|
لمسات إنسانية في المجموعة القصصية (سوار الصنوبر) للشاعرة سلوى فرح
جاسم نعمة مصاول
(Jassim Msawil)
الحوار المتمدن-العدد: 4805 - 2015 / 5 / 13 - 22:40
المحور:
الادب والفن
(لمسات إنسانية في المجموعة القصصية (سوار الصنوبر) للشاعرة سلوى فرح)
ـــــ يرى جابر عصفور (كاتب ومفكر مصري) فن القصة القصيرة ((فناً صعباً لا يبرع فيه سوى الأكفاء من الكتاب القادرين على اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها على أسطح الذاكرة، وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه)). ـــــ يقول الناقد الأيرلندي ...فرانك أوكونور: ((القصة القصيرة ليس لها قالب جوهري يبنى عليه كيانها الفني كما هو الشأن للرواية، ومن ثم فإن افتقادها لهذا القالب جعلها أكثر مرونة من الرواية، وجعلها مجالاً خصباً لكل ابتكار جديد أو إضافة جديدة...إن كاتب القصة القصيرة ليس لديه قالب جوهري يرجع إليه لأن إطاره الذي يرجع إليه لا يمكن إلا أن يكون الحياة الإنسانية برمتها)). يمكنني القول ان القصة القصيرة هي ومضة فنية في لحظة تاريخية واقعية لحدث ما في مكان ما في زمن ما، تتجسد في ذهن الكاتب ليضع بطلها او أبطالها في جو تآلفي مع الكاتب وليقودهم بكفاءة عالية الى خاتمة تُعجب القارىء. تفاجئنا الشاعرة السورية المغتربة سلوى فرح بإصدار مجموعة قصصية عن دار الفرات للنشر والتوزيع (بيروت) خلال الربع الأول من هذا العام، تحت عنوان " سوار الصنوبر" وهي القصة القصيرة الاولى في مجموعتها، وصدرت المجموعة تزامناً مع ديوانها الشعري الثاني " لا يكفي أن تُجنَ بي" عن الدار نفسها. المجموعة القصصية هي الاولى للشاعرة سلوى، وبذلك تضعنا أمام تجربة ابداعية ثانية لها. القصص التي تضمنتها المجموعة من القصص ذات الطابع الاجتماعي الواقعي، ومن يقرأها يشعر بأنها شبه سيرة ذاتية للشاعرة، إن لم تكن هي بالذات. أما مكان القصص فهي بين الشام وعمان ومونتريال، وزمانها يمتد من الطفولة الى الأيام التي نعيشها الآن. إذن هي وقائع أحداث ارتبطت بشخص الكاتبة حولتها أناملها لنا الى ابداع قصصي من خلال وصف هذه الوقائع بإسلوب شعري جميل، وقد تغلب الطابع الشعري الوصفي على أغلب القصص ولم تستطع الكاتبة أن تحيد عن طريقتها الجميلة الابداعية في وصف الاحداث، فضلاً عن أنها قامت بسرد متسلسل منطقي لوقوع الاحداث، مما يعطينا برهاناً اكيداً على ان الشاعرة سلوى فرح هي ليست شاعرة فحسب بل هي كاتبة قصصية دخلت الى ميدان القصة القصيرة بقوة، رغم أنها تجربتها الأولى في هذا المجال، وهذا ناتج عن ثقة عالية بالنفس للولوج ببراعة الى هذا النوع من الادب. وقد استطاعت في هذه التجربة الابداعية ان تنقل الينا رسالتها وافكارها الانسانية التي تتميز بالتضحية والمحبة والتسامح والعطاء والابتكار وعدم اليأس والاستسلام وحب الخير للجميع وأنها ترفض كل ما هو زائف يلبس القناع المنافق. وبهذا جاءت القصة الاولى " سوار الصنوبر" التي هي عنوان المجموعة القصصية، في أرقى صورة انسانية معبرة بين تلميذة صغيرة تحمل في قلبها وعقلها براءة الأطفال، وأمها المكافحة التي تواصل النهار بالليل من أجل خدمة أطفالها وعائلتها، الفقيرة مادياً، بكل شرف واعتزاز وكرامة، إذ جاء عيد الأم ولم يسمح الظرف المالي لهذه التلميذة أن تقدم هدية لأمها، لذا حزنت واكتأبت الا ان حبها الشديد لوالدتها وتقديرها لها، أبدع فكرها عن قيامها بصنع سوار من أوراق شجرة الصنوبر جمعتها ببعض لتشكل منها سواراً زاهياً مرصعاً بمجموعة من الورد الجوري يليق بأمها.. وقدمتها اليها كأغلى هدية ويحتضن ويقبل بعضهما الآخر في عيد الأم. هذه القصة فيها معاني انسانية عظيمة علينا أن نستلهم منها هذه المعاني