|
الروائية والقاصة غادة احمد السّمان
بابلو سعيدة
الحوار المتمدن-العدد: 4785 - 2015 / 4 / 23 - 14:51
المحور:
الادب والفن
الروائيّة والقاصّة غادة أحمد الســــمان فتاة نرجسية ، متماهية في دمشق ، أقدم مدن تاريخ العالم > وهي مستقلة في حياتها الفكرية واليوميّة >تربت في أسرة مثقفة ومتمدنة ، مما أفسح لها المجال الحر لبناء شخصيتها خارج مفردات الحاجة والتملق والتسلق ..فقدت غادة مبكراً الثلاثي المحبوب في حياتها ، الأم والأب ودمشق ، مما جعلها فتاة غرائبية ومشاكسة للمألوف السائد في أمّة تعتبر شرفها الأساسي محصوراً في عضو بيولوجي من أعضاء المرأة .وغادة الوحـيدة لوالديها ، والوحيدة في وطن الطفولة ووطن المنفى ، أحبت الوطن والحرية .ورفضت في نصوصها وحياتهـا ، مفـردات التحزب والتأدلج والحلم والوهم ، لأنها عاشقة لذاتها ووطنها الحرّين وهي دمشقية في امتلاكها للأسلحة الفكرية والحضارية .ولاذقانية في صفاء عالمها الداخـلي الممتزج بصفاء البحر وزرقة السماء >وبيروتية في ثقافتها ولبرلتها >وباريسية في خبرتها بشؤون الحياة ومتاعبها.وعالمية النزعة في أسفارها . ووطنية الجذور في عينيها وذاكرتها >وسببت لها صراحتها وجرأتها ، ونشر مذكراتها ورسائلها العاطفيّة واندفاعاتها البركانية إرباكات وإشكالات مع الواقع والذهنية الراكدين .قراءة نقديّة> سهرة تنكرية للموتى / رواية : عاشـت غـادة متنقلة بين أوطان ثلاثة ، وطن الطفولة / دمشـق/ . ووطن الإبداع /بيروت . ووطن المنفى الاختياري / باريس/ تصنعهم من التخييل ، والتراكم المعرفي المخزون في ذاكرتها ، ومن تجاربها الذاتية مع العرّافات والمقامرين ، والمغامرين ، وهواة المخدرات لرصد النشاط العام للنخب الدمشقية .أبطالها في رواية " سهرة تنكرية للموتى" هربوا من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية إلى النعيم والاستقرار الدائمين في باريس . لكنهم وجدوا ذواتهم في جحيم من نوع آخر لا يطاق . وهي امتداد طبيعي لرواية ( ليلة المليار ) .إنه الاغتراب والاستلاب في الوطنين معاً : وطن الطفولة ووطن المنفى . وفي الرواية تختلط لدى أبطالها الأوراق والمفاهيم والمواقف ، بحيث يصعب على أبطال الرواية أن يميزوا بين الوهم والحقيقة ، والتجريد والتجسيد ، والواقع والحلم ، والوعي واللاوعي . لذا تختلـط السـوداوية بالتفاؤلية ، والجنون بالعقلانية ، والسـيادة بالعبودية ، والانفلاش بالانتماء ، والنصر بالهزيمة ، والخرافة بالواقعية .وتبعث " كوابيس بيروت للحياة من جديد على شكل سهرة تنكرية للموتى" بعد مرور عقدين من الزمن .إنهّا الحرب التي تدّمر الطاقات البشرية والمادية وتشكّل إحباطاً واكتئاباً للكائن الإنسان الفردي والجمعي . ويصبح الأنا الفردي فأراً مذعوراً وخائفاً على وجوده الشخصي ، والتي تجعل الطيبين شريرين ، والشريرين أكثر وحشية وهمجية من الوحوش انفسهم . وانعكست آثار الحرب الأهلية على أسلبة غادة وحياتها بحيث جعلت أبطالها يغيرون مواقعهم وهوياتهـم وسـلوكهم بين لحظـة وأخرى ويحاورون ذواتهم والأشباح والأموات ، وذلك انسجاماً مع ذاتها المبدعة والمتجددة والمتغيرة .