|
سياسة -معاداة روسيا- ستنقلب وبالا على الكتلة الغربية وحلفائها
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 4787 - 2015 / 4 / 25 - 23:26
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
منذ فترة غير بعيدة اعلن الرئيس باراك أوباما، بزهو من اكتشف الابجدية او اكتشف حركة دوران الأرض، ان ما سماه "هذه الطريقة" (وكان يقصد طريقة الحصار الاقتصادي على كوبا) التي لم تأت بنتيجة طوال اكثر من نصف قرن، يجب تغييرها. وبعد ذلك ببضعة أسابيع فقط أعلنت "الاتفاقية الاطارية" حول البرنامج النووي الإيراني، واعلن أيضا ان "طريقة" الحصار والمقاطعة الاقتصادية لإيران لتركيعها وتطويعها، لم تأت أيضا بنتيجة! والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه في الوقت الراهن: اذا كانت "طريقة" المقاطعة الاقتصادية لم تأت بنتيجة، لصالح الغرب الامبريالي، مع كوبا وايران، فهل ستأتي بنتيجة مع روسيا؟ سنحاول فيما يلي الادلاء برأينا المتواضع حول هذا السؤال الستراتيجي العالمي: فشل استعمار روسيا بواسطة "الطابور الخامس" خلال مرحلة غورباتشوف ـ يلتسين، طبق النظام الروسي الليبيرالي حينذاك سياسة الانفتاح على الغرب، بمفهوم سلبي ـ خياني هو: فتح أبواب روسيا على مصاريعها للاحتكارات والعصابات والمافيات الغربية عامة واليهودية خاصة، لنهب روسيا بدون حسيب ولا رقيب، ولإفقار وتجويع الشعب الروسي وتقليصه ديموغرافيا حتى 50 مليون نسمة على الأكثر حسب "روشتة" سبيغنيو بريجينسكي، كي يمكن التخلص نهائيا من روسيا كدولة كبرى، وتحويلها الى مستعمرة عالمثالية عادية. روسيا التي يعود لها فضل القضاء على النازية تمد يد الصداقة للغرب ومع ذلك، وبعد إزاحة الخائن يلتسين وفريقه عن السلطة، فإن القيادة القومية المعتدلة الجديدة لروسيا، بزعامة فلاديمير بوتين، والتي قامت على التآلف وتوحيد الجهود بين قطاعات: الجيش، والمخابرات، والمجمع الصناعي الحربي، وقطاع الطاقة (النفط والغاز والنووي) والقطاع البنكي ـ المالي، ـ نقول ان هذه القيادة القومية المعتدلة، وبعد ان وضعت حدا للاقتحام الغربي ـ اليهودي لروسيا، لم تنتهج سياسة عدوانية تجاه الدول الغربية، بل على العكس تماما انتهجت سياسة انفتاح وتعاون إيجابي مع الغرب، لطي صفحة "الحرب الباردة" السابقة تماما، والعمل المشترك لحل المشكلات التي تواجه العالم في العصر الحديث، كمشكلة حفظ السلام العالمي والحؤول دون تحول أي نزاع إقليمي الى صراع عالمي يحمل في طياته خطر الحرب النووية الشاملة، ومشكلة مكافحة الإرهاب، وتحسين المناخ، ومكافحة الاحتباس الحراري، والتصحر والجفاف والفيضانات والاعاصير، ومكافحة الفقر والاوبئة والامراض، الخ. وفي هذا النهج الانفتاحي تنطلق القيادة الروسية من الادراك، انه لولا روسيا لما امكن القضاء على النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وانه اليوم بدون روسيا لا يمكن حل أي مشكلة عالمية. وبعد احداث 11 أيلول 2001 في اميركا، وبالرغم من التحفظ تجاه الأهداف الحقيقية لاميركا وانتقاد التعرض للمدنيين، لم تعارض روسيا الحرب الاميركية ضد "القاعدة" في أفغانستان، بل على العكس سمحت للجانب الأميركي باستخدام الأراضي والأجواء الروسية لمرور قوافل الشحنات المدنية والعسكرية الأميركية والجنود الجرحى والمصابين. وفي 2009 استقبل الرئيس باراك أوباما في موسكو استقبال "صديق قديم" ورئيس "دولة كبرى حليفة" منذ الحرب العالمية الثانية، واتيح له اجراء مقابلات عامة والسير في شوارع موسكو ومصافحة المواطنين العاديين. وأنشئت آلية دائمة لتمثيل روسيا لدى الناتو والاتحاد الأوروبي، وانضمت روسيا الى مجموعة الثمانية الكبار ومحموعة العشرين الكبار، الخ. وانفقت روسيا عشرات مليارات الدولارات لمد انابيب الغاز والنفط نحو أوروبا، ولمساعدة بعض البلدان الأوروبية في بناء او تجديد المفاعلات النووية لانتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة. الغرب يعض اليد التي مدت له ولكن هذه السياسة الدولية الانفتاحية ـ التعاونية لروسيا لم ترق للاوساط العدوانية الغربية، التي شرعت في تطبيق حملة إرهابية واستفزازية ضد روسيا، لاعتبارها إياها تمثل العقبة الرئيسية امام الهيمنة الامبريالية الأميركية ـ اليهودية على العالم. وفي هذا السياق جاءت العمليات الإرهابية "الإسلامية المزيفة" ضد روسيا في العقد الأول من القرن الحالي، وشملت تلك العمليات بعض مدارس الأطفال والمسارح والمستشفيات والمجمعات السكنية المدنية وقطار الانفاق والمطارات. وذهب ضحية تلك العمليات الوحشية ألوف المواطنين الروس المدنيين المسالمين، الذين ضحى آباؤهم واجدادهم بأرواحهم من اجل انقاذ العالم من الوحشية النازية. وبتحريض وتنظيم من الأوساط السياسية والقيادات والمخابرات الغربية، افتعلت المواجهة الجورجية ـ الروسية في 2008، والمواجهة الاوكرانية ـ الروسية في 2009. الكتلة الغربية تقع هي نفسها في "الافخاخ" التي تنصبها لروسيا وفي العقد الثاني من القرن، حركت الكتلة الامبريالية الغربية ما يسمى "الربيع العربي" في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الدولي، بهدف أساسي هو طرد ما يسمى "النفوذ الروسي" في المنطقة، ومحاولة استدراج روسيا الى "فخ أفغاني" جديد في سوريا. ولكن "الفخ الافغاني" الذي نصبته جبهة الكتلة الغربية والعربية الموالية لها وتركيا وإسرائيل، بواسطة ما كان يسمى "المعارضة السورية" و"القوى الدمقراطية العراقية"، لروسيا وحلفائها، وقعت هي فيه. وها هي تلك الجبهة تضطر اليوم للاعتراف ولو إعلاميا بـ"إرهابية" داعش و"النصرة" وتوابعهما، وبضرورة التفاوض مع النظام السوري، وبحق ايران في امتلاك برنامجها النووي السلمي وما يخبئه الزمان، وحق روسيا بتسليم ايران صواريخ S-300 الروسية لحماية البرنامج النووي الإيراني خصوصا، من أي ضربة إسرائيلية غادرة. و"الفخ" الذي تحاول الجبهة "العربية ـ الغربية" ان تنصبه لإيران وروسيا وحلفائهما في اليمن والخليج، ستقع هي فيه أيضا، ولن ينقذها من النتائج الدراماتيكية لهذا الفخ سوى ايران وروسيا وحلفائهما. اما "الفخ الافغاني" الذي نصبته الكتلة الغربية في تونس وليبيا ومصر، فقد حققت فيه بعض النجاح المؤقت في ليبيا، ولكنها منذ مقتل السفير الأميركي في ليبيا، بدأت هي نفسها تتخبط في شباك هذا الفخ، وحينما ينفجر غدا ـ وان غدا لناظره قريب ـ الغضب الساطع المضغوط لجماهير الشعب المصري، سيبدأ صريف الاسنان والصراخ والعويل في إسرائيل، وسينهض جميع قادة بني إسرائيل، من موسى التوراتي الى ارييل شارون، من قبورهم، ليشاركوا بعد فوات الأوان في حفلة البكاء والنحيب على المصير الأسود لـ"شعب اليهوه" الملعون. النازيون الاوكرانيون في خدمة "الدمقراطية!" الأميركية وبلغت قمة التحدي والاستفزاز لروسيا في مؤامرة الانقلاب الفاشستي الذي تم في 21 شباط 2014 في كييف، وهو الانقلاب الذي نظمته المخابرات المركزية الأميركية، بالتعاون مع النازيين القدماء انصار الزعيم النازي الاوكراني "ستيبان بانديرا"، الذي كان حزبه يقاتل الى جانب هتلر في الحرب العالمية الثانية، وارتكبوا المجازر ضد المدنيين في أوكرانيا وبولونيا وبيلوروسيا. وكان انصار "بانديرا" ولا يزالون ينفون الأصل السلافي والارتودكسي للشعب الاوكراني ويدعون انه من اصل جرماني وكاثوليكي، وكانوا يحملون الرايات والشارات النازية ويهتفون للرايخ الألماني حينما كان الشعب الروسي كله يرزح تحت عبء الكفاح المرير ضد النازيين. وبقدرة قادر تحول انصار "بانديرا" وهتلر الى "دمقراطيين" واستبدلوا الاعلام النازية بالاعلام الاتحاد ـ أوروبية والأميركية، وطفقوا يجوبون شوارع كييف ومدن وقرى أوكرانيا الغربية ويقتلون عشوائيا المواطنين الروس والناطقين باللغة الروسية. ثم نظموا مجموعات مسلحة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمدفعية والدبابات وهاجموا مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، حيث أكثرية السكان هي من الروس والناطقين باللغة الروسية، وبدأوا باحتلال المباني والمرافق العامة وقتل واحراق المواطنين احياء في الشوارع والأماكن العامة، كما حدث في مقر اتحاد النقابات في مدينة اوديسا. وكانوا يتهيأون لمهاجمة شبه جزيرة القرم وخاصة مدينة سيباستوبول لافتعال معركة مع وحدات اسطول البحر الأسود الروسي في قاعدة سيباستوبول. وكان الهدف هو استدراج روسيا الى حرب روسية ـ اوكرانية، للدفاع عن قاعدة سيباستوبول، ويكون ذلك حجة لاتهام روسيا بالعدوان على أوكرانيا، واتخاذ قرارات "اممية" و"ناتوية" جاهزة ضد روسيا وتبرير أي عدوان عليها. الانتفاضة الشعبية الأوكرانية المعادية للنازية الجديدة ولكن كل هذا المخطط العدواني فشل فشلا ذريعا، ثم "انقلب السحر على الساحر". اذ ان جميع القطع البحرية الأوكرانية في سيباستوبول وجميع الثكنات العسكرية الأوكرانية في القرم وشرق وجنوب أوكرانيا رفضت اطاعة أوامر الفاشست والانقلابيين في كييف وتوجيه أسلحتها ضد الاسطول