|
نظام الإلتزام ... و الوسية
احمد على بدوى
الحوار المتمدن-العدد: 4807 - 2015 / 5 / 15 - 13:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الالتزام ... و الوسية كانت إدارة حيازة الأراضى منذ غزا سليم الأول مصر (1517) ، تدار طبقا لنظرة فقهية معينة و تحت ذريعة الشريعة الإسلامية و بالقانون العثمانى ، و كانت المذاهب الأربعة (بما فيها المذهب الحنفى) تؤيد إصرار السلاطين العثمانيين على ملكية الدولة للاراضى المفتوحة كافة و أنها ليست ملكا لزارعيها ، و لا ينطبق عليها شروط الملكية المقررة فى الفقه الإسلامى من حق التصرف كالبيع و الشراء و الهبة و الميراث. و تعزز ذلك بما أصدره السلطان العثمانى سليمان القانونى باسم "قانون نامة" عام 1525 ، و طالب فيه الفلاحين بإثبات ملكيتهم لأراضيهم بحجج مكتوبة (مما لم يكن معروفا أنذاك) و إلا آلت الأرض إلى حيازة السلطنة ، و ذلك مخالفة لما درج عليه المصريون من عُرف: "أن الحيازة هى سند الملكية". و لما لم يكن للسلطنة العثمانية اهتماما سوى بجباية الضرائب و الخراج بلا مسؤليات تجاه الأرض و الزرع و الزرّاع ، ففى مصر أوكل نائب السلطنة (الباشا العثمانى) إلى المماليك مهمة جمع الضرائب عن الأرض الزراعية ، و أصبح المملوك السابق هو ممثل الباشا و أطلق عليه (المُلتزم) ، و أطلقت يده فى التحكم فى الأرض و من فوق الأرض ، فصار للملتزم الحق فى توزيع الأراضى و تقسيمها و سحب الحيازة من مزارعيها و إعادة توزيعها على من يشاء ، و أصبح هو ملتزما بدفع (ضريبة ) محددة سلفا و مقدما كل عام إلى الباشا العثمانى فى مقابل أن يجمعها من الفلاحين و يجمع لنفسه فوقها زيادة تحت اسم (الفائدة) ، و كان الملتزم يوزع الضرائب أحيانا طبقا لحجم الحيازة التى يزرعها كل فلاح ، و حيانا أخرى يفرضها مجمعة على القرية كلها ، (و لا علاقة له بنجاح الموسم الزراعى أو فشله و تسويق المحصول أو ركوده). و قد صار الالتزام وراثيا فى عائلات بعينها ، لكن لعزوف المماليك عن العيش فى الريف و لاحتقارهم مهنة الفلاحة ، فقد استقروا فى القاهرة أو عواصم الأقاليم ، و كانوا يوكلون فى الغالب و كلاء من أقوياء الفلاحين أو أُجرائهم و تابعيهم من الخدم المصريين ، لجمع الضريبة و الفائدة ، و لابد للوكيل أيضا من حصة لنفسه كانت تُزاد فوق الضريبة و الفائدة ، و من هذه الفئة من الأُجراء و التابعين و الخدم نشأت طبقة شيوخ البلد و أعيان الريف و الذين حازوا الأراضى تدريجيا بتضخم أموالهم ربويا من إقراض الفلاحين أو شرائها بأبخث الأثمان حين يتعثر الفلاح فى سداد الضرائب .... و يذكر الشيخ عبد الرحمن الجبرتى عن السيد / "أبو الأنوار السادات" و كان من كبار الملتزمين فى القرن الثامن عشر ، و عن سوء معاملته للفلاحين بقوله: "..... و كذلك فلاحو الحصص التى حازها و التزم بها (يقصد السادات) فإنه زاد فى خراجهم عن شركائه و يفرض عليهم زيادات و يحبسهم عليها شهورا و يضربهم بالكرابيج.......". تاريخ الجبرتى ، الجزء الرابع ، ص 191. ............................................................................................................................ و فى منتصف القرن السابع عشر ، ظهر نوع من الحيازات جديدة بيد الملتزمين (أو وكلائهم) تحت اسم الأوسية [نعرفه باسم الوسّية] و كانت تمثل حوالى 10% من أراضى الدلتا و مصر الوسطى حتى المنيا. و يعود أصل "الأوسية" إلى الأرض التى هجرها فلاحوها بسبب عجزهم عن دفع المتأخرات الضريبية ، و تجنبا للسجن و التعذيب من قِبَل الملتزم ، فكانوا يتخلون عن الحيازة ، فتصير الأرض بلا صاحب ، و لما لم يكن لغيرهم من الفلاحين الحق فى وضع أيديهم عليها بدون إذن الملتزم ، فكانت تؤول بتبعة الحال الى حيازته هو. و يذكر بعض كتاب التاريخ ممن اعتنوا بأصل نشأة طبقة الإقطاع الزراعى فى مصر مثل : دى ساسى فى كتابه"Premiere Memoire" و كذلك لانكريه فى كتابه “Memoire” أن الملتزم كان يلجأ إلى حيلة هى توزيع ضريبة أرض الأوسية على باقى حيازات القرية ، فيتهرب هو من دفعها ، ثم كان يستخدم نفوذه فى استبدالها بأرض أجود و محصولها أوفر و مصروفاتها أقل ، و كان يزرعها بواسطة العاطلين عن العمل و من لا أراضى لهم فى القرية (و من نكايات الدهر أنهم يكونون هم أنفسهم أحيانا مالكى الأرض الأصليين ممن هجروها). و قد حصل الملتزمون على ميزة سلطانية خاصة لأرض الوسية بتوارثها ثم إعفائها من الضرائب ، حتى عندما ألغى محمد على (بعد القضاء على المماليك) نظام الإلتزام عام 1814 فإنه أعفى أرض الأوسية من الضرائب ، و صارت تحت تصرف وكلاء الملتزمين لذين يعتبرون نواة العائلات الإقطاعية فى مصر طوال القرنين التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين. احمد على بدوى 15 مايو 2015
#احمد_على_بدوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من حكايات حارتنا: -أولاد البنّان-
-
مجرد هوامش على.... ﴿رسائل الصبابةِ و الوجد﴾
-
الإكتئاب فى رباعيات (صلاح جاهين)
-
الأعور وسط العميان
-
صباح يوم جديد
-
كتاب التاريخ ... ستّة إبتدائى
المزيد.....
-
مصر تصدر بيانا جديدا بشأن -سفينة ميناء الإسكندرية-
-
زلة -القمامة-: هل قدّم بايدن الرئاسة لترامب على طبق من ذهب؟
...
-
ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158
-
من سيحسم الفوز بمقعد رئيس أميركا الـ47؟
-
اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص
...
-
وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على
...
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024
...
-
المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا
...
-
جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد
...
-
الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|