خلود الزغير
الحوار المتمدن-العدد: 1332 - 2005 / 9 / 29 - 11:24
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من الغريب والمخزي بل والمحزن أيضا أنه في الوقت الذي تناقش فيه دول العالم عقوبة الإعدام ودول عديدة أسقطت هذه العقوبة نهائيا حتى عن ذوي الجرائم الكبرى اللذين ألحقوا الأذى البالغ بالغير وأساؤوا للإنسانية والمجتمع , لا نزال نحن (دعاة السلام ) نقتل بدم بارد باسم الحب ؟..
أتساءل كيف يمكن لمدينة كاملة لها تاريخها الثوري وتحتضن حركات ثقافية شبابية من تيارات فكرية متنوعة وتعرف بنزعتها التحررية خاصة تجاه المرآة , أن تستقبل جريمة قتل لا يمكن تبريرها إنسانيا بهذا الصمت المخيف ؟
منذ أسبوعين لا زلت أنتظر أن أسمع أن جماعة من الشباب المثقفين مثلا (وودت لو كانوا نساء ) قد اجتمعوا وقدموا اعتراضا عن ما جرى لجهة ما , أو حتى استنكروا هذا النوع من الجرائم علما أنها ليست الجريمة الأولى التي ترتكب في هذه المدينة تحت "اسم جنايات الشرف " بل تندرج ضمن قائمة من أسوأ أنواع الجرائم التي لم يتم حتى الآن وضع حد لها لا قانونيا ولا دينيا ولا اجتماعيا .
أملت طوال الفترة السابقة أن أسمع أن محاميا واحدا من مئات المحامين في محافظة السويداء قد غض الطرف عن أتعابه , واستذكر شعارات العدالة التي طالما يحاضر بها وتبنى قضية هدى أبو عسلي , في حين أبدى الجميع دفاعه عن القاتل , وهذا ما حصل حيث أن الأخ القاتل لم يمض أسبوعا واحدا في السجن , إن العدالة المظفرة قامت بالدفاع عن القاتل في حين أن الضحية لم يتجرأ أحد لا عن الدفاع عن حقها بالحياة ولا حتى عن ذكر الواقعة .
إن هدى أبو عسلي قتلت فقط لأنها تزوجت مذهب ديني مختلف , ليس لأنها ارتكبت خيانة وطنية , ولا لأنها ارتكبت جريمة قتل أو سرقة أو رشوة , لم تقم بتهريب مخدرات أو سلاح ولا أي نوع من الجرائم التي نشهدها يوميا ونوافق عليها بل ونشارك بها غالبا .قتلت فقط لأنها ارتكبت جناية الحب .
بعد أن حاولت الاتصال بأهلها لمصالحتهم غرروا بها , ووعدوها بالمصالحة , وعندما دخلت منزل أهلها كانت حفلة الموت معدة بشكل لائق , حيث تواجد وجهاء عائلة أبو عسلي والأقارب أغلبهم استقبلت هدى بالشتائم والرصاص لتنطلق بعدها زغاريد غسل الشرف , لقد احتفل الجميع فوق دمائها ,بعد ساعات سحبت الجثة لتدفن كالجيفة دون أدنى شعور بالأسف أو الإثم , في اليوم التالي تبارك المدينة كلها وتحديدا نساؤها هذه الجريمة , وتصبح على مدى أيام رسالة إنذار مبطنة إلى جميع النساء ....
لا أعرف لماذا وأنا أذكر هذه الحادثة أشعر وكأنني أتكلم عن حدث يمكن أن يتم بهذه الطبيعة في عصور ما قبل التاريخ الحضاري يمكن أن يبرر ويشرعن في زمن ما قبل تشكل وعي الإنسان بذاته وإنسانيته وحريته , لكن أن يشرعن هذا الفعل في عام/ 2005/ وفي مدينة تشتد الآن النقاشات فيها حول الحداثة وما بعد الحداثة تصبح هنا المفارقة مرعبة ؟"...
إننا إذ نقوم بتحليل هذه الواقعة اجتماعيا (خاصة وأن هذا النوع من الجرائم أصبح يشكل ظاهرة اجتماعية ) نكشف عن جملة من المفارقات والطروحات اللا منطقية التي تثير السخرية بقدر ما تثير الأسف بدءا من مصطلح " جنايات الشرف " لنسأل أولا عن مفهوم الشرف ؟
لماذا الشرف العربي نوعا عن كل أنواع وصنوف الشرف في العالم لا زال محصورا ومحصنا في جسد المرآة ؟ وحبذا لو كان هذا الجسد الذي تمركز فيه شرف الرجل العربي يأخذ صفة الاحترام والتقدير , بل على العكس انه الجسد المبخس والإثم , الجسد العورة ومنبع الفتن وكأن العربي ولا أعرف لماذا يتناسى شرفه السياسي المخزي , وشرفه الممتهن في العمل , وشرفه الاجتماعي من قيم النبل والتسامح وغيرها من الأخلاق التعايشية ليكرس أخلاق القتل ,
يتناسى العربي شرفه الإنساني وحقه بالعيش كذات حرة ويغض
النظر عن كل أنواع الشرف الحقيقي والمعترف به أخلاقيا وقيميا ليتمسك بأحط أبعاد الشرف فيصبح شرف الشخص ليس موضوعا خاصا بذاته هو , بل يسقطه على ذات أخرى تنضوي تحت وصايته , يتنازل العربي عن شرفه الفردي ليحمل مسؤوليتة إلى ذات يمارس عليها قهره واضطهاده , حيث يتجلى شعور الرجل العربي بالنقص من كونه ممتهن الشرف الإنساني بمفهومه الأوسع والاشمل في محاسبة جسد امرأته على شرفه هو .