الروسي في سيباستوبول وضد جماهير الشعب في القرم والدونباس ذي الأكثرية الشعبية الروسية. وانضمت غالبية الضباط والجنود الى جانب جماهيرهم الشعبية، وتركت الحرية للاقلية من الضباط والجنود الذين ظلوا موالين لكييف ان ينسحبوا من الثكنات بدون أسلحة. وشكلت الوحدات البحرية والبرية والجوية المتمردة على الانقلابيين في كييف نواة "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" التي تحولت بسرعة الى جيش شعبي كبير. وأعلنت شبه جزيرة القرم العودة الى الانضمام الى روسيا، بعد استفتاء شعبي عام. وأعلنت مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك نفسيهما جمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا. ومنذ ان أعلنت القرم الانضمام الى روسيا لم يجرؤ أي طرف على توجيه رصاصة واحدة اليها. وطوال اكثر من سنة حاولت المجموعات الفاشستية وقوات الجيش الانقلابية اقتحام "الجمهوريتين الشعبيتين" في دونيتسك ولوغانسك، دون جدوى. بل كانت المجموعات المعتدية كلما تجمعت في مكان تتعرض لهجوم مضاد من "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" فتضطر للفرار او التعرض للحصار، ومن ثم تتوسل الطرف الروسي للتوسط لدى "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" لفتح الطريق لها للانسحاب. الانتقام من المدنيين ولتغطية فشلها الذريع اخذت قوات كييف تقصف الأهداف المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور المسنين والملاجئ والمعامل والمناجم والساحات العامة ومحطات القطارات والباصات، مما أوقع اكثر من خمسين الف قتيل ومئات الاف الجرحى والمعاقين، واضطر اكثر من مليون مواطن اوكراني من شرق وجنوب اوكرانيا للجوء الى روسيا لاجل حماية انفسهم واطفالهم من القصف الهمجي. وتعطلت تماما الدورة الاقتصادية والحياتية في الدونباس، وفقدت الادوية ومياه الشرب والمواد الغذائية. وهذا ما دفع روسيا لارسال قوافل متواصلة تحمل مساعدات غذائية وادوية ولوازم حياتية أخرى، لمنع وقوع كارثة إنسانية في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا. المساعدات الانسانية هي... عدوان! وكان للمساعدات الإنسانية الروسية أهمية سياسية كبيرة في انها قطعت الطريق امام الفاشست والانقلابيين في كييف للضغط على مقاتلي "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في الدونباس ودفعهم للتنازل عن طريق قتل اهاليهم وحرمانهم من الغذاء والدواء والماء ولوازم الحياة الضرورية خصوصا في فصل الشتاء. وهذا ما اطار صواب الفاشست والانقلابيين في كييف واسيادهم في الناتو وأميركا. واعتبرت هذه الأوساط ان موافقة روسيا على عودة القرم قانونيا اليها، وإيوائها اللاجئين الاوكرانيين وتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة، بأنه: عدوان وتدخل في الشؤون الداخلية الأوكرانية!!! وبناء على هذا الادعاء الكاذب والافترائي، المناقض لكل الأسس والمعايير الإنسانية والأخلاقية والحقوقية الدولية، شنت الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية حملة عنصرية مسعورة ضد روسيا، لم يسبق لها مثيل حتى في أسوأ ظروف "الحرب الباردة" السابقة بين المعسكر الغربي والسوفياتي السابق. روسيا ترد بثبات وهدوء على المقاطعة الغربية ومن اللافت للنظر انه قد انضم الى هذه الحملة المعادية لروسيا جميع القادة الرئيسيين الأوروبيين والأميركيين. وفي ظل هذا الافتراء المزيف، وبحجته، بدأ اتخاذ قرارات "معاقبة" روسيا ومقاطعتها اقتصاديا وماليا. وترد روسيا بهدوء وثبات وبشكل فعال على المقاطعة الغربية، على المستويين: أ ـ المستوى الاجرائي العملاني. وهو الأبرز والأكثر ظهورا للعيان، كقرار منع استيراد المواد الغذائية والزراعية من بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان الداخلة في نظام المقاطعة الغربية لروسيا. وهذا المستوى هو قابل للاخذ والرد والمساومة، تبعا للعلاقة مع كل دولة على حدة، ولحاجات السوق الروسية. روسيا ستقوض الاقتصاد العالمي القائم على الهيمنة الامبريالية ب ـ المستوى الستراتيجي العام بعيد المدى، والمتعلق بالخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية العامة للدولة الروسية. وستظهر نتائج هذا المستوى في العقود القريبة في تغيير شامل لوجه الاقتصاد العالمي برمته. وهنا يمكننا القول ان الدولة الروسية كانت حتى بداية "المقاطعة الاقتصادية الغربية" تنتهج سياسة التعاون والتكامل مع الاقتصاد