|
فاطمة النمر .. حين يصبح الفن اكثر صدقا من التاريخ
اسامة كامل كيوركيس
الحوار المتمدن-العدد: 4804 - 2015 / 5 / 12 - 04:09
المحور:
الادب والفن
من أصعب المشكلات التي تواجه الفنان في معترك بحثه عن ذاته المبدعة هي تلك التي تتعلق بقدرة معرفته عما يميزه عن غيره و بطريقة تعبيره التي تحمل خصوصية كل فنان يصوغها [بلغة الشكل] التي [يقرؤها البصر] و من ثم [تفهمها] جميع الشعوب بكافة فئاتها الثقافية. تنفرد تجربة الفنانة الشابة التشكيلية السعودية (فاطمة النمر) بسمات مميزة و مكانة خاصة تجعلها متفردة الخواص قوية و عميقة بما تشغله من مساحة جذابة و تأثير حاد في وجدان الجمهور و من كونها ترى إن الفن التشكيلي هو الأداة التعبيرية الأكثر شمولية في التواصل مع الآخر و الأكثر قدرة على إستبصار الواقع ، و تعتبر التشكيلية فاطمة النمر إحدى الفنانات التشكيليات اللائي إستطعن أن ينلن ريادتهن في المشهد التشكيلي السعودي و العربي عبر صدق موهبتها و مؤهلاتها الإبداعية المتميزة ، و هي التي أحبت الرسم و مزج الألوان منذ طفولتها التي تميزت بحس مرهف و حساسية مفرطة و نظرة ثاقبة و منقبة فوجدت فيه الملاذ الوحيد للتعبير عن فرادة نمط تفكيرها و عما يخالج وجدانها من مشاعر و أفكار تجاه كل ما يحيط بها ، لتتخذ خطواتها في مراحل مشوارها المتتالية مسارا واثقا عنوانه التجديد و التنوع و البحث المستمر سعيا للخروج من نفس النمط المتكرر ، كتب الكثير من النقاد في سجل منجزها الإبداعي ما يشيد و يثني بجهدها و ملكاتها و صدقها و إنتمائها النوعي لقيمة و قداسة الفن في صنع الحياة. و المتأمل في أعمال التشكيلية فاطمة النمر يلاحظ و يدرك على الفور إنها تحتوي لغة إبداعية واعية و طاقة خلاقة بتنوعاتها إستطاعت أن تجذب المتلقي للتأمل و التفحص إلى إبداعاتها و تمكنت من ان تجسد تجربة خاصة جادة تمتلك مصداقية معرفية و ثقافة عميقة و جرأة فادحة و صادمة ، فالصورة بين يديها تتحول إلى نبع لا ينضب من المشاعر و الأحاسيس معبأة بالضوء و الإصرار و الوعي و الرغبة الحارة في معانقة الحياة ، لأن اللوحة عندها لحظة من لحظات التواصل المطلق مع الوجود بوصفه إمكانية سعادة و دفقة من دفقات الإحتجاج . تبدت صورة المرأة في في إبداع فاطمة النمر المتعدد التقانات و الصيغ و أساليب التفاعل مع السطح التصويري برقة العاطفة و عمق الشعور مع ترفع و إعتداد و كبرياء ، فمنذ معرضها الأول (الحب الأزلي) إشتغلت على موضوعة الرسم التجريدي المشبع بأبعاد تعبيرية و رمزية أخذت تعيد تركيباته و ثيماته داخل إطار الشكل و الموضوع بغية الوصول إلى معنى جديد تنفرد به فجسدت من خلال أعمالها معاني الحب الإنساني كون الإنسان هو العنصر الأساسي في هذا الوجود ، لتكشف لنا عن علاقة الإنسان بذاته و لذاته في قطبين يعملان على تحقيق غاية ، و يعرف بالغاية بأنها تحقيق للوجود ، مؤكدة إن الإنسان ثنائي في واقعه و هذا يعني إنه رجل -و- إمرأة . و في