|
!!.. عملية إختيار مدير عام
ياسر العدل
الحوار المتمدن-العدد: 1333 - 2005 / 9 / 30 - 11:11
المحور:
كتابات ساخرة
فى أيامنا القديمة, كنا صغارا، تعانق أجسادنا طفولة الحياة فى أرجاء القرية، يوقظنا البكور عند صبح كل شمس، تشق ضحكاتنا عنان كل سماء، ترتسم على وجوهنا بوادر الدهشة من كل جديد، فى تلك الأيام تمتزج حيواتنا مع النبات والجماد والبشر، نصادق العهد مع من نشاء انتخابه، لا يوقفنا عن صنع وجودنا الحى غير النعاس طمأنينة فى أحضان أمهاتنا، فى تلك الأيام استقر فى وجداننا أن الانتخاب الحر مفتاح وحيد للتقدم. وحين انفلت الزمان يجر أجسادنا وعقولنا بعيدا عن عالم الطفولة، أصبحنا كائنات بشرية تدور فى فلك الحكومة، مدراء وموظفين وسعاة، أساتذة وطلاب وجهلة، رجال أعمال وفنانين وعاطلين، وأصبحت مع غيرى موظفا فى هيئة حكومية، يطلب الراشدون من أعضائها أن يمارسوا دورهم الانتخابى. كان قد تأكد لدى جميع الزملاء فى هيئتنا الحكومية، أن مديرنا العام رأس قد اقتربت من سن المعاش، وأنه بعد أسابيع قليلة سيترك منصب رأسنا الكبير، ليقبع منزويا كأى رأس تتدلى من رقاب الموظفين منزوعى السلطة الداخلين فى دائرة المحالين إلى المعاش، ومثل كل الموظفين فى الأرض كنا نكره المدير العام تماما مثلما نكره كل سلطة، ولأننا مثل مديرنا العام تدربنا سياسيا فى ساحة العمل الحكومى، لا نؤمن بالديمقراطية أو الديكتاتورية أو العبثية، لذلك فقد انتهزنا فرصة حلول موعد التغيير المرتقب، كى نلعب دورا يفقد الحكومة قدرتها على تعيين المديرين الجدد، قاصدين فى نفس الوقت أن نحد قدرتها على تعيين الزملاء والزوجات والأبناء والسعاه، وشحذنا إمكاناتنا فى الدس والغيبة والنميمة، وتفسير اللوائح وتعطيل القوانين، كى نختار مديرنا بأنفسنا، لكن الحكومة التى لا تهتم بأمرنا، جعلت ولاية المدير أمرا سريا، تديره لجانها فى الاختيار والتدقيق والتبعية والرضا، فانحرفت قدراتنا فى اتجاه أخر. كانت الأسابيع القليلة التى مرت علينا كافية لأن ندس أنوفنا، ونرهف أذننا، ونصنع شائعات تشخص لنا هوية المرشحين الجدد لشغل منصب مديرنا العام، وتحلقنا جماعات لتنفيذ مؤامرات اغتيال لكل المرشحين، وفى إحدى لجان المؤامرة الرئيسية، انحسر دورى على انتهاز فرصة ركوب أى مرشح لأتوبيس هيئتنا الحكومية، ومن باب إظهار الاحترام ندفع بالمرشح لأن يركب بجوار الباب الأمامى، وبالتواطؤ مع السائق ندفع الأتوبيس لأن يقترب مسرعا نحو حافة البحر، وعند النقطة المناسبة أدفع جثة المرشح بكامل ثيابها نحو الماء، ونحبك صنع المؤامرة كى يندثر المرشح وجودا وجثة، على أن تتولى لجنة تآمرية أخرى عملية إقناع الحكومة بأن السبب الوحيد لموت هذا المرشح بالذات، راجع لرغبته العارمة فى إثبات كفاءته للمنصب الجديد، فقرر السباحة منفردا وبملابسه الكاملة فى لجج البحر المالح، رافضا كل توسلاتنا فى بقائه حيا. فى الموعد المحدد حضر السائق بالأتوبيس ومعه راكب واحد من كبار المرشحين قرر بنفسه أن تحتل جثته المقعد المجاور للباب الأمامى، فدخلت الأتوبيس مسترجعا دعوات زوجتى مثلما استرجعت دعوات ثلاث موظفات يدعون لى بالتوفيق، واحتفيت بجثة المرشح وتحسست طرف ملابسها الجديدة ثم جلست خلفها مباشرة، ونبهت السائق بعدم التدخين حفاظا على صحة المرشح، وتحرك الأتوبيس نحو الطريق المرسوم بمحاذاة البحر، ثم أطرقت رأسى بين كفى مغمض العينين أسترجع الخطة، واستحلب البطولة التى سيشيعها الزملاء عنى. تجاهلت حديثا عابرا لجثة المرشح، تناولت فيه مشاكل الكرة وعنوسة الجميلات، وحين انحرفت الجثة فى حديثها تغتاب المدير الحالى وتعرض بكفاءته وتذكر فساد ذمته، أصغيت للحديث ساهما أجمع مبررات قرارنا فى اغتيال كل المرشحين، فجأة أفقت على ذلك المرشح الطيب وقد باغتنى بخططه لإصلاح الأحوال على أيدى أمثالى ممن يملكون المزايا، ووعدنى بأن أكون ساعده الأيمن وكاتم أسراره، وأضاف مرشحنا الديمقراطى الصالح يحفزنا على نيل حقوقنا الديمقراطية، وأقسم بأن سائق المدير يملك حقا فى سلطات المدير0 أخذ المرشح الصالح يسرف فى إظهار كرمه لنا، وأقسم علينا أن نحتفل معا وفى الحال باتفاقنا، فنزلت من الأتوبيس منتشيا لأحضر مشروبا وبعض الحلوى، ونزل السائق متعاظما يحمل بعضا من سلطات المدير ليشترى علبتين من السجائر. كان محل البقالة بعيدا عن الطريق بالدرجة التى كفلت للمرشح مديرا عاما، أن يقود الأتوبيس وينطلق دوننا. د. ياسر العدل
#ياسر_العدل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!! التسعة جنيهات.. ياخرابى
-
!! .. حرب المعيز
-
!! .. شحّاتين الّطرب
-
مطرب .. بالصدفة!!
-
!!.. ورم تلفزبونى خفبف
-
الموت .. فى عبوات مزركشه
-
حظك00 يا برج الحمار
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|