|
شهادات عن الأيام الصعبة لقاء مع الرفيقة أم تارا
محمد الكحط
الحوار المتمدن-العدد: 4796 - 2015 / 5 / 4 - 07:41
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
شهادات عن الأيام الصعبة لقاء مع الرفيقة أم تارا
محمـد الكحط – ستوكهولم- غادرنا الرفيق أبو صباح (أحمد كريم غفور)، مبكرا وبشكل مفاجئ هذا الرفيق الأممي الرائع، الذي قدم الكثير لوطنه ولشعبه، ونذر كل حياته لقضية الشعب والوطن، وحينها كان لي أمل أن نكمل اللقاء الذي بدأناه معه ولم تعطنا الحياة فرصة لإكماله، وها نحن نفي بالوعد وأحياءا لذكراه العطرة نلتقي مع رفيقة دربه أم تارا، والتي هي مناضلة قدمت الكثير من التضحيات المشهودة، وتعرضت للحرمانات المختلفة وتحملت فراق الزوج والأبناء مكرهة، وقصتها هي حكاية المئات من الرفيقات اللواتي مررن بتلك الظروف، لقد تأخر هذا اللقاء كثيرا لظروف خارجة عن الإرادة لكنه كان لقاءا مليئا بالشجن والذكريات الحلوة والمرة، كانت رحلة صعبة أليكم بعض من صفحاتها.
وللتعريف بالرفيقة أم تارا فهي (نسرين عزيز مصطفى) من مواليد السليمانية 1956، عاشت في كنف عائلة شيوعية، فأبوها وخالها كانا معرضين للاعتقال والاختفاء دوما، في مدينة فيها العديد من الأغوات والإقطاعيين. لظروف معقدة في مدينتها قلعة ديزه، لم تستطع اكمال الدراسة فهناك مضايقات من المجتمع آنذاك، فتفرغت لمساعدة أمها في شؤون المنزل، فكانت حياة فيها المصاعب والعذابات، فأمها دائمة القلق على مصير زوجها وأخوانها اللذين تعرضا للسجن في العهد الملكي وخلال حكم البعثيين، فقد حكم على أبيها بالسجن المؤبد في فترة حكم عبد السلام عارف سنة 1967 وأفرج عنه بعد سنة في ظل حكم عبد الرحمن عارف، وبقيت في قلعة ديزه حتى سن السابعة عشرة، وأرتبطت بعلاقة مع تنظيم رابطة المرأة هناك، وتقدم الكثير من الأغوات لخطبتها لكن والدها لم يوافق، فقاموا بتهديدهم، وكان والدها يضع السلاح جنبه عندما ينام خشية من الاعتداءات. تقول: قرر والدي تزويجي من أي رفيق شيوعي، وبشكل مفاجئ كانت هنالك سفرة يوم 31 آذار 1971 للرفاق للاحتفال الى قلعة ديزه، وكان أبو صباح بضمنهم وهذا حصل بعد عودته من الاتحاد السوفيتي، وهو من أقاربي، وخلال السفرة تم دعوتهم من العديد من البيوت الرفاقية، وكانت المفاجئة أن يقرر جدي وهو شيخ يحترمه الجميع ولا يرد قراره أحد، ، ولم يكن ببالي الزواج، فناداني جدي وقال لي، ستتزوجين أحمد، ويبدو أن خالي وهو زوج أخته كان قد فاتح أبي، والجميع متفقين دون علمي، وفي اليوم التالي زارونا، وناداني والدي وهو كصديق لي وليس فقط أب، فقال أنا لا أرغب أن تغادريننا ولكن أنتِ تعرفين الظروف، وأحمد شخص جيد وأتمنى أن توافقين، لكن القرار لكِ، وهكذا جرت الأمور. وفي سبتمبر جرت مراسيم الزواج، وبعدها ليلا قالوا للضيوف نحن ذاهبون لشهر العسل، وكان الوضع غير طبيعي، فغادرنا بملابس عادية الى مقر الحزب في سروجاوه بسيارة تكسي، وهناك طريق صعب في شقلاوة عسكري (هاملتون) من خلال وداي عميق وخطر، وفي سيارة جيب بدون أبواب الى شقلاوة، حيث سكنا في غرفة مع إحدى العوائل، وغير مسموح لنا بالخروج ولا اللقاء مع أي شخص، فقط الرفيق أبو حكمت كان يعرف نحن في شقلاوة، فكنت أنا وزوجة صاحب المنزل، هي تخرج للتسوق وتعود، بقينا لفترة شهر ونصف كانت كالسجن، وتنقلنا في عدة أماكن في ظروفٍ صعبة، علما أن والدي كان يساعدنا ماديا لأنه مقاول وحالته المعاشية جيدة، عام 1972عملت في تنظيمات الحزب، وعدنا الى السليمانية لحضور اجتماع، ومن ثم قرروا انتقالنا الى بغداد، وفي نفس الليلة ونحن ننتظر أبو صباح جاءت رفيقة تبكي، فخشينا أن يكون قد أستشهد، ولكنها بعد أن هدأت قالت أنه أحترق بحروق شديدة، ولم ينقلوه للمستشفى خوفا عليه من ألاعتقال بل نقلوه الى البيت وكانت يديه ورجليه مصابة بحروق شديدة، وعندما شاهده أخوه أصبح عصبيا جدا وأتهم الآخرين بحرقه عمدا، ومن الصدف وجود الرفيق الدكتور طاهر مع مساعد آخر جاءوا وعالجوه وبقي ثلاثة أشهر بالفراش، وبعد أن تحسن وضعه، رجعنا لأربيل حتى نيسان 1973، ومن ثم عدت الى السليمانية وحدي في آب، وأنقطع التواصل بيننا، وفي 4 نوفمبر ولدت أبنتي تارا بعملية قيصرية وبدون وجود زوجي بجانبي، وفي آذار 1974 رأى أبنته لأول مرة في مقر الحزب في أربيل وسكنا في بيت كبير وكان هناك بعض الرفاق أيضا وكانت فيه ربيئة للحراسة، بقينا فترة ومن ثم أنتقلنا الى كركوك، لكن والدي لم يوافق، حتى أنتقلنا الى بغداد وسكنا في منطقة الغدير وكان أبو تارا يدير المدرسة الحزبية، فكان يخرج منذ الصباح حتى الليل، حتى الرفيقة سعاد خيري كانت تزورنا وكانت تقول لي أتألم عليكِ، وبسبب تلك الظروف والإهمال فقدت طفلا بسبب إهمال دكتور أسمه رياض، في سنة 1975 كانت الظروف غير جيدة في كردستان، فبقي هو في بغداد وأنا عدت لأهلي وانتقلنا بعدها الى كركوك ثم الى أربيل سنة 1977، وفي أربيل كنت نشطة في العمل السياسي وكنت عضوة لجنة قضاء، وكان الرفيق الشهيد عادل سليم يدعمنا جدا، وحصلت لي بعض المشاكل وكان هو من وقف معي وآزرني منها مرة شجاري مع أحد الجحوش (مستشار) في المستشفى، كانت أخت أحمد في غرفة خاصة محجوزة لها، فأرادوا أخلاء الغرفة لزوجة الجحش، فقلت لهم هذه الغرفة لنا وأنا شيوعية، لكن الأطباء والعاملين لم يستطيعوا ان يتكلموا لكن يبدو أحد رفاقنا الأطباء أتصل بالرفيق عادل سليم فجاء لكن الجحش أخذ زوجته وخرج.