معرض (كيان) وجهت نقدا لسباق الموت و الدمار و التحجر الفكري و كانت دعوتها الى التغيير و كسر الجدار المشيد داخل النفس البشرية من منظور الحب و السلام حملت أحلام السلام على الأرض بين جميع البشر ، بعيدا عن لغة الحروب العقيمة سعيا لتحرير الإنسان من سجن الأهداف و الغايات وحضارة الإستهلاك و التفكير المنفعي ، و في معرض (الخطيئة و الغفران) الذي ضم 85 لوحة وجهت نقدا لمفاهيمنا الأخلاقية و على رأسها مفهوم الخطيئة فاستطاعت ان تنطلق من أعماق ذاتها الى الأفق العام لتعلن حقيقة الصراع المتراكم الذي تعانيه المرأة لتعبر عما يحيط بها من واقع مملوء بالأحداث التراجيدية المؤلمة ، حيث جمعت في أعمالها بين التفكير و الرؤية الفنية و بين ما هو ذاتي و موضوعي ، تصلح كمفتاح لفهم ما يحيط بعالم الأنثى من ظلم و قهر و طابع ذكوري يختزل الأنثى في قيمة إستعمالية هي وظيفتها الفسيولوجية التي تساوي الجنس كمصدر لمتعة النوع الذكري و الإنجاب فالخطيئة تشمل الجنسين و لكن العصبيات و الأعراف ساهمت في إيذاء المرأة بالتمييز السلبي ضدها و الإقصاء الإجتماعي لنصيبها في التعبير عن ذاتها و حيازتها كملكية إجتماعية للرجل ، في معرض (شفرة) الذي شاركت فيه بإثني عشر عملا تحت عنوان (مجموعة شفرة) وظفت من خلاله خاصية شفرة الرموز الشريطية (الباركود) لتطرح علينا سؤالا مهما ، هل نستطيع فك الشفرة ؟ تناولت موضوعات لوحاتها تعقد مظاهر الحياة في الواقع اليوم و تشابك المصالح و تعدد المراكز و الجهات التي أصبحت تمتلك سلطة القرار بشكل أو بآخر و وجهت من خلالها نقدا لاذعا للإستخدام الإيديولوجي النفعي للدين و الناجم عن الجهل لكونه سيتحول الى إيديولوجيا ناجزة و جاهزة و ضاغطة على الفرد و أداة يتم إختزالها في وظائف و غايات ذات طبيعة دنيوية متدنية ، محاولة المضي بنا للوصول لإجابة على هذا السؤال أو الأسئلة الأخرى ، رحلتنا مع فاطمة النمر كانت إبحارا شجاعا و جريئا فلسفيا في أكثر مناطق النفس الإنسانية غموضا ، تجعل من مشاهدة أعمالها متعة بصرية و ذهنية تهز أسس الإدراك للمفاهيم السائدة المجردة عن الحياة و الحقيقة و الحرية. الفنانة التشكيلية السعودية فاطمة باقر النمر هي من مواليد 1986 السعودية - القطيف - في المنطقة الشرقية ، حصلت على شهادة البكالوريوس - قسم الديكور من جامعة عمان - الأردن تنبض بإبداعات فنية عبر مسيرتها ، اذ كان أول معرض شخصي لها أطلقت عليه (الحب الأزلي) وقد أقيم في الأردن عام 2009 م ، ومشاركتها في العديد من المهرجانات والمعارض الفنية منها معرض الفن المعاصر المقام في متحف الفن الحديث في السويد ، ومتحف الامير لويز في ، مومباي ،وغيرها من المشاركات العربية والعالمية ، كما نالت عدة جوائز منها الجائزة الأولى في معرض الفن السعودي المعاصر 2010، و"جائزتي مسابقة الشباب الثانية 2010، تشكيل الخط 2011،" .
#اسامة_كامل_كيوركيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|