أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - رائد الزجل المصري، بيرم التونسي (1893 – 1963)















المزيد.....

رائد الزجل المصري، بيرم التونسي (1893 – 1963)


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 16:54
المحور: الادب والفن
    


سليمان جبران: رائد الزجل المصري، بيرم التونسي (1893 – 1963)
لم نعدْ في عصرنا هذا نحتمل ألقاب الماضي ومفاهيمه كلّها، حتى في الأدب. إذا كان شوقي شاعرا كبيرا، وهو كذلك دونما شكّ، فلماذا نلقّبه في عصرنا هذا أيضا "أمير الشعراء" ؟ لماذا لا ندعوه كبير أو زعيم الشعراء المصريّين أو العرب ؟
بيرم التونسي أيضا لقّبه الإخوة المصريّون "أمير الزجل المصري"، والرجل كان أبعد ما يكون عن الأمراء والملوك، والحكّام أيضا. لذا، فإننا نسمّيه في مقالنا هذا "رائد الزجل المصري"، لا "أميره"، كما لقّبه المصريّون، خشية شكواه منّا في قبره. فالرجل كان أبعد ما يمكن عن الأمراء، حياة وشعرا ! على كلّ حال، ليس التونسي أوّل من كتب شعر الزجل في مصر. كثيرون سبقوه في ذلك، لكنّه أشهر الأوائل ربّما.
لا بدّ لي من الاعتراف أوّلا أنّ الشاعر أحمد فؤاد نجم، وفاته بالذات، كان نافذتي الواسعة إلى عالم الزجل المصري. لم يكن بيرم التونسي اسما غريبا على أذني طبعا. تكفيني أغانيه التي كتبها لأمّ كلثوم. لكنّي بعد وفاة الشاعر نجم انصرفت إلى تقصّي حياة هذا الشاعر وشعره، فكان المقال الذي كتبته عنه. وبفضل نجم تعرّفت أيضا شعراء مصر الكبار في المحكيّة، سابقيه ولاحقيه، وعلى رأسهم الشاعر بيرم التونسي طبعا. وأقول مخلصا: لو بدأت اليوم حياة جديدة، من البحث والدراسة، لجعلت الزجل بالذات، في مصر أو لبنان، مجال اهتمامي ودراساتي !
قبل تناول حياة هذا الشاعر الفذّ، لا بدّ لي من طرح مسألة عامّة لفتت نظري أيضا. ما هو السبب في غلبة الوطنيّة على الزجل المصري، قديمه وحديثه، بحيث يمكن اعتبارها أبرز ملمح مضموني في هذا الشعر؟ لماذا انصرف الزجل اللبناني، في معظمه، إلى رومانسيّة طاغية من وصف للقرية وحكايات أهلها ومواسمها، بحيث يمكن لأغاني فيروز والصافي وحدها أن تشكّل مرجعا لمن يرغب في تعرّف هذه الحياة بكلّ نواحيها، في حين غلبت الوطنيّة في مصر على شعر المحكيّة إلى حدّ بعيد ؟
قد يكون السبب المركزي في هذا الاختلاف المضمونيّ البيّن، بين شعر المحكيّة في هذين القطرين المركزيّين في النهضة الفكريّة والأدبيّة، هو "الليبراليّة" النسبيّة التي كانت في ظلّ الحكم الإنجليزي في مصر، إذا قورن بالحكم التركي الجائر المتخلّف في بلاد الشام. ألم يهاجر كثيرون من اللبنانيّين، مفكّرين وأدباء وشعراء وصحافيّين ومترجمين، إلى مصرفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فيشكّلوا رافدا هامّا في نهضة مصر الحديثة، فكريّا وأدبيّا؟
شعر الفصحى في مصر، على كلّ حال، لم يعرف في ذلك العهد هذا المنحى الوطني الواضح. أحمد شوقي، مثلا، كان ملازما للقصر حتى الحرب العالميّة الأولى. بل افتخر أيضا بأنّه " شاعر الأمير وما / بالقليل ذا اللقبُ". فقط بعد عودة شوقي من المنفى عام 1920، كتب قصائده الوطنيّة والعربيّة. بل لعلّ انصراف شعر الفصحى إلى التسكّع على أبواب الخديوي، كان بالذات أحد عوامل المنحى الوطني الجهير في شعر المحكيّة. حتى حافظ إبراهيم، وكان أقرب في حياته وشعره من الناس، لم يكتب الشعر الوطنيّ الصريح الذي غلب على شعر المحكيّة. إنّها مسألة كبرى، على كلّ حال، لا يمكن تقصّيها في مقالنا هذا: لماذا لازم الشعر المصري الفصيح في معظمه بلاط الحكّام، بينما عارض الزجل في الغالب المؤسّسة الحاكمة، في صراحة وجرأة نادرتين.
