أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله دعيس - أوجاع الياسمين والبحث عن الذّات














المزيد.....

أوجاع الياسمين والبحث عن الذّات


عبدالله دعيس

الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 22:03
المحور: الادب والفن
    



عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس صدرت عام 2013 مجموعة نصوص للكاتب الفلسطيني سلطان ميّ،وتقع في 166 صفحة من الحجم المتوسط.
واتلقرئ لهذه النّصوص سيتساءل: هل يتوجّع الياسمين؟ وهل يتألّم الجمال؟ ما الألم الذي سيّطر على الكاتب عندما اختار هذا العنوان لنصوصه؟ وهل سينتصر الألم أم أن جمال الياسمين سيطغى على هذا الوجع؟ تساؤلات يثيرها عنوان الكتاب وغلافه الأسود القاتم الذي تظهر فيه زهرة ياسمين وحيدة مبللة بالندى.
ما إن نقتفي أثر النصوص التي خطها الكاتب، سلطان ميّ، حتى ندرك أننا أمام شخصيّة سوداويّة متشائمة لا ترى إلا الجانب المظلم من الماضي والحاضر، تجترّ الحزن والألم ولا تجد الفرح إلا في أحلامها، تهرب دوما من الواقع إلى الحلم. فالحلم هو طريقة الكاتب في الهروب من واقعه ووقاية نفسه من سقطة عنيفة في أتون الصراع النفسيّ الجارف الذي يجتاحه.
يصارع الكاتب رغبة مجنونة بالهجرة والهروب من الواقع، لكنه يتغلب على هذه الرغبة عن طريق الهروب إلى الخيال؛ حيث يعيش فيه مغامرات سعيدة مع معشوقة يصنعها بنفسه، ويفصّلها كما يريد، ويتحرر بعلاقته معها من كل القيم والحدود التي تحجمه في حياته الواقعيّة.
يبدو أن الكاتب يعاني من صراع نفسي عميق، وحيرة تعصف به، فيترجمها بكلمات وأحلام متداخلة. فكلما اضطربت نفسه بتلك الأفكار المجنونة الهمجيّة التي تسبب له الوجع والألم، هرب منها إلى الحلم ليصدها عن طريقه، فيخلق قصة خيالية يعيش فيها مع فتاة من صنع أحلامه، تكون طوع يديه، يأخذ منها ما يريد، فيكون هذا الحلم العنيف ردا على عنف الأفكار والاضطرابات التي تعصف به.
يبحث الكاتب من خلال نصوصه عن ذاته، لكنه لا يجدها، فهو تائه بين أفكاره المتلاطمة، غير مقتنع بكل ما يدور حوله. يتساءل دوما لماذا ؟ وكيف؟ لكنه لا يجد الإجابة الشافية على سؤاله، فهو يعاني من عذاب نفسيّ عميق، يعبّر عنه بطرق مختلفة وفي أماكن مختلفة، فالحيرة تلفّه وتهزّ كيانه. وهو يخاف من المجهول ولا يستطيع أن يتوقع ماذا ستجلب له نفسه إنه هو تخلّى عن أحلامه وعن عالمه الموازي الذي يعيشه فيه بعيدا عن الواقع. فهو يخلق لنفسه في كل صباح أو مساء أو ليل فتاة ترافقه، فيتحول إلى عاشق مرهف الإحساس جريء الوصف، فيخلق صورة متحركة يصفها بأدق التفاصيل وكأنها تحدث في الحقيقة. هذه الأحلام تبعده عن الانتحار الذي ينساق إليه كثير من الشباب الذين يقعون في براثن الصراع النفسي والحيرة والقلق، فهو ليس أنانيا رغم تمركز كتاباته حول ذاته، فلن يسمح لجنونه أن يقوده للانتحار، ولن يهرب إلى الموت ويترك العذاب للآخرين، لكنه يختار بدل ذلك أن يهرب من الواقع إلى أحلامه الورديّة.
الشخصية المحوريّة في نصوص الكاتب هي الكاتب نفسه، فهو يبدع في وصف كل الخلجات التي تدور داخله، ويمعن في الحوار الداخلي الذي يدور في نفسه. يقوم بذلك بأساليب متعددة متنوعة ومبتكرة أحيانا، فهو تارة يناجي المرآة وتارة نراه يحاور صديقا أو يحكي عن جارة أو شخصا يقابله في مطعم ثم ندرك أن كل هؤلاء الشخصيات ما هم إلا الكاتب نفسه، يتحدث عن نفسه من خلالهم.
