|
ما بين د.عصام السرطاوي ود.احمد يوسف : عقلانية الفكرة ومنزلقات التطبيق
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 09:50
المحور:
القضية الفلسطينية
وأنا اتابع ردة الفعل القوية لبعض قيادات حركة حماس على القيادي الحمساوي الدكتور احمد يوسف بسبب تصريحاته المتكررة والجريئة سواء عندما قال بوجود "دردشات" بين حماس وإسرائيل وقبل ذلك فتحه قنوات اتصال لحركة حماس مع اوروبيين وأمريكيين ويهود، بالإضافة إلى كثير من مواقفه العقلانية والمعتدلة ، استحضرت في ذهني قضية الدكتور عصام السرطاوي ، وإن كنت أتمنى ألا يكون مصير الدكتور احمد يوسف مصير السرطاوي الذي اغتالته جماعة أبو نضال التي قيل لاحقا أنها كانت على صلة بالمخابرات الامريكية ومختَرَقة إسرائيليا ، إلا أن قواسم مشتركة كثيرة بين الشخصيتين ودورهما ، كل في حركته وتنظيمه ، فكل منهما تَكلَف من قيادته بمهمة صعبة وغير محبَبَة عند الجمهور وتتعارض مع المنطلقات والمبادئ الأولى للحركة ، وبالتالي أسيء فهم الشخص والتصرف عند الجمهور . تبدأ قصة أبن فتح عصام السرطاوي في بداية السبعينيات حيث تبنى المجلس الوطني الفلسطيني هدف/شعار فلسطين الديمقراطية التي يتعايش فيها اليهود والمسيحيين والمسلمين في دولة واحدة ، وكسرت المنظمة محرم الاتصال باليهود غير الصهاينة، وهدف كهذا كان يحتاج إلى اختراق المجتمع الإسرائيلي للبحث عن من يؤيد هذا الهدف من اليهود واختراق الغربيين لتوصيل الفكرة إليهم ودفعهم لتبنيها ، وكان الاعتقاد آنذاك أن هذا الهدف والتواصل مع اليهود سيجعل الغرب واليهود المعتدلين أكثر تفهما وقبولا لمنظمة التحرير ونهجها السياسي . ولكن ، ولأن الزمن كان زمن الشعارات الثورية الكبيرة وزمن المطلقات المقدسة فلسطينيا وعربيا – تحرير فلسطين من البحر على النهر ، والكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ، واليهود والغرب أعداء للشعب الفلسطيني والعربي لا يجوز التواصل أو التعامل معهم – لذا كان من المحرم على القيادة الفلسطينية أن تقوم بنفسها بالتواصل مع هؤلاء الأعداء حتى لا تسيء إلى طهريتها وصورتها عند الجماهير التي تم تعبئتها على غير هذا الهدف. ومن هنا اخذت المنظمة تبحث عن شخصيات وطنية جريئة تستطيع من خلالها تمرير هذه الرؤية وكسر الحصار عن منظمة التحرير وتحريرها من شعاراتها والتزاماتها الأولى بعد انكشاف محدودية العمل العسكري الفلسطيني لوحده على تحرير فلسطين ،ومحدودية القدرة العربية على مساعدة الفلسطينيين وهو ما تكشف بعد احداث ايلول في الاردن وبعدها حرب اكتوبر 1973 ، وكذلك لقطع الطريق على الاردن الذي كان مصرا على أن يتحدث باسم الفلسطينيين ويمثل القضية الفلسطينية . كان الدكتور عصام السرطاوي أحد من وقع عليهم الاختيار ليقوم بهذه "المهمة القذرة " كما وصفها السرطاوي نفسه في اجتماع للقيادة ردا على مَن كانوا يتهمونه بالخيانة وتخلوا عنه عندما انكشفت الاتصالات ، ففي ذلك الزمان والوقت كان الاتصال باليهود والغربيين وخصوصا الامريكان نوعا من الانتحار والخيانة الوطنية حسب المفاهيم والقيم السياسية الشعبية . وبالفعل بدأ السرطاوي عمله اتصالاته وهو في موقع المسؤولية في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ،التي كانت سرية ثم اصبحت علنية منذ عام 1976 . كان الدكتور عصام الصرطاوي إبن قرية سرطة في الضفة الغربية طبيبا يعيش في الولايات المتحدة الامريكية وله علاقات وصداقات واسعة مع مثقفين امريكيين وأوروبيين ويهود ، ونتيجة علاقاته الواسعة ومعرفته للعقلية الغربية وكيفية التعامل معها بالإضافة إلى تشكيله