والعالم الغادوي على المستويين الذاتي والأسلبي ، جعل أبطالها يعيشون اللامألوف واللامنطق ، واللاعقلنة والقلق والتأزم ، لأن غادة لا تخشى أحداً.إنّها تعيش الحرية المطلقة في أسـلبتها وحياتها . وتعيش العزلة في نفس اللحظة .وغادة هي الأقرب إلى المبدع المجنون .وقد ألزمه أهله ووطنه وأصدقاؤه أن يكون قلقاً ومتأزماً في حياته وأسـلبته الأدبية . وغادة مصممة على استمرار قلق وتأزم أيطالها من أجل رفع وتيرة الإبـداع والتجديد لأن غادة لا تستطيع أن تعيش خارج الإثارة والمشاكسة والغرابة والدهشة .في روايتها " فسيفساء دمشقية " تصنع أبطالها من مخيلتها . وتجعلهم يقتربون من أهدافهم وأحلامهم .وفي نفس اللحظة يبتعدون أكثر عن أهدافهم وأحلامهم . ويتوهم بطلها ، أنه يحاور الآخرين .ويتخذ موقفاً منهم . وهو في الوقت ذاته يحاور ذاته . ويبقى عاجزاً عن اتخاذ الفعل المناسب ، لأنه مصاب بالتعددية الشـخصانية ، العاجـزة عـن اتخاذ موقف واضح من الحدث والذات والآخر .وتقدم غادة عرضاً أدبياً للقارئ الناقد ، أن يختار عنواناً من ثلاثة لروايتها "سهرة تنكرية لموتى" . وهذه هي أول محاولة إبداعية جادة وهادفة لمشاركة القارئ الناقد في تحمل مسؤولياته الأدبية – النقدية .أبطالها بشر وجرذان ، وشياطين يزرعون الرعب والموتى والدمار والطاع الرواية محورها الأساسي سبعة لبنانيين ، من شرائح اجتماعية واقتصادية متعددة ومتنوعة ، يهاجرون من بيروت إلى باريس هرباً من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية ويعيشون في باريس الأنوار، الاغتراب والاستلاب وبعد مضي ربع قرن من الزمن يعودون إلى بيروت الوطن .. ويصاب من بقي منهم حياً بالإحباط والاكتئاب والهزيمة الجوانية والخارجية .والإنسان في الرواية يصبح قاتلاً أو مقتولاً ، وناهباً أو منهوباً خاطفاً أو مخطوفاً جارحاً او مجروحاً.ويتحول القتل إلى غاية ، والإنسان إلى وحش مفترس ، والتخييل إلى واقع معاش ، مما جعل أبطال الرواية يقيمون حوارات مونولوجية ، وروائيه يساهم فيها الموتى والأرواح والأشباح. واستخدمت غادة في روايتها مفردات نخبوية في جغرافية لبنانية يمتزج فيها التخييل الروائي بالواقع اللبناني المرئي والمعاش ، من كتاب وأدباء وسياسيين ومسؤولين وشوارع وفنادق ومقاهي معروفة ومشهورة في بيروت .وتخلصت غادة من التراتبيه لبعدي الزمكان ، ومن التقليد الروائي (التبويب والفصول) باعتمادها تقنية روائية تظهر صوت الذات الروائية المتنقلة بحرية تامة ، وانتقال الحدث السريع من زمن حاضر إلى ماضٍ وقادمِ ، ومن جغرافية مكان محدد إلى جغرافية مكان آخر، أقرب أو أبعد ، مما جعل الأسلوب السردي يتنامى على حساب الحوار الدرامي للشخصيات . ويحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها . ويسـاعد على اكتشاف العمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات .وأبطال غادة الروائيين ، قلقون متأزمون مأساويون منهـم السوي والميكافيللي ، والحالم والواقعي /وترفض غادة في أدبياتها وحياتها النضال المؤدلج القائم على نقل القهر المنظم من دولة القهرستان إلى دولة لبنان المجاورة .