد الذهاب الى مدنها في العراق كي تخدم ... لقد قيل عن العراقيين الذين يعيشون في الخارج بأنهم في زمن الحصار قد تفانوا من اجل ارسال كل ما يملكون الى اهلهم .. وقد قيل ان الخارج يدعم الداخل . ماقيمة عراقي بلا عراقيته . تجربتي في حب العراقيين باكية بطبيعة الواقع... ذات يوم وانا على حال من الانهيار الصحي وحتى الاجتماعي وردتني رسالة هي : " مع بعض التغييرات في الاسماء " وهي مؤرخة بتاريخ 11/1/1998 : " بسم الله الرحمن الرحيم حضرة الأخ العزيز حفظك الله أبا ..... المحترم حبيبي انا وكل اسرتي نبعث لكم احلى واطيب واكبر التحيات القلبية مع الامتنان لمواقفكم وموقف اختنا العزيزة ام ...... الطيبة . آزرتمونا بالصعاب جزاكم الله كل الخير وحفظ لكم الحبيب ...... و .... و ..... . اخي واختي الاعزاء : والله انا خجلان من خجلي جدا ، من عازتي واعتذر على ارباككم وانتم في الغربة . ولكن حالتي وعائلتي لا توصف متعبة للتعب مؤذية للأذى والألم ، أصبحنا نبكي البكاء بدون مبالغة ! ناهيك عن الجوع . الجوع وأذيته ، اتذرع للخالق ان لا يكون موقفي ضعيف امام عائلتي . آخ ... آخ ... الحياة صعبة ومرة الى قطع النفس . أصبح الأب وأولاده بحذاء واحد وعدم تمكني من شراء الملابس الداخلية ! ... هل تعلم اني بعت ماكينة الخياطة وايضا غرفة أُم ...... وبهذا الشتاء سأبيع الصوبه ( المدفأة )لكي اتبضع لا بضاعة انما اكل لي ولعائلتي . صفيت انا والفرش والصور والحمد لله . لكن السكن هو الأهم ، اصبحنا بلا سكن لاجئين في الشارع هل تعلم ( ارجو ان تعلم ) فبعد التعديلات لانقاذي كمبادرة طيبة من ( أبو .... ) سكنت في بيته في غرفة طول 2 مترين وربع وعرض 3أمتار او بالعكس !( عددنا 7 افراد ) فتصور ولمدة شهر ... يا أخي أبو ........ من القهر والاوف سيخرج قلبي من فمي ... الى متى سأبقى هكذا ؟ أخي ...... أكثر الرجاء أن لاتقطع بي ّ لأني بعد اجراء عملية القرحة والتقاعد لم استطع ان اعمل لحالتي الصحية اذ لازمتني اعراض فقر الدم وانخفاض الضغط مع تنمل ورجفة بكل جسمي وتصبب العرق من رأسي حتى قدمي والله المشافي . شكرا على سماعك لوضعي وعذرا لاجهادك ... لم اتمكن من المخابرة لأن المبلغ هو ( 10 ) آلاف دينار ... وسلاما كثيرا كثيرا . وتحياتي للعائلة الكريمة . " كان الهاجس الأول هو كيفية جمع أموال لانقاذ وضع كابوسي مثل هذا ... كان الهاجس هو الاسراع بتوفير سقف لعائلة منكوبة مسموح لها فقط بشهر من الاقامة في بيت لأحد الأقرباء . منذ ذلك الحين وحتى الآن توفر لهذه العائلة قطعة أرض في أسوأ منطقة من الناحية الصحية في بغداد ، جرى بناء غرفة عليها للسكن مع باب شبه مخلوع ... لكن ارسال الأموال كل شهر وفر بناء حجرة اخرى وباب ثابت ، واستمرت الحياة بشكل أفضل . كنت كلما احوّل مبلغا اذهب باكيا بعرض الشوارع دامع العينين لفرحي ، لشعوري بأني قادر على اعالة بشر دمرهم الفقر في زمان اسود كالح . وقد استمرت الحال حتى انتبه لي اصدقائي والمحبين ونبهوني الى مسألة غائبة تماما عن بالي ! ألا وهي ملابسي ... انها تتهرأ ... تتمزق ، انها خرق بالية ... كيف حدث ذلك ؟ كنت كالنائم وقد استيقظ لكي يرى الشقوق في الأردان ومن جهة الكتف والأبط والخ ! ... بعد حين من هذا الحب الشنيع والغفلة العاشقة كتبت عن حالتي قصيدة هي الفريدة من نوعها اذ لم أكتب عن ثيابي لا شعرا ولا نثرا ، ولكن هي ذات دلالة ضرورية ، هي التي تذكرني بالحب حد التمزق :
ممزقا ت ٌ ثيابي ....... والفقر جاث ٍ ببابي أنا المهاجر أهلي ..... وموطني وصحابي دارت علي ّ الليالي ...غرثى يتامى كواب ِ لكن على ما أُقاسي . من خيبة، فوق مابي المعدمون استجاروا.... بسقطتي وخرابي عساي ابعث مما ...... رزقته في اغترابي فرحت ُ أجمع قوتا .....قوت الأسى والعذاب ِ عساي انقذ أهلا ....... تضوّروا في غيابي دار الحصار عليهم ....... بأفتك الأنياب ِ فما ضممت ُ سيوفي ... وما ادخرت حرابي وما اقتنيت ُ جديدا ...... لبرزخي أو اهابي بل رحت ُأفرح ُكوني .... انا صليب العذاب ِ جنينتي ما تباهت ْ .... بالورد بل جف ّغابي اسقيهم ُ ماء قلبي ...... وارتوي بالسراب ِ فليسطعوا فوق شمس ٍ. واختفي في التراب ِ أهلي عروق دمائي ..... وفوح عطر شبابي ماذا يضير اذا ما ........ أحيا حياة صَحابي صوفيتي كنز ذاتي ..... وفوق كتفي جرابي ولتبدو من كل صوب ٍ .... ممزقات ٍ ثيابي ! ***************** تجربة السويد ومحاولة على الحب :
ستوكهولم مدينة خلابة ، والجمال كالألم قوي ٌ يدخل الجسم ولا يخرج منه لأنه معنى . المعنى يبقى والفيزياء تنآى ، ولذا قالوا جراحات السنان لها التآم ٌ ولا يلتام ماجرح اللسان ُ . الألم من حيث المعنى هو الباقي وكذلك الجمال الظالم أو حشد من الجمال في مكان او حتى حلم لاينسى . مرتان وانا اغادر ستوكهولم اقول لها وانا دامع العين اتطلع من شباك القطار الى آخر جنون جميل فيها منطقة الجسور والجزر والمياه الزرقاء والسفن واليختات البيضاء والسفوح والقمم والمباني ، جمال في يوم قيامة . الوجد يأسرني فتنسرب ذريرة ترقص على شغاف العين . أقول لها في قلبي وبحسرة أعود لك لا بد من أن أعود . لقد قررت أن أزورها لوحدي بعيدا عن الطابع شبه الرسمي للزيارات اذ سبق ان دعيت مرتين للقراءة الشعرية في ستوكهولم في ( نادي تموز الديموقراطي العراقي ) . وها أنا اليوم لسان حالي يقول يا ستوكهولم خذيني ... لم أكن سوى رأس واه ٍ باحث عن كتف بين نجوم ليلة صاحية السماء .. وقد توفر لي ذلك مع شلة حبيبة على القلب في غابات السويد في شالهولمن ، اذ كنا نستقوي على الليل بما نحتر ونبترد مع المزمزات والأفخاذ الطرية التي نقلبها بالسفافيد على نار الشواء وسط غابة ليلية تقع على بحيرة يتسيّل عليها البجع والبط ، وينطلق هناك الشعر والنقاش السياسي والطرائف وأقوى النكات واحلاها . هناك الشجن الباكي والشوق الممض الى الاهل والأمل بالعودة لولا هذه الغيوم السامة من التفجيرات التي