وفي مرة أخرى كنا نود تأجير سينما سيروان قرب قلعة أربيل سنة 1977 للأحتفال، وكان هناك شخص من الحزب الديمقراطي الكردستاني غير مريح وقام ومن معه بالتعليق على الحزب الشيوعي، فتشاجرت معهم وتدخل الرفيق عادل سليم. كنت نشطة في مجال جمع التبرعات والفعاليات ومساعدة عوائل الشهداء والمرضى. في 13 ديسمبر 1977 ولدت أبني دانا، وكانت الفرحة كبيرة لوجود أبيه معي. في حزيران 1978 تم أعدام رفاقنا في الموصل وأعتقل عدد آخر فشعرنا بدنو نهاية الجبهة الوطنية. كنا نهاية حزيران في الحديقة فجاءت سيارة سلم أحد الرفاق رسالة لأبو تارا، وكان القرار يجب أن نغادر أربيل الى السليمانية ليلا سراً، فأتصلت بأبي فأرسل لنا لوري وعمال لنقل أثاثنا، فغادرنا دون أخبار حتى صاحب المنزل، وسكنا في بيت عم أبو تارا، وأنقطع الاتصال مع الرفاق وكان معنا مام قادر، والوضع أزداد سوءا، حتى لم نستطع الدخول والخروج، وكنت حامل في توانا، وقربت الولادة فذهبنا الى مستشفى فيه دكتور معرفة وولدت فيه ولكن بعد يومين جاء الطبيب وقال يجب أن تغادري بسرعة لأنهم عرفوكِ، فغادرت وكان الطبيب يزورني كل يوم للعلاج، وأبو تارا لم يأتِ ألا بعد شهرين لرؤية ولده حديث الولادة، وبعدها بأشهر أخبرني بأنه سيلتحق بالرفاق بالجبل، وأنهم ثلاثة رفاق ويحتاجون الى مساعدتي للتمويه، فخرجنا صباحا الى قلعة ديزه متوجهين الى بيت حزبي لكن وجدنا البيت مهدم، فذهبنا الى بيت أهلي، وساعدنا بعدها وأوصل الرفاق بسيارته مع العمال الى منطقة (زلي)، حيث فيها مقر للحزب، وعدت أنا لأولادي في السليمانية، وهنا حصلت مشكلة أخرى حيث تمرض أبني توانا، وفي يوم أخبرني زوج أخت أبو تارا وقال ان له صديق بالأمن قال له أنهم بالطريق لاعتقالكم، ويجب مغادرة المكان، فخرجت فورا مع الاطفال وبقيت هكذا متنقلة من مكان لآخر مع ثلاث أطفال، حتى سبتمبر 1979، حيث جاءت رسالة من أبو تارا يفضل توجهي لهم لأن هناك معلومات عن محاولة اعتقالكم، فتحدثت مع والدي فقال أذا مشكلة الأطفال يمكن أن تتركينهم عندنا وأذهبي، وهكذا كان، فتركت توانا وهو في عمر ستة أشهر مع أهل أبو تارا وتارا ودانا مع أهلي، وكان الطريق سهلا علي لأنني من قلعة ديزه، بقينا في رانية ليلتين مع أقرباء، ومن ثم مع سيارة وبعدها بمساعدة الحيوانات، وصلت (زلي)، موقع بشدر ولم يكن أبو تارا هناك، بل كان في ناوزنك، ولما وصله خبر وصولي فجاء الى بشدر، بعد يومين ذهبنا الى نوكان، كان الوضع سيئا جدا، فلا يوجد أكل ولا ملابس، ولا سلاح، والوضع حرج جداَ خصوصا لرفاقنا العرب، بنينا (كبرة)، وعشنا فيها ونقوم بالحراسة والخفارة والمساهمة في كل الواجبات، كان هناك معنا زوجة الرفيق محسن من أربيل أسمها (كافية)، وبخشان زنكنه، والشاعرة خوشكا فرشته، والتحق العديد من الرفاق والرفيقات بعد الهجمة الشرسة والجبانة للبعث الفاشي على حزبنا، وكان وضع حزب حدكا أيران سيئا أيضا، فكان هناك العديد من مقرات الأحزاب في نوزنك ونوكان، فسمي بوادي الأحزاب. وصادف أن جاءت عائلة كبيرة من أوك، وأنعزلوا في مكان مرتفع وكنا نشك بكونهم لربما يتعاملون مع البعث، وكان يفصل بيننا حفرة، في الجهة الثانية المقابلة مقر للمكتب السياسي وكان أبو تارا يذهب ويعود. كنت أواجه معاناة صعبة بسبب بعدي عن أطفالي وقلقي عليهم، ولم أعد أتحمل بُعدهم، فأرسلت خبر لوالدي، أما أرجع وليحصل ما يحصل، أو ترسلوا لي أولادي، وفعلا بعد يومين أرسل والدي لي تارا ودانا، للبقاء معي ثلاثة أيام ويعودون.
