ليون تروتسكي
الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 08:42
المحور:
الارشيف الماركسي
مؤلفات ليون تروتسكي – الجزء الخامس – ص 331. منشورات EDI
القيادة المحدودة
تروتسكي: كيف تتصورون دور القيادة المحدودة؟
K(1) : الرفيقP عليه ان يشتغل من بين امور اخرى بتثقيف المجموعات. و Sch يتوجب عليه تنظيم الدائرة وF عليه توجيه الدعاوى و التحريض, علما ان المقصود بهما غير واضح حسب ملاحظات O.
تروتسكي: من غير المقبول ان يذهب رفيق من القيادة الداخلية الى القاعدة عند المجموعات للقيام بعمل التثقيف, فامن التنظيم يتضرر من ذلك. المطلوب هو معرفة ما اذا كان ممكنا قبول استثناءات في مجموعة X (2) حيث الاعضاء يعرفون بعضهم جيدا. كما يستلزم العمل السري اساسا وعي القيادة بطابعه اي بمسائل امن التنظيم و القيادة, و لهذا يتوجب عليها عند الاقتضاء اتخاذ اجراءات جديدة.
مهمة القيادة و الحالة هذه هي ضمان امن التنظيم من جميع النواحي بالضبط لانها تضطلع بمسؤولية نشاطات بعينها لها طابع سري لا مجال فيها لاي علاقة مباشرة بين المجموعات. من هذه الانشطة مثلا: 1) نقل الرسائل 2) تنظيم و توزيع الادوات و ايصالها 3) النشاط السياسي الدعاوي و التحريضي الموجه للخارج. و لا يحق لاي كان ان يتصرف في هذه الامور من تلقاء نفسه يجب على العكس ان تتخذ القيادة قرارات مضبوطة و ان تتمسك بصرامة بالقرار المتخذ. على هذا النحو وحده يمكن بلوغ نشاط منتظم.
يجب في ما يتعلق بباقي نشاط القيادة: 1) تزويد المجموعات بالادوات في شكل منظم و جاهز للاستعمال, 2) الاشتغال على الدوام ببحث المسائل السياسية, 3) اعداد توجيهات سياسية للحلقة الداخلية, اي السعي للاتفاق معها حول العمل السياسي خلال نقاشات هامة او لاجل الدعاوة مثلا, الخ. بالنسبة لمناقشة مثلا يبقى دوما بحث كيفية توزيع الادوات و خوض النقاش و ايصال التقرير الى القيادة ( طبعا يجب ايصال تقارير النقاش في شكل جيد الى الخارج مع تلخيص النتيجة على نحو منظم ).
ثم يجب تنظيم تحرير التقرير. طبعا يتعين على القيادة التباحث في من يمكنه من الرفاق القيام بهذا العمل او ذاك. لكن عليها ان تراعي دوما استحالة ارغام احد باي عمل كان و ضرورة التاني. (اذا فكرنا مثلا في درجة تعثر العمل التنظيمي لديكم يتجلى منذ الوهلة الاولى ان تاني الاعضاء ازاء القيادة لم يكن اقل مما لدى القيادة ما دامت هذه غير متانية ازاء الاعضاء). انا على يقين ان اجتماعات قيادتكم لا تضع جدول اعمال جيد الوضوح كما انها لا تبذل قصاراها لتضع و لو بايجاز خلاصة تركيبية للنتائج. و الحال ان هذه الامور لا تطاق. و تكمن احدى الوسائل الهامة لتحقيق المراقبة و التربية الذاتية في التعود قطعا على اتخاذ قرارات وفق الاصول و تنفيذها بدقة و صرامة. خلال كل اجتماع يجب تناول القرار المتخذ سابقا و فحصه بواسطة محضر موجز و اعادة ادراج المسائل المهملة في جدول الاعمال. يجري تعلم المسائل التنظيمية بصعوبة فائقة, لذا يجب الا يشعر احد ان هذه الملاحظات "تحط" او" ترفع" من شانه. لكن يجب كقاعدة عامة ان يكون تاني القيادة اتجاه الاعضاء عشر اضعاف تاني الاعضاء اتجاه القيادة.