نالت من الابرياء ولم يسلم منها حتى عابرو السبيل . الفرح لايدخل الجسد لكن لا بد من محاولة على الخروج عن ملل الحياة القاتل هنا كل شئ موفور عدا الوطن ولذا لاقيمة لكل شيء عداه . لكن الكآبة والامراض بالمرصاد لو لم يتحول الشوق الى فعل سياسي او لنقل اجتماعي . وهناك بيننا السياسيون والنشطاء في الاحزاب والمنظمات الانسانية والكتاب والفنانون والصحفيون ، كل يعمل من اختصاص ما من اجل التعبير عن حب . عاد الى العراق كما تقول الاحصائيات 250 الف عراقي منذ 2003 والأمل بالعودة معقود على احر من الجمر وكل حسب درجة تصوره ازاء العودة . النار تتقلب مع السفافيد على يد صديقنا الدكتور العالم اللغوي الاستاذ السابق في جامعة بغداد نصر الربيعي الذي يرافقنا او يتصدر السفر الليلي ويعتني بأصدقائه او تلامذته اذ تذكرني استاذي الطيب نصر رغم 36 سنة خلت ، حيث كان استاذا وكنت لتوي تلميذا في فرع اللغة الانجليزية . وكان هناك روبنهود الغابة طبيب العيون شوكت الشهم والكريم المضياف ( شيخ مال عرب ) وكان عدد من الاخوة والاصدقاء الجميلين وهم يحييون سهر النور والنار ... كان النقاش على اشده ، في سويعات ما ، والضحك الرنان ، والسمر النادر ، والشوق الى حياة سعيدة للجميع الأ الفرح ما كان ليدخل الى القلوب الحزينة بتلك الصورة التي نتصورها . نحاول ان نسرق سويعات فرح الا ان ذلك لا يدخل بيسر ... الحلم يلفظ انفاسه الغصن يكاد ان يذوي . الايمان بالحياة والاستشهاد من اجلها هو الداعم روحيا ونحن لسنا الا اسماء على لوحة الانتظار ، ولم لا وكثير من اقربائنا واخوتنا فارق الحياة واستشهد من اجل عراق السلام والالفة والمحبة . ليس كثيرا علينا سهرة او سهرتين على ضفاف الحياة وغاباتها . كنت لا استطيع الكتابة الشعرية في السفر .. اميل الى الكتابة بعد الحدث ، واحيانا بعد اشهر او سنوات ... الأ ان الحادثة المفجعة على جسر الأئمة اخذت مأخذا من تفكير العراقيين ... وكان البيت ساكنا اذ ان صديقي ( أبا الطيب ) النائم الى وقت متأخر في الصالة يوفر علي ّ صمتا ذهبيا . اذ اخلو في حجرتي مع وريقاتي وتأتي هموم اليوم بحدثها المفجع وتنسل افاع ٍ من الذاكرة ويتسرب الماضي من شقوق جمجمة وهشيم روح . يبقى ان الصدفة هي التي تنجزالابداع قويا هنا رصينا هناك أو انها تستعصي او تتشظى فان هذا الأمر يعود الى غموض لاطاقة لي ولا رغبة على ادعاء كيفياته . لكني ما كان يخطر ببالي ان اكتب في السفر فهذه مهمة شاقة قد تتعرض الى افتعال بل وربما تنجح لكن بالنسبة لي فالامر مهووس . الكون يحترق وانا بارد . الجليد يعم الكرة الارضية وانا اشتعل لوحدي ! من يحدد ذلك . لا أعلم ! الظروف والاشخاص والطقس والجو الداخلي عوامل مضافة الى الحيثيات النفسية . منذ ان كنت طفلا ، احب فكرة العشق ، انا خيامي النزعة . واليوم حلمت بامرأة او رأيتها في الواقع لا أتذكر ، هل سهرت هي معي حتى الصباح ، حتى بزغ الضوء ونحن نقف أمام قبة الكون من اعلى نافذة في ستوكهولم ، هل كانت حلما ام حقيقة ؟ انا لا أبت ّ ُ يقينا في ذلك لكن بعد حين بدوت حديدا باردا مركونا في أقصى حالاتي الشعورية عبثا ولا جدوى ورحت اتدرب على الكتابة الشعرية وأنا ميت القلب لايحركني عشق ولا عطر كأنني كما يقول االمتنبي :" أصخرة انا ما لي لا تحركني .... هذي المدام ولا هذي الأغاريد " . عندما عدت بعد أيام من ستوكهولم ، انسابت قصيدة هي في كمالها أبهى في نظري من امرأة ما بلحمها ودمها . الشعر في الحلم احلى من المرأة في الواقع . لكن لماذا انا مقفول من قبل حبيبة قديمة غادرتني وأخذت مفتاح القلب ، والاغنية تقول : سد باب قلبي بيده وضيّع المفتاح . اذن انا ممنوع من الصرف . انا محتل من قبل حب قديم انا باب لايُدخل منه واذا جرى الدخول فلا يمكن على الاطلاق العثور على حجرة ولا باحة بيت ولاسقف . انا خواء بسبب امرأة من الحرس القديم ! لكن ماذا عن امرأة الحلم في ستوكهولم وهي تغني في السفح المقابل للفندق الجميل وهي تصدح بالغناء في مطعم الشموع الذهبية ، ماذا عنها وهي تشدو آيات العشق أمام البحر وسط تصفيق النجوم والنوارس والقوارب ، اين هذه المرأة تجرر وراءها ثيابا من نار وجلنار . انها زهرة في فريزر القطب انها نجمة شتاء قارص بعيدة ، واليها ارسلت الكلام في القصيدة وفي الهاتف فبكت ، وكان الختام في اننا كلانا لا نقوى على الكذب أي الحب او السكن في عش : اذن الى القصيدة : لاتقترب ياحب شباكي حزين لن ابتني عشا لذاكرة الحنين مر الزمان على ازاهير الندى فذوت ْ هناك فكيف يحيا الميتون ويعود يرفل بالبهاء الزيزفون لاتقترب ياحب قلبي لن يلين عجفى جروحي والحنان ثلج ٌ ولا أمل ٌ هناك فالكل غادرني وهاجرت الغصون فلمن ستبسم دمعتي ياحب ّ ُ ماعاد الضياء هو الضياء ولا الأغاني الرائعات الحب مات ! فلمن أتيت بلا اختيار ٍ أو نهارٍ أو زمان ْ لمن أتيت كما الحمائم في دخان ْ سوداء نافذتي وذاكرتي دخان ْ لا شيء الأ غنوة " الأطلال " في خلدي القتيل ياحب لا فالمستحيل هو ان اعود الى الحياة هيهات ترتسم الحياة على الجبين لن اشتري اصصا لأجمل ياسمين لا تقترب ياحب لا لا تلتفت لي .... فالمحاجر مفرغات دمعي على جفني ّ مات مالي سوى وجعي وزاويتي الكسيرة ياعشق غادرت الأميرة فلمن أتيت وفيم تغريني بأشرعة وأين ْ ؟ لا ألف لا فالحب يأتي مرة لا غير والاخرى سراب الحب يُقرأ ُ مرة ً في الصفحة الاولى وينطبق الكتاب فلتبتعد ياحب .
جاءت حادثة جسر الأئمة لتخرب مزاج العراقيين ، وعندما اتحدث عن ضحايانا فلا اعني محاصصة الدم العاطفي أبدا ، لا اعني بأن هذا شيعي وذاك سني اوهذا شيوعي والآخر قومي اواسلامي اوصابئي اوايزيدي ، كلٌ ربما يريد ان يضع يده على حزبه وقلبه أنا أضع يدي على كل القلوب وأبكي لمصرع الخيرين . أبكي للانسان عامة بل انتصر له . لا أتمنى لأبناء شعبي ان يكاثفوا تجمعهم مما يؤدي الى ان يفجرهم العدو . العدو لا يعرف الله ولا رحمة الله ولو يعرف ذلك لما