مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1333 - 2005 / 9 / 30 - 11:13
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
وتكمل رائدتنا نظيرة زين الدين كلامها عن حريّة المرأة , والمجتمع على حدّ سواء وتقول :
قال الشيخ بدر الدين النعساني :
" إلاّ أنّ محاربة البدع والأحداث وعلاج هذه الأدواء الفتّاكة يجب أن تكون من جهة النابتة الحديثة لا من جهة الشيوخ علماء , أو عامة . فإن هذا الصنف من الناس قد استحكمت فيهم الأمراض فليس إلى شفائهم من سبيل أنّ النابتة الحديثة لم تعرف قلوبهم هذه المفاسد , ولا وضعوا زمام أمرهم في يد أحد يقودهم حيث شاء . فهم أحرار . فهؤلاء , إذا ظهرلهم الحقّ لم يلبثوا أن يطيروا ‘ليه " .
إلى الأمام يا إخواني , إلى الأمام , مزّقوا حجب البصائر , تمزّق حجب الأبصار . لاخير يا أخواني في القشور والظواهر , إنما الخير في اللباب والسرائر , لا خير للأمة في إغماض إحدى عينيها , وغلّ إحدى يديها .
كونوا قدوة الإسلام في العالم , ولئن ينتقدكم الجهلة في الإبتداء , فإنهم سيقدّسونكم في الإنتهاء . أنشدكم الحقّ أن لا تجعلونا , وتكونوا أنتم اّخر من تمتّع بشمس الحريّة , إن فجرها , وقمّة عرشها في سمائنا , وإنّ الحجب بيننا وبينها ليست كالغيوم التي تحجب الشمس ولا تنالها ايدينا , إنما هي حجب تماط بالعقل الحر المطلق , ويردّ أقوال الفقهاء إلى الكتاب الحقّ فنقبل ما يوافقه ونهمل ما لا يوافقه .
إلى الأمام يا أخواني إلى الأمام , مواكب الأمم المتدافعة تمر في طرق التطوّر والرقي سراعا لا تنتظر .
إذا كانت أخواتكم لم يجاهدن معكم بالسيف أيام كان السيف الجهاد الأصغر , فأحر بهن أن يجاهدن معكم بالعلم , والأدب , والعفاف , والشرف , الجهاد الأكبر .
يا سيّدي الرجل القوّام على النساء , إنّ كل حكومة هي قوّامة على الشعب , وقد طالما أدعت الحكومة في الأدوار المظلمة , إنّ سلطانها مستمدّ من قوّتها أو من الله , ولكن , ما هي إلاّ حقبة من الزمان حتى سقطت دعواها , وانهارت صروح مجدها , وتدحرجت تيجان أصحابها , وأكرهت على التسليم بأن الشعب قوّام عليها , كما هي قوّامة عليه , فحفظت الموازنة وبطل الإستبداد , وسادت الحريّة والعلم , ونكمل الأدب , وسعدت العيلة , والمجتمع البشري .
إن الرقي والأخلاق في الحكومات المستبدّة الغاشمة المستعبدة شعوبها أحطّ منها جدا في الحكومة الحرّة العاقلة , كان يقال , إنما العاجز من لا يستبدّ ", فأصبحنا اليوم وكل يخجل من أن يوصم بالإستبداد , لأنه ينافي العدل والمرؤة , ينافي العقل والمصلحة , والأدب والإجتماع .
يهمّ الحكومة المستبدّة , أن تقبض على رقاب الناس , فتقيّد حريّاتهم , وتخفت أصواتهم , وتكسّر أقلامهم , لتأمن شرّهم .
ويهمّ الحكومة العاقلة أن تمتلك قلوب الناس بالرفق والحلم فتكسر قيودهم وتطلق أفكارهم وتعمل على إنماء قواهم , وتضمن النفع لها ولهم .
ويهمّ الحكومة الغاشمة أن يجهل الشعب وتسلب قواه , تريد من ذلك أن تستقوي من ضعفه , وتستغني من فقره , ويهمّها أن تأخذ بخناقه فتريه صنوف المظالم ليكون عبدا ذليلا , واّلة صمّاء , ويعتاد الطاعة العمياء , فتقتل باستبدادها معنويّات الشعب وأدبيّاته , وتقع الخسارة عليها لا على الشعب وحده , فيكون مثلها حينئذ مثل الذي يقتل ثمّ ينتحر .