العالمي، ونواته الرئيسية الاقتصاد الغربي (بالمعنى الضيق للكلمة: أي أوروبا وأميركا). ولكن قرارات "المقاطعة الغربية" سببت "صدمة" حقيقية للقيادة الروسية، التي اعتبرت ان "المقاطعة" هي عدوانية وغير مبررة بتاتا وهي تتضمن رفضا مسبقا لسياسة الانفتاح والتعاون بين روسيا والغرب. وهذا ما اقنع القيادة الروسية بأن الدول الغربية (وريثة الإمبراطورية الرومانية، والكولونيالية، والنازية) هي دول "مريضة" تماما بلوثة النزعة الاستعمارية، وهي لا تريد الصداقة مع أي بلد او شعب او دولة، حتى لو كانت في عظمة الدولة الروسية التي قدمت 26 مليون ضحية في الكفاح لتحرير أوروبا والعالم من النازية، بل تريد ان تنهش اليد الروسية الممدودة لها وان تلتهم صاحب هذه اليد اذا استطاعت. ولذلك يمكن القول ان القيادة الروسية "اقتنعت" بضرورة استبدال ستراتيجية التعاون والتكامل الاقتصادي مع الاقتصاد الغربي، بستراتيجية الانفصال عن هذا الاقتصاد، والتوجه نحو إيجاد اقتصاد عالمي رديف، على المدى القريب والمتوسط، ومزاحم جدي، على المدى الابعد، للاقتصاد الغربي الراهن. وبدون أي ضجة، وبدون "قرقعة" وقرع الطبول على الطريقة الغربية، بدأت تتوالى في موسكو قرارات "الانفصال" عن الاقتصاد الغربي. رفع الدعم عن الروبل: ضربة في الصميم للدولار من هذه القرارات على سبيل المثال لا الحصر: قرار البنك المركزي الروسي برفع الدعم عن الروبل للمحافظة على سعره السابق بحدود (1 دولار = 30 ـ 35 روبلا). ومن ثم ان يتقرر سعر الروبل في السوق بشكل حر. فكانت النتيجة الأولى المتوقعة ارتفاع سعر الدولار مقابل الروبل غير المدعوم الى نسبة (1 دولار = اكثر من 70 روبلا). ولم يجد المعلقون والمحللون الغربيون وانصارهم (بمن فيهم بعض الشيوعيين السابقين الخونة) في هذا الحدث الهام شيئا يتحدثون عنه سوى قرع الطناجر واطلاق الزمامير حول "انهيار" سعر الروبل وتمنياتهم وتوقعاتهم بالانهيار الوشيك للاقتصاد الروسي. لكن الواقع ان "السعر الفعلي" للروبل كان من الأساس هو هذا السعر، أي سعر السوق، ولكن البنك المركزي الروسي كان يدعم الروبل بشكل مصطنع على حساب الاقتصاد الروسي ولمصلحة الدولار، والنتائج الاقتصادية الحقيقية لهذا القرار هي: أ ـ ان الدولار خسر "زبونا" كبيرا كالبنك المركزي الروسي الذي كان يستخدم الاحتياط المركزي او يشتري يوميا من الخارج مئات ملايين الدولارات لدعم الروبل. ب ـ وان أسعار السلع التي مصدرها منطقة الدولار قد تضاعفت بالروبل مما يعني توجيه الشاري نحو السلع الروسية والصينية الخ. غير المسعرة أصلا بالدولار. ج ـ وان غالبية السياح الروس وهم بعشرات الملايين الذين كانوا يشترون "الدولار الرخيص المدعوم" ويذهبون للاستجمام او التبضع في البلدان الغربية، صاروا مضطرين الى شراء "دولار ثقيل" وبالتالي التخلي عن السفر الى الخارج او تقليص مصروفاتهم في الخارج. التعامل بالعملة الوطنية مع الصين وغيرها ومن ضمن النهج الستراتيجي الاقتصادي الجديد لروسيا: 1 ـ الاتفاق مع الصين ان جميع الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدها الرئيس بوتين مع الصين خلال زيارته لبكين في السنة الماضية، بما في ذلك تزويد الصين بالغاز لمدة 40 سنة قابلة للتجديد وبكميات هائلة، كل تلك الاتفاقيات سيكون الحساب فيها بالروبل وباليوان الصيني، وليس بالدولار الأميركي. وتسعى روسيا لتطبيق المبدأ ذاته مع دول صديقة أخرى. مشروع عملة "البريكس" 2 ـ قرار البنك المركزي الروسي بالاتفاق مع البنوك المركزية لدول مجموعة بريكس لتكوين بنك مركزي مشترك لدول البريكس والتوجه نحو اصدار عملة خاصة لدول البريكس تنافس الدولار واليورو في الأسواق والبورصات العالمية. اقتصاد عالمي بديل وهذا هو جزء فقط ذلك من القرارات التي اتخذت والتي ستتخذ، والتي تصب في اتجاه خلق اقتصاد عالمي بديل، مزاحم للاقتصاد الغربي، ويهدف الى تدميره، وتفجير التناقضات الداخلية والخارجية للدول الغربية، وتدميرها، في نهاية المطاف، كدول، نشأت بالأساس كدول استعمارية لصوصية معادية لجميع شعوب العالم. الجانب الاقتصادي لسباق التسلح وقد شملت المقاطعة الغربية لروسيا بالطبع القطاع العسكري، بيعا وشراء. وهذه النقطة هي شديدة الحساسية بالنسبة لروسيا. ونحاول الإضاءة عليها قدر المستطاع، من الداخل اذا صح التعبير، لان غالبية المحللين يأخذون بظواهر الأمور وسطحياتها، وبالنتائج دون المقدمات والأسباب: ـ1ـ ان روسيا هي بلد كبير وشاسع، ذو مناخ قاس، ومواصلات