فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري
(Fayad Fakheraldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 10:47
المحور:
الادب والفن
الجـنـرال!!
قصة قصيـــرة
فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري
كل صباح أذهب إلى الجريدة ، بأقدام متثاقلة تجر خلفها روحي.. عبر شوارع عريضة و أزقة ضيقة تخترق جسد المدينة العريقة ..وأحزانها .
أصنع قهوتي بنفسي و أحملها عبر صف طويل من الغرف المتشابهة.. أجلس في مكتبي الضيق أتأمل ركام العالم .. أوراق نعي ، وأشباح خراب ووجوه قبيحة ..(بورصة) ورايات متقاطعة و شعوب تسعى خيوط نمل طويلة ..(بانوراما) موحدة لعالمٍ يسير بخطاً حثيثة نحو (طروادة) الحزينة .
صورة كبيرة للجنرال .. عابسـاً و متأملاً !!
أسمع جرس (المكتب الكبير) فأهرول مرتجفاً نحو قاعة الإعدام ..
ينزع صفارته من بين شفتيه , ويضع هراوته فوق مكتبه الفخم .. يسألني مبتسماً عن زوجتي و أطفالي , ثم يطمئن عن صحة أمي العجوز .. وإن كنت قد أخذت القطة الصغيرة إلى (مركز الرعاية) لإعطائها اللقاحات ..
أطمئنه أن كل شيء على ما يرام ..
يحمد الله و يشكره على نعمه و بركاته , ثم يردف بلهجة "مثقفة" مسؤولة : ماذا فعلت اليوم ؟!
أبحث في جيوب صدري , وأقدم له قصيدةً .. رفضت أن تنتحر !!
يلتقطها بأصابعه الغليظة محدقاً بجسدها الناعم و قد ضاقت ملامحه و انكمشت أساريره ..
في حين كانت القصيدة تتلوى بين يديه بصمت .
ينزع عنها أرديتها الصوفية المتداخلة بصنارة تعشق خيوط الغيب .. وخيوط الرغبة الغامضة , تلك الخيوط التي تحير صفارته و أصابعه الغليظة .
ينظر خلفه بوجل و هيبة نحو صورة الجنرال العابس .. المتأمل على الدوام !! ثم ينقل نظره نحوي ساخراً من دهشتي و قشعريرة روحي!!
تصطك أقدامي أمام ارتجاف القصيدة و هي شبه عارية.. ترتعش أطرافها الرقيقة , خجلاً و خوفاً , وقد تحوّلت إلى طفلة يركض دمها .. ولا يصل .
يمد يده و يمزق شفافها الأبيض..
لا يلبث أن يفض كلماتها بنشوة وظفر , ويرميها في سلة المهملات .. وقد فقدت عذريتها .
يضع صفارته في فمه , ويهر بهراوته البلهاء ..
تتراكض نساؤه نحوي , ويمتلىء جسدي بشتى العطور الرخيصة و (الدانتيلات) المضمخة بأحمر الشفاه السميك .
ترشح أوراقي آنذاك قطرات من العرق الأسود .. تسـير فوق الصفحات حروفاً نشيطة و لامعة .. نحـو قـلاع
(طروادة) .
أغادر مكتبي , مع الصفارة الأخيرة , مكللاً بنظرات الصورة الكبيرة وقد انفرجت شفتاها عن ابتسامة أبوية مطمئنـــة !!
#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)
Fayad_Fakheraldeen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