والعبر في علاقاتنا الانسانية ابتداءً من العائلة امتداداً الى المجتمع لنزرع المحبة الصادقة والاحترام والتقدير لبعضنا البعض. أما القصة الثانية في المجموعة هي " ضفيرة نمير". وخلاصتها ان رجلاً شريراً كانت له عائلة مكونة من الأم وبنتاً وولداً، ونتيجة سلوكه المريض توفيت الأم، وبقي ولداه معه وكان اسم الطفل " نمير" لديه ضفيرة من خلال شعره الطويل وكان حريصاً عليها لأن امه كانت تحبها، وقد تزوج هذا الاب المريض نفسياً من امرأة شريرة، كانت تكره الطفل نمير وتمقته، وفقد نمير وأخته حنان الأم والرحمة وشعرا بالحرمان وعدم الرأفة، وألحت الزوجة الجديدة في حياة الاسرة الصغيرة على زوجها أن يقص ضفيرة نمير لمجرد امعاناً في الكره، فضلاً عن رفض المجتمع لهذه الضفيرة حسب العادات والتقاليد كونه ذكراً، واستغلا في إحدى الليالي نوم نمير بعد أن وضعا له مخدراً في الشاي، لِيَجِزا جديلة نمير التي كانت تذكره بأمه دوماً، ورمياها في القمامة .. وبعد أن استيقظ صباحاً تحسس ضفيرته ولم يجدها وبذا جنَّ جنونه " وردد: أكرهكَ ياأبي ... انتَ لست أبي... انتَ وحش... أمي ماتت ... أنا يتيم... أنا انتهيت" (ص26 من المجموعة) ... وبعدها خرج وفي ظروف صعبة وصل والتحق بعائلة خالته لتعوضه هذه العائلة عما فاته من حنان وعطف، إلا انه وبعد فترة من الزمن أصابه المرض الخبيث وهو في ريع الشباب، وقبل وفاته حضر والده الشرير الذي شعر فيها " أن إبنه انسان ... واحتقر ذاته واعترف بينه وبين نفسه انه يستحق الاعدام على فعلته" (ص31 من المجموعة) ... إلا " أن نمير فتح يديه المرتعشتين ببطء كأنهما تناديان: تعال اودعك يا أبي..." (ص31 من المجموعة).. " وقبَّل قدمي ابنه وهو يردد " سامحني يانمير ... سامحني ... وضمه الى صدره ... نظر نمير لوالده مودعاً... وقال: أنا اسامحك من كل قلبي وروحي يا أبتاه ... وسامحني أنتَ يا أبي..." (ص32 من المجموعة) ... وسقط الوالد مغشياً على الارض بعد أن أسلم نمير روحه بين ذراعي والده... واختل عقل الرجل وهام على وجهه وهو يحمل "ضفيرة نمير" ويقول أنا قتلتُ نمير... ووجدوه الناس بعد يوم واحد من وفاة ولده، ميتاً بجانب قبر إبنه الذي أدرك حبه له بعد فوات الأوان... هذه القصة المؤلمة والجميلة تعطينا درساً مهماً في الحياة في المحبة والتسامح والرحمة والعطف على الصغار الأبرياء مهما كانت درجة علاقة القرابة بهم، والابتعاد عن السلوك الشرير الذي يؤلم صاحبه قبل الآخرين في نهاية المطاف. أما قصة " امرأة خلف الستار" فهي قصة كل النساء العربيات المعذبات كل يوم بسبب قسوة الظروف الحياتية، وسياسات الأنظمة المتسلطة على رقاب الناس التي تدعي انها جاءت من أجل خدمة المواطن وإنتشاله من الفقر والجوع والمرض وإسعاده إلا أنها للأسف تحالفت مع هذه الأفات الفتاكة لتهرس المواطن الفقير في عجلات الكذب والخداع التي تمارسها الأنظمة العربية... فكم مرة نسمع ونقرأ ان عقيلة ذلك الملك أو الرئيس أو الأمير افتتحت جمعية خيرية لرعاية النساء الارامل، أو النساء المضطهدات أو اللواتي ليس لهن مورداً مالياً لإعانة عوائلهم، بعد ان تركهن أزواجهن، إلا ان اي من هذه الجمعيات لاترعى النساء المظلومات ولاحتى تسأل عنهن، بل تتحول الى جمعيات لنساء المجتمع الراقي المخملي.. هذه القصة الواقعية هي صرخة ضد الفقر ومن أجل رفع مستوى النساء العاملات تحت ظروف قاسية والتعاطف الإنساني معهن... وتتلخص القصة ان كاتبتنا كانت في رحلة الى بلدها وكان مرورها من خلال احدى المطارات العربية، وفي فترة الاستراحة في صالة المطار توجهت الى دورة المياه لترى امرأة عاملة للتنظيف في ذلك المكان " وقع نظري في مدخل دورة المياه على سيدة تقارب الستين