|
((وقت الرحيل))
سيف عبد الكريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1334 - 2005 / 10 / 1 - 11:17
المحور:
الادب والفن
جلست في غرفتي الصغيرة، كعادتي عندما أريد كتابة أي قصيدة من قصائدي، أوراقي بجانبي، وقصائدي التي الفتها على مدى عشرة سنين. أمسكت بقلمي، أخذت بيدي الأخرى ورقة بيضاء، رحت أفكر بماذا أبدا قصيدتي الأخيرة في ديواني الشعري كي أجهزه للطباعة، لقد عزمت على جعل هذه القصيدة الختامية ذات طابع سياسي. بينما أنا واضع قلمي على ورقتي، بانتظار البيت الأول من القصيدة يأتي بمخيلتي كي أدونه، وإذا بصوت دربكة يخترق أسماعي، كأنه فوق سطح البيت، فتح باب غرفتي بشدة، خلت انه سارق أو ما شابه ذلك.... ارتعبت، لكن اتضح إنها أمي، قالت لي لاهثة ووجهها مصفر: - انهض يا بني ألا تسمع هذا الصوت؟ - بلى أني اسمعه.... ذهبت للغرفة الثانية، رأيت أبى يصلي كعادته الصلوات المستحبة ليلا، كانت الساعة قرابة الثالثة بعد منتصف الليل. بينما اخوتي الصغار نائمين في الجانب الآخر من الغرفة، اثنان منهم في المدرسة الابتدائية، أما الثالث فانه في المدرسة المتوسطة، حيث يبلغ ثلاث عشرة سنة. فجأة دخل قرابة الخمسة رجال من الباب الخارجي للبيت، بينما نلتفت- أنا و أمي- إليهم، وإذا برجال آخرين ينزلون من السلم بعد إن كسروا الباب، حاصرونا... حاولت أن أكلمهم، أسألهم، من هم؟ ماذا يريدون؟ بلا جدوى، كان جوابهم: اخرس وإلا ستقتل. امسكوا بي وقيدوني، قيدوا والدتي، اخوتي الصغار قيدوهم أيضا، أبي الذي لم يقطع صلاته، ولم يلتفت نحوهم قط. ضربه أحدهم على رأسه بعصا غليظة أسقطته نحو الأرض وقيدوه. سحبونا إلى الخارج، وضعونا في سيارة كبيرة، تحركت السيارة، لا نعلم إلى أين. أحسست أنها النهاية، صرت أفكر في نوع الموت الذي سوف ألقاه. اهو إعدام شنقا؟ أم رميا بالرصاص؟ أم غير ذلك؟ ... لا اعلم، الذي اعلمه هو أني سوف أموت، أنا وأهلي... مضى قرابة الساعة... السيارة تسير بنا، لا نعلم إلى أين، فجأة توقفت السيارة، وعيني تنظر إلى والدتي، اخوتي الذين ما زالوا أطفالا، المسكين أبي تخر الدماء من رأسه. أنزلونا من السيارة في صحراء خالية، واسعة ملتحفة بظلام شديد لا يوجد بها سوى حفرة كبيرة، بجانبها بلدوزر ((أي الحفارة)). أنزلونا في الحفرة والدهشة في وجوهنا…. يا ويلي، انهم يهلون التراب علينا، نحن مقيدون لا حول لنا ولا قوة، انهم يدفنوننا ونحن أحياء! - آه أني اختنق.... التراب يغطي رأسي..... أمي تصرخ: أما بقلوبكم رحمة.... لم تكمل، انقطع صوتها، أما اخوتي فلم اسمع لهم صوت، أبي يصرخ: يا الله..... يا رب.... يا ألهي. انقطع صوته، إما أنا فالتراب يغطيني، انقطعت أنفاسي.... فقدت وعيي.... إنني أموت... بعدها صحوت، ثمة شعور غريب ينتابني، كأني اخترق التراب واخرج، عيناي مليئتان بالتراب وفمي يستجدي قطرة