وترأسه لجماعة فلسطينية فقد لفت في بداية السبعينيات انتباه قيادة منظمة التحرير وخصوصا محمود عباس الذي كان غير راض عن مخرجات العمل العسكري وقدرته على إنجاز الهدف الوطني ، وكان مهتما بكيفية التواصل مع العالم الغربي واختراق المجتمع الإسرائيلي وخصوصا بعد رؤية الحصاد الهزيل لحرب اكتوبر 1973 . ومن خلال أبو مازن قام الراحل ياسر عرفات بتعيين السرطاوي مستشاراً للشؤون الخارجية لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى عضويته في المجلس الوطني الفلسطيني وفي المجلس الثوري لحركة فتح . قبول السرطاوي بهذه المهمة ومباشرته الاتصال مع إسرائيليين وغربيين بتكليف رسمي من القيادة الفلسطينية ،ولكن دون تبني القيادة لهذه الاتصالات رسميا بل تهربها بداية الأمر من الاعتراف بأن السرطاوي يمثلها،أثار غضب فلسطينيين وغير فلسطينيين باعتبار ما يقوم به السرطاوي خيانة وطنية ، وكان من ضمن هؤلاء صبري البناء " أبو نضال " الذي كلف عناصره باغتيال السرطاوي ، وهذا ما جرى حيث تم اغتياله في فندق البوفيرا في لشبونه /البرتغال يوم العاشر من ابريل 1983 أثناء مشاركته في دوره للاشتراكية الأممية ممثلا لمنظمة التحرير. وكان التاريخ يُعيد نفسه وسبق أن كتبنا وقلنا إن حركة حماس تعيد انتاج تجربة منظمة التحرير وحركة فتح ولكن بثمن اكثر فداحة بالنسبة الشعب الفلسطينية وبحصيلة وطنية أقل . يبدو أنه وقع الاختيار على الدكتور احمد يوسف ليلعب نفس الدور الذي لعبه الدكتور السرطاوي ، في ظروف تمر بها حماس تشبه الظروف التي مرت بها حركة فتح ومنظمة التحرير في السبعينيات مع اختلاف الصفة التمثيلية وأهداف كل من منظمة التحرير وحركة حماس . جزء من إعادة التاريخ والتجربة هو ما يجري مع الدكتور احمد يوسف بخصوص اتصالاته ومواقفه خارج صندوق أقانيم حركة حماس . الدكتور احمد يوسف حاصل على درجة الدكتوراه وعاش لسنوات في الولايات المتحدة ، وخلال معيشته في الولايات المتحدة وسفرياته لكثير من دول العالم وإطلاعه على كثير من تجارب الشعوب أصبح يتميز بعقلية واقعية وعقلانية مكنته من نسج علاقات كثيرة مع شخصيات امريكية وغربية ويهودية أراد أن يوظفها لصالح جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها أولا قبل انتمائه لحركة حماس . حركة حماس وبعد فوزها بالانتخابات التشريعية في يناير 2006 أخرجت الانتخابات عن سياقها وحقيقتها كانتخابات لمجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي وليس لانتخاب مَن يمثل الشعب الفلسطيني بشكل عام ، وفسرت الانتخابات بأنها تفويض لها بقيادة الشعب الفلسطيني ، وبعد اكتشاف محدودية المقاومة المسلحة من خلال ثلاثة حروب مدمرة على قطاع غزة ، وحتى تتماهى حركة حماس مع أصلها - جماعة الإخوان المسلمين – المتحالف مع واشنطن والغرب ومع دول تعترف بإسرائيل كتركيا وقطر ... كل ذلك دفع حركة حماس لتحاول التعامل مع العالم الخارجي على أساس أنها ممثلة الشعب الفلسطيني ولتكسر احتكار منظمة التحرير لتمثيل الشعب ، ولتوصل للعالم أنها مستعدة للتعامل والاعتراف بالمتغيرات التي تشهدها المنطقة، وخصوصا مع توجه حركة حماس للانتقال من حركة مقاومة وجهاد إلى سلطة وحكومة ودولة ولو في حدود قطاع غزة . ولكن وبما أن غالبية العالم الخارجي ما زال يعتبر حركة حماس منظمة إرهابية وينتابه الشك حول أهدافها ، ولأن قيادة حركة حماس - المُقَيدة نظريا بميثاق الحركة وشعاراتها ومطلقاتها المعلنة كالجهاد حتى تحرير كامل فلسطين وعدم الاعتراف بإسرائيل ،وفلسطين وقف إسلامي الخ – لا تستطيع أن تكسر المحرمات مرة واحدة لأن جمهور