لكن حصلت تطورات دراماتيكية، حيث بدأ قصف وهجوم شديد بالطيران على هذه المواقع التي نقيم فيها، كانت تارا معي وأبوها في الجهة الأخرى حيث المكتب السياسي، وشاهدت مظاهر القتلى والجرحى المؤلمة. من المضحك ان أبنتي تارا أخذت تبكي لأنها تركت الزبيب وصحن التمن الأحمر عندما تركنا مكاننا، ولم يكن هنالك ملاجئ للأختباء، فقط هنالك خندق كان فيه جرحى، وكان هنالك رفيق مجروح جرحا عميقا في بطنه، وهذا أول مرة أشاهد جريحا، فقال لهم أخرجوني ودعوا تارا وأمها في المكان، لكنني رفضت، وخلال فترة ما بين هجومين عبرت الى جهة المكتب السياسي، وجرى أجتماع وصدر قرار بالانتقال الى (كاني زرد)، وهي قرية حدودية إيرانية، كان معنا أبو آسوس، الفكرة الرحيل ليلا وكان هنالك جرحى على البغال، وطلب أحدهم ان ينزل من البغل لأصعد أنا وهذا موقف إنساني لكنني رفضت، وبعد ليلة ليلا اجتمعت الأحزاب وقرروا أن يفرغوا هذا الوادي من المقرات، والعوائل تنتقل الى سردشت. في سردشت، لا يوجد ملجأ لنا ولا نعرف أين نذهب، فتذكرت لنا قريبا وهو عائلة جد أمي من قلعة ديزه يسكن هنا، فسألنا سائق السيارة هل تعرف بيت فلان، فقال أنا من أقربائهم، فقلنا له أذن نحن ضيوفكم، فأخذنا لهم ورحبوا بنا وبقينا عندهم مع الشاعرة خشكه فرشته، وذهبنا منذ الصباح أنا وهي الى المستشفيات وشاهدنا الكثير من الجرحى بدون مكان، والوضع سيء جدا، ووصلتنا رسالة من الرفاق تطلب بقاءنا هنا وابو تارا في ناوزنك، فطلبت أن يؤجروا لنا غرفة، لكن أقربائي زعلوا ولم يوافقوا، فقاموا ببناء غرفة ومطبخ لنا من البلوك في بيتهم الكبير، وأصبح هذا المكان البسيط كمقر للحزب والبريد الحزبي، وكان أبو تارا يزورنا بين فترة وأخرى، وواجهتنا مشاكل عديدة ونفدت النقود عندي تقريبا، وفي أحد الأيام طرق الباب وعندما فتحته فوجئت أن أخي هو الضيف، فأستغربت وعرفت منه أن أبي يطلب عودة الأطفال وأعطاني مبلغ من المال كنت في أمس الحاجة له، وبسبب خطورة الطريق لم أوافق على وطلبت تأجيل ذلك لحين تحسن الوضع، فالمعارك كانت على أشدها والهجوم العراقي على سردشت كان عنيفا وتم أفراغ المدينة من الأهالي، طلب مني أبو تارا العودة للمقر فرفضت، فقد أرسل الرفاق لنا عائلة الرفيق أبو جاسم وزوجته نسرين وهي حامل، ولم أستطع تركها لوحدها عادت الشاعرة والشاعرة خوشكا فرشته للمقر، وبعد ولادة نسرين كان الوضع أسوأ والقصف عنيف وسقطت أبواب المنزل، كنت أطبخ لهم، فأخذت تارا ودانا ونزلنا الى السرداب، وبعد خروجنا شاهدنا العديد من القتلى والجرحى، وليس هناك أطباء ولا دواء، فكنا نفتح الوسائد لأخراج القطن لنستخدمه لتضميد الجرحى، وكان علينا المغادرة