أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - اللاطمأنينة_ ثرثرة من الداخل














المزيد.....

اللاطمأنينة_ ثرثرة من الداخل


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1331 - 2005 / 9 / 28 - 07:57
المحور: الادب والفن
    


هذا ما كان يجب أن يحدث بشكل طبيعي. تعثر سوزان على الكتاب الأشهر للشاعر فرناندو بسسوا بنسخته العربية, تنهي قراءته وتشعر بأنها الهدية الأنسب لي, أتلقفها بلهفة ويكون الكتاب رفيقي لأيام قادمات. كنت أحتاج للتذكير بأن الشعر يقدر على قول الأعمق كما يعيد ترتيب داخلي المشوش أكثر من بقية الكتب والمقالات السياسية التي تزيد من قلقي وتفقدني البقية من توازني الهش.
ماذا أريد بالعمق؟ هل السفر يرضيني؟ أم التعرف بصديقات وأصدقاء جدد؟ أم تغيير عملي الممل والكئيب؟ لا أعرف ....كبيرة ولا تنتهي. أيضا الإنترنيت فقد جاذبيته, تحولت قراءاتي وكتابتي إلى عادات رتيبة, أكررها لأن لا شيء آخر أفعله.
أعرف منذ زمن بعيد أنني أشكو من الاكتئاب الشتوي, حين تحلّ الليالي الطويلة والباردة في حراما وعين قيطة والحصنان, بلا كهرباء بلا تسلية بالقليل من الحياة, نقضي الشتاء بالانتظار, بتدوير الكلام الذي كرره أسلافنا عبر مئات السنين, ونعيد تدويره بلا جدوى وبلا أمل. صرت أتفهم حالة القسوة المفرطة أو الإذعان الكلّي, خياران بلا ثالث لأهل تلك الجبال, وهم يتصدّعون ويتساقطون خاصة في الشتاء.
الدموع خشنة وجامدة كالصخر, والضحك والفرح خافتان في زوايا الهمس, هكذا كنا وما نزال, من الطفولة الباكرة نحلم بالابتعاد عن جورة العذاب أو جورة البقر أو جورة الدهب, لتكبر في دخيلتنا كلما ابتعدنا أكثر, وفي زياراتنا السريعة لها لا نرى أكثر من جبال جرداء وقاحلة, هكذا كانت بيت ياشوط على الدوام.

أول امرأة أحببت, أول صفعة تلقيت, أول كتاب قرأت, أول خازوق ... أول مطر صلب, أول خيانة جرّبت وتجرّعت, أول, أول..كم أمقت هذه الكلمة الآن.

*

ما الذي يفعله الزمن بنا؟ التجارب والخبرات والمعارف تزداد صحيح, لكن قبلها يزداد الغباء والتعنّت. يقترب الموت أكثر, يسحب معه من نحب ومن نكره, لكنه دون أن نشعر يدخل أولا على الشعور والإدراك, ثم يدخل إلى الأعمق بلا توقف.
نتابع اللهاث خلف المشاعر القوية والمغامرات وننسى, ننسى الأخطاء وننسى الصديق, وننسى الصدأ الذي يغلّف أرواحنا ببطء, ثم يغلق كل المنافذ.
سيقول لي الطبيب أن الشعور بالكآبة طبيعي عندما نتعرض للمصائب والخسارات, لكن إذا استمر نفس الشعور في أوقات وظروف مختلفة تصبح المعالجة ضرورية.
هو لا يحبذ الحديث في الشعر ويرفض الكلام في السياسة, كما انه يرغب دوما بحصر الكلام بين المعدة والقضيب. هذا ما أفكر فيه عند ذكر العلاج النفسي.
العطب الذي يتركه الزمن على الأعضاء وعلى العقل لا فكاك منه, عندما أنظر إلى شيبي ورأسي الأبيض بأكمله تنتابني مشاعر مختلفة, أحيانا أقهقه ومعظم الأحيان أشعر بأسف غامض وضيق, شعور الغضب يكون مختلف, أقوم, أمشي بلا هدف, شكرا سوزان كتاب اللاطمأنينة جاء في وقته.

*

المكتبة على يساري وقد ألصقت على واجهتها منذ سنة خارطة اللاذقية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مع أنني دحشت عبارة حقوق الإنسان بعشرات النصوص حتى اليوم لا أعرف ثلاثة بنود منها! اللاذقية كذلك التي استبدلتها عن سوريا, كما استبدلت الأخيرة عن العالم(الكلمة التي يستخدمها الأكثر غباء), لا اعرف عشر قراها وبلداتها, وجيراني في البناية لا أعرف اسم واحد منهم, اللا أعرف درجة متقدمة في الوعي, يبدو أنني سأكرر ذلك طويلا في قراءتي الخاصة لعبارة سقراط: اعرف نفسك. وما ذا إذا لم أعرف نفسي هل أصمت, أخرس!
من الخطأ أ ن تغادر بيتك, الخارج مخيف متوحش بلا رحمة. في مراهقتي قتلت العصافير بكل الوسائل المتاحة وكنت أشعر بتلذذ, متعة القتل قديمة ومتجذرة في الأعماق, بماذا يختلف قاتل العصفور عن قاتل الرجال والنساء !؟

*

البارحة أمطرت, الخريف يملأ اللاذقية, تجوّلت في السوق, وشربت القهوة في مقهى الحكيم بالشيخضاهر, وعدت إلى غرفتي, لست حزينا ولا مهتاجا, وأشعر بخلل ما , بنقص أشياء ضرورية. مشيت في الشوارع وحدي, وجلست على الطاولة وحدي, ما الذي ينقصني في هذا اليوم دون سواه!
عندما انتقلت إلى اللاذقية قبل أكثر من عشرين سنة, كنت أظن ومقتنع بأنها إقامة عابرة, بعدها سأغير المكان وتنفتح سبل جديدة تحمل مفاجآت سارة أو غير سارة, وهذا ما حدث بالفعل, لكنني بقيت, لم أسعى بشكل جدّي للمغادرة, ولم اصل للمصالحة المناسبة مع المكان والمجتمع, وصلت إلى حالة انعدام الوزن.
على البلكون كتاب العقل في القرن العشرين, وفي غرفتي على السرير كتاب اللا طمأنينة, والتلفزيون مفتوح في الصالون, سأشعل سيجارة وأدخل على النت.



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلال منكسرة_ثرثرة من الداخل
- الغضب والعزلة
- الأوهام_ثرثرة من الداخل
- مأساة هدى أبو عسلي_مأساة سوريا
- العين الثالثة_ثرثرة من الداخل
- ابن الكل_ ثرثرة من الداخل
- ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية
- الآخر السوري_ثرثرة من الداخل
- لو أن الزمن يسنعاد
- الزيارة
- الذكاء العاطفي السوري(الكنز المفقود)
- محنة النساء في سوريا
- نساء سوريا الغبيات
- على هامش مهرجان جبلة الثقافي
- المهرجان والوعد
- الليبرالية تحت الشعار
- الارهاب مسؤولية مشتركة
- جميلة هي البلاد التي أغلقت أبوابها
- خاتمة أشباه العزلة
- رالف


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - اللاطمأنينة_ ثرثرة من الداخل