وإذا خرجنا من المفاهيم لندخل في الواقعة ذاتها سنجد أن هذه الجريمة غير مبررة لا دينيا ولا قانونيا ولا إنسانيا , فعلى اعتبار أن هذه الجريمة ارتكبت في جماعة تطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية , فالإسلام لم يبح القتل في هذه الحالة حتى ولو كانت زنا وليس زواج , فالفتاة العذراء إن زنت تجلد ولا تقتل , وهذا الفعل إذن لا يمكن أن يسمى سوى روح إنسانية في جميع الأديان سماوية كانت أم أرضية .
أما قانونيا , فالقانون السوري على الرغم من أنه يستقي أحكامه وعقوباته من مصادر أكل عليها الدهر وشرب إلا أنه لا يتضمن بندا يشرعن قتل امرأة تزوجت من مذهب ديني مختلف , والأهم من ذلك أنه إنسانيا هذه الجريمة هي اعتداء على الجسد والروح الإنسانية , اعتداء على أهم حقوق الإنسان وهو الحق بالحياة وتحمل كل معاني الإرهاب الاجتماعي .
ولكن الجانب الأعمق في القضية يكمن في تواطؤ القانون السوري مع هذا العرف الاجتماعي البدائي والقبلي المتخلف , وإعطائه المسوغات وشرعنته من خلال تخفيض العقوبة على مرتكبه , وبالتالي القانون هنا يأخذ دور المشجع الأكبر على هكذا جرائم , ونصبح نحن كمواطنين خاضعين لقانون يحاكمنا أحيانا بصيغ مدنية تحترم إنسانيتنا , وحينا يحاكمنا بقوانين بدائية وهمجية تقتدي بشكل سافر على إنسانيتنا وحقنا بالحب والحياة .
وخصوصية هذه الجريمة تكمن في أنها تمت عن سابق إصرار
وترصد , فالأخ لم يفاجأ بشرفه المجروح فارتكب جريمته تحت
تأثير انفعالي يمكن تبريره , بل إن هذه الجريمة دبرت على مدى أيام طويلة , لذا فالعقاب كان لازما وضروريا إلا أنه أسقط ....
أما التحليل المنطقي للوجهة الدينية في الجريمة فيقود للتساؤل التالي : أننا إذا سلمنا بفكرة الله والأديان المختلفة فإننا نسأل : هل الله قسم عباده إلى أديان وطوائف وملل أم وزعهم ضمن عصابات متناحرة وفرق متصارعة بحيث يصبح الانتقال من فرقة لأخرى خيانة كبرى تستوجب القتل ؟
إذا كنا جميعا مؤمنون ومصطفون في صفوف الله والكل يسلم باله واحد والأديان جاءت لغاية واحدة فما المشكلة إذا أراد أحد أن ينتقل من الميمنة إلى الميسرة أو إلى المقدمة ما دام القائد واحد والهدف واحد ؟
إن تجريم هكذا انتقال يحمل ضمنا اعتقاد غير موعى بنفي وحدانية الإله , وهذا إثم ديني أهم من الإثم الذي ارتكبت به الجريمة .
مفارقة أخرى يجب طرحها هي أننا كلما ناقشنا مشكلة الطائفية في المجتمع العربي يجمع الكل على أن الاستعمار الأوربي أسس للطائفية في مجتمعنا , وان إسرائيل وأمريكا تجهد لترسيخها كونها أحد أهم مشكلات المجتمع العربي فأسأل هنا : ما دور أوربا والعالم الغربي في هذه الجريمة ؟ ألم يحن الوقت لنعترف بجرأة أننا نحن من نرسخ الطائفية ونجهد لاستمرارها وتوريثها للأجيال القادمة ليس أيديولوجيا فقط بل فعليا وبالدم ؟
أليس علينا الاعتراف بأننا بهكذا أعراف بالية وغير مبررة ننفي كل أشكال التعايش الاجتماعي ونفضح موقفنا الحقيقي والضمني تجاه الآخر , الذي هو ليس آخرا غريبا بل ابن أمتنا ويحمل نفس جنسيتنا وهويتنا ؟
هل نقتل للدفاع عن ملة أو مذهب تحت وهم العرق الصافي متناسين العدو الحقيقي , ومتجاهلين أنه يقبع داخلنا غالبا ؟ إن استمرار هذه الجرائم هي أكبر محرض على الطائفية وتحرك القانون للحد من هذه الظاهرة السلبية هو الخطوة الأولى باتجاه تفعيل اجتماعي ثقافي يؤسس لوعي جديد تجاه هذه المسائل .
فليس ثمة فكرة في العالم مهما عظمت تشرعن قتل ذات بشرية , وأهم الأفكار والإيديولوجيات تسقط أمام نبضة حياة إنسان .
أعتقد أنه علينا أن نعيد النظر في مفهوم الحب , وأن نقر أن الحب المشروط لا يمكن أن يكون حبا حقيقيا . إن الأب الذي يحب ابنته أو الزوج الذي يحب زوجته فقط إذا انصاعت لشروط حبه وامتثلت لرؤيته للعالم لا يمكن أن يكون حبه حقيقيا وبالتالي ليس عليه أن ينتظر منها حبا حقيقيا , لا يمكن لشخص أن يحب شخصا آخر قادرا في لحظة على قتله .
أن نحب الآخر هو أن نكون قادرين أبدا أن نغفر له , أن نحتويه دائما آثما أو قديسا , الحب هو القدرة اللامتناهية على الغفران .
لذا يبدو أننا بحاجة لشجاعة عالية لنتعرف آسفين إن المرآة العربية لا تزال تعيش في كنف قاتلها ...............
الباحثة الاجتماعية
خلود الزغير
#خلود_الزغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