أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - الأبنودى معجزة لا تموت














المزيد.....


الأبنودى معجزة لا تموت


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 15:25
المحور: الادب والفن
    


الأبنودى معجزة لا تموت
بقلم: خليل كلفت
كان رحيل الأبنودى أكثر من متوقع، ومع هذا أحدث برحيله غير المفاجئ صدمة هائلة أصابتنا باضطرابات ما بعد الصدمات. وإذا كان قد مات وصار جزءًا من أمنا الطبيعة فقد بقى لنا منه ما لا يمكن أن يموت: إبداعه البوليفونى الشامل المتعدد الرؤى والطبقات والألحان والألوان، الذى كان ثمرة ناضجة لأُخُوَّته الحميمة مع الملايين من بنات وأبناء شعبه، يُلهمونه ويُلهمهم، يُغذونه بتجربتهم، فيُغذيهم بإبداعه، الذى كان مكوِّنا من مكوِّنات عقل وخيال الشعب المصرى والعربى؛ بعد أن صار قوت يومه، وغذاء روحه ووجدانه، طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمان.
وبين الموت المحتوم والإبداع الذى لا يموت، كان هناك حب متبادل مع الناس، باستثناء أعداء النجاح، وسيُحْرَم من حكمته وأفكاره وتعاطفه ودعاباته المتواصلة ليس فقط أسرته وأهله وأصدقاؤه بل كذلك كل البسطاء الذين جمعته بهم صلة حميمة، وكانت معاناتهم ينابيع لإلهامه.
وقد ارتبط بعلاقة شخصية طوال عشرات السنين بالناس الذين وجدوا أنفسهم فى شعره وأغانيه وفى شخصه، وكان الأبنودى صوتهم الذى فجَّر لديهم صوتهم الخاص، الصاعد من أعماقهم، معبِّرا عن معاناتهم وأمانيهم.
وتفجَّر كل هذا الحب الجارف الذى حمله الشعب لشاعر أنضج وعيه وفكره وضميره ووجدانه، وشدّ أزره فى مختلف منعطفات انتصاراته وانكساراته، من السد العالى وجوابات حراجى القط، إلى هزيمة 67 وحرب الاستنزاف ووجوه على الشط، على خط النار فى السويس، وإلى حرب 73، التى أحزنته نتائجُها السياسية، وأخيرا إلى ثورة يناير 2011 الشعبية. وأثناء كل هذا ظل يرفع الوعى الوطنى الطبقى المعادى للاستعمار والرجعية العربية والدولة الإسلامية، واقفا إلى جانب الفقراء وثوراتهم فى كل مكان، من ڤ-;-ييتنام إلى فلسطين إلى كوبا، فى مواجهة الوعى الزائف الذى تنشره دعاية النظام فى كل عهوده.
وارتبط الأبنودى بالتراث الشعبى المدوَّن فى الكتب، والحىِّ فى ذاكرة الناس، فاغترف منه فى الشعر والأغنية. وكان من إنجازاته الكبيرة تحقيقه للسيرة الهلالية، وكان كل إنجاز له يكفى لأن يجعل منه أديبا كبيرا، عظيم العطاء، وعميق التأثير.
ومن مآثره الكبرى، مع كوكبة من الشعراء المجيدين، أنه طوّر بلغة إسقاط الإعراب، المسمَّاة بعدوانية أصولية بالعامية، شعرا رفيعا عبَّر بخصوبة وثراء وبلاغة عن هموم وأمانى الشعب من قلب تراثه وحياته. ورفع هو وزملاؤه مكانة هذه اللغة إلى أعلى عِلِّيِّين، وكان دوره فى هذا المجال فريدا وحاسما ليس فقط لاستيعابه لتراث الشعب، أو لبلاغته التى تتبدَّى فى كل بيت وكل عبارة وكل كلمة، بل أيضا لأن الشعب كله ارتبط بشعره الغنائى وبأغانيه وبشخصيته الكارزمية، فبدون هذا تموت اللغات.
وقد نستدعى دور شعراء كبار، مثل جاهين وبيرم وحداد، فى رفع مكانة لغة إسقاط الإعراب المسماة بالعامية المصرية، ومكانة أدبها فى الشعر بالذات، غير أن للأبنودى الذى جاء إلى القاهرة من أقصى الصعيد يسعى، مأثرة كبرى هى أنه لم ينغلق على التعبير عن حياتها وهمومها باللغة القاهرية القاهرة، كما فعل أغلب الشعراء المهاجرين إليها، فهناك إنجازه المُعْجِز المتمثِّل فى تطويع لهجته الصعيدية المحلية فى قريته أبنود ومحيطها لكتابة الشعر بعبقرية، وبهذا رفع المكانة الأدبية للهجته المحلية، متجاوزًا كل ما عرفنا قبله وبعده فى أدب هذه اللغة، بفضل انكبابه المألوف بجدية مطلقة على كل مشروع من مشاريعه الأدبية.
وقد كتب باللغة المسماة بالعامية المصرية شعراء كبار من جيل سابق عليه، وهناك قيمة شعرية كبرى فى أغانى بيرم التونسى وفى بعض قصائده، وفى معجزة رباعيات صلاح جاهين وفى بعض قصائده، وفى أغانى سيد درويش، غير أن مأثرة من مآثر الأبنودى تتمثل فى تطويره الحاسم للشعر الغنائى الحديث مع كوكبة من شعراء اللغة المسمَّاة بالفصحى مثل صلاح عبد الصبور، وحجازى، وأمل دنقل، وآخرين، ومع كوكبة من كتّاب لغة إسقاط الإعراب، من جيله، ومن جيل لاحق.
ومع صلاح جاهين، نقل الأبنودى الأغنية المصرية من مرحلة الأغانى الغارقة فى العاطفية المبتذلة المفتعلة. على أن أمّ كلثوم التى تألقت مع جاهين وبيرم والخيام وأحيانا رامى، أضفت من لَدُنها قيمة فريدة على أغلب أغانيها التى لا قيمة لكلماتها. وجاء الأبنودى فأحيا تراث رؤى أغانى سيد درويش بمرحلة جديدة تتغنَّى بالحرية والحب والتعاطف والتضامن والوطنية والطبقية والشعبية والقِيَم الرفيعة ارتفعت بذوق المتلقى ووعيه بدوره فى الحياة. وتألَّق الأبنودى أيضا بأغانيه الجميلة بتلك اللهجة الصعيدية المحلية التى جعلها هو مُتاحة لاستخدام الشعر الغنائى والأغنية.
وأشير هنا بسرعة إلى كرمه ومواقفه الإنسانية، حيث ظل يجده، كل من احتاج إليه، واقفا إلى جانبه. وكانت حالتى واحدة من حالات لا حصر لها، وبدون وقوفه الحاسم إلى جانبى ماديًّا ومعنويًّا، وبدون موقف الصديقين الأكاديميين الإيطاليين لورنسو كاسينى وچيناريو جيرڤ-;-ازيو، ومئات من الأصدقاء فى مصر والخارج ما كان ليتيسَّر علاجى من سرطان الكبد، بالزراعة الكلية للكبد فى إيطاليا، فى 2007، وكان يشكرنا بدلا من أن نشكره.
26 أبريل 2015