إذا رجعنا إلى بيرم التونسي، موضوعة مقالتنا هذه، فهو مصريّ المولد والنشأة والوفاة، رغم "التونسيّة" هذه التي لازمته في اسمه طوال حياته، وبعد وفاته أيضا. ذلك أن جدّه هو من هاجر من تونس إلى مصر، حيث تزوّج وأنجب أولادا ثلاثة من بينهم كان والد بيرم. أما بيرم نفسه فقد ولد في مصر وفيها عاش حتى آخر أيّامه.
ولد بيرم في الإسكندرية، مثل الموسيقار المبدع سيّد درويش البحر، المعروف باسم سيّد درويش (1892 – 1923). بل كان بين الاثنين زمالة وتعاون فنّي أيضا، إذ كتب له بيرم أوّل قصيدة وطنيّة، ورواية شهرزاد أيضا. يقول بيرم في ذلك: "لازمت الشيخ سيّد درويش وألّفت له رواية شهرزاد بعيدا عن النشاط السياسي، وتمّ عرضها بعد رحيلي الأوّل منفيّا إلى الخارج. وكان الاسم الذي اقترحناه للرواية هو شهرزاد إشارة إلى شهوات العائلة الحاكمة، ولكنّ الرقابة منعت ذلك الاسم فعدّلته. [كمال سعد: بيرم التونسي، عاصفة من الحارة المصريّة، القاهرة، 1993، ص. 42).
نفي بيرم من مصر غير مرّة، بسبب مواقفه الوطنيّة. فقد نفي في المرّة الأولى إلى تونس بسبب قصيدته الساخرة "البامية الملوكي والقرع السلطاني"، وبسبب مقالة ضدّ زوج الأميرة "فوقيّة"، ابنة الملك فؤاد. ومن تونس سافر إلى فرنسا، إلى مرسيليا التي لم يحتمل البقاء فيها سوى أيّام، لينتقل بعدها إلى باريس التي كتب فيها:
الفجر نايم وأهلك يا باريس صاحيين
معمّرين الطريق، داخلين على خارجين
ومنوّرين الظلام، راكبين على ماشيين
وعيال تروح المدارس في الحقيقة رجال
ورجال ولاكن على كلّ الرجال أبطال
ولسّه حامد وعيشة واسماعين نايمينٍ
ومن باريس انتقل إلى ليون حيث عمل في مصانع الحديد، ولاقى الويلات. يصف بيرم حياة الشقاء والجوع في مدينة ليون قائلا: "كنت أثناء الجوع أمرّ بمراحل لا يشعر بها غيري من الشبعانين. كنت في البداية أتصوّر الأشياء، وأستعرضها في ذاكرتي: هذا طبق فول مدمّس، وهذه منجاية مستوية.. وهذه يا ربي رائحة بفتيك تنبعث من عند الجيران، ثمّ أصل بعد ذلك إلى مرحلة التشهّي، أثناءها تتلوّى أمعائي، ويبدأ المغص، ويطوف الظلام حول عيني، وأتمنّى من الله أن ينقلني إلى الآخرة، فهي أفضل من هذا العذاب الأليم..وأخيرا تبدأ مرحلة الذهول وخفّة العقل، فأطيل النظر إلى اللحاف الذي يغطّيني، وتحدّثني نفسي أن آكل قطنه أو أبحث عن بذرة للغذاء تحتوي على زيوت. وكان لا ينقذني من تلك الحال سوى معجزات، عندما أنهض كالمجنون أبحث في كلّ أركان الغرفة عن أيّ شيء فأعثر بالصدفة على كسرة خبز، أو بصلة مهجورة ..[كمال سعد، المصدر السابق، ص. 59]. ولم تنته غربته هذه إلا بالعودة إلى مصر بجواز سفر مزوّر. وإذ ألقي عليه القبض نفي ثانية، إلى فرنسا مباشرة هذه المرّة.
من المفارقات الغريبة في حياة بيرم أنّه لم ينل الجنسيّة المصريّة، رغم أنّه مولود في مصر، ورغم حبّه لها وأشعاره فيها وتضحياته في سبيلها، إلا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في سنة 1960. لم يحصل على الجنسيّة المصريّة، رغم أنّه مصري وطني أكثر من جميع ملوكها وخديواتها، ورائد الزجل الوطني فيها. فهو كما كتب عنه فاروق شوشة "الأب الروحي فنّيا لكلّ هؤلاء المبدعين الذين حملت كتاباتهم تسمية شعراء العامّية" [محمد رامز: التونسي في عيون الآخرين، القاهرة، 2010، ص. 18].
وفي سنة 1963 توفّي هذا الشاعر الوطنيّ الكبير في مرض الربو، الأتسما. توفّي بيرم التونسي، شاعر المحكيّة الذي قال فيه أحمد شوقي: "لا أخاف على الفصحى إلا من أزجال بيرم"!
ننشر أدناه ثلاث قصائد قصيرة، للتعريف بهذا الشاعر العظيم، وبشعره الخفيف الدم.
ملاحظة تقنيّة: واضح، بهذه المناسبة، ما في كتابة المحكيّة بحروف الفصيحة وعلاماتها من ظلم للمحكيّة "عريق" !