طبعا يمثل تحرير التقارير احدى المهمات الاكثر اهمية. يجب على الرفاق القادة انفسهم ان يبحثوا عن مجال لتحرير التقارير. و بامكانهم ذلك لا سيما ان خيوطا عديدة تمر بين ايديهم و تتاح لهم على نحو اسهل نظرة شاملة للامور. ان افضل شكل لانجاز التقارير هو البحث في ما يجري من الناحية السياسية. و دراسة مسالة ما (الدراسة تتم بجمع التفاصيل) و يجب دوما ان تكون المعلومات ملموسة اكثر ما يمكن. و يجب تلخيص التقرير و التساؤل عما يمكن القيام به في هذا الامر او ذاك ( يمثل الصراع مع الكنيسة (3) مثلا جيدا ). علاقة القيادة مع الحلقة و من خلال هذه مع المجموعات انما هي مناقشة سياسية يجب دوما المطالبة خلالها بوقائع ملموسة جديدة.
الحاصا ان التصرف على هذا المنوال بناء على عمل حقيقي يؤتي دوما مزيدا من الرضى الحقيقي. و تمثل المبادلات الكتابية مع الخارج و ايصال كل المراسلات مهاما اخرى للقيادة. و لا يجب عليها ان تتردد في الدائرة سوى على اناس موثوق بهم. مرة اخرى نؤكد ان القاعدة العامة لكل الانشطة السرية هي انها شان القيادة دون سواها و على القيادة الا تستعمل سوى خدمات رفاق اكفاء و موثوق بهم.
نواصل: يجب على F ان يوجه الدعاوي و التحريض. ما المقصود بذلك؟ مادام الامر متعلقا بعلاقات فردية فكل رفبق هو داعية. و ليس فحص مسالة مدى الدعاوة الخارجية متعلقا ب "الكفاءة" بل هو مهمة للقيادة برمتها – بعد تحليل التفاصيل بدقة متناهية على قاعدة عمل التنظيم برمته. يجب بوجه خاص تجنب العمل وفق التصورات القديمة و التقسيم القديم للمهام في الحزب الشيوعي الالماني, التي تخفي العجز السياسي ليس الا. من لا يفقه شسئا في السياسة يخترع على العموم " وظائف". يجب ان لا نتخيل ابدا ان بامكان فرد لوحده حل مسالة ما على العكس يجب التداول بشانها بعناية و بصفة جماعية. و ليس التقسيم في هذا المجال غير بلادة. فكل واحدة من المهام المشار اليها هي مهمة جماعية للقيادة – و بالمعنى الواسع هي ايضا مهمة للتنظيم برمته - وهي بهذه الصفة غير قابلة " للتقسيم". في القيادة الداخلية يجب على سبيل المثال بحث ما ان كانت الدعاوة الخارجية ممكنة و الى اي حد هي كذلك. لنتناول مثلا الصراع مع الكنيسة. هل بامكاننا اصدار منشور يضم مطالب و احتجاجات؟ وفي اي شكل؟ جلي مع ذلك ان علينا استعمال كل الاحداث المستجدة لتاجيج هذا الصراع. لكن لا يلزم الظهور في مسالة الدين هذه بصفتنا فرعا للعصبة الشيوعية الاممية (4) (تعوزنا اي خبرة في هذا النوع من الامور و علينا في البدء التعود على الانشطة السرية المرتبطة بها). لكن ماذا لو طرا ما يقتضي منا اتخاذ موقف؟ ربما قد نصدر منشورا يقول ان النازيين اقترفوا دناءة هنا او هناك بفعل وقائع لا خطورة فيها ( لكن يجب تحليلها جيدا من الناحية السياسية ). هكذا تعيش النازية بالقمع الشرس لكل نقد و لا يمكنها السماح ببصيص حرية ( لا حرية الدين و لا حرية التنظيم المهني و بالاحرى اي حرية سياسية ).
