ران 1985(أكيرا كيراساو):هل الحياة تستحق منا كل ذلك

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4800 - 2015 / 5 / 8 - 21:03
المحور: الادب والفن
    

ران 1985(أكيرا كيراساو):هل الحياة تستحق منا كل ذلك
ران أو (فوضى) هو آخر فيلم كبير لأكيرا كيراساو،ومعنى أنه فيلم (كبير) فهذا يحتاج الى القليل من التأويل لأنه حتى في الفترة الذهبية في حياة المخرج الفنية والتي امتدت منذ عام 1948 مع أخراجه لفيلم (الملاك الثمل)،وحتى عام 1965 أي عام اخراجه لفيلم اللحية الحمراء،رافقت هذه الفترة بعض الأفلام ذات المستوى المتوسط،ولكن ران لايمكن أن يوصف سوى بالكبر وليس بأقل من ذلك لمخرج يبدو شابا وهو الخامسة والسبعين من عمره.
ران فيلم مقتبس عن شكسبير وعن الملك لير تحديدا،لكن مع تحريف شديد للقصة من ناحية النص الأدبي،وأول ما يذكر عن ذلك هو ان بنات الملك لير تحولوا إلى ذكور أو أولاد لملك الحرب (هيديتورا)،كما أن سيناريو الفيلم لايحتوي على تلك الجمل الشعرية التي تنطق باسم شكسبير،ومن السهل جدا تمييزها،وهو أمر تميز به كيراساو ان لم يكن قد تفرد به وهو الأمر المشابه لمعالجة المخرج لفيلم سابق يدعى ب(عرش الدم).
وعلى المستوى القصصي،فالقصة نراها تدور في مجتمع حرب(قروسطي) تستطيع أن تتوائم معه قصة شكسبير هذه من دون ان نشعر والى درجة الذوبان في المجتمع القصصي الذي خلقه لها كيراساو،والسبب هنا ان كيراساو نفسه يعتبر قاعدة للتلاحم بين الشرق والغرب...على ان ران لايتوقف عند هذا الموضوع فحسب
للفيلم نقاط جزئية كثيرة من الممكن ان نضع خطوطا عليها ومع بعض الأختصار:
هنالك ملك في السبعين من عمره،كان فيما مضى جبارا يقضي حياته بين حرب وحرب ولم يذكر الفيلم بأنه انهزم في أي معركة قد خاضها في حياته مسبا الألم والهزيمة والمصائب لكل من حاربهم وكأنه يعز من يشاء ويذل من يشاء.
يقرر هيديتورا أن يوزع مملكته على أولاده الثلاث معطيا حق القيادة لأبنه الأكبر،ولكن الابن الأصغر يرفض هذه القسمة فيقوم الوالد بعقابه،وان كان جنون الملك لير عند شكسبير هو كرهه للبنت الوحيدة التي أحبته،فالموضوع عند شكسبير يبدو شخصيا أكثر من معالجة كيراساو لهذه القصة وان فيها شيء من التشابه.
أولاد الأمبراطور يرفضون الأذعان لأوامره بل يحاولون تحجيمه لأبعد الحدود ويعمل ابنه الأكبر على مهاجمة قلعة والده وقتل كل من فيها باستثناء والده الذي سيقع الآن ضحية للجنون،والذي سيساهم في هذا الجنون أكثر هو اقتتال أولاده الثلاث فيما بينهم وصولا إلى ان يقتل الأخ الأوسط أخاه الأكبر،بينما الأصغر الذي عوقب ذات مرة لرفضه لاقتراح ابيه،،نراه هو الوحيد الذي يواري سوءة ابيه بل ويعيش متشردا معه في البراري...
إذا تحقيق كيراساو عن شكسبير هنا ليس تقليدا محضا،ولامعالجة مكررة تقليدية،بل هو واقعية الأدب وليس العكس...نحن نتحدث عن قصة أدبية ذات لكنة لغوية خاصة،وهي ان كانت مفهومة ولكن كيراساو ينقلها إلى عالم أكثر حيوية وكأنه لايحمل نفس الهم الأدبي الذي حمله شكسبير في يوم من الأيام عند كتابته للملك لير.
الفيلم هو الطمع في السلطة،أي هو مبدأيا عن الحماقة البشرية،وعن انتقام خفي لشخصيات كانت ملوكا وأمراءا في يوم من الأيام ولكن هيديتورا قاطع مصيرهم وحوله الى مصير أسوأ بالتأكيد،وهيديتورا في جنونه يلتقي بأبرز الشخصيات التي ألصق بها قدرا لايمكن الحياد عنه ما تبقى من الحياة...
والنقطة البارزة أن ران هو فيلم يبدو فضفاضا وضخما..مزعجا أحيانا ومزدحما مرة أخرى،مليئا بمشاهد المعارك،ولكننا على الدوام نراه متعلقا بفرد واحد،ومع كل هذه الضخامة نجد المغزى والحنكة الفلسفية تحول نظرة المشاهد الى شيء يدعى ب(سخافة الحياة...أو ضآلتها...أو ربما شدة عدم أهميتها)
الحماقة البشرية تجسدت من خلال اقتتال الأخوة،ولكن هذا موضوع هامشي،لأن الموضوع الأساسي أن هيديتورا جاء انسحاقه وانهزامه نتيجة أزمة عائلية داخلية وبالتالي تحول الى الجنون،وهو عندما يلتقي بأبرز من أذله في الحياة،فالعذاب الأكبر كان أن هزيمته جاءت من الداخل وليس من الخارج.
في الحقيقة هيديتورا يواجه الآن شيئا أعمق وألغز من كل معاركه التي خاضها في السابق...أن يواجه الحياة وعقوبتها الخفية التي لاترحم أيضا...
عندما يحقق الأخ الأوسط-مع العلم بأنه هو من قتل الأخ الأكبر-انتصاراويحمل أباه على حصانه في لحظة من السعادة افتقدها هيديتورا مطولا،تأتي طلقة طائشة وتقتل الأبن فيموت الأب من فوره حزنا وألما وهو أمر يفتح مغزا آخر ملتصق اشد الألتصاق بالمغزي الفلسفي الأول،ألا وهو:هل الحياة تستحق منا كل ذلك؟
هل تستحق كل مانفعله من أجلها؟
ران هو فيلم رائع بامتياز...هو فيلم عن الأرادة التي نعتقد ونبالغ في الاعتقاد بأننا نملكها فعليا،ولكنها تحركنا-أي الأرداة-وفقا الى قراراتنا الى مصيرلم نرغب به أبدا ولم نعتقد أبدا أن حريتنا وارادتنا سوف تقود اليه،فأي أرادة في هذا الكون تتحرك وفقا الى ارادة اعلى قد تكون مفهومة وقد لاتكون مفهومة في أحيان أخرى.
بلال سمير الصدّر
6/2/2015

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات