عبدالله مهتدي
الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 21:04
المحور:
الادب والفن
حول مشهدنا الثقافي
كان بالأمس للثقافة رائحة عطرة،جميلة،ثقافة حملنا همها الصراعي برحابة صدر،ورجاحة فكر ،وبعشق باذخ،باندفاع طفولي وحماس يافع،كان طيشنا في يم هذا الصراع ملح وجودنا،نقرأ بنهم كل ما تتلقفه أعيننا من كتب ومجلات وجرائد،نكتب ونمزق ،ثم نعاود الكتابة في حركة سيزيفية متتالية،نكتب الشعر والخواطر،نحضر الأسابيع المسرحية،وأوراش الرسم،والموائد المستديرة،وقوافل الإبداع،ولا ننتهي من نقاش إلا لنغوص في آخر،حافزنا الوحيد التسلح بالمعرفة لتحسين شروط وجودنا،لنحس بالحياة في جمالها الباهي،لنمتلك ما نستطيع من أدوات نجابه بها ثقافة الصمت.
اليوم،فقدنا تلك الرائحة الجميلة،رائحة الحلم التي كنا نشمها على أغلفة الكتب،وفي قاعات دور الشباب،وفي كواليس المسارح،وفي ساحات فاتح ماي،وفي الثواني التي تؤثث أمسيات الشعر،وعلى أنغام مهرجان غنائي ملتزم،وفي الكراريس التي كنا نتبادلها ،مفتونين بعطش جارف الى ماء ثقافي يغسلنا من أوشام الصمت،ويسقي كرمة البوح في دواخلنا.
من منا لازال يتذكر "الرهان الثقافي" ل عبد اللطيف اللعبي،وإسهامات غرامشي في المسألة الثقافية،وقصائد عبدا لله راجع،ومسرحيات الحوري الحسين،والكتب التي منعت،والمجلات التي جففت منابعها،وكتابات عابد الجابري،وعبدالله العروي ،وعبدالكبير الخطيبي،وفاطمة المربيسي،وناظم حكمت،وغسان كنفاني،وحنا مينة ،وحيدر حيدر،وعبدالرحمان منيف،وبوعلي ياسين،وحسين مروة،والطيب التيزيني،ومهدي عامل،ومحمود درويش،ونزار قباني.....كان "الرهان الثقافي" بوصلة الحركة الجمعوية الجادة،والملهم الثقافي لليسار،بشتى أطيافه وشيعه،كان خبزنا الذي نقتات منه كلما جفت موائد أسئلتنا،ولاحت غيوم الكسل الفكري والثقافي.وكانت "المسألة الثقافية "في صلب اهتمامات الفاعل اليساري،والتقدمي،والديمقراطي، بها يخصب الخيال،ويعضد الحلم،ويبني الأفق.
بئيسة هي اللقاءات الثقافية اليوم،باردة لدرجة الشفقة،وفارغة لحد الغثيان،أصبحت التجمعات الثقافية بلا طعم،لكنها برائحة المصالح،والعلاقات العامة،والاخوانيات،و"الزبونية الثقافية"،وثقافة معرفة من أين تأكل الكتف،وقضاء المصلحة الخاصة،فتوارى "الرهان الثقافي" إلى الخلف،وتبددت أحلام جيل،واحترقت نفوس وآمال.
هل نحن اليوم بحاجة إلى "رهان ثقافي جديد"،يؤسس على القديم،يستوعب التحولات العميقة في جسد السياسة والمجتمع والاقتصاد والقيم،يطرح الأسئلة الجديدة،الراهنة،الحارقة،ويرسم الآفاق؟
#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