حماس معبئ بالمنطلقات ألأولى ، فقد اوعزت القيادة العليا للإخوان ولحركة حماس لبعض القيادات العقلانية والمتفتحة بأن تتواصل مع الغرب وعلى رأسه واشنطن ومع الإسرائيليين لكسر العزلة عن حركة حماس وفتح الطريق أمامها للتفاوض كطرف يمثل الشعب الفلسطيني ولو في حدود قطاع غزة ، وكان كل من الدكتور غازي حمد والدكتور احمد يوسف من اولئك الاشخاص الذين قبلوا القيام بهذه المهمة من داخل الاراضي المحتلة ، دون أن تعرف كثير من قيادات حماس وخصوصا من الصف الثاني وكذا عناصر حماس العاديين حقيقة أن الدكتور احمد يوسف لا يتصرف من تلقاء نفسه بل يقوم بمهمة بتكليف رسمي من الحركة . نقطة الافتراق بين التجربتين أن السرطاوي كان مكلفا بمهمة من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بالتوافق الفلسطيني و باعتراف العرب والأمم المتحدة ، أما سعي حركة حماس للتفاوض مع الإسرائيليين فسيكون أمرا خطيرا ، ليس فقط لأن حركة حماس أضفت طابعا دينيا مقدسا على مواقفها الرافضة للاعتراف بإسرائيل أو التفاوض معها ، ولا لأنه تحت هذه الشعارات سقط الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى ، بل لأن هكذا مفاوضات ستكسر مبدأ وحدانية التمثيل الفلسطيني وستعمق الانقسام وستخدم إسرائيل كثيرا حيث لن تمانع إسرائيل بل سترحب بخوض مفاوضات مع طرفين فلسطينيين متصارعين على السلطة ولكل منهما أهداف مختلفة عن الآخر ، وستعمل إسرائيل على ابتزاز الطرفين ودفع كل واحد لتقديم مزيد من التنازلات لها مقابل اعتراف إسرائيل به كممثل للشعب الفلسطيني أو منحه مزيدا من الصلاحيات ، كل في نطاق السلطة الوهمية التي بيده سواء في قطاع غزة او في الضفة الفلسطينية . والخلاصة أن فكرة التواصل والانفتاح على العالم الخارجي وعلى إسرائيل بل والتفاوض معهما ليست فكرة خاطئة من حيث المبدأ ،ولكن المنزلقات والتخوفات تكمن في الهدف من هذه المفاوضات والاتصالات وفي آلية التطبيق وفي الفريق المفاوض وفي غياب استراتيجية وطنية حول المفاوضات محل توافق وطني . حيث ثبت أن المفاوضات التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الإسرائيليين بدلا من أن تؤدي لاختراق الجبهة الداخلية عندهم أدت لأن تخترقنا إسرائيل بالاستيطان والتهويد وبالانقسام وبإفساد نخبة المجتمع وتفقير الشعب ، ولا نعتقد أن مفاوضات حماس ستكون افضل حالا .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبادرات تتوالى ، فهل نحن مستعدون؟
-
هل تعي حركة حماس ما تفعل ؟
-
حكومة الوفاق وضريبة حماس
-
استهداف مخيم اليرموك استهداف لحق العودة وللكرامة الفلسطينية
-
فلسطين بوابة العرب لاستنهاض مشروعهم القومي
-
القادة العظام يصنعون أمجادا والقادة الصغار يبددون حقوقا وأوط
...
-
استخلاصات من نتائج الانتخابات الإسرائيلية
-
عودة مشروع -غزة أولا- ولكن بثمن أفدح
-
لكل أمة مشروعها الحضاري القومي إلا الأمة العربية
-
مقاربة مفهومية لتفكيك ظاهرة الإرهاب
-
المطلوب من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية
-
انقلاب هادئ وخطير في أراضي السلطة الفلسطينية
-
مشهدان متناقضان في فلسطين المحتلة
-
هل سيغطي إرهاب داعش على الإرهاب الإسرائيلي ؟
-
صناعة دولة غزة
-
هل توجد استراتيجية فلسطينية لمواجهة الحرب القادمة ؟
-
الحذر من تعويم مفهوم الإرهاب
-
كيف ستنجح حكومة التوافق الفلسطينية في ظل غياب التوافق !
-
المؤتمر السابع لحركة فتح : عليه المسؤولية والرهان
-
فشل التصويت على القرار العربي في مجلس الأمن (رب ضارة نافعة)
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|