ثم كبداية نوقع هذا المنشور – و لما لا؟ - باسم "جماعة مواطنين و عمال مولعين بالحرية". و في ما يخص مطالب الكنيسة, ربما قد نصدر منشورا محايدا في الظاهر نطالب فيه بالحريات العامة و نؤيد حماية الجمعيات و الصحافة, الخ. يجب استعمال كل جريمة يقترفها النازيون و نجعل منها مادة للدعاوة و نؤجج الاستياء العام. يجب ان يكون التشهير السياسي و دعم كل معارضة هو خط تطورنا و نظهر بصفتنا روادا للتحرر.
ما هي امكانيات الظهور بصفتنا فرعا للعصبة الشيوعية الاممية؟ ماذا نفعل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني و الحزب الشيوعي الالماني, الخ؟ لدينا الان رسالة الى عمال فرنسا(5) : انها فرصة هائلة للدعاوة. الا يمكننا اصدار شيء من هذا القبيل؟ ( ملاحظة: لا يجب اعطاء الجرائد بل بيعها ). علما ان بيع الجرائد و بدء الدعاوة تجاه الخارج امران يجب ان تحددهما القيادة, لكن لا يمكن البقاء سنوات عديدة دون اية دعاوة ).
ثم يجب محاولة تثبيت المسائل السياسية كتابة و صياغة المقالات. فنحن في حاجة الى متعاونين مع صحافتنا.
اخيرا يجب انجاز تقارير دورية حول النشاط السياسي و التنظيمي للمجموعة و للدائرة. و انه لذو اهمية فائقة في هذا المجال انجاز تقارير تركيبية تشمل قرارات القيادة و نتائج العمل و الاحداث السياسية و استغلالها, الخ , ( و من خلالها الى مجموع البلد و الى الخارج) قصد بلوغ قيادة وطنية حقيقية و تبادل دائم للخبرات و عمل متناسق على المستوى الوطني.
الحلقة الداخلية
تتكون من الرفاق الارفع كفاءة و الاكثر نشاطا و يتوجب عليها بالخصوص تنظيم العلاقات و المبادلات مع المجموعات. لكن يجب تفادي بعض الامور من قبيل اعتبار انجاز تقارير خاصة معيارا للعضوية في الحلقة الداخلية. فالاساسي هو ان يكون العضو كفؤا و موثوقا به لربط الصلات مع المجموعات و تنفيذ المهام السياسية. و تشتغل الحلقة الداخلية على الخصوص في تنظيم المواعيد و ايصال الادوات و تلقي التقارير ( و لا اعتقد انكم تروجون التقارير و الرسائل في المجموعات ).
: صحيح. لقد اثار ذلك مخاوفنا و عانينا منه. K
تروتسكي: بحق! لا شك انها لحدى اكبر الثغرات. طبعا ان اسرار التنظيم و الكتابات المتعلقة بها و الرسائل مع العناوين لا تهم الاعضاء لكن يجب اطلاع الجميع على التقارير و الرسائل السياسية الموجهة الى القيادة و الى الافراد الاعضاء ايضا. فبدون هذا لا توجد مراقبة و لا اعلام كاف. و بغيابهما تنعدم الرؤية الشاملة و التربية السياسية و التطور التنظيمي (6). يجب ان لا ننسى ابدا ان المبادلة reciprocite و المراقبة هما اساس كل تربية سياسية. ان من لا يستطيع تعلم شيء ما من الذهن الاكثر بلادة و غباء لن يستمد غير جمل جوفاء من الذهن الاكثر ذكاء. يمكن ان اعطيكم امثلة مدهشة عن ذلك. يجب في كافة الظروف ايصال كل تقرير و كل سطر ليس له طابع سري الى المجموعات قصد: ا) ان يكون لدى الرفاق مثال عن كيفية صياغة التقارير ( يخشى رفاق كثيرون كتابة تقرير او رسالة لاعتقادهم ان الامر" راق" لكن قراءة وثيقة ما ستقنعهم ان الامرلا يتطلب مهارة فائقة. ) ب) ان يضيف الرفاق تعديلات ووقائع جديدة. ج) ان تكون لديهم رؤية شاملة حول ما جرى و ما لم يجر.