قتل الأبرياء ( عامي شامي ) هذه ليست عمليات شريفة بل خسيسة . ان قتل الأطفال وحرق النساء واغراق المئآت والخطف والذبح ماهي الا اساليب اجرامية تتلذذ بالقتل وهذا ضد الحياة . ان الانسان هو " نظيرنا في الخلق واخونا في الدين " ... لقد فاق القتل منطق المقاومة ، لقد ذهب الى البشاعة والبربرية والجريمة . ان العراق برمته يرفض ورد فعله سيكون حادا . ان الغرقى والجرحى هم ابناء العراق البسطاء عشاق العدالة في الدين والرحمة الانسانية وحب الحياة من اجل طهر الحياة والسمو بها والتشبث بأوليائها وانبيائها ، ماذنب العوائل العراقية وابنائها انهم يقتلون في الشوارع والمدارس والحارات والمدن والقرى ، والى متى ؟
جسر الأئمة والمصائب تكثر واذا نسيت فنهر دجلة يذكر جسر الضحايا يامسيل دمائنا غدر السبيل بنا وعز المعبر حدق لقد طحن الأسى أرواحنا وطغى الدجى والموت دام ٍ أحمر ُ لكنها نثرت عليك كأنها ورد على شطآن دجلة يسهر أجسادنا مسك ٌ بألف ضفيرة ٍ غرقى ، ونهر الكاظمية أعطر عثرت مواكبنا وطاح جريحنا والشعب رغم الموت ركب ّ يعبر للشمس للآمال للغد للذرى مهما انثنى دربا فلا يتقهقر موسى بن جعفر ضد كل شراذم الارهاب ُطرا ، وهو سيف ٌ أشقر نادى على شعبي بيوم وفائه ان يولدوا فجرا وان يتحرروا فأتوا ضحايا للحياة ونهرها وسقوا النخيل على الضفاف وعطروا لبوا نداء المجد في وثباتهم وبهم نجوم الكاظمية تزهر واذا العراق غدا سيكبر بالسنا فبهم سيشمس بل عليهم يقمر أفدي العراق فانه بجباهنا يبنى وبالدم والقلوب يُعمّر لابد من غرقى ليغدوا انهرا واذا يبسن فهن نبع ٌ – كوثر ُ
انها خيبة في حب ، وانها خيبة في عبور الجسر ، وثالثة الخيبات هي اني ارى شاعرا ذا اسم مرموق في الذاكرة العراقية وقد كان لقاؤنا صدفة ، وأي صدفة ! منذ الطفولة وأنا اسمع باسمه مناضلا مضطهدا ، شاعرا رقيقا ومشاركا في هموم الناس والوطن ، ارى صورته وأقرأ شعره . وكنت رأيت ديوانا له بيد استاذي الطيب نصر الربيعي ، فرأيت صورته على الديوان وقرأت نماذج من شعره ، وتمنيت اللقاء به مادام هو في السويد . وحقا فقد أهديت له كتابين لي الأول " لماذا هجوت الجواهري ورثيته " والثاني " قم ياعراق " ، وارسلت الكتابين بيد صديق يوصلهما له . لكني وصلت الى شاعري في صدفة اللقاء قبل وصول الهدية وقد كانت في الطريق اليه بعد ان يقوم بعض الاصدقاء بقراءتها ... المهم كان اللقاء في مجمع للسوبرماركت ضخم جدا وفاخر وأنيق ،لامع ومضاء ومتلألئ ، عدا وجه الحبيب الشاحب ، وجه الأديب الشاعر الكبير كاظم السماوي الذي ذكرني محياه بقصيدة البردوني الذي قال فيها " كذا اذ ا اسود ايناع الحياة على وجه الأديب أضاء الفن والأدب ُ " ... كان اللون الاصفر يرين على وجه الأديب . تصافحنا ، جلسنا على مصطبة راح هو يتحدث بصوت متهدج . الحياة قاسية ، الموت الذي ألم ببعض اعزائه الغالين ، والمرض الذي ذكرني بقصيدة الزهاوي " لقد كنت في درب ببغداد ماشيا ...وبغداد فيها للمشاة دروب " .... عدت الى حجرتي في بيت صديقي بعد ان استمعت بألم للشاعر الاديب وانجازاته ونجاحاته وخسرانه هنا وهناك ، رحت اعيد على نفسه كيفية سير خطواته على الدرب ، سيماءه ، طريقة كلامه ... الخ ان لحظة لقاء واحدة به تلهمني بقصيدة وسنوات طوال مع آخر لا تحفر في قلب الا الاورام :
