وليد الزوكاني
الحوار المتمدن-العدد: 1334 - 2005 / 10 / 1 - 08:54
المحور:
الادب والفن
كان الخمرُ الراحلة الأخيرة ، لرحيلهِ الأخير ، حين قَدّر له الحاكمُ ، أن يموت قاعداً .
بالخمر رحل طرفة بن العبد عن هوَّة اليأس ، وظُلْمَة الطاغية ، جعله عتَبَة لموته ، وسُلَّماً للصعود إلى الأبديّة ، منحه هذا الشَّرف ، هذا البهاء .
أدرك أن البلاد كلها لم تعد تسَعه ، المتشابه فيها يقتل المختلفَ ، وشيخ كل شيء يبتلع كل شيء .
يربط الْجِمال بالسفن في أكثر من موضع في معلَّقته ، فرحيل السفن غياب وانقطاع ، لا انتقال بين مكانين ، وهو ما كان يتوق إليه طرفة .
ثلث معلَّقته في وصف ناقَته ، وفي جزءٍ منه ، يصف الناقة بما يفيد البناء / القصر ، ويعتني بهذه النواحي ، كمن يشيِّد المنزل الحلم من أعضائها ، كمن يعيد خَلقها على هيئة منزل ، ويجعل فخذاها في سيرهما ، دَرْفَتي باب ، ليَلِجه إلى رحيل أبديّ .
لعل الشعراء العِظام جميعهم رحلوا ، غابوا ، تغرّبوا ، لفظتهم بلدانهم ، أو لفظوها ، الرحيل فكرةٌ تَعْبثُ بالثابت ، تلهو به ، تركُلُه ، الحدود بين بلدين ، تُخْتَصر إلى فُسحة للتبوِّل .
البلدان التي يدخلها الرَّاحِل ، بكل جَلالها ، وعروشها ، أعلامها ، نسورها ، هيئاتها ، قوانينها ، مجرد فرصة لوجبة عابرة ، يتباطأ فيها ، بقدر المختلف فيها ، وحين تتَشابه ، أو تشبهه ، يُسرع في طيّها .
يمارس وهو يعبر الأوطان ، لعبة خَلع السلاطين وتنصيبهم ، يرى إلى الأرض مقسَّمة بينهم ، ولماذا تركوها الفُسحة الضيّقة المحايدة بين بلدين ؟
الفسحة التي غالباً ما تُقتلع الأشجار فيها لتنمو الألغام ، مع هذا ، يتَّسع الراحلُ فيها ، ليقَهْقه على العابرين في الأبدية ،
الناس في كل وطن بعين واحدة ، وبأذن واحدة ، وبنصف رأس ، وعليهم أن يكونوا في وطنين على الأقل ، ليتمتعوا برأس كاملة .
في الوطن الواحد ، تصدق أن حقل الألغام ضمانة لوجودكَ ، في الوطنين تكتشف كيف أنه تهديد دائم لحياتكَ .
#وليد_الزوكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