K: الرفيق L مثلا مختص الاقتصاد. نفحص ما يستطيع كل رفيق القيام به و بعدها نسند له مهام خاصة. نتساءل: " هل يستطيع الرفاق القيام بعمل ما و هل يقومون به لوحده؟" لقد وضعنا حاليا مشروعا ملموسا لعمل المجموعة يضم اساسا النقاط التالية: 1) مراقبة الازقة 2) مراقبة المنشات 3) نقد كل الجرائد و الوثائق العلنية و السرية ) تقارير سياسية و تقارير حول الجريدة. 5) قراءة جريدة يومية تقرير حول المسائل الراهنة و الموقف منها 6) دراسة ادبنا الماركسي 7) المشاركة في منظمة شرعية ( نقابة, جبهة عمل, دفاع سلبي, منظمة دينية, الخ ) 8) عمل التثقيف في المجموعات 9) الصلات باشخاص اخرين و تقارير هؤلاء و اتصالات باشخاص جدد.
تروتسكي: نبدا بالصلات: اي مدى يمكن ان تبلغه صلة جديدة؟ اتابع الامور عن كثب منذ امد طويل و الاحظ اننا متصلبون. يجب بحث مسالة المتعاطفين. و يمكن السعي الى 1) الحصول من المتعاطف على دعم مادي 2) ان نجعل منه قارئا للجريدة 3) استعماله غطاء لهدف ما.
لن نحصل طبعا في الحالة الاولى على شيء ذي شان. لكن يمكن في باقي الحالات بلوغ كل شيء. اعتقد اننا لم نعد نسعى لجعل المتعاطفين اعضاء في التنظيم بل نطالبهم بضمانات مطلقة مستحيلة. تتوقف امور عديدة على المنظور الذي نختاره: تربيتهم لجعلهم متعاطفين دائمين او ثوريين. يمكن في حالات عديدة ان يصبح المتعاطف المجرب عضوا فعالا في التنظيم.
ثم ماذا تعني لديكم صفة "متعاطف"؟ هل "التعاطف" مع شخص ام مع القضية؟ يجي استعمال كلا شكلي التعاطف لتدليل بعض الصعوبات التقنية. مثلا يمكن لرفيق معزول عن الحركة لكنه متفان ان يخبئ الارشيف. لديكم اصدقاء من هذا النوع – وللعناوين ايضا - وعليكم العمل قصد جعل الارشيف لا مركزيا حسب مختلف الابواب.
حول مراقبة الازقة و المنشات و حول نقد الجريدة
تعود الأسبقية في تنفيذ هذه المهام الى القيادة و الحلقة الداخلية. يتعين مراقبة الحلقة الداخلية و على القيادة و الحلقة الداخلية اعطاء رايهما في Unser Wort (كلمتنا) و باقي الادوات. تم اخضاع وثائق و اعداد كثيرة من Unser Wort للنقد في X، لكن لا علم لي لحد الان بوجود نقد عميق صادر عن القيادة. و هذا يلقي ضوءا مميزا على عبثية شكوى الرفيق O الذي يقول انه توجد في X ادوات كثيرة "غير معالجة". ربما لا توجد مواد للانتقاد و ثمة عموما شعور بالرضى و يجري التأسف لهذا العيب او ذاك و تمنى الحصول على المزيد و ما عدا ذلك فالاتفاق حاصل. انا لا اوافق على هذا الراي بل و اعتقد ان ثمة مجال واسع للانتقاد. لكن النقد الذي تم الى حد الان يتبع هذا الخط. لدينا رفاق اسندت لهم وظائف عليا لكنهم يخلطون بين النقد و المماحكة و يسمحون بسخافات و تناقضات صارخة و على العكس يمتدحون اعمالا رديئة. و يوجد رفاق من هذا القبيل في X ايضا. و طبعا نحن لسنا "مستائين" منهم لكن طالما لم يكتشفوا بانفسهم العيوب الحقيقية لا يجب ان يشعروا بالتفوق على الاخرين و لا ان يطالبوهم بامور لا زالوا هم انفسهم عاجزين عنها. هذا بلا شك يجعل "الادوات غير المعالجة" (من طرف "الاخرين") حجة اكثر سخافة.
حول مسالة التقرير
كان لدينا تقارير صادرة من X و خلال فترة تبوأت X المقدمة في المضمار. فما يفوق نصف التقارير كان ياتي من هذه الدائرة. لكن للاسف لم نحرز بعدها تقدما كبيرا في هذا المجال لا بل حصل تكاسل واضح. نأمل ان يحدث تجدد هنا ايضا في ارتباط مع المهام الجديدة. و طبعا يتعين على القيادة ان تكون مرة اخرى قدوة و تبادر و ألا تخلص نفسها بالكلام عما "لم يفعله" الآخرون.
حول عمل التثقيف
يجب تنظيم دروس و مجموعات دراسية إن أمكن ذلك. بل حتى يجب التمرس عليها بوجه خاص و مراكمة خبرة كبيرة: ما زالت الحلقات حتى اليوم إحدى الأشكال الرئيسية للنشاط و مازالت ضعيفة التطور.
أرتكبت أخطاء عديدة في الدروس المنظمة في X مما أغاظ الرفاق. يجب إلتزام الصدق في جميع الظروف و عدم جعل الدرس سرا خفيا او شأنا خاصة ﺑ "نخبة", و يجب إعلان موعد الدرس بواسطة أناس موثوق بهم. كانت طريقة تصرفكم و كيفية توزيع الدروس خاطئة. إذ تم الجلوس و قيل مسبقا أن فلانا و فلانا غير صالحين لهذا الدرس. يجب على العكس معاملة الرفاق بروح منفتحة. و عند تنظيم درس يجب إخبار الجميع. يجب أن يكون عدد المشاركين حرا و غالبا يجب تحضير الدرس تبعا لذلك. و يجري الحديث عن التقسيم و يقال: " تفاهموا بحرية لمعرفة من سيشارك أولا." كما يجب الإستعلام و البحث داخل المجموعات عن المواضيع المناسبة, و يجب أن نسأل الرفاق عما يشغل بالهم, و ربما نتركهم يختارون المواضيع بأنفسهم.
دراسة الأدب الماركسي
يسود الميل إلى الحكم على الرفاق بمعيار قراءتهم. يتجلى هذا من خطة التنظيم التي وضعها الرفيق O في السنة الماضية; إذ جاء فيها بصراحة أنه لا يمكن "الإعتماد" كليا سوى على من قرأ عددا معينا من المؤلفات الماركسية و عند الإقتضاء يجب عليكم قبول وجود رفاق لم يقرأوا كتاب أنجلز "دحض دوهرينغ" و لن يشاركوا كذلك في الدرس. في هذا المضمار كما في غيره يجب التصرف بمرونة! إن كل فرد يريد أن يعامل كما هو. و لا قيمة في هذا المجال لبرنامج صارم يخضع له الجميع. فكل رفيق, بما هو فرد, له سلوك مغاير لكن ثمة حدى أدنى مشترك: 1) الإشتراك في الجريدة على نحو أكيد 2) أداء الواجب المالي 3) إنجاز عمل محدد و مناسب له طابع تقني أو غيره.