طويلة وصعبة، وكثافة سكانية قليلة. وهذا ما جعل الإنتاج مشتتا. فروسيا تنتج كل شيء. الا ان غالبية فروع الإنتاج تبقى ذات طابع "محلي" لا يتجاوز حدود المقاطعة التي يتم الإنتاج فيها. ولذلك فإن عملية تركيز وتمركز الرساميل الإنتاجية كان من الصعب جدا ان تشمل كل قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي. وانحصر تمركز الرساميل الإنتاجية بشكل رئيسي في القطاع الذي تحتاجه كل خلية إنتاجية ومدنية وصحية وتعليمية وهو قطاع الطاقة (النفط والغاز، والكهرباء المولدة بالطاقة المائية والسدود وبالفحم الحجري والنفط والغاز واخيرا الوقود النووي). روسيا العصية على الاستعمار تركـّز على صناعة الاسلحة ـ2ـ ان كل تاريخ روسيا يتمحور حول عاملين أساسيين: الأول ـ مطامع الدول الاستعمارية والتوسعية (من روما القديمة الى اميركا المعاصرة)، والمجتمعات المتوحشة الغازية (كالخزر القدماء، والمغول والتتار والطورانيين)، في غزو روسيا ونهبها واستعباد رجالها واسترقاق نسائها. ودخلت هذه النزعة الاستعمارية ـ الاستعبادية في صلب "الثقافة" الغربية، وأصبحت كلمة (slave) او (esclave) (واصل المعنى هو: سلافي، او صقلبي، ومنه الروسي)، أصبحت تعني: العبد، في قواميس جميع اللغات الأوروبية الغربية. والثاني ـ المقاومة الشديدة التي ابداها الروس تجاه الغزاة والمستعمرين. فالمرأة الروسية التي كانت تعرف انها ستؤخذ للاغتصاب والاسترقاق، والرجل الروسي الذي كان يعرف انه هو وامه واخته وزوجته وابنته واخوه وابنه سيؤخذون للاسترقاق والاغتصاب والاستعباد، كانا يقاتلان بشراسة واستماتة مفضلين الموت على الوقوع في ايدي الغزاة. وبهذه الروح القتالية الشرسة استطاع الروس حماية ارضهم وانفسهم وسحق جميع الغزاة الذين دخلوا تلك الأرض. وكـ"تعويض نفسي" نشأت عن ذلك "ثقافة" احتقار الروسي واعتباره "متخلفا" و"جلفا" و"فظا" و"متوحشا". وبهذا المعنى دخلت كلمة "موجيك" (muzhik) (واصل معناها: فلاح روسي) في جميع قواميس أوروبا الغربية. تماما على طريقة تحريف معنى كلمة (بربري) في اللغة العربية وغيرها من لغات العالم. فنحن نفتخر بطارق بن زياد، وبالعالم الاندلسي عباس بن فرناس، ولكننا نستحي ان نقول انهما كانا بربريين، ونقول انهما عربيان، وهو ما ينافي الواقع التاريخي. وقد انعكس هذان العاملان السببيان في نتيجتين منطقيتين هما: الأولى ـ الحقد الغربي الدفين ضد روسيا والسياسة العدوانية المتواصلة ضدها. والثانية ـ الاستنفار الدائم لروسيا لرد العدوان الوشيك، او المفترض، القادم او المؤجل. روسيا الارتودكسية وفي القرون الوسطى الباكرة اسهم هذا الشرخ الجيوستراتيجي ("الثقافي" ـ السياسي ـ العسكري) في انشقاق الكنيسة وانضمام روسيا الى "الارتودكسية" (أي "المسيحية القويمة" = الشرقية) ضد الكاثوليكية الفاتيكانية وريثة الاستعمار الروماني "الغربي". وليس صحيحا ان الغرب المسيحي (الكاثوليكي ـ البروتستانتي) جنبا الى جنب اليهود، يعادي روسيا لانها "ارتودكسية" بل الصحيح ان الغرب يعادي الارتودكسية لانها اتخذت طابعا "روسيا". وروسيا "الاشتراكية" وفي مطلع القرن العشرين قامت الثورة الاشتراكية في روسيا وانتصرت (قبل ان يقوم الخائن ستالين وعصابته بقتل لينين وتفريغ الاشتراكية من محتواها الحقيقي). وفي الحال قامت 14 دولة أوروبية (كانت حتى الامس القريب تقاتل بعضها بعضا) بمهاجمة روسيا دفعة واحدة على امل تمزيقها والتهامها مرة واحدة والى الابد. ولكن الشعب الروسي الفقير، الجائع، ذي الثياب الرثة التي لا تحمي من الصقيع القاتل، انتصر على الجيوش "المعلوفة" لـ 14 دولة أوروبية (ومعهم اميركا طبعا)، بقيادة تشرشل "ما غيرو" (حينما كان الشعب الروسي يحارب ضد الجيوش "المعلوفة" لـ 14 دولة أوروبية ومعهم اميركا، في مطلع العشرينات من القرن الماضي، كانت توجد مجاعة حقيقية ذهب ضحيتها ملايين الروس). وبالمثل يجب القول ان الغرب لم يعاد روسيا لانها "عملت اشتراكية او شيوعية!"