أنهت جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي مؤتمرها العام الأول الذي انعقد في 20 ديسمبر 2002 في موعده المحدد بعد أول عام من العمل العلني للقوى السياسية في البحرين. وقد انعقد المؤتمر تحت شعار: "لنعمل من أجل وحدة القوى الوطنية والديمقراطية لتعميق المكتسبات وتحقيق سلطة تشريعية منتخبة كاملة الصلاحيات... " .
وبعد المناقشات أقر المؤتمر بالإجماع كافة التقارير السياسي والأدبي والمالي والقرارات والتوصيات داعيا إلى عقد مؤتمرات لاحقة لإقرار البرنامج السياسي للمنبر وزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة لمواكبة مهام المرحلة القادمة. كانت التقارير حافلة بأنشطة المنبر لهذا العام الحافل نفسه بالأحداث السياسية المتلاحقة.
فلقد شهد العام الانتخابات البلدية ثم النيابية وتأسيس عدد إضافي من هيئات المجتمع المدني وتوقيع المملكة على الاتفاقية الدولية لمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإقرار الأول من مايو – يوم التضامن العالمي للكادحين عيدا وطنيا وعطلة رسمية في البحرين عرفانا بدور الطبقة العاملة وأهميتها في المجتمع. كما شهد العام عددا من الإجراءات ذات المضمون الاجتماعي الإيجابي. ولقد نشطت جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي بفاعلية في غالبية الأحداث التي كانت في عداد أهدافنا في مرحلة ما قبل بدء العملية الإصلاحية التي أطلقها جلالة ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.
لكن هذا العام شهد أيضا أحداثا وإجراءات بعكس اتجاه التطور الصاعد الذي شهدته العملية الإصلاحية في عامها الأول. فبعد أن انتظر شعبنا بتوق إشادة البنية القانونية – الحقوقية للمجتمع المدني ودولة القانون والمؤسسات الديمقراطية العصرية جاءت التعديلات الدستورية وحزم القوانين المتتالية قبل انتخاب مجلس النواب المعني أساسا بإقرار مثل هذه القوانين متناقضة مع التوجهات الإصلاحية ومقيدة للحريات الديمقراطية. وأصبحت تثير الانطباع بأن المشروع الإصلاحي الذي حظي بالتأييد الشعبي الواسع وغدا مثار إعجاب العرب والعالم بدأ يفقد قوة الدفع، بل ويشهد تراجعا محسوسا. لقد انعكس هذا التراجع سلبا على الحياة السياسية إذ أخل بالتوازن المنشود في العدد والصلاحيات بين مجلسي النواب والشورى وبين الكتل الانتخابية حسب الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي، حيث اكتسب توزيع الدوائر الانتخابية طابع التمييز الطائفي وأضعف قانون الانتخابات من سعة التمثيل للنائب وحرية الاختيار للناخب. كما أضعف في البدء دور الجمعيات السياسية في الانتخابات ومجمل التحولات الجارية. وجاء قانون المطبوعات أقل حتى من طموحات اللجنة التي أعدت مشروعه الأولي مقيدا حرية الصحافة والتعبير اللتين لا يمكن لحركة إصلاحية حق أن تمضي بدون توفرهما. كما جاء المرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002 الذي يشمل بالعفو مرتكبي جرائم التعذيب ليجعل من ذاق مرارة القمع في الفترات السابقة يفقد أي بصيص أمل في إنصافه وإنصاف التاريخ وصون مستقبل حقوق الإنسان. ويثير نقد المواطنين وقلقهم الشديد استمرار عملية التجنيس العشوائي التي تلحق أشد الأضرار بالتركيبة السكانية للبلاد، وتجر الكثير من المشاكل الاجتماعية وضغطاً على الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية العاجزة أصلاً عن تلبية حاجات أبناء الشعب المتزايدة، خاصة وإن الأولوية في الكثير من هذه الخدمات صارت تعطى للمجنسين مما بات يثير الاستياء الواسع ويتطلب توسيع الجهود من أجل وضع حد لعملية التجنيس بالصورة التي تتم بها الآن.
إننا نناشد نواب الشعب المنتخبين وأعضاء مجلس الشورى العمل سوية على تمثيل وتجسيد الإرادة الشعبية من أجل إعادة قوة الدفع للمشروع الإصلاحي باستعادة كافة الحقوق الدستورية المكتسبة لشعبنا وتطويرها، وبإعادة النظر في كافة القوانين التي صدرت قبل مباشرة المؤسسة التشريعية مهامها والاعتراف بالدور الطبيعي للأحزاب وأهميتها في الحياة السياسية للملكة وصيانة الحريات السياسية بما في ذلك حرية النشر والتعبير والصحافة ومحاسبة المتورطين في الفساد وتعيين المواطنين في مختلف مواقع الدولة حسب معايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص وإعادة الاعتبار لكل من لحق به ضيم جراء القمع في السابق ومحاسبة من ارتكب ممارسات القمع محاسبة من أجل التاريخ أكثر مما للعقوبة، فبذلك فقط يمكن الحيلولة دون كل ما من شأنه العودة ببلادنا ومجتمعنا إلى الوراء.
