|
حول قرأنة ماركس
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 4800 - 2015 / 5 / 8 - 08:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعبر الحوار المتمدن عن كنه الإديولوجي بدون خجل، يساري علماني ماركسي، برصد المقالات التي ينشرها، وبدون جدل بيزانطي متضخم، يعبر عن هويته اليسارية الماركسية بما يعنيه الأمر في الأدبيات الماركسية، اول موقع في العالم العربي (وحتى لاننزع للشرود في العروبية يمكن أن نقول العالم الإسلامي أو المشرق وشمال إفريقيا احتراما للتنوع الإثني والعرقي)، أول موقع يسمح بكتابات مناهضة للفكر الذي يتبناه، أول موقع، على أرض الواقع يطبق الديموقراطية الشيوعية كما يمكن تعريفها كونيا، أو كما نلمسها أخيرا في هذه الثورة الصامتة في اوربا والتي تتمخض ببطء كبير لتعلن في زي لبرالي محض بانها ديموقراطية تشاركية، قد يعترض الكثير على هذا القول لنرد عليه ببساطة بأن يأتينا بموقع وحيد لبرالي يطبق هذا المبدأ التشاركي، موقع لبرالي لا يخضع مقالات كتابه للمراقبة، موقع مثلا ينشر انتقادات لاذعة لطريقة ادائه، وفي الصميم ينشر مقالات تناقض مبداه.. في الأيام الأخيرة، وهي في الحقيقة على طول مسار الحوار المتمدن، بعض الكتاب وجدو ضالتهم الكبرى في ماركس، يتهمون الشيوعيون بالتعميم المبجل على أنهم وضعوا ماركس قديسا آخر، في الوقت الذي هم انفسهم هم من وضعوا ماركس في تلك القداسة، برد كل أنتاج في الحقل الماركسي إلى تصحيحه كما ورد في دفاتر ماركس أو قرآنه أو أي نص له، أي أنه اتبعوا المنهج الإسلامي في تحديد احاديث ماركس بين صحيحها وإجماع الفقهاء حولها أو اعتبارها حديث ناقص.. وجدوا عالتهم الكبرى فقط في كون ماركس كتب بالألمانية بشكل يطرح إشكالا حول الترجمة: الآن كل الترجمات العربية خاطئة وهو امر نابع من عقدة المثاقفة أكثر منه يستند إلى أسس الترجمة، كل الترجمات خاطئة إلا ترجمة الفقهاء الجدد.. وهو على كل حال أمر جميل جدا، لكن أخبث ما فيه، إخضاعه للمنطق الإسلامي بالنظر في الأمر إلى مستويات التعامل مع الأحاديث النبوية في الإسلام بشكل يبدوا ان العرب لا يفهمون ماركس إلا على أساس قرأنة نصوصه.. ماذا تعني القرأنة، ببساطة تعني ضرب كل الإنتاج الماركسي ما بعد ماركس، دعوة مضمرة لوضع ماركس موضع النبي..فحين يتهم بعض الشيوعيون بتضخيم ماركس ووضعه في موضع النبي، ينسون في الوقت نفسه انهم هم أنفسهم يحتكمون إلى الصحيح والإجماع والنقص في إيديولوجيته بشكل عام، في الإسلام مثلا، يفهم الأمر بشكل موضوعي، فكل هذه التصنيفات في الحقل السياسي، هي تعبيرات إيديولوجية، أي أن اعتماد النص في الحديث النبوي، يعتمد أساسا على تبرير الفعل السياسي لجهة معينة مع ان النصوص التي تنتمي إلى الإجماع لا تعبر في حقيقة الأمر إلا على سيادة هيمنة معينة لطبقة معينة تحكم بالإسلام بشكل يبدو في التاريخ الإسلامي أن هناك أجماعات متعددة، يمكن تحديدها حسب اختلاف المذاهب بالقول أن هناك إجماع السنة وإجماع الشيعة وإجماع كذا وكذا.. في شأن آخر، نضع نصا اعتمده بعض الزملاء للتدليل على أن الإقتصادي لا يمثل دورا محددا في بنية اجتماعية معينة، أو لنكن موضوعيا، وحتى لا نلقي حكما صارما يتجاوز مبدأ التشكيك عند هؤلاء الزملاء، " ماركس لم يقل صراحة بكون الإقتصادي هو المحدد" مع أن التشكيك هذا يحتكم إلى عملية نسف كاملة لدور الإقتصادي، لا يهمني أصلا إن قال ماركس بالأمر أم لم يقله في حديث صحيح