|
قهقهة ٌ ودماء !؟
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 4787 - 2015 / 4 / 25 - 16:54
المحور:
الادب والفن
كنتُ هناك !.... نعم أيها السادة والسيدات أنا كنت هناك !.. لعلني كنت هناك !!. كنت وسط ازدحام الناس في احشاء المدينة ، والناس كانوا يسيرون على عجل كأنهم أرتال من النمل المشغول بجمع الغذاء قبل قدوم موسم الشتاء وهطول المطر .. كنت هناك اقف اراقب ذلك المشهد الغريب العجيب من علو ، من نافذة غرفتي في شقتي بناطحة السحاب التي كنت أسكن فيها منذ مجيئ لهذه الدنيا ! .. كنت اقف هناك وحدي اراقب هذا المشهد اليومي المدهش العجيب .. حيث كانت اللقطات تتلاحق أمام عيني بشكل سريع كما لو أنني كنت أشاهد مشهدا ً سينمائيا ً يعرض لقطات متلاحقة سريعة لشوارع تغص بالناس والحشود وهم يتحركون بشكل سريع جدا ً متلاحق كتلاحق طلقات الرصاص في المدفع الرشاش !.
كنت اقف هناك كعادتي اليومية كل صباح اراقب ذلك المشهد المدهش المثير .. والناس هناك في الأسفل يملأون الشوارع ويتحركون بشكل سريع خاطف في عجلة من أمرهم وكل منهم مشغول بهمومه الشخصية وطموحاته الخاصة وبتحصيل المال الضروري للمعاش !!. نعم كنت أقف هناك وحدي من ذلك العلو الشاهق اطل على ذلك المشهد من تلك النافذة !!.. من يدري !!؟ .. لعلني كنت هناك !.. لربما كنت وحدي !!!؟؟..
الناس يتحركون .. الناس يندفعون بسرعة مدهشة وسط ذلك الازدحام الشديد وتحت لفحات الشمس الحارقة ... باعة الجرائد وباعة المثلجات وكل الباعة المتجولين كانوا يصرخون ويدعون المارة للشراء منهم بطريقة هي اقرب للتوسل والتسول منها لمحاولة البيع !.... رأيت الكل هناك في الأسفل يمشون ويهرولون ويركضون كما لو أنهم في سباق (مارتون) ! ، فالكل له مشاغله وهمومه والكل له طموحاته واحلامه !! ، الشحاذون والنصابون والعاهرات وبائعات الهوى وباعة اوراق اليانصيب كانوا هناك ايضا ً غارقين وسط الجموع الغفيرة ووسط بحر النمل المتدفق كالسيل العرم!!.. يحاولون اصطياد زبائنهم وفرائسهم وبيع ما في حوزتهم من أشياء وخدمات بأية طريقة !!... اطفال الشوارع كانوا هناك ايضا ً ورأيتهم يسبحون وسط بحر جموع الناس .. بعضهم كان يلعب ، وبعضهم كان يتسول ، وبعضهم الآخر كان مستلق بانكماش على الرصيف بجوار جدران المباني الشاهقة الفخمة كما لو أنه كومة من الزبالة او كأنه هر عجوز هرم شريد خليع طرده اصحابه من البيت الذي قضى فيه ايام طفولته وشبابه بعد أن أصبح لا يمثل مصدر لهو وبهجة ومتعة لأهل المكان كما كان أيام زمان حين كان هرا صغيرا لطيفا في أوج حيويته!... فبينما كان هؤلاء الأطفال المتشردون يسبحون وسط أمواج هذه الجموع المتقاطرة كان الناس مشغولين جدا ً ويركضون بسرعة وعلى عجل نحو اهدافهم ومشاغلهم التي لا تنتهي الا بالموت !...
ثمة رجل شبه مجنون شبه عار كان يحمل بوقا ً نحاسيا يعزف عليه الحانا صاخبة حزينة وغاضبة ويرقص بجنون وسط امواج البشر المتلاطمة وهو يتلوي كما لو أنه أفعى تتراقص وتهتز على نغمات مزمار ساحر هندي !!!... والناس - بعد - يتحركون ويزحفون ويمشون ويركضون ويتقاطرون جيئة وذهابا بلا انقطاع ! .. وبعضهم قد ظهرت عليه علامات الاعياء والاجهاد فأخذ يلهث من شدة التعب حتى كاد لسانه أن يتدلى من فمه!!!.