، بل ان الغرب قد عادى "الاشتراكية او الشيوعية!" لانها اتخذت أيضا طابعا "روسيا". فالعداء الأصلي، التاريخي والمعاصر هو بين روسيا العصية على الاستعمار وبين الاستعمار الغربي. روسيا والغرب نقيضان تاريخيان وهذه الحقائق التاريخية تدخل في صلب السياسة العدوانية الراهنة تجاه روسيا. وقد تبدى ذلك بشكل مثير للاشمئزاز في سياسة "قلب الحقائق" والجحود ونكران الجميل، ومن ثم الافتراءات والمقاطعة والعقوبات ضد روسيا، ردا على مواقفها السلمية والوساطية والتفاوضية من الازمة الأوكرانية، تماما على طريقة الجحود ونكران الجميل والاتهام بـ"الإرهاب"، ضد حزب الله، ردا على وقوفه الى جانب جنود وضباط الجيش وقوى الامن اللبنانية الذين كانوا يقومون بوظيفتهم الأمنية، فخطفوا وذبحوا كالنعاج ومُثل بجثثهم وسحلوا على ايدي الدواعش وانصارهم في دار بلدية عرسال وشوارعها وجرودها. التسلح المتطور في رأس أولويات القيادة الوطنية الروسية وهذه الحقائق التاريخية والمعاصرة هي في صلب وعي القيادة القومية الروسية المعتدلة الحالية. وبناء على هذه الحقائق تضع القيادة الروسية في رأس أولوياتها السياسة الدفاعية الروسية، ومن ثم التطوير والتحديث المتواصل لصناعة الأسلحة الروسية. التسلح كمشروع استثمار ولكن خلافا لسياسة التسلح في المرحلة السوفياتية، وبناء على تجربة تلك المرحلة، فإن عملية التسلح الروسية في المرحلة الراهنة لا تدخل في باب "الانفاق غير الربحي وغير الريعي" كالانفاق على التعليم والصحة و"صندوق الامومة" و"صندوق المعاشات التقاعدية"، بل يدخل في باب "التوظيف الرأسمالي الربحي او الريعي". وهكذا فإن كل شركة روسية لصناعة الأسلحة هي "شركة رأسمالية" مستقلة ذات رأسمال مستقل وإدارة مستقلة. والدولة ـ أي وزارة الدفاع، او أي قطاع من قطاعات الجيش يكون له حق الشراء ـ هي او هو بالنسبة للشركة الصانعة "زبون" يشتري ويدفع بالشروط والاسعار المتفق عليها. ومن اجل تحسين دراسة الأسواق في الداخل والخارج، وتوفير نفقات التسويق، وترشيد التسويق والتصنيع، ترخص الدولة لشركات تسويق للأسلحة. وهذه الشركات هي أيضا مستقلة ماليا واداريا. ومثلما ان وزارة الدفاع، او الدولة، او أي قطاع في الجيش، يدفع ثمن ما يشتريه، فإن شركات التصنيع والتسويق تدفع الضرائب لمالية الدولة بالشكل القانوني، كأي شركة أخرى لاي سلعة مدنية او خدماتية او تجارية أخرى. ولكن بطبيعة الحال، ونظرا لخصوصية طبيعة السلاح كـ"سلعة"، على ما يشبه خصوصية الادوية كـ"سلعة"، فإن صناعة وتجارة الأسلحة تحتاج لاذونات الترخيص، وهي تخضع للسماح والمنع في كل صفقة وفي كل لحظة، من قبل المراجع المختصة في الدولة، بما في ذلك رئيس الجمهورية او القائد الاعلى للقوات المسلحة، بالنسبة لبعض الأسلحة ذات الأهمية الخاصة. التحديث المتواصل والابتكارات الجديدة غير المعروفة وامام المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها روسيا باستمرار، وفي المرحلة الراهنة بالخصوص، وضعت القيادة الروسية امام العلماء الروس، والمهندسين والمخترعين، ووزارة الدفاع وكل قطاعات الجيش، والمجمع الصناعي الحربي، المهمة الستراتيجية المركزية لتحديث وتطوير الجيش الروسي، وكل أسلحته، من القنبلة النووية والصواريخ الجبارة والغواصات الفريدة من نوعها، حتى المسدس الفردي الصغير، وتشجيع إيجاد اختراعات وابتكارات جديدة. على ان يتم ذلك على أساس اقتصادي ـ أي ربحي وريعي ـ بشكل أساسي. بناء على ذلك أصبحت صناعة الأسلحة الروسية تعتمد الأساليب التجارية، التي لا تتعارض مع، بل تخدم، الأهداف الستراتيجية للدولة الروسية. وللمثال فإن بعض أنواع السلاح الفردي، او أسلحة الصيد، الروسية، تجد رواجا في داخل الولايات المتحدة الأميركية اكثر من الأسلحة الأميركية الشبيهة ذاتها. ولذلك تقوم شركات تسويق وتصنيع الأسلحة الروسية بتصنيع الأسلحة الفردية المطلوبة للسوق الأميركية، وتبيعها حتى لتجار السوق السوداء اذا كانت أخضعت للمنع "السياسي"، وتحصل على الأرباح التي تساعد في صناعة الصواريخ والغواصات والقنابل النووية الموجهة ضد الولايات المتحدة الأميركية. ومؤخرا لم يجد دميتريي روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي ورئيس المجمع الصناعي الحربي، ـ لم يجد غضاضة في ارسال رسالة خاصة الى الممثل الأميركي ذي الشعبية ستيفان سيغال يطلب منه فيها ان يعمل بالدعاية، طبعا ليس مجانا، للأسلحة الفردية الروسية، على قاعدة (business is business) و"العتب مرفوع والرزق على الله". المدماكان الرئيسيان للاقتصاد الروسي بناء على ذلك يمكن استخلاص النتيجة التالية: ان الاقتصاد الروسي هو اقتصاد كبير وشامل، ولكنه يقوم على قاعدتين اساسيتين هما: ـ1ـ قطاع الطاقة بكل اشكالها. ـ2ـ قطاع الأسلحة بكل أنواعها. المقاطعة حافز لتطوير صناعة الاسلحة وفي ظل سياسة المقاطعة الغربية الغبية لروسيا، فإن روسيا ستعتمد اكثر فأكثر على قطاع الأسلحة وتجارة الأسلحة. وعندما قامت فرنسا بمخالفة الاتفاق مع روسيا لبيعها