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب الدمار الشامل
- أخيرا عاصفة الحزم
- صعود جِدُّوكاب وصعود النوبة للروائى يحيى مختار
- العراق إلى أين؟
- بورخيس كاتب على الحافة 11: بورخيس والأدب الأرجنتينى (فى فصول ...
- بورخيس كاتب على الحافة 10: اليوتوپيا والطليعة: الجديد كأساس ...
- نحن والإخوان المسلمون
- بورخيس كاتب على الحافة (فى فصول) 9: الطليعة وبوينوس آيرس وال ...
- بورخيس كاتب على الحافة 8: مسألة النظام
- بورخيس كاتب على الحافة 7: أبنية خيالية
- مصر والدولة الإسلامية داعش
- ثورة يناير الشعبية فى مصر ناجحة أم فاشلة؟
- بورخيس كاتب على الحافة 6: مجازات الأدب الفانتازى
- إحباط ما بعد الصدمات
- بورخيس كاتب على الحافة 5: التراثات وصراعات التجديد عند بورخي ...
- بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى
- بورخيس كاتب على الحافة 3: صورة عامة لبورخيس
- بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب
- بورخيس كاتب على الحافة 1: مقدمة چون كينج
- أحلام مُحالة إلى التقاعد


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - الأبنودى معجزة لا تموت