|
كولا مقدسه
ستار جبار سيبان
الحوار المتمدن-العدد: 4807 - 2015 / 5 / 15 - 19:30
المحور:
كتابات ساخرة
لأول مرة يشاهد هذه القنينة ، الموجودة في احد زوايا شباك الحمّام الداخلي في بيته ، قنينة بلاستيكية مكتوب عليها ( كولا ) ، وقد امتلأت اكثر من نصفها بالماء ، مغلقة بإحكام بغطاء أحمر ، سمع فيما بعد ان زوجته قد جلبتها من احدى الصالحات ، اللاتي عادة ما تجتمع عند باب بيتها النساء بعد أن لايكون هناك مكان داخل الغرف لذوات الحاجات المستعصية ، بعد ان عجز الطب والعلم الحديث لأيجاد خلاص لمشاكلهن مع ذويهن او شفاء لأمراضهن المستعصية . لعلها أن تكون شفاء لعلاج فحولته التي تقهقرت في الفترة الأخيرة ، وأصبح محل سخرية لزوجته التي لايكاد يمر يوما دون أن تدق في قلبه ( بساميرها ) ، قرر أن يغتسل يومياً بعد أن وضع جدولاً لأغساله ، كي لا تشعر زوجته بنقصان الماء داخل القنينة ، فكان عليه أن يأخذ مايحتاجه بقدح قبل ان تدخل زوجته بدقائق . انه لايشعر بتحسن ، برغم كل الاغراءات التي تقوم بها الزوجة التعيسة على سرير الزوجية المغطى بانواع المفروشات الحريرية والوسائد المزركشة والمعطرة بأنواع الطيب والمسك . لم يكن يبدي أهتماما لحالات التقلص والأنقباض في أمعائه بعد الغسل في بداية الأمر ، لكن حالات انتفاخ بطنه التي بدأت تزداد يوماً بعد آخر جعله وزوجته يفكران بجدية للذهاب الى الطبيب ، بعد اجراءات الفحص وكشف الأشعة السينية ، تردد الطبيب كثيراً بالأجابة حين سألوه اكثر من مرة ، وهو ينظر الى صورة الأشعة ، ماسبب أنتفاخ بطن المريض ، فأجابهم بتردد ( أنت حامل بالشهر التاسع ) ... فغرا الزوجان افواههم بذهول ، وبدأوا بالصياح وشتم الطبيب بأنواع الشتائم ، إلا أنه ظل صامتاً ومذهولاً ايضاً . ذهبا الزوجان التعيسان لأكثر من طبيب ، وقد نصحهم الطبيب الأخير بأن يستسلموا لهذا القدر النادر الحدوث ويتعاملوا مع الموضوع بعلمية وتحضر وانه سوف يقدم تقريرا مفصلا هذا اليوم لمنظمة الصحة العالمية لهذه الحالة النادرة ، والمنظمة بدورها ستتخذ كل الأجراءات العاجلة واللازمة . بأقل من يومين وصلت طائرة محملة بصناديق معدنية كبيرة ومغلقه مكتوب عليها كتابات باللغة الانگليزيه ولغات اجنبية اخرى ، يحملونها رجال بدت ألوانهم ووجوههم كأنها لحوم مجمدة كتلك التي تباع في الأسواق ، وهم يرتدون قبعات عريضه من الكتان تتدلى منها خيوط اسفل الوجه ، وهم ضاحكين ومستبشرين . حين سمع اخوة الرجل الثلاثة ( الأقرع والأفقع والأبقع ) ماتناقلته وسائل الأعلام كالبي بي سي والسي أن أن والصحف العالمية الليفيغارو والاندبندنت والواشنطن بوست ، أن ولادة أخيهم الشاذ في هذه الليلة في أحد المستشفيات القريبة وبأشراف كادر طبي دولي ، وخصص مبلغ كبير لدعم هذه الولادة ، سرعان ما هبوا للذهاب للأطمئنان على اخيهم ( التحفه ) ، وقدم الأخ الأكبر ( الأقرع ) طلباً الى رئيس منظمة الصحة العالمية للأشراف على تربية ابن اخيه العزيز ، وكذلك فعل ( الأفقع والأبقع ) ، فجاء الرد سريعاً ، سننتظر بعد الولادة ولكل حادث حديث . خصصت صالة كبيرة في المشفى وتم تطهيرها بمعقمات مركزّه وأضاءة خافتة ومجهزه بسماعات داخلية كأنها جزء من السقف الثانوي ، تنساب منها معزوفات موسيقية لفنانين عالميين كبار . دخل الرجل ( الحامل ) بعربة يدفعها طبيب كولومبي معلقاً هوية تعريفية بجيبه الايسر العلوي ، وأوصله الى السرير المخصص للولادة ، فقام ببطنه المنتفخه وهو يرتدي بدلة خضراء شفافة ليس تحتها مايخفي جسده ، واضعاً يديه خلف ظهره ويلعن الساعة التي اغتسل فيها بماء قنينة الكولا . تمدد على السرير وهو ينظر الى زوجته التي منعت من دخول الصالة وهي تبكي واضعة يدها اليمنى على فمها وتحمل باليسرى حقيبة جمعت فيها ملابس للطفل التي تمنت ان تكون أطلالته للحياة منها وليس من زوجها ، خصوصاً بعد ان جلبت الماء المبارك من المرأة الصالحة . استيقظ بعد نصف ساعة ووجد بجانب سريره سرير صغير بشراشف بيضاء ، وحوله الكادر الطبي الدولي وهم مبتسمين وقال له كبيرهم ( كونجراليشن سير ) ، وأطرق خجلاً حين رأى اخوته الثلاثة يقفون خلف الكادر ، وتوقع أنهم جاءوا شامتين به ، لأنه لم يكن على وفاق معهم في يوم من الأيام ، لكنه اصابه الصمت والذهول حين سمعهم يقولون له مبروك سيكون لنا ولكم أبناً باراً ومباركاً ، وازداد ذهولاً حين تشاجروا وتخاصموا وعلت صيحاتهم كل يقول أنا من سيقوم بتربيته وتعليمه . حملته الممرضة الأمريكية من سريره الصغير بهدوء وارادت ان تضعه على يده اليمنى وهي تقول بعربية مشوهه ( شنو اسم طفل تريد ) ، نظر مستغرباً لهذه اللفافة البيضاء التي تشبه بطل الكولا ، رأسه مستطيل ويزداد اتساعاً نحو الأسفل ، كررت عليه السؤال ( شنو أسم طفل تريد ) فقال لها بصوت اشبه بالصراخ اسمه ( كولا ) ، اخرجوا جميعاً ابعدوا هذا المسخ عني . انسحب الكادر الطبي على عجل وهم فرحين تتقدمهم الممرضة الأمريكية وهي تحتضن الطفل الجديد النادر يتبعها الأخوة الثلاثة ، تاركين خلفهم الأب الأم ينظر الى الجرح الذي سالت جراحه وانتشرت فوق بدلته الخضراء .
#ستار_جبار_سيبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدريه
-
البوابه
-
حبة الحظ .
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|