بسرعة، وتفاجأنا بأبو جاسم يريد المغادرة الى مهاباد، فأخذ عائلته وذهب، وتركنا وحدنا. حاول أبو تارا وأبو دلشاد الوصول الى سردشت لكنهما لم ينجحا، بعدها جاء شخص من حدك وقال سأوصلكم بالباص وذهبنا مع الأطفال وفي أول محطة توقف صعد أبو تارا وأبو دلشاد، وكانت المفاجئة، لقاء غريب وعجيب فذهبنا الى المقر، وهناك سألوني لماذا لم تأتِ مع أبو جاسم، الذي جاء للمقر، فقلت لهم أنه لم يخبرني بذلك، وعلمت أنه أخبرهم بأنه طلب منا السفر معه لكننا رفضنا، فكان موقف غير رفاقي للأسف، وعندما جاء وقت الدراسة أعدت الأطفال (تارا ودانا) الى والدي.
أنتقلت الى منطقة بنوخه له، وهي قرة حدودية وأجرت بيت قريب، ثم أنتقلنا الى (آلان)، بيتوش مع عوائل شيوعية، كان أبو تارا يتجول بين المقرات، في (نازنين)، بعدها التحقت بالمقر وكان أبو تارا يذهب للأشراف على المقرات الأخرى، ثم أنتلقنا الى شارباجير ويفصلنا ثلاثة جبال مكسية بالثلوج، فكان التنقل صعب جدا، وبعد بشتاشان كان القرار الانتقال الى (قه راخ)، لكن نحن ثلاث عوائل بقينا في مكاننا، فكنا عرضة لهجوم وتهديد (أوك)، كان معنا سلاح واحد فقط للدفاع عن أنفسنا، وفي أحدى المرات من خلال الوادي القريب سمعنا أصوات أقدام متجهة صوبنا، وسمعنا صوت رجل فطلبت من النساء حمل سكاكين وألواح، وعندما أقترب جدا ناديت عليه، وصرخت لا تتحرك فسوف نقتلك، فرد لا تخافين، هذا أنا أحد أقرباء أبو تارا، جاءنا رغم كونه من أوك سأل عن أبو تار فقلت له أنه بالجبل، قال لنا ان هذه القوة ذاهبة الى هناك، واذا يريد مساعدة يمكنني مساعدته، فقلت له أنه لا يقبل على طلب مساعدتك ولا تتعب نفسك، حقيقة كنت خائفة في داخلي لكن لم أعكس ذلك في الحديث معه، فقال أنا جئتكم بحكم القرابة وأنصحكم بالمغادرة. بعد ذلك قررنا المغادرة مشياً، رغم البرد وصعوبة الطريق وطول المسافة، لكننا كنا مجبورين على ذلك، فكان هنالك شاب بالقرية عنده حمار يستخدمه لبيع الأخشاب، فطلبنا منه الحمار لنقل الأطفال، فكان معنا أربعة أطفال، رفض في البداية خوفا من (أوك)، لكنه أقتنع في النهاية وجاء معنا، في الفجر وصلنا الى الشارع العام، فجاءت سيارة بيكم لنقل الخضروات، فركبنا مع الطماطة والعنب ووصلنا الى (جوارتا) فشاهدنا أمرأتين مع شال أبيض كانت واحدة منهن هي أخت أبو تارا، فعرفنا منهم أن أبو تارا طلب أخراجهم من هناك، فذهبنا معهم الى السليمانية، وجميع رفاقنا أنتقلوا الى منطقة (هزاره ستون) في هورمان، وقد تعبت عوائل الرفاق وكان هنالك قتلى وجرحى، والعوائل بعيدة عن الأزواج والآباء، فقررنا بعدها الذهاب الى المقر في (هورمان)، مع سيارة جيب، وأوصلنا خبر للسيطرات