ولا يترك الكاتب القارئ في حيرة من أمره، فيشير بين السطور إلى الأسباب التي قد تكون أوصلته إلى هذه الحالة من اليأس والقنوط والسوداويّة. فهو من قرية مهجرة ويعيش في قرية أخرى لاجئا غريبا، وتعاني هي الأخرى من وطء الاحتلال، وقد عاش طفولة كان فيها ضعيفا ذا بنية جسدية هزيلة لم تكن لديه القدرة على مجاراة أقرانه في استعراضهم لقوتهم، فترك ذلك ندبا في شخصيته.
تبرز الروح الوطنية في بعض نصوصه، فهو ابن فلسطين مؤمن بعدالة قضيتها ناقما على المحتل. لكنه يرى أن الواقع الفلسطيني سيء جدا، تشوبه حالة الانقسام والتشرذم. ولا يبدو مؤمنا بوطنه أو أمته، بل يحكمه التشاؤم عندما ينظر إلى مستقبل الوطن، ويتحدث عن العمل الوطني الفلسطيني بطريقة ساخرة تهكميّة، فهو لا يرى إلا الجانب المظلم، ويغفل عن البطولات التي قدمها ويقدما الشعب الفلسطيني من أجل الخلاص من الاحتلال. وبالمقابل فهو لا يخفي أمله الخافت في زوال الاحتلال، فيقول في صفحة 95: "سأحل عليها لفترة وجيزة كالضيوف الحاليين المحتلين هنا." ويتطرق بخجل إلى المواضيع الوطنية، مثل إضراب الأسرى عن الطعام، ونلمح قدرا يسيرا من لوم الكاتب لنفسه لانشغاله في أحلام العشق بعيدا عن تضحياتهم.
يكتب الكاتب بعفويّة ويطلق سجيّته على عنانها، فنراه أحيانا ينتقل من السرد إلى مخاطبة القارئ وكأنه شخص ماثل أمامه. ويبدع الكاتب في الوصف ورسم الصور المتكاملة المتحرّكة، فتراه يصف مشهدا عاديا، كأن يسير مثلا في شارع هادئ في الليل، لكنه يحوّل هذا المشهد بلغته الفنيّة وتشبيهاته وصوره إلى عالم خيالي مفعم بالحركة والحيويّة، فيستغل حركة الشجر أو القمر والغيوم لرسم لوحة فنيّة متحرّكة حتى أنك ترى المشهد أمامك كفيلم سينمائي متقن الإخراج.
في مقابل اللغة الفنيّة الجميلة التي استخدمها الكاتب، والتي يخفى معانيه من خلالها وراء الكلمات والنصوص، إلا أنه عندما يأتي لوصف الجنس يتخلّى عن ذلك ويبدو واضحا مباشرا دون تورية، يتعمّد الإخلال بالذوق والابتعاد عن الكلمات المهذّبة. وعندما اختار الكاتب أن يبتعد قليلا عن ذاته ويتحدث عن قضيّة وطنيّة في نص "لينا الفلسطينيّة" نرى الصور والرموز تتضاءل في هذا النص إلى حدّ كبير ويلجأ إلى اللغة التقريرية السردية المباشرة، خلافا لمعظم نصوصه.
وأخيرا فإن الكاتب يمجّد العزلة وكأنه يعيش مع نفسه وأحلامه بعيدا عن الناس الذين لا يؤمن كثيرا بقدرتهم على تغيير واقعهم، فهو يعيش نرجسيّة من نوع خاص لا تعني الاعجاب بالنفس بقدر ما تعني الانحصار داخل النفس والتركيز عليها ورؤية الدنيا من خلالها.



#عبدالله_دعيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصفورة الخرساء قصّة تفيد الأطفال
- قراءة في كتاب -الدراية - الفريضة المصيرية الغائبة في التراث-
- ديوان رقص الضوء لنعيم عليان
- أنا جنونك لريتا عودة
- قراءة في كتاب -أغرب زواج-
- الرواية الفلسطينية لوحيد تاجا
- في رواية -أهل الجبل-هل تموت الفكرة؟
- قراءة في رواية مديح لنساء العائلة
- قراءة في ديوان مفتاح يصر
- قراءة في رواية عازفة النّاي
- رواية أميرة ومعاناة شعب
- قراءة في كتاب -القدس مدينتي الأولى-
- منال النجوم والصّور الشعرية الساحرة*
- رواية -بطعم الجمر- والاغتراب في الوطن
- قراءة في ديوان -أميرة الوجد- للشاعر فراس حج محمد


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله دعيس - أوجاع الياسمين والبحث عن الذّات