من العمر... ترتدي مريولاً ازرق اللون ... لمحت بين أزراره شبه المقطوعة رداءً بنياً قديماً... يبدو أن عثة الثياب التهمت معظم أجزاءه، وقضم الزمان تاريخه، وأكمامهُ ممزقة تائهة تروي قصة الفقر والحرمان" ص47. " تلك السيدة كانت متماسكة ومتفانية في مساعدة الآخرين" ص47. " كانت نظراتها التساؤلية تطلب التعاطف مع روحها المختنقة" ص47. " صارت روحي تلامس شعاع روحها الوضاء الصامت، ونورها المختبئ بين ثنايا الحقيقة" ص48. هنا تتعاطف كاتبتنا لما لها من احساس رهيف وشفاف مع بطلة قصتها الحقيقية لتتحد روحيهما في الانسانية. وبعد ذلك تدعوها الى كافيتيريا المطار لتشرب معها الشاي وليتناولا بعض الأكل في موقف انساني فريد نادراً مانراه في مدننا العربية وخاصة في المطارات التي تجمع الغرباء من دون عاطفة واحساس إلا ما ندر. ثم تتكلم تلك المرأة المعدمة عن حياتها البائسة التي اضطرتها للخدمة في هذا المكان. تعطي الكاتبة سلوى فرح هنا في هذه القصة درساً في التعاطف الإنساني والمحبة وضرورة تقديم الرعاية الاجتماعية لكبار السن وانتشالهم من الوضع المزري الذي يعيشونه وعوائلهم، وكذلك التواضع فيما بيننا نحن البشر بدلاً عن الحقد والتكبر، والتعامل بإنسانية راقية مع بعضنا البعض... هل وصل الدرس؟ ... أرجو أن يكون كذلك. أما القسم الثاني من المجموعة هو خواطر وجدانية وذاتية كتبتها الشاعرة والقاصة سلوى فرح في مراحل مختلفة من حياتها، وهي تعبر عن فلسفتها الذاتية في الحياة وآرائها في المواضيع التي كتبت عنها مثلاً عن الحب الحقيقي، عن الاعياد وماذا تمثل بالنسبة لها، وأهم ما في هذه الخواطر موضوع ثورة الذات، التي تدعو فيها الكاتبة الى أن نبدأ التغيير من داخل أنفسنا تطبيقاً للآية الكريمة ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ـــ سورة الرعد : 11)) كما كتبت عن المشاعر والسلوك الذي يتبعه المغترب بعيداً عن أرض الوطن الأصلي، فضلاً عن خواطر اخرى تستحق القراءة.. القصص التي وردت في المجموعة ذات طابع اجتماعي واقعي وهي تجارب عاشتها الكاتبة خلال حياتها نقلتها لنا بإسلوب جميل ولغة شعرية متميزة ابتعدت فيها عن السرد الممل، بل جعلت اسلوبها في السرد مشوقاً لنفس القارئ... وكذلك جاءت أحداث القصص محبوكة بدقة ومسبوكة بعناية وحرفية، رغم أنها تمثل مجموعتها الاولى، مترابطة الاجزاء وتتميز بتسلسلها المنطقي وترابطها العضوي، وركزت على أن تكون أشخاص قصصها رئيسية ولم تأخذنا الى التفاصيل المملة... أما الخواطر التي وردت في القسم الثاني لم تلتزم الكاتبة بالقيود الاجتماعية التي تحد من الانطلاق في الابداع والابتكار، وهذه تحسب لها، كونها كانت تفكر وتكتب بطريقة حرة وشجاعة ولم تخفِ شيئاً عما يدور في خاطرها من اراء، لذلك هي مهدت الطريق لكسر التقليد والقوالب التي تحد من انطلاق القصص والخواطر الى فضاء الحرية الأوسع... (مونتريال 13/5/2015)
#جاسم_نعمة_مصاول (هاشتاغ)
Jassim_Msawil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة (تناثرُ الاحلامِ)
-
قصيدة (نافذةٌ نحو الفجر)
-
قصيدة(مازالَ المطرُ بعيداً)
-
قصيدة (صورتها في الذاكرة)
-
(تحية الى نساء الأرض في عيدهن)
-
قصيدة (استراحة عاشق)
-
قصيدة (مسيرةُ الاحلامِ)
-
قصيدة (لن أقولَ وداعاً)
-
قصيدة (ما ماتَ العراق)
-
قصيدة (هل ثمةَ أملٌ بالفرح؟)
-
قصيدة (فجرٌ جديد)
-
قصيدة (امواج الروح)
-
قصيدة (طائرُ النورس)
-
قصيدة (كوني منفاي)
-
قصيدة (الشاعر المتجول في الفرح)
-
قصيدة (احلامُ الفجرِ)
-
قصيدة (حوار مع رزاق علوان)
-
قصيدة (ياسمينة الفجر)
-
قصيدة (من أنتِ؟)
-
قصيدة (صحوة الفرح)
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|