بأننا نريد المرور، وبعد عبورنا عدة سيطرات بسلام، لكن السيطرة الأخيرة من أوك قاموا بالتدقيق معنا والتهجم على الحزب الشيوعي، وفتشونا ولكنهم لم يسمحوا لنا بالمرور، فقلنا لهم تحدياً نعدكم بأننا سنمر، بعد عودتنا فكرنا في كيفية العبور، والمشكلة أن رقم السيارة وأوصافنا وضعت في السيطرات فعدنا كل مجموعة في سيارة منفصلة فعبرنا بسهولة، وبعد يومين ذهبنا من خلال طريق آخر، ووصلنا بعد أيام والأولاد ذهبوا الى والدي للمدارس، والتقينا في المقر وكانت الظروف جدا صعبة، فلا ماء ولا أكل والقصف مستمر، وتعرضت للدغة عقرب، وكان هنالك جرحى، والمنطقة عبارة عن ثلاثة وديان وادي لحزبنا والآخر لحركة زحمة كيشان والثالث للإسلاميين، وحفرنا عدة حفر عميقة. وفي أحد الأيام تم تكليفي بإيصال بيانات الى السليمانية، فصعدت بالباص وبالسيطرة أوقفونا بالصدفة، فخفت كثيرا، كانت خلفي أمرأة شعرت بأحساسي، فقالت لي اذا عندكِ شيء سلميه لي، فدفعت المواد لها من تحت المقعد، وهي سلمتها لي في السليمانية، وأوصلتها بسلام، ولم أعرف هذه المرأة حتى الآن. كانت الحياة في (هزارستون) صعبة جدا، تأذيت كثيراً، فتم فتح مقر في (سيل وي) في أكتوبر 1983ومقر آخر في (خواكورك) وفي (جويزة). وأنا سكنت في (آلوه تان)، من سنة 1983 حتى 1989 وكان منزلي كمقر للرفاق وللجرحى، ومركز للبريد وجمع الأدوية والأرزاق، وكانت أعداد الرفاق كبيرة وكذلك الجرحى والمرضى الذين يأتون للعلاج في أيران، أقوم أنا بتوفير الأكل وكل الخدمات لهم، وفي هذه الفترة كنت كذلك أساعد في الطبابة كزرق الأبر والولادة وحل مشاكل أهل القرية في سبيل الاستمرار في مساعدتنا من قبلهم، وكان يعيش معنا ثلاثة رفاق وهم عارف، حسن كاكه، حمه بجكول، بشكل دائمي، ولم يكن ذلك بالعمل الهين، حتى الرفيق أبو داود عندما زارنا تعجب من كثرة المهام الملقاة عليّ، خصوصا في ظروف ما بعد قصف حلبجة والأنفال والتهجير، فكل يوم يوجد ضيوف، خصوصا وأن رفاقنا لديهم مشاكل مع البازدار. في سنة 1987 جلبت الأولاد تارا ودانا، وبعد الأنفال سنة 1988تحولت فرق الأنصار والبيشمركة للعمل بمفارز صغيرة، وتم أفراغ المقرات. وهكذا بعدها بدأ موسم الهجرة الى أوربا فذهبنا مع الأولاد الى (خانه)، وأجرنا غرفة، وكان يزورنا الرفيق كريم أحمد بين فترة وفترة، وهو من شجعنا على الهجرة، وكنت أرفض بسبب أفتقادي الى أبني توانا الذي لم أراه، في نهاية أكتوبر 1990 سافرنا الى مشهد ومن ثم سيراً على الأقدام الى تركمانستان، سرنا طول الليل مع رفيقين آخرين بطريق سري وغير رسمي، وكان الطريق مليئا بالحفر الكبيرة، وبعد وصولنا للشارع العام وصلنا بشكل متأخر الى الحاجز