عليه الإجماع، لكن يهمني كثير أن ماركس يحتكم إلى قاعدة مادية للتاريخ يجد أساسها في أنماط الإنتاج، ونصوص ماركس غزيرة في هذا الشأن، وهنا قد يعتبر مخلوق أبله بعقلية كعقلية البراعم الليبيرالية عندنا، كون نمط الإنتاج ليس قاعدة اقتصادية، كأن يكون أي شيء غير نمط الإنتاج، شيء مترفع على نمطيته الإقتصادية، بسحر ما هو سحر الفكر البهلواني الذي لا قاعدة له (مع أن البهلواني نفسه يحتكم إلى قاعدة الرزق، (أي أنه يقدم عروض بمقابل). احدهم وضع هذا النص حرفيا مع اني سأسحب الأعلام احتراما لذوات الأشخاص المعنيين في الأمر: "سألتُ زميلي العزيز( …...)ي ما يلي : هل الاقتصاد هو المحرك الحقيقيّ للتاريخ – لأنّ هذه العبارة تتردد هنا وهناك دون وعي حقيقي حسب ظنّي - لقد اخترعها الذين لم يفهموا ماركس جيّداً فجاء الجواب : كتب إنجلز رسالة إلى جوزيف بلوك... J. Bloch في 21—28 – أيلول 1890 يقول فيها : ....إن العامل المحدد حسب التصور الماديّ للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج الحياة الواقعيّة وتجديد إنتاجها . ولم يقل ماركس أبداً , أكثر من ذلك. فإن شوه أحدهم هذا الرأي بأن جعله يدل على أن العامل الاقتصاديّ هو المحدد الوحيد , فقد حوله إلى كلام أجوف , ومجرد , وغير معقول ..” ملاحظات اولية: صاحب هذا النص هو انجلز وليس ماركس (وهنا يبدو تحريف مقصود من رسالة فيها القول لأنجلز إلى قول على ماركس،(تماثل ماركس بأنجلز لنسبة مائوية عالية جدا) " إن العامل المحدد هو إنتاج الحياة الواقعية.. وتجديد إنتاجها..” لم يقل لنا النص ما هو هذا العامل الذي ينتج الحياة الواقعية.. وهل هذا العامل يستند إلى غير الإقتصادي.. هل يستطيع أحد ان ينفي الإقتصادي في الأمر؟ العامل الإقتصادي ك"محدد وحيد"، هذه الفكرة تشويه للفكر الماركسي أكثر من انها تعبر عن الماركسيين، لعل الشهيد مهدي عامل انتبه للأمر حين انتقد النزعة الإقتصادوية في فكر بعض المتمركسين العرب. الماركسيون هم أول من انتقد النزعة الإقتصادوية بشكل يعنون أن: المحدد الاخير وليس الوحيد كما جاءت في الصيغة، لبنية اجتماعية معينة هو نمط الإنتاج السائد فيها، أي المستوى الإقتصادي.. (النمط الإقطاعي أو العبودي أو الراسمالي.. هي الأشكال المادية للتاريخ.. طبعا يمكن أن يلغيها أي ليبيرالي بنزعة هيغلية.) الآن ، وفي تطور الفكر الماركسي عبر ألتوسيرن ، ماو ومهدي عامل وآخرون (حتى لا نعدم كل مساهمة فكرية بنزعة تحقيرية تستند إلى الإنبطاح في أحضان الفكر الرجعي التبعي للغرب ..) ليس ماركس وحده من نظر لدور المستوى الإقتصادي بشكل يشكل مستوى موضوعي أساسي وليس رئيسي كما يعتقد البعض.. يختلف شكل مساءلة الإقتصادي في دوره على مساءلة السياسي في دوره وهذا أساسي في الفهم الماركسي، إن توجه ماركس لدراسة الإقتصادي يكمن أساسا في غموض تام هو إحساسه بانه يلعب دورا أساسيا ليس كدور البنية الفكرية، ومعنى هذا انه يلعب دورا مهما.. على أساسها يتحدد الفكر داخل الحقل الإيديولوجي كما يتحدد السياسي أيضا، لكن بعملية جدلية معقدة، قاربها ألتوسير من خلال الأنساق النمطية في بنية اجتماعية محددة كما قاربها مهدي عامل بنفس الطريقة بارتباطها البنيوي مع الأنساق الزمنية: زمان التكون، زمان التطور (إعادة إنتاج علاقات الإنتاج السابقة)، زمان القطع (وهو زمان التحول إلى نمط إنتاج جديد). إن السياسي هو الرئيسي في التطور الإجتماعي، وهذا هو صلب الفكر الماركسي، الذي