لكن يلزمني أن أكرر أنه يجب إعطاء المثال للرفاق و عدم إحتقارهم لكونهم لم يقرؤوا دحض دوهرينغ . و عند الحكم على الرفاق يجب الإنطلاق من وجهة النظر الجوهرية: الحركة. أي أنه ‘ذا أحرزت حركة سياسية تقدما في البلد تظهر فجأة الحاجة إلى رفاق جرى إعتبارهم من قبل قليلي الفائدة و سيكونون ضروريين للغاية إذ سينفتح فجأة أمامهم مجال عمل يمكنهم التحرك فيه. يجب معرفة إنتظار هذه اللحظة و تقدير الرفاق حسب (كفاءاتهم). و قبل بلوغ النقطة التي سيعطي فيها الرفاق أقصى ما لديهم يجب الإنتظار طويلا. و سنكون مستقبلا محتاجين في كل منصب إلى أناس مخلصين جيدي التكوين. إن علاقة ثقة حقيقية على قاعدة عمل متين و ثقة حقيقية في القيادة أمران لا يمكن تصور أحدهما دون الآخر.
هكذا يجب تفادي التصلب في أمور العمل. و يجب أن لا نطلب نتائج في جميع الظروف سوى من القيادة و الحلقة الداخلية و إعطاء بذلك للرفاق. قبل كل شيء يجب التخلص من كل شعور بالتفوق. لأن رفاقا ضئيلي القيمة اليوم قد يرتقون غدا إلى موقع هام و يصبحوا مثلا قادة بالجيش الأحمر, و هذا له على الأقل أهمية مماثلة لأن يكون O مثلا مفوضا في تعليم الشعب.
من يريد أن يكون صلبا يلزمه أن يكون مرنا و إلا فهو متصلب لا غير. بوجه عام يواجه المثقفون في هذا المجال مشقة أكبر بكثير ما يجد العمال لأن لديهم في الغالب معارف أكثر و تربية شكلية تجعلهم مغرورين. و رؤوسهم تعج بمشاريع كبيرة و يفهمون على الوجه الأكمل ما يجري في الدائرة البرجوازية, و لكن ليست تلك حال الماركسية. فهم مثلا لا يفهمون كيف تشرع الجماهير في التحرك. إذ وجد قبلهم دوما معلم فكّر لهم في كل شيء. يجب على المثقفين أن يبذلوا مجهودا أكبر لتعلم الإنضباط. و هم غالبا لا يتعلمون النظام و الصرامة إلا ببطء شديد و عبر أزمات حادة. و في طور مين لا تكفي حتى أفضل إرادة و عزيمة. تجب القدرة على نكران الذات: آنذاك يصبح المرء متسامحا أكثر إزاء الآخرين. فغياب التسامح هو دوما دليل إختلال داخلي. تعاني المجموعة كلها في X من هذا العيب. تنتج الماركسية شعورا معينا بالوجود لأنه يمكن ملاحظة صحتها في الشارع و في الحياة اليومية. يجب أن تكون الماركسية بالنسبة لنا شكلا للوجود و ليس النظر إليها كمسألة أكاديمية. هاكم إذن ما يجب تعلمه: التصرف على نحو تؤثر فيه الحياة اليومية على الموقع الفكري (أو النظري) للماركسي. ليس الأمر مسألة تكلف و مظاهر حسنة أو سيئة. – ربما تذكرتم سخريتي اللاذعة من باورBauer (7) و آخرين لم يميزوا جوهر البلشفية عن ذهنيتهم المبتذلة و الخرقاء و التافهة.