الحدودي وهو عبارة عن أسلاك شائكة، فوجهوا الضوء علينا (بروجكتر)، وجاء جنود من تركمانستان، وكنا نعاني الجوع والتعب، وكان دانا يعرف قليلا من الفارسية فتكلم مع الضابط بالفارسي، ففهمنا بأننا محجوزين، وجرى تحقيق معنا، وطرح علينا المحقق ان دولتكم أفضل لماذا لا تعودون. وأعطونا قطعة صمون سوداء ووضعونا في السجن، وأغلقوا الأبواب ولا يوجد سوى شباك صغير، وصباحا أعطونا شايا ومع الشاي وصلتنا رسالة من رفاق في نفس المكان مسجونين، يستفسرون عن هويتنا. بعد كم يوم تم نقلنا الى سجن آخر في قاعة فيها حوالي 150 سجيناً، وكان الأكل قليلا، وحتى الناس قرب السجن يرسلون لنا عبر السياج بعض المأكولات، وبقينا في هذا المكان عدة شهور، فقمنا بالإضراب والمطالبة بنقلنا الى مكان آخر. وفعلا تم نقلنا الى مخيم كمب (جوارجو)، وكان الصليب الأحمر يقدم لنا مساعدة ونحن نقوم بالطبخ ونغتسل مرة واحدة في الأسبوع، وكان رفاقنا العرب يتصلون بمعارفهم بالخارج وكانوا يساعدوننا، وتم حثهم على الاتصال بالأمم المتحدة لإيجاد حل لمشكلتنا، وكتبوا عنا في الصحافة، وخلال أنتفاضة شعبنا في آذار 1991، طلبنا الذهاب الى كردستان، لكن لم تتم الموافقة، حتى سوريا لم توافق. ووصلت قضيتنا من خلال المعارف والرفاق في الخارج الى الأمم المتحدة، وكان عددنا حوالي 500 شخص، فطلبوا شخصين من المخيم للذهاب الى موسكو لمقابلة مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة، فتم أختيار أبو تارا ومحمود بشدري، وزارنا خلال تلك الفترة الرفيق كمال شاكر لكنه لم يستطع عمل شيء، وكان الرفيق عزيز أيضا في موسكو ولكنه لم يستطع كذلك عمل شيء. في موسكو أوضح أبو تارا ومحمود للأمم المتحدة الأوضاع في المخيم، فتم قرار أنتقالنا الى موسكو وأعطونا المصاريف للسكن والمعيشة، فسافرنا بالقطار، أستغرقت الرحلة أربعة أيام في رحلة عبارة عن مهزلة، المهم وصلنا وبدأت رحلة جديدة أفضل من السابق لكن دون مدارس للأطفال. بعد حوالي السنة، تم ترحيل وجبة بطائرة كاملة الى السويد، وكنا لحسن الحظ ضمن هذه الرحلة، فوصلنا السويد في أبريل 1992م، فتم نقلنا الى (هوتيل سكاندك) بسيارة تكسي كنت أخشى صعودها، تخيلتها سيارة استخبارات. استقرينا في السويد، ولكن المشكلة لم نلتق بابننا توانا، رغم أنني أخبرت الامم المتحدة والصليب الأحمر بقصتنا، بدأت دراسة اللغة ومن ثم العمل في الصليب الأحمر، حيث كنت أنجز خياطة 150 بدلة طفل خلال اليوم، فساعدوني للإلتقاء مع البوليس وكان المترجم بالصدفة عراقي وزار العراق والتقى مع أبني بالصدفة ولديه معه فلم، وأقتنع البوليس بالفلم وبقصتي وتعاطف معي، فقرروا منحه الإقامة وبذل