ويهمّ الحكومة العاقلة أن يتعلّم شعبها , وترتقي أخلاقه , وتكثر موارده , وتحسن إدارته , فيسعد الشعب وتسعد الحكومة , وعندما تعجز الحكومة عن إدارة الشعب بتعقّل يفقد ثقته بالحكومة فيختلّ النظام وتكثر الإجرام , فتعمد الحكومة حينئذ إلى الحكم العرفي فتحبس الناس في بيوتهم , وتقيّد ألسنتهم وأقلامهم وحركاتهم , غير إنه لا يجوز الظنّ أنّ ذلك الشعب المقيّد وهو تحت ذلك الحكم , أخلص للحكومة وأصلح لنفسه من الشعب الموثوق به .
يا سيّدي الرجل القوّام - ما هذه الحيلة حياتك , وفي بيتك إدارة عرفيّة دائمة , أعلنتها ضد أمّك , وإبنتك , وزوجتك , وأختك خائفا من خيانة منهنّ .؟
أمن أجل هذا حملتك أمّك وولدتك يا سيّدي ؟ أهذا هو البرّ بالأم الذي أوصاك الله ؟ أهذا ما يقتضيه الدين والمرؤة والوفاء ؟ أنسيت قوله تعالى " وبالوالدين إحسانا . ... " ؟
أنسيت حديث رسول الله لما جاء رجل قائلا : من أحقّ الناس ببرّي وصحابتي ؟ قال ( أمك ) قال ثمّ من ؟ قال ( أمّك ) ٌ قال ثمّ من ( قال ( أبوك ) .
هي أمّك التي أرتك النور , وأنت تحرمها إيّاه . هي التي حفظت قواك , وأمّنت أسباب حياتك , بالتضحية والمتاعب التي تعلم , وأنت تنهك قواها , وتمنعها من إستعمال أسباب حياتها كما تستعمل أنت أسباب حياتك .
هي التي علّمتك الكلام وأنت تمنعها منه . هي التي ولدتك حرّا تتمتّع بالشمس والهواء , وأنت تلقيها في أسر الحجاب فتمنعها منهما .
هي التي تفانت في الإخلاص لك , وعلّقت كل اّمالها بك , وأنت تعاملها معاملة التهيّم المريب .
هي أمّك التي هزّت سريرك , وغذّت عقلك , وأنت تتهمها بنقص العقل , وتحرم عليها أسباب تكمله .
هي التي غرست في قلبك الدين , ودين الإنسان فعلا دين أمّه , وأنت تتّهمها بنقصه ؟ !
لم تسمع قول أمير الشعراء , في تحيّته للسيّدات :
هذا مقام الأمها ..ت فهل قدرّت الأمهات
لا تلغ فيه ولا تقل .. غير الفواصل محكمات .
أصغ إلى نفسك واسمع ما يقول المصلح الكبير قاسم أمين : " أليس من العار أن نتصوّر أنّ أمهّاتنا , وبناتنا , وزوجاتنا , وأخواتنا , لا يعرفن صيانة أنفسهن ؟ أيليق أن لا نثق بهؤلاء العزيزات المحترمات المحبوبات الطاهرات , وإن نسئ الظنّ بهنّ إلى هذا الحدّ ؟ "" .
أهذا هو عدلك في حكومتك الصغيرة . في بيتك , بين أولادك , البنين والبنات ؟
ياسيّدي , إذا خفت فسادا وعيبا من سفور بناتك , وحسبت من الجائزان تقيّدهن بالحجاب , دفعا لذلك الفساد , ومنعا من العيب , فلماذا لا تحجب البنين وتقيّدهم للحكمة نفسها ؟ وكلّ يعلم أنّ البنات , أمتن أدبا وأقلّ فسادا من البنين وأبعد منهم عن العيب , يشهد بذلك إحصاء الجرائم من الجنسين في بلدان الدنيا قاطبة . فإذا كان متبعا قول القائلين : " عيب الرجل على زرّ مداسه " , فلا شأن لنا معك في البحث يا سيّدي وإذا كان الرجل قد ترك حرّا ليسير في طريق الكمال , أفلا يصحّ أن تترك المرأة حرّة تسير في هذا الطريق معه , وتأخذ نصيبها منه , كما هي الحال في الشعوب الراقية ؟
إذا قيل إن الحجاب للمرأة المسلمة مبني على أصول الدين , فهذا مردود في الدين كما سأبيّن وأفصّل في القسم الديني .