حاملتي الهيليكوبتر من طراز ميسترال، فإنها قدمت "خدمة كبرى" لتوجه روسيا نحو التفعيل الأقصى لتسويق الأسلحة والخبرات العسكرية في الخارج. اتهام روسيا بدون أي دليل ففي حين كانت فرنسا تشارك روسيا في مفاوضات المصالحة وإيجاد حلول سلمية للنزاع في أوكرانيا، وبدون تقديم أي دليل على التدخل الروسي المزعوم في أوكرانيا، قامت ـ أي فرنسا ـ بالاخلال بعقد بيع الميسترال الى روسيا، بدون أي اعتبار للاعراف والقوانين الدولية وللامن القومي والمصالح الروسية وبدون أي حساب لمراعاة طي صفحة "الحرب الباردة" وتحسين العلاقات الغربية ـ الروسية. ومؤخرا قامت إدارات معارض الأسلحة التقليدية، في فرنسا وبريطانيا وغيرهما، بإبلاغ المسؤولين الروس المعنيين، بعدم الرغبة في المشاركة الروسية في هذه المعارض. وللمثال يقول دميتريي شوغاييف، نائب المدير العام لشركة "روستيك" لانتاج الأسلحة عن إدارة المعرض البريطاني للأسلحة سنة 2015 (DSEI 2015): "ارسلوا لنا رفضهم قائلين: لا نريد ان نراكم في هذا المعرض". هكذا ببساطة يتم التعامل الغربي مع دولة عظمى كروسيا. فاذا كانت الدول الغربية لا تحترم روسيا، فلماذا على روسيا ن تحترم الدول الغربية. طبعا ان الامتناع الفرنسي عن تسليم الميسترال لم يهز شعرة في جبروت القوة الروسية وقدرة القطاع العسكري على انتاج افضل من الميسترال. الدول الغربية ستندم... بعد فوات الاوان ولكن هذا الحادث، وكل سياسة المقاطعة الغربية لروسيا، ستشكل دافعا قويا لروسيا لانتهاج سياسة تجارة خارجية للأسلحة، منظورا اليها من الجانب الاقتصادي والمالي البحت، لا تأخذ في الاعتبار المصالح والامن القومي و"خواطر" الدول الغربية المنافسة. ولم تمض سوى عدة اشهر على امتناع فرنسا عن تسليم الميسترال حتى قامت روسيا بتنفيذ صفقة بيع صواريخ S-300 لإيران، ضاربة عرض الحائط بالاحتجاجات الغربية والإسرائيلية. وكانت روسيا قد اجلت تنفيذ هذه الصفقة اخذا بالاعتبار موقف الدول الغربية (وحلفائها من العرب، واسرائيل). ثم قامت روسيا ببيع صفقة صواريخ اكثر تطورا هي S-400 الى الصين الشعبية. روسيا ستغرق سوق الاسلحة ولدواع جيوستراتيجية، فإن روسيا التي عمليا تركز جل قدراتها العلمية والصناعية والمالية على تطوير الأسلحة وابتكار أسلحة جديدة، خصوصا في القطاعات النووية والصاروخية والطيرانية، فإنها تحتفظ لنفسها بالابتكارات الجديدة، وبالموديلات الاحدث او الجيل الأخير من الأسلحة المعروفة، وباحتياطات ستراتيجية من الجيل قبل الأخير، وذلك من اجل الاحتفاظ بتفوقها العالمي، وكل ما عدا ذلك هو معروض للبيع. ونظرا لعملية التجديد والتحديث والابتكار المتواصلة، فهناك كميات هائلة من الأسلحة "الخارجة من الخدمة" وفي الغالب لا تزال في الشحم، معروضة للبيع وباسعار ادنى بكثير من الأسعار الغربية لـ"السلع" المماثلة، مع انها احدث منها واكثر فعالية. وردا على رفض المشاركة الروسية في معارض الأسلحة الغربية، بدأت وزارة الدفاع والمجمع الصناعي الحربي الروسيين بإقامة معارض مستقلة، بعضها عام يدعى اليها المشاركون الأجانب، وبعضها لعرض الأسلحة الروسية فقط. وقد أجريت معارض هامة للدبابات الروسية الحديثة، بعضها معارض "صالونية"، وبعضها معارض "ميدانية" حيث تقوم الدبابات، مثلا، بمناورات عيانية كالرماية بالأسلحة الخاصة بها، واجتياز الحواجز البرية والمائية، والسرعة، والمناورة الخ. وتطرح أفكار خلاقة عديدة لمثل هذه المعارض، كإشراك "الزبائن" الفعليين او المفترضين، في "استعمال" السلاح المعروض، باشراف الاختصاصيين الروس. مزاحمة بلا هوادة ونظرا للنزعة الوطنية الشديدة لدى الروس (مما لا نظير له في الدول الغربية الاستعمارية)، ولما تمتلكه الدولة الروسية من بنية تحتية تكنولوجية متطورة، ومن حشد كبير من المبدعين والمبتكرين والعلماء والاختصاصيين والمهندسين والخبراء، والعسكريين المجربين، ومن قدرات صناعية ومالية هائلة، ونظرا لما تتميز به من تمركز الرأسمال في القطاع الصناعي الحربي، المقرون بمركزية القرار في السلطة، فإن روسيا تمتلك الكثير من "أوراق اللعب" ـ اذا صح التعبير ـ للقيام بمبادرات غير مسبوقة والقيام بمزاحمة شديدة للدول الغربية، تجني منها روسيا مكاسب مالية وتجارية وعسكرية وسياسية تهز أسس وجود الكتلة الغربية الاستعمارية. ونلقي نظرة سريعة على بعض هذه "الأوراق": "أوراق لعب" كثيرة ـ1ـ طالما ان الدول الغربية تفتري على روسيا وتتهمها بالعدوان على أوكرانيا وتفرض العقوبات عليها، بدون