ذاك العتاب بمقلتيك احبه رانت عليه كآبة الفنان ِ الوجه أصفر شاحب ٌ متقهقر ٌ كابي الجبين وباهت الألوان ِ والصدر منهوك الجوانح منطو ٍ والظهر منهتك كسير حان والجسم ذاو ٍ والظلال أسيفة ضاو ٍ كهولي الخطى متواني وعصاك في يمناك مُستندٌ ، اذا طاحت ، تطيح بقية البنيان ِ يتناثر الجسد المهول كأنه خشب السفين ودفة القبطان ِ والريح لو عصفت عليك بهبة سقط الخريف بهيبة البستان ِ ياعاشق الدنيا وراسم فجرها يامن تهدم وهو اروع بان ِ هوّن عليك فما الطريق مفازة مادمت َ زارع مجدها المتفاني " كل الأنام الى الذهاب " وما سما الاّ العطير الوهج والروحاني هاأنت حبة تربها ومياهها وظلالها وشجيرة الريحان ِ هاأنت تحيينا بكونك شاعرا وبكم تشاد كرامة الانسان ِ ( كاظم سماوي ) أنت نبع ٌ دافق ٌ وروى ً تفوح وأنجم ٌ ومعان ِ يتحطم القيثار لكن نبضه باق ٍ بسبع ملاحن ٍ وأغان ِ وشبيه قرص الشمس في كبد السما هو وجهك المرسوم في الديوان طوبى يراعك كالعبير بخاطري وكريشة الطاووس في القرآن ِ سلمت خطاك على الطريق ، وان هوَ ت ْ تهوي للثم ترابها أجفاني . **************
في السويد لم ترصد ذاكرتي سوى حب الموت ، على الرغم من ان العراقيين كرماء في دعواتهم لي ومعي الشلة كلها او الشلة ومعهم انا في سهر وسمر جميل وخلاب ، العراقّيون الطيبون هؤلاء والذين يعانون الاغتراب مثلي لم يستطيعوا سويدا بلا عراق لم يتمكنوا من الفرح الروحي بلا ارض الرافدين والشاعر القديم قد لخصها " لا تقولوا غاب عنا وجفا ....عندكم روحي وعندي بدني ." ، وما كان من عادتي ان أقرأ قصائدي على احد بدون وقت مناسب فالاصغاء ايضا نوع من دوزنة الروح كما هو القاء الشعر الذي يجب ان يقرأ برغبة وتعشّق . لكني اقتربت من استاذي نصر الربيعي وقرأت له وهو يقف صباحا في الشرفة امام حدائق غناء :
لا أحد يغدر بي لا أحد دس ّ ليَ السم بكأس ما لا أحد أرسلني في درب ٍ صد ّ وما رد لافخ لاطعنة ظهر ٍ لا استغفال لا قتل عارض لا عصف مأكول أو علة معلول او سيف مسلول ولا الموت وحيدا يأتي ولاسيل من نار ٍ او طوفان . أمانْ .... أمان أكثر مما يستأهل ملتاعْ فأنا موجود لكن بضياعْ بضياع مطلق أتلفت هل من خاتمة للعمر الباهت والفجر الخافت هل من مركبة تغرق في عرض البحر وفي دوامة نهر هل من حمى بيضاء من غثيان ٍ أسود من ثاليوم ٍ يضع الحد ويفصل مابين البارد واليابس والأخضر والحار ! ولانار كي نلعب أو ألغام كي نتفجر كي نرسو على بر لانرجو بسملة أو خطاً كوفيا أ صخرة مرمر مجرد بر لا أُم ٌ تبكي ولا ولد يحكي مجرد بر وأعز أمانينا أن لانُذكر .. مجرد بر ... بر ٍ ... بر ...