هذا علاوة على أن القيام بالثورة يكون بعدد قليل نسبيا من الماركسيين, حتى داخل الحزب. في هذه الحالة يقوم الكائن الجماعي بتعويض ما يعجز عنه الفرد. بالكاد يمكن للفرد أن يلم حتى بمجال جزئي: لا بد من مختصين متكاملي الأدوار. و غالبا ما يكون مثل هؤلاء المختصين ماركسيين متوسطين , دون أن يكونوا ماركسيين حقا, لكونهم يشتغلون تحت إشراف ماركسيين حقيقيين. و يمثل الحزب البلشفي في كليته مثالا ساطعا عن ذلك. فقد كان بوخارين و مولوتوف و تومسكي و مئات آخرين ماركسيين جيدين تحت إشراف لينين و تروتسكي. و لكنهم إندحروا بخزي فور إختفاء هذا الإشراف. لا ينبع هذا من كون الماركسية علما خفيا: فقط يصعب الإفلات من ضغط المحيط البرجوازي الهائل و من كل تأثيراته.
مجموعة X بكليتها
يبدو لي أن المجموعة لا توجد في وضع ميؤوس منه, بل و ثمة أدلة سياسية على ذلك. لم أتمكن من مراقبة أدق للكيفية التي تمت بها مناقشة المنعطف في العصبة الفرنسية(8), لكن لا شك أن العصبة شهدت أنشط حياة سياسية لحظة المنعطف بالذات. و يقينا ليس الأمر صدفة. إستنادا إلى الرسائل التي تلقيتها ( و التي أقرأها دائما بعناية كبيرة و أقارنها), أعتقد أن هذا النقاش الذي أدى إلى أزمة في باقي المجموعات يدل على أن مجموعتكم متطورة كفاية من النظر السياسية و أن كل الوقائع المزامنة تتيح الإعتقاد بأن بإمكانها, على قاعدة المسائل السياسية , أن تصبح مجموعة عادية. آنذاك لم تكن أسباب الخلافات الشخصية أقل مما هي عليه الآن. و كما هو طبيعي ظهرت هذه الخلافات في المجموعات الأخرى مباشرة من جراء المنعطف. أما عندكم فقد توارت و أدى الخطر السياسي إلى تمتين صفوفكم: فلم تحدث أي أزمة و بقيت الحياة السياسية و التنظيمية سليمة. هذا هو ما يجب الإستناد عليه ما إعتباره دليل نضج سياسي. كان ذلك بالنسبة لمجموع X مناسبة ممتازة لتفحص في الممارسة و تطبق بعض الأفكار السياسية و التنظيمية و ذلك قبل غيرها و على نحو أعمق. يمكن القول بصراحة أن المجموعة برمتها أبانت, بوعي أو بدونه, عن معرفتها النظرية. التجربة ناجحة كليا: لم أتردد لحظة واحدة في الإستشهاد بكم كنموذج (9). لا تعتقدوا أن سلوككم كان عديم الشأن, فقد سهل لنا النصر على المستوى الوطني و الدولي بتعزيز موقعنا في الحال. و هذا ليس أمرا هينا بل هو كل شيء. يجب الشروع حاليا في البحث منهجيا في المسائل التي تنطرح قصد إستثمار تجربة السنتين لاستئناف العمل السياسي. حتى أني أزعم بأن لحظات الإضطرار إلى الإنشغال بالمشاكل السياسية و قدوم السياسات الجديدة هي التي تظهر الطبيعة الحقيقية لمجموعة ما. أنا متفائل بكم من وجهة النظر هذه: 90 في المائة من صعوباتكم ناتجة عن عيوب تقنية. بل يمكن القول إن مكاسبكم السياسية و النظرية هي التي أدت إلى نوع من الإنزعاج و نوع من غياب الخلافات السياسية. لقد فهمتم جيدا, بخلاف الآخرين, المنعطف الفرنسي مما جعلكم تكفون عن تطبيقه أو طبقتموه على نحو أقل ميكانيكية في SAP. و في مسألة الصراع مع الكنيسة كان رفاقنا روادا. أي أننا إزاء تقليد متناسق: ثمة خط مستقيم يربط بين ما تعلمناه خلال بعض سنوات من العمل المشترك و بين المنعطف الفرنسي. تكمن الصعوبة حاليا بعد كل أخطاء التنظيم و المنهج هذه في أيجاد الطريق نحو عمل منظم و منتظم وهو أمر ضروري بقدر ما تظهر مهام سياسية جديدة. أنا متأكد أننا بإقرار نوع من "العفو" العام و الأريحية سنستأنف قريبا تقدمنا إلى الأمام. و بعد بعض الوقت سنضحك بتسامح من المأساة الحالية – لكن دون أن ننسى دروسها. و كما أسلفت تزداد ثقتي بذلك لا سيما أننا مقبلون عما قريب على عمل سياسي. إن المبدأ الأول هو أن لا تهتم القيادة, و كذا الرفاق الجيدين, بالهذر.