الجهود لإيصاله للسويد، كذلك بذلنا الجهود لجلب تارا من موسكو ووصلت بطرق غير شرعية، وبذل الرفاق ومنهم أبو محمود جلال الدباغ لإخراج توانا الى سوريا، وفي ديسمبر 1997 وخلال أحتفالات رأس السنة وصل توانا وكان لقاؤنا الأول معه وكان لقاءاً لا يمكن وصفه، فها هو قد بلغ الثامنة عشرة عاما وهذا لقاؤنا الأول معه...!!! تصوروا أحاسيس ومشاعر هذه اللحظة. في نهاية هذا اللقاء ما عسانا أن نقول....كم من الحسرات نلفظها ونحن نقرأ كل تلك التضحيات، تلك الرواية قصة عراقية بل قصة عشرات المناضلات والمناضلين الذين لازالوا لم يأخذوا حقهم في التعريف بهم، ولعلنا عكسنا جزء يسيرا من سيرة الفقيد أبو صباح النضالية المجيدة، وللأسف ان هؤلاء الناس نفتقدهم بعيدا عن وطنهم الذي ضحوا من أجله بكل ما يملكون، والأحياء منهم لم يسمح لهم حتى اليوم بممارسة دورهم الوطني في عملية بناء العراق، لهم المجد جميعا.
هوامش -;- فرشته اسم الشهرة للشاعرة خديجة مصطفى الحويزي التي ولدت سنة 1926 في بلدة كويسنجق، وعدا عن كونها شاعرة وناشطة سياسية فهي وجه اجتماعي معروف في اوساط الحركة النسوية. وهي أخت الشاعر دلزار
#محمد_الكحط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ستوكهولم: بمسيرات ضخمة تم إحياء عيد العمال العالمي
-
تحية للأكاديمية العربية في الدنمارك وهي تحتفل بعيد تأسيسها
-
كنوز عراقية لا تنسى من الزمن الجميل أنه الشاعر الغنائي العرا
...
-
حوار مع الدكتور خليل عبد العزيز* مؤامرة الشواف من جديد من خل
...
-
الشيوعيون العراقيون في السويد وأصدقاؤهم يحيون الذكرى ال 81 ل
...
-
جمالية الخط العربي في معرض-العراق أولا- للفنان التشكيلي الدك
...
-
ستوكهولم: وقفة تضامنية مع المرأة
-
ستوكهولم: إحياء الذكرى ال 27 لجريمة حلبجة
-
احتفال جماهيري بيوم الشهيد الشيوعي في ستوكهولم
-
يوم الشهيد الشيوعي الذكرى ال 66 لإستشهاد قادة الحزب الشيوعي
...
-
الشهيد النصير جانيك أبو غايب
-
ستوكهولم: أمسية لتأبين وأستذكار للفنان التشكيلي الفقيد منير
...
-
ستوكهولم : الحفل التأسيسي لاتحاد الجمعيات الإبداعية في السوي
...
-
ستوكهولم: ندوة وسيمنار ضد الإرهاب لنقف جميعا ضد الإرهاب
-
إلى صديقي الشاعر خلدون جاويد
-
التيار الديمقراطي العراقي في ستوكهولم يعقد مؤتمره الرابع
-
منحوتات من بلاد ما بين النهرين في باريس
-
اللومانتيه مهرجان الفرح والأمل باريس تعيش أحلى أعيادها وتتضا
...
-
انتخابات السويد واللحظات الأخيرة
-
جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في السويد تقيم معرضها ال
...
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|