ماء يرتوي بها، وأنا أتألم لجثتي التي باتت تحت التراب، وجثث أهلي. لحد الآن لا اعرف ما الذي أنا فيه أني مضطرب، المكان الذي أنا فيه مكان بعيدا جدا، انه صحراء. ركضت لمدة طويلة، فتبينت لي المنطقة التي أنا فيها، توجهت إلى البيت . لقد سلكت طريقا طويلة، لا اعرف كم، كل ما اعرفه أنني أمر بليل يتلوه نهار ويتلوا النهار ليل. وصلت إلى البيت، وإذا به عبارة عن حطام اسود ورماد متناثر....ذكريات ميتة. - يا ألهي ماذا افعل؟! لا اعرف ! الديوان.... ديواني الشعري، قصائدي، إنها قد احترقت، جهود عشرة أعوام فنيت فجأة يا رب... سوف انتقم. نعم سوف انتقم من الظلمة الذين قتلوني أنا وأهلي، حرقوا قصائدي التي بنيت آمالي عليها،لقد أرهقت حنجرتي بهذا الصراخ لكن بلا جدوى لم أجد آذان صاغية فأنا الآن عبارة عن روح لجثة تحت التراب. مشيت متخبطا لا اعرف إلى أين ذاهب ولا اعرف كم صار لي من الوقت في هذا الحال؟! وقت قصير هو الذي مررت به حسب حساباتي، لكني أرى الليل والنهار يتواليان بسرعة مدهشة!. كان النهار طوله دقيقة أو اقل من ذلك . يبدو أن حساباتي تختلف عن حسابات الكون المحيط بي! نعم فحسابات الأموات تختلف عن حسابات الأحياء. جلست على الرصيف، واضعا رأسي بين ركبتي،لقد اصبحت الخيبة كسيف يتسلل الى عنقي فقدت الشعور بما حولي وكأني غفيت قليلا، ما أن صحوت حتى رأيت دخانا كثيفا، أصوات انفجارات، انفجارات الصواريخ. ركضت مسرعا، الناس كانوا في حالة غير طبيعية، الكل يركض. - ما هذا؟! إنها آلية تحاول إسقاط التمثال، إنها تهدمه!. لقد تهدم تمثال الوحش المخيف.... - عجيب! ما هذا الوضع. سالت أحد المارة عن الذي يحصل، لم يرد علي، انه لا يراني، لا أحد يراني الآن تململت شفاهي من الثرثرة لكني سمعت صوتا ينادي: - سقط الوحش الحاكم..... سقط التنين.... الناس كلهم ينادون: سقط الطاغية...... سقط الطاغية. رأيت آليات وجنود لم يألفهم ناظري، لكن بعد إن رأيت ما رأيت، وسمعت الهتافات والصراخ، عرفت أن من كان يظلم الناس قد قضي عليه. بدت الفرحة على ملامح وجهي، فرحت جدا.... لقد أخذت بثأري من الطغاة.... اخذ به غيري.... الحمد لله. حاولت لملمة شظى أفكاري المتطايرة، والسيطرة على عقلي المتشتت بسبب الدهشة،نظرت من حولي، وإذا بمشهد المروحيات...الجنود... الصواريخ... تحول إلى مروج خضراء... نسمات عذبة... أصوات طيور تداعب أسماعي. توجهت إلى مكان الجثث، وصلت إلى هناك، رأيت الناس يحفرون الحفر، ويخرجون الجثث منها، لقد اخرجوا جثتي، وهي الآن عبارة عن عظام متناثرة..... المني جدا هذا المشهد. لكن ثمة صوت مرعب يناديني، وقوة تسحبني نحو الأعلى... لقد فهمت… حان وقت رحيلي إلى عالم الأرواح.
#سيف_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(العجوز)
-
صوت الرماد
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|