حول الرأي المعبر عنه أحيانا و الذي يرى أننا نراوح المكان و أننا ضعينا سنتين عبثا
في الواقع لا يضيع أي عمل منجز فعلا مهما بدا سلبيا. و في الواقع نحن نتعلم و نتطور من خلال ما نقوم به من عمل. و حتى إن لم تكن النتيجة بعد سنتين سوى وجوب وضع حصيلة لهذا الشطر من حياتنا و الإعتراف بهذا الخطإ أو ذاك, فإنها نتيجة لن نقدر أبدا على الوجه الأكمل قيمتها بالنسبة للتطور الفردي و الجماعي. إننا نبحث دوما عن أمثلة عن الديالكتيك, إذن هاكم واحدا منها: هل يصبح الخياط خياطا بارعا ما لم يضيع في التعلم دزينة من البدلات؟ يتوجب علينا أن نبحث بكل طاقتنا – إن صح أن السنتين الأخيرتين ضاعتا – عن الإيجابي في الأمور السلبية و نعمل لنزيح نهائيا, من خلال التجربة, العيوب و النقائص التي ظهرت خلال هاتين السنتين. لا يتعلم المرء عموما إلا من أخطائه, لا سيما في الحركة البروليتارية. فمن زاوية نظر معينة قد يعتبر كل الرفاق الذين جاؤوا من حركات سابقة ماضيهم وقتا ضائعا. و الواقع أن ذلك النشاط بالضبط, مهما بدا عبثيا, هو الذي حدد حاضرنا: رغم كل شيء نحن على الأقل ماركسيون.
سيحصل لدينا دوما إنطباع بمراوحة المكان طالما لم نتجاوز, بناء على التجارب المنجزة, العتبة التي تفصلنا عن إنجاز العمل المطلوب فعلا. يتعين على كل من يقوم حاليا بمجرد الحصيلة أن يقول: لو أنجز العمل المقترح هنا في القيادة و من طرفها, لكنا في وضع أفضل و تمكنا من تحقيق تقدم في المجال التنظيمي.
علاوة على أن الأهم هو أنه لا مناص من نوع من مراوحة المكان, بالمعنى السياسي, طالما ظلت الحياة السياسية متقلصة و مخنوقة إلى درجة لا توجد معها سوى حلقات و مجموعات صغيرة و ما شابه ذلك. إن كون الفاشية لا تترك للحياة السياسية سوى حيز ضئيل – لا توجد حاليا حركة عمالية بل فقط حلقات – سيتعب الرفاق العاملون في السرية و يبدو لهم الوضع مأزقا كما يزيد من عدم رضاهم عن التنظيم. لكن السيرورة لها وجه إيجابي: في السرية بالضبط, دون غيرها من الظروف, يمكن تكوين كوادر أشد صلابة و أكثر تربية و إنضباطا.
11 أو 12 يونيو 1935
#ليون_تروتسكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