أي منطق واي "جريمة" ارتكبتها، سوى "جريمة" إرسال حليب الأطفال والماء والغذاء للمنكوبين في شرق أوكرانيا، فإن روسيا ستدخل من الان فصاعدا في سوق الأسلحة العالمية، بدون ان تقيم أي اعتبار لعلاقاتها مع الدول الغربية وردود افعالها. ـ2ـ بناء على ذلك، وردا على المقاطعة، يمكن لروسيا ان تملأ باسلحتها "السوق السوداء" للأسلحة في البلدان الغربية، وباسعار غير قابلة للمنافسة. حتى يستبدل حتى الأولاد "لعب الأطفال" و"الألعاب النارية" بأسلحة حقيقية. ـ3ـ يمكن لروسيا ان توفر أموالها، وبدلا من تصنيع كميات من الأسلحة، ان تبيع "الأوراق" (أي نسخا عن أوراق التصاميم الفنية لصناعة السلاح المعين) لمختلف الدول او المجموعات المهتمة بمثل هذا السلاح والقادرة على انتاجه. وهذا ينطبق بشكل خاص على دول كالصين والهند وايران وافريقيا الجنوبية والبرازيل وفينزويلا وكوبا وتنظيمات المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية وغيرها، التي لا تتناقض سياستها الرئيسية مع روسيا. وماذا يمنع في هذه الحالة من بيع بعض الدول، حتى كوريا الشمالية "أوراقا" ذات حساسية خاصة في الدوائر الغربية. ـ4ـ تطوير بعض الأسلحة حسب الحاجة العسكرية للشارين، وليس لروسيا. مثلا: لقد طورت روسيا طوربيدا يحمل رأسا نوويا تكتيكيا، وتحمل هذا الطوربيد الجديد الغواصات النووية الروسية الجديدة التي تحمل الصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة النووية. وتبقى خطوة واحدة لتطوير هذا الطوربيد الى طوربيد اصغر تحمله الزوارق البحرية الخفيفة ويباع للصين من اجل "مغازلة" اليابان، والى الارجنتين من اجل "مغازلة" الاسطول البريطاني في جزر الفوكلاند، والى ايران من اجل السيطرة التامة على الخليج الفارسي ومضيق هرمز وبحر العرب والقطاع الجنوبي من المحيط الهندي. ـ5ـ مثلما ترسل اميركا مئات والاف ما يسمى "المستشارين العسكريين" الى مختلف البلدان، يمكن لروسيا أيضا ان تبدأ "ببيع" الخدمات العسكرية للبلدان الراغبة والمحتاجة، فترسل العلماء والخبراء العسكريين الى البلد المعين وتساعده في وضع خطة عسكرية دفاعية فعالة، وتصنع له الأسلحة الملائمة له. مثلا: يمكن لروسيا ان تساعد قبرص في بناء قواعد بحرية مجوفة تحت الماء وتحت الأرض لايواء عدد من الغواصات الصغيرة التي تحمل صواريخ وطوربيدات خاصة، تحمي الجزيرة تماما من الاساطيل الأميركي والتركي والإسرائيلي. ومثلا: يمكن تطوير الدراجة المائية السريعة المسماة (JET) لتحمل شحنات متفجرة ذات نوعية خاصة، ويتم تسييرها عن بعد بالريموت كونترول، ليستخدمها المقاومون ضد الزوارق الحربية الإسرائيلية التي لا تكف اعتداءاتها على صيادي السمك الفقراء في غزة. -6- في ظروف محددة ومع دول محددة يمكن لروسيا ان تبيع الأسلحة والخدمات العسكرية ليس بالدولار، بل بالعملة الوطنية لكل من روسيا والدولة الشارية. ويمثل ذلك اغراء كبيرا للدول الشارية من اجل تطوير التجارة بشكل عام بين البلدين. استنادا الى ذلك فإن ما يسمى "سباق التسلح" لن يعود عبئا على الاقتصاد الروسي، كما كان في المرحلة "السوفياتية"، بل سيكون حافزا كبيرا لتطوير الاقتصاد والسلاح الروسي معا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة الثورية اليونانية تنتقل من الدفاع الى الهجوم
-
الجيش الروسي يتحول بسرعة الى قوة عالمية لا تقهر
-
الحكومة الراديكالية اليسارية الارتودكسية تقلب صورة: اليونان
...
-
جورجيا لن تبقى خنجرا في خاصرة روسيا
-
اليونان: بداية تحول راديكالي في المشهد الجيوستراتيجي العالمي
-
رب ضارة نافعة!
-
التفوق الشامل للجيش الروسي
-
تأثير انتصار اليسار الراديكالي في اليونان على مسار الحرب الا
...
-
فوز اليسار الراديكالي القومي في البونان يربك الكتلة الغربية
-
فوز اليسار الراديكالي القومي في اليونان يربك الكتلة الغربية
-
منتدى دافوس صورة مقلوبة عن الانحطاط الرأسمالي
-
الهند تعيد النظر في علاقاتها مع فرنسا
-
فرنسا ستنهار... كأوكرانيا
-
روسيا: العدو الشرقي الأعظم للامبريالية الغربية
-
روسيا تنتقل الى الدبلوماسية الهجومية في الشرق الاوسط
-
فرنسا كومبارس أميركي صغير
-
خطوة ستراتيجية روسية مذهلة: تحويل خط -السيل الجنوبي- الى ترك
...
-
روسيا الارثوذكسية العدو التاريخي للغرب الاستعماري واذنابه
-
أوكرانيا تنهار اقتصاديا وستنهار كدولة
-
الفاشو دمقراطية أميركية ستتحطم في بولونيا ايضا
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|