وإذا قيل إنّ الحجاب للمرأة بدعة أوسنّة فقهيّة , فهذا قول لا يعبأ له لأن سنن الفقهاء في هذا الشأن متعارضة , والأغلبية الساحقة في جانب السفور كما سترون , ولأن بدعة الحجاب مخالفة لكتاب الله وسنّة رسوله .
وإذا قيل إن الحجاب مبنيّ على نقص عقلها ودينها , فهذا مردود , لأني أثبّت أن المرأة أكمل دينا وأصلح في الفطرة عقلا من الرجل .
وهل يكون الرجال جميعا أكمل عقلا ودينا من النساء جميعا وقد قال رسول الله "( إمرأة صالحة خير من ألف رجل غير صالح ) ؟ لماذا لا يحجب من الرجال من هم أنقص عقلا ودينا من بعض النساء , وعلى م لا تطلق الحريّة للنساء اللواتي هن أصلح دينا وعقلا من الرجال ؟
من هذا القانون الجائر الذي يتغلغل فيه روح الإستبداد والظلم , إنه لمن وضع الغالب , وضع الرجل الذي غلب المرأة بقوّة جسمه , وضعه متلاعبا بكتاب الله مفتخرا بظلمه واستبداده ولو أضرّ به , وضعه وحده مستقلا لم يشركها في وضع حرف منه , فجاء على هواه مخالفا لإرادة الله .
هذه هي حالة الكون , القوي يستبدّ بالضعيف . هكذا وضع الأحرار قوانينهم على العبيد . هكذا وضع الرومان قانونهم الجائر على من لم يكن رومانيّا . هكذا وضعت الأمم الغالبة قوانينها على الأمم المغلوبة . تلك شيمة الغالبين في ما يشرّعون .
سيطروا وضيّقوا يا سادتي , سيطروا وضيّقوا ما شئتم على النساء وعلى الحريّة , وعلى العقل , وعلى الحق, وعلى الأفكار , فقوّة الدفع تزداد بقدر التضييق .
اشتدّي أزمة تنفرجي .. فالشدّة أولى بالفرج
يا سيّدي الرجل
إنّ القول بوجوب بقاء المرأة عندنا على حالها من الجمود , وحجبها وحبسها دون تبديل ولا تغيير , خروج عن سنّة النشؤ والإرتقاء , ولا يصحّ القول إن حق الإرتقاء من حال إلى أصلح منها , مختصّ بالرجل وحده فقد قال أحد الفلاسفة :
" أما أن لا يكون حقّ لأحد الناس , أو أن يكون لكل فرد حقّ مساو حق الاّخر , ومن جرّد غيره عن حقّه , فقد داس بقدمه حق نفسه " .
....
بانتهاء القسم الأخير هذا .. , أكون قد قدمّت نبذة عن واحدة من رائداتنا الأوائل في النهضة النسائيّة العربية , الفكريّة .. والإجتماعيّة .
وسيكون لنا مستقبلا .. , دراسات , وإضاءلت أخرى , مع رائدة جديدة , لتكون حافزا لنضال المرأة لانتزاع حقوقها المشروعة , وتثبيتها , وترسيخها في القوانين , والدساتير العربية المتخلّفة , لكي تجاري المفاهيم الجديدة وتطوّر العصر , لكي لا نبقى اّخر من يتقدّم .
لتربية الأجيال على أخذ حقوقها بأيديها وليس مكرمة من أحد , حتى تعيش المرأة .. والأسرة .. والمجتمع , في سلام وثقة ومحبّة وتماسك .. , لتحقيق العدالة والمساواة ... والحريّة .
إنني اّمل أن يهتمّ كتّابنا .. وقرّاؤنا , بنبش , واكتشاف , المواقف المضيئة التقدّميّة من التراث النضالي , والتحرّري , للرائدات والرواّد في تاريخنا القديم .. والحديث , لإغناء مسيرة التحرّر .. والوعي .. , في عصرنا الجديد .
نظيرة زين الدين .. , سعت مبكّرا , لاختراق كل ماهو مألوف في الحياة الإجتماعيّة من ( التابوات ) الممنوعات , باتجاه ارتياد اّفاق رحبة جديدة في العلم .. والنضال .. والحريّة
لرائدتنا نظيرة الرحمة والخلود
أضئ شمعة لروحها
أنثر فوق ضريحها ...الغار
وبتلات البنفسج الخريفيّة ... !
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