(1) سي المجلس البلدي:
(أوّل قصيدة نشرها بيرم، وهي من البحر البسيط وفي اللغة الفصيحة)

قد أوقع القلب في الأشجان والكمدِ هوى حبيب يسمّى المجلس البلدي
أمشي وأكتم أنفاسي مخافة أن يعدّها عامل في المجلس البلدي
ما شرّد النوم عن جفني القريح سوى طيف الخيال، خيال المجلس البلدي
إذا الرغيف أتى فالنصف آكله والنصف أتركه للمجلس البلدي
وإن جلستُ فجيبي لست أتركه خوف اللصوص وخوف المجلس البلدي
وما كسوت عيالي في الشتاء ولا في الصيف إلا كسوتُ المجلس البلدي
كأنّ أمّيَ، بلّ الله تربتها أوصتْ فقالت أخوك المجلس لبلدي
أخشى الزواج إذا يوم الزواج أتى أن ينبري لعروسي المجلس البلدي
وربّما وهب الرحمن لي ولدا في بطنها يدّعيه المجلس البلدي
وإن أقمتُ صلاتي قلتُ مفتتحا ألله أكبرُ باسم المجلس البلدي
أستغفر الله حتّى في الصلاة غدتْ عبادتي نصفها للمجلس البلدي
يا بائعَ الفجل، بالملّيم واحدة كم للعيا ل وكم للمجلس البلدي


(2) بخمسين قرش:
بخمسين قرش ترفع ميكروفونك لوشّ الفجر وزياده شويّة
خمسين قرش توضع نص درهم في جيب خصمك وترميه في بليّه
وخمسين قرش تنهب أجزخانه من المستشفيات القاهريّه
وخمسين قرش يعفيك المفتش من الغرامات ويشطب لك قضيّه
وخمسين قرش تتبدل محاضر بتهمه عليك وتتحوّل عليّه
وخمسين قرش شيخ حارتك يخلي ولادك يهربو ا من العسكريّه
وخمسين قرش محفظتك تعود لك من النشّال بالوسطه القويّه
وخمسين قرش أكتب لك مقاله بأنّك من رجال العبقريّه


(3) العامل المصري
ليه أمشي حافي ونا منبت مراكيبكم
ليه فرشي عريان ونا منجد مراتبكم
ليه بيتي خربان ونا نجار دواليبكم
هي كده قسمتي؟ الله يحاسبكم

ساكنين علالي العتب ونا اللي بانيها
فارشين مفارش قصب ناسج حواشيها
قانيين سواقي دهب ونا اللي ادور فيها
يا رب ما هوش حسد لكن بعاتبكم

من الصباح للمسا والمطرقة ف إيدي
صابر على دي الأسا حتى نهار عيدي
ابن السبيل انكسى واسحب هرابيدي
تتعرو من مشيتي واخجل أخاطبكم

ليه تهدموني ونا اللي عزكم باني
أنا اللي فوق جسمكم قطني وكتاني
عيلتي في يوم دفنتي ما لقيتش أكفاني
حتى القسية، ونا راحل وسايبكم



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين نارين، بين وحشين !!
- نصراني طبعا !
- -هذيك الأيّام-: المدرسة الأولى... البيت!
- نحو أُسلوب عصري، وسليم
- أثر الفراشة
- ألفاظ -خلافيّة- في اللغة المعاصرة
- تصحيح الصحيح!
- من باب الترفّع عن المحكيّة
- الأرقام العربيّة والهندية
- كيف صرت معلّما!
- هوامش للغتنا المعاصرةِ
- الاختلاف سيّد الأحكام!
- الأستاذ الياس
- سليمان جبران:على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربيّة، مج ...
- مات وعينه على سحماتا
- كيف تقول كلّ شيء يا أبو مازن
- يا أصحاب العربيّة، كونوا على حذر!
- سليمان جبران: كيف نترجم מ-;-ת-;-ח-;-ם ...
- لائحة الدفاع!
- أحمد فؤاد نجم و شعر المحكيّة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - رائد الزجل المصري، بيرم التونسي (1893 – 1963)