وتبقى بطلة الرواية الأساسية / ماريا / الأقدر من غيرها على فعل الانتماء للهوية ببعديها التاريخي والإنساني ، والعمل بكل طاقاتها الأسلبية والثقافية لإعمار لبنان من جديـد ، رغـم أنها فقدت في الحرب الأهلية اللبنانية أسـمى ما لديها، حبيبها ، وبيتها وادواتها ، والأماكن المحببة إلى ذاكراتها.باختصار شــديد : في الروايـة توجــد كوابيس القهر في الحلم والواقع ، والعشق والقلق . يختلـط فيهـا السـرد الروائي ، بالأسـلوب الحواري ، والرمزية بالواقعية ، والنثر بملامح الشعر، والصدام الحياتي بالصدام الروائي ، في عالم مثير للدهشة وللغرابة في الواقع والرواية معاً .وانتقال الحدث السريع من زمن حاضرٍ إلى ماضٍ وقادم ، ومن جغرافيةٍ محددة إلى جغرافيةٍ أخرى أقرب أو أبعد مما أدى إلى تغليب السرد الروائي على الحوار الدرامي للشخصيات ، وإلى تحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها ، واكتشاف المعمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات .أبطالها الأموات : نهايتهم مأساوية / سوداوية / هزائمية وقد دمّروا بيروت وذواتهم والوطن .أبطالها الأحياء : جعلوا من بيروت تخييلياً مدينة الحرية . ماريـا هي البطلة الوحيـدة في الرواية التي حافظت على بنائها الداخلي / الدرامي/ الحياتي، والتي استطاعت من خلال إبداعاتها الأدبية الواعية والمتميزة أن تتخذ موقفاً مستهجناً ومستنكراً لدولة القهرستان .وتستخف بـ " نضال " أحد المناضلين القاهرين للبنان. وتعمل بكل إمكانياتها الأسلبية لإعمار لبنان من جديد رغم أنها فقدت في الحرب الأهلية أسمى ممتلكاتها المادية والفكرية وماريا في كل يومٍ ، تحزم حقائبها الفكرية للسفر والعودة إلى دمشق ، ثم تعلّق سفرها في آخر لحظة . لأنّ العالم الغادوي لم يستطع أن يضع قدميه على أرضٍ صلبة ، بل وضع قدماً في باريس ، وآخر في دمشق ! .
#بابلو_سعيدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاديبة صفيّة فاضل
-
الروائيّة : د . هيفاء بيطار
-
الشاعرة : احلام مصطفى
-
الروائية والقاصة والشاعرة هدى وسّوف
-
الروائية والثاصة والشاعرة هدى وسّوف
-
الشاعرة رولا حين
-
الشاعرة رولا حسن
-
أدبيات ملك حاج غبيد
-
لقة 65 :حوار مباشر مع الروائية faeza daud2
-
حلقة 64 حوار مباشر مع الروائية والقاصة faeza dau
-
حلقة 63رواية : ريح شرقيّة . فائزة الداوود
-
حلقة 62 قراءات متعددة لانتاج الروائية فائزة الداوود
-
لقة 61 النجمة الساحليّة فائزة الداوود بين الحياة والنصوص
-
حلقة 61 النجمة الساحليّة فائزة الداوود بين الحياة والنصوص :
-
حلفة 60 أبطال فائزة الداوود
-
مقدمة , الروائية فائزة الداوود . حلقة 59
-
الروائية السورية فائزة الداوود حلقة 58
-
الروائية والقاصة السورية فائزة الداوود حلقة 56
-
الروائية والقاصة السورية فائزة الداوود حلقة 57
-
الروائية ا والقاصة السورية فائزة الداوود حلقة 55
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|