يجهله الكثير برغم انه كنه الحياة اليومية تقوم عليه: في الإنتخابات، تقوم الدعاية على جلب الرفاه للمجتمع بشكل عام، وعلى أساسها يقوم التصويت، إنها ممارسة سياسية محضة لا ينكرها إلا جاحد، لا يهم بعد ذلك ما إذا كان السياسيون يكذبون أم هم لا يكذبون، في أحسن الأحوال يقدمون إكراهاتهم، لكن في نظام ديموقراطي حقيقي ينفلت من قيود نظام معين، في سياق الخروج عن نظام اقتصادي كوني كالنظام الراسمالي، حزب معين يعد بالجمهورية الفاضلة كاستثناء عن السياق الكوني العام، هذا السياق لا يسمح بالأمر وهذا هو ما تجهله البراعم الليبيرالية. نصوص ماركس غنية بما يؤكد أن الإقتصادي هو المحدد الاخير لأي بنية اجتماعية معينة، استند ماركس في كل كتاباته حول الأنماط التاريخية لهذا المستوى، ومن يعتقد بأن ماركس لم يقل أكثر مما قاله أنجلز مع تأكيد أن ذلك هو مساهمة غرة في تحويل الفهم، إن إنتاج الحياة الواقعية للبشر هو إنتاج ما به يعيشون، إنه الإقتصاد ، لكنه الإقتصاد ليس المحدد الرءيسي، إنه فقط المحدد الأخير: قل لي عن أي مجتمع تريد، قل لي يهيمن عليه الفكر الفلاني أو الفكر الفلاني، كلمني عن نمط إنتاجه أقول لك من هو، هذا ما يعنيه أن الإقتصادي هو المحدد الاخير وهذا بالتحديد ما يؤكده نص رائع لماركس في الإيديولوجيا الألمانية: "إن كل تصور تاريخي لحد الآن إما انه قد ترك جانبا وبصفة كلية القاعدة الحقيقية للتاريخ (الاقتصاد)، أو أنه يعتبرها مجرد شيء هامشي لا علاقة له بسير التاريخ. وتبعا لذلك فقد كتب التاريخ دائما انطلاقا من معايير غريبة عنه (...) وبالتالي فإن هذه النظرة لم تر في التاريخ إلا تعاقبا للأحداث التاريخية والسياسية والنزاعات الدينية الكبرى مما أدى بصفة خاصة إلى الاقتناع بالأوهام بكل عصر تاريخي فإذا افترضنا أن حقبة ما، تتصور نفسها كما لو كانت محددة بأسباب دينية وسياسية خالصة تحركها، فإن مؤرخ هذه الحقبة يقبل هذا الرأي. وهكذا تتحول التمثلات التي يكونها أناس محددون عن ممارستهم الواقعية إلى القوة الوحيدة والفاعلة التي تحدد ممارسة هؤلاء الناس وتهيمن عليها. فإذا كان الشكل البسيط الذي ظهر به تقسيم العمل عند الهنود أو المصريين القدماء، قد أدى إلى ظهور نظام الطبقات المغلقة على مستوى الدين والدولة عند هذين الشعبين، فإن المؤرخ يعتقد بأن نظام الطبقات المغلقة، هو القوة التي أنتجت هذا الشكل من التنظيم الاجتماعي." الإيديولوجيا الألمانية"
في كل الأحوال ، أحب أن يكون الإستفزاز الفكري مبنيا على القبض على واقع معاش فيه القابضون على فاكهة الوقت هم من يستفزون وليس على شعارات فكر لم يحقق بعد سطوته على الواقع..
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكل العلمانية في دول المشرق وشمال إفريقيا
-
قوانين في المغرب تمهيدا لدوعشته
-
الخبز والياسمين وما بينهما
-
مساهمة في الجدل حول علمية الدياليكتيك
-
يقظة ضمير
-
حول العلمانية
-
خلفيات الحكم بالإعدام على محمد امخيطر
-
مظاهرة باريس برأس أفعى سامة
-
أنسنة الإسلام هي موت شكل منه
-
بخصوص التعليقات المشوشة على الحملة
-
إعادة النظر في التنزيه الإلهي: موضوع على خلفية حكم الإعدام ف
...
-
ملاك الدفن
-
عاصمة -الرههج- والديبلوأعرابية
-
بهذه الأخلاق ستكون أشقر الرأس في أوربا
-
نمط الإنتاج الهمجي
-
أعرور 3 : تاعبوت
-
أعرور 2
-
أعرور
-
صلاة عيد الكبش
-
عودة إلى أبرهامي
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|