*************
بعد هذه القصيدة بأيام بدأت الرغبة القوية بالعودة الى الى حجرتي الصغيرة في الدانمارك ... عشرات الأصدقاء واجمل الناس وأحلى المشاهد وأكثر المدن التماعا في العالم لم تأخذني الى الاسترخاء . احتجت الى الدواء او الى زيارة طبيبي النفسي . في العراق على العكس ، القيت بالدواء في القمامة بعد ثلاثة أيام من وصولي . العراق الدواء والطبيب والصحة والعافية وعكس ما قاله المجنون : يقولون ليلى في العراق مريضة ..... فياليتني كنت الطبيب المداويا .فاني اقلب الأمر لأقول : يقولون ليلى في السويد مريضة .... فياليتني كنت العراق المداويا . هكذا يفرز دماغي الصغير ، بينما حقيقة العراق هو الدمار والمذابح ، هو الرماد وعجيج الغبار والأبنية المتآكلة ، العراق طعنة الحياة والعالم قبر في حديقة . لقد بدأ الألم مرة اخرى في عظم القص . واذا تألمت في هذا المكان من جسمي مع رغبة او نوبة من البكاء فالذهاب الى الحجرة ادعى لكرامتي . تذكرت من بين كل الاصدقاء صديقا لا اريد ان انوّه باسمه قد اطاح بفرحي به وأسقطه الى الحضيض ، هل كان يخشى من اضاعة وقت ما معي بدعوتي ولو ساعة الى التجوال في المدينة ام يخشى على شراء كوب من القهوة في مقهى ما ، لقد كان كالطائر المراوغ في حضوره او عدمه ، يأتي احيانا في الاحلام ليكذب علي ّ في انه صديق فيلسوف او نطاسي لكني استيقظ من الحلم فلا ارى ذلك الصديق . على اية حال كتبت القصيدة وأنا في القطار الراجع والمثقل بسبع سماوات من غيوم مضرجة بدم الخيبة . ان بيننا فردا او افرادا قليلين جدا ممن لم يعلموا ان المحبة وعالم الاحاسيس الراقية هي القمة . ابيقور هو الصديق الكبير الوحيد الذي آخذه معي في زياراتي الى كل بلد من البلدان ، ابيقور القائل : ان اللذة هي الصداقة الفاضلة . نعم انها ارقى من تصدُّر الذات وانشغالها في المال والرأي والحكم . ان الذي يلصق بذاكرتي هو الذي يؤلمني و ( يجعلني اكتب ) اكثر من الذي يمنحني السعادة والذكرى الحبيبة ولعل الصديق الغائب اراد ان يستعمل هذه النقيضة فاختار ان يجرحني بعمق حتى اقول قصيدة :
ياصاح عندي من الغنى مايُسعدُ صمت ٌ وظل ٌ وارف ٌ وتزهّدُ في ٌ المواجع والفواجع كلها ونواح كل يمامة ٍ بل معبد ُ لا أدعي شرفا ومجدا باهتا ً لا ... انني عبد ٌ وأنت السيد سيان عندي ان ثغري شوكة وأسيل خدك مزهر ٌ ومورد وبأنني شبح ٌ وظل ٌ عابر ٌ وبأنني افنى وأنت السرمد هوّن عليك فما الحقيقة نجمة تبقى ولا قمر وشمس تخلد سيان عندي وقد تهاطل مدمعي موت بذاكرة الحياة ومولد الكل ماض ٍ جنة وجهنم الورد يذوي واللهيب سيبرد .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زهرة الى الفقيد الشيوعي أنور طه
-
سحقا للظلا ميّن
-
- غصن غريب مطعم بشجرة غريبة -
-
الجواهري وأنا .. من يلتحق بنا ؟
-
الخارج محطة لجوء ومنهل ابداع
-
احتفاليتي بالجواهري الكبير ... نموذج رقم 7
-
احتفاليتي بالجواهري الكبير نموذج رقم 6 ..... الجواهري في ودا
...
-
الجواهري في ذكراه
-
بنو ثعلبة وجون شتاينبك
-
آهات عراقية من الدانمارك ...
-
رياض البكري أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق .
-
اكتشاف قصيدة منقوشة على نصب جواد سليم
-
رسائل محبة .... للعراقيين فقط ! ...
-
هاملت البراءة .... يمضي الى مثلث الموت
-
مقدمات لقصائد ندمت على كتابتها
-
البدرُ باق ٍ .. وقرصُ الشمس ِ ينبجس ُ
-
الشخائنهيد – لاخائن ولاشهيد
-
في ذكرى الشاعر الشهيد رياض البكري
-
ضيف من الحرس التروتسكي القديم
-
نشيد الآمال في عيد العمال
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|