وفجأة وسط ذلك الازدحام الشديد ... وسط ذلك الركض والاستعجال والانشغال العتيد .. ووسط ذلك الصخب المعتاد ووسط أمواج البشر ...فجأة برز رجل عجيب بمظهر مريب !!.. رجل يرتدي ملابس غريبة لا تنتمي لهذا الزمان ولا هذا المكان !!.... رجل غريب الاطوار يمتشق في يده سيفا ً حقيقيا ً مخيفا ً يثير الأنظار!!... هكذا ظهر فجأة وسط تلك الجموع المتقاطرة كأنه زرع شيطاني نبت بشكل مباغت بين الناس وسط الشوارع ! ... نظرت اليه بدهشة واستغراب من نافذة غرفتي في ذلك البرج الشاهق الذي وجدت نفسي فيه منذ عقود وقلت في نفسي : "من هذا !!!؟؟ .. ماذا يريد !!؟ .. ماذا يفعل هنا "!!؟؟ وفجأة - وعلى حين غرة - وأنا غارق في اعماق حيرتي واسئلتي رأيته قد انطلق بشكل جنوني يُعْملُ سيفه بكل عنف ووحشية في رقاب واجسام من حوله من الناس كما لو أنه كلب مسعور انفلت فجأة من عقاله ومربطه فانطلق ينهش بأنيابه لحوم المارة بكل وحشية ودون هوادة !!!.... ورأيتُ الرؤوس تتطاير كما لو أنها سنابل قمح ناضجة وهشة تتطاير بمنجل فلاح قوي و خبير يجيد فن الحصاد في موسم الحصاد !... رأيت - بدهشة وذهول - منظر الدماء والاشلاء وهي تتطاير في كل مكان!.
بعض الناس الاخرين فروا ً مذعورين كأنهم قطيع من الجاموس تعرض لهجمةٍ مباغتة من قبل مجموعة من الذئاب الجائعة ! ، بينما آخرون استمروا في سيرهم العادي السريع يمضون في حال سبيلهم كأن شيئا لم يكن !..كأن ما يحدث بجوارهم امر لا يعنيهم ولا يمس خصوصيتهم البتة !!!.. بل كأنهم لفرط انشغالهم واستعجالهم لم يلحظوا ما يجري حولهم !!.
كنت اتأمل ذلك المشهد الجنوني المرعب في ذهول وأكاد لا اصدق ما ترى عيني !... كان ذلك القاتل السفاح المجنون يضرب رقاب من حوله بسيفه البتار يمينا ً وشمالا ً بلا هوادة وكانت الرؤوس تتطاير والجثث تتساقط وتتراكم على الارض وسط بحيرة من الدماء وبقايا الاشلاء !!.... وكان ذلك القاتل يضحك ويقهقه بشكل جنوني مخيف كما لو أنه كان منتشيا ً حتى الثمالة بما يفعل !!!.
ثم فجأة - وبشكل غريب محير يدعو للدهشة والاستغراب - اختفى ذلك القاتل السفاح المجنون كما ظهر فجأة !!!!؟؟؟؟.... تبخر !!.. اختفى !.. تلاشى !!.. كما لو أنه سمك قرش قاتل ظهر فجأة على شاطئ البحر وهاجم بعض من يسبحون هناك بوحشية مقتطعا ً بأنيابه - نهشا ً - بعض أعضائهم ثم يفر بها من حيث أتى مخلفا ً وراءه ضحاياه ينزفون ويصرخون في رعب وذهول لهول الصدمة ولشدة الألم !!!.... بحثت عنه بعيني في كل مكان وفتشت عنه هنا وهناك بين أمواج البشر المتدفقة فلم اعثر له على أثر ! ...... لقد اختفى وتبخر فجأة كما جاء وظهر فجأة !!!؟؟... فوقفت هناك في نافذة شقتي مذهولاً مشلولا ً مصدوما ً في حيرة من أمري محاولا ً أن أعي ما جرى أمامي منذ لحظات من احداث مهولة مروعة يشيب لها شعر الولدان دون جدوى !.
لقد كانت لقطات مشهد سريع غريب مرعب تمت أمام عيني بسرعة خارقة شاهدتها بأم عيني من نافذتي كما لو أنني اشاهد لقطات فيلم سينمائي دموي مرعب يروع القلوب!!.. وظللت هناك متسمرا ً في مكاني من شدة الرعب والذهول خلف نافذتي متسائلا ً في حيرة وذهول : " أين اختفي ذلك القاتل المجنون بسيفه البتار !!؟ كيف تلاشى فجأة كما لو أنه شبح !! ، كيف تبخر !!؟ "
وفي غمرة حيرتي وذهولي سمعتُ فجأة اصواتا ً غريبة تحدث من وراء ظهري في غرفتي التي اطل من نافذتها على شوارع مدينتي التائهة الغارقة في جنون السرعة و حمامات الدم !! ... حيث سعتُ أصوات جلبة ٍ خفيفة ٍ تحدث من ورائي رغم أنه لم يكن هناك أي شخص آخر يقطن معي في هذه الشقة الصغيرة في هذا البرج الشاهق الكبير!!.. أصوات اقدام تمشي ببطء واصوات انفاس تتهدج !.. أصوات شخص ما (؟) يتحرك خلفي !! ... شخص يتقدم نحوي ببطء وحذر وتربص من وراء ظهري كما لو أنه نمر متوثب في الاحراج يقف على فرع احدى الاشجار مستعدا ً للوثوب على فريسته الغافلة التي تمر من تحت تلك الشجرة في تلك اللحظة بكل اطمئنان وسلام!!.
تسمرت قدماي على الارض وتجمدت فرائصي وتوقفت انفاسي ولم اعد اسمع سوى نبضات قلبي المتلاحقة في عنف وخوف وترقب كما لو أنها قرعات طبول الحرب!! .. وأحسست بكل اجهزة الانذار الفطرية وهي تطلق صفاراتها في اعماق نفسي محذرة ومنذرة من وجود خطر محدق بي !!... وصرخ الخوف في أعماقي بأعلى صوته : "صه !.. هل تسمع !؟ من هذا الذي يتحرك خلفك !!؟؟" .. ثم وسط حيرتي وشللي التام سمعت فجأة صوت صليل سيف يُسحب من غمده بكل سرعة وكل قوة تتلوه صوت قهقهة جنونية صاخبة تملأ المكان ويتردد صداها في كل الارجاء!!؟. ******* سليم الرقعي شفيلد مارس 2015
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة أبطال بلا قصة 2 !؟
-
قصة أبطال بلا قصة !؟
-
لماذا المسلمون في ذلة وشقاء والغربيون في عزة وهناء!؟
-
المرأة والعين السرية !؟
-
الديموقراطية حكم الشعب أم حكم النخب !؟
-
نظرية المؤامرة .. مؤامرة !؟
-
في اليوم العالمي للغة العربية !؟
-
الاخوان والنزعة السلطوية الشمولية (التوليتارية)!؟
-
الاخوان والطموح القطري والمشروع الامريكي !؟
-
أفول نجم جماعات الاسلام السياسي !؟
-
خطر رجال الدين على الدين أكثر من خطر السلاطين !
-
حقائق حول الهوية الوطنية الليبية (المركبة) !؟
-
هل الجزيرة كانت مع ثورات الشارع العربي بالفعل !؟
-
أحلم بوطن أساسه العدل و.. الاحترام !؟
-
ليبيا ومسألة الهوية الوطنية والقومية!؟
-
كيف السلام ُ يعُمْ!؟.. قصيدة قصيرة
-
البحث عن قصة مفقودة ؟!
-
غروب واغتراب !؟ (قصيدة قصيرة)
-
هل قطر دعمت الثورات لوجه الديموقراطية أم لعيون الإخوان!؟
-
2 مارس وسلطة الشعب المزعومة والموهومة!؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|