إن الإجراءات التي تحققت على صعيد تحسين الأوضاع المالية والمادية للسكان أحدثت آثارها الإيجابية، إذ خففت على الناس وطأة أسعار الخدمات والتعليم وولدت بعض الشعور بالطمأنينة بالنسبة للمستقبل المعيشي. ومع ذلك تبقى الحاجة ملحة إلى وجود نظام متكامل للحماية الاجتماعية بالنسبة لمختلف فئات الشعب وخصوصا بالنسبة للبطالة والمهمشين اجتماعيا. كما أن هناك حاجة ماسة إلى الرعاية الاجتماعية للعاملين في مجال الثقافة والآداب والفنون الذين لا توفي السوق نتاجهم حقه، بينما يشكل هذا النتاج مصدرا هاما للثراء الروحي للمجتمع وتشكل وعيه وذوقه. إنه من الضروريٍ النظر إلى الحماية الاجتماعية كجزء من مشكلة التوزيع غير العادل للدخل حاليا والتي تقف في مقدمته مستويات الأجور الهابطة عموما والحد الأدنى للأجور على وجه الخصوص. ولم يشهد العام تطورا جوهريا في هذا الصدد. ومع ترحيبنا باستحداث نظام الحوافز في المؤسسات التي تشترك الدولة في ملكيتها فإننا نرى في إقرار نظام للحد الأدنى للأجور أساسا لتحسين مستويات الأجور عامة على أساس عادل بحيث تشكل حافزا لزيادة الإنتاجية في مختلف فروع الاقتصاد الوطني ونموه ككل، وفي الوقت ذاته فإننا ننظر إليها على أنها الشرط الاجتماعي الأهم لانتشال أعداد كبيرة من المواطنين وأسرهم من تحت خط الفقر.
ولا تزال الجهود المبذولة لحل مشكلة البطالة لا ترتقي إلى الحلول الجذرية كونها لا تزال تطرح دون ترابطها العضوي بمركب عوامل تفاقمها المتمثلة في تركيبة سوق العمل المتسمة بالعرض الكبير للعمالة الأجنبية وتوجهات التجنيس ومستويات الأجور والتدريب وبنية الاقتصاد الكلي المختل التوازن.
ويلاحظ المؤتمر أهمية الدعوة إلى دعم القطاع الوطني الخاص وزيادة دوره الإيجابي ومسؤوليته في التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة والمستدامة. وقد اتضحت خلال هذا العام النزعة المتزايدة نحو خصخصة كثير من مؤسسات الدولة الاقتصادية في مجال الخدمات والمشاريع الصناعية القائمة. ونظرا لكثير من الإبهام حول توجهات الخصخصة فإنها تثير قلقا مشروعا لدى المواطنين ليس فقط بالنسبة لأسعار ومستويات الخدمات ومسائل التشغيل وبحرنة العمالة فقط، بل وبأن هذه الخصخصة قد تعني مزيدا من اقتسام الملكية العامة لصالح فئات ضيقة في المجتمع وبحيث تحول قطاع الدولة إلى مجرد بقرة حلوب لصالح فئات اجتماعية محدودة العدد. إننا ندعو قطاعنا الوطني الخاص إلى تحويل جزء من أنشطته الاقتصادية نحو بناء صناعات تحويلية ومجالات إنتاجية جديدة بما يقوم بنية اقتصادنا الوطني وينميه. كما ندعو الدولة إلى حماية مصالح القطاع الخاص الوطني في هذا الاتجاه وتحديد التزاماته الاجتماعية تجاه التنمية وأشكال الحماية الاجتماعية المختلفة وأدوات الوفاء بهذه الالتزامات.
لقد توقف مؤتمرنا أمام العمل البرلماني كساحة من ساحات النضال المتعددة. وأكد على الدور الاستثنائي الكبير الذي يمكن أن يلعبه النواب التقدميون والديمقراطيون، خصوصا مع ظروف التعقيدات السياسية التي دعت عدداً من القوى السياسية إلى الإحجام عن دخول البرلمان. إن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي التي طرحت برنامجها الاسترشادي للعمل النيابي ودعمت بقوة عددا من المرشحين وفاز بعضهم ستبذل كل ما في وسعها لدعم النواب المخلصين ومراقبة عمل المجلس النيابي بشكل عام. لقد حضر مؤتمرنا عدد من النواب الذين أبدوا أداءا متميزا في الفترة القصيرة الماضية وحيا المؤتمر فيهم روحهم الكفاحية العالية وحرصهم على إشاعة أجواء التفاهم بين أعضاء البرلمان وبين البرلمان والسلطات الأخرى وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية وخدمة قضايا الشعب. ورأى المؤتمر إمكانية أن يشكل هؤلاء النواب جسرا موصلا كذلك بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.
ناقش المؤتمرون مسألة الوحدة الوطنية وحيوا ممثلي الجمعيات السياسية الأخرى الذين حضروا المؤتمر . وبدعوتهم وحضورهم على اختلاف مشاربهم الاجتماعية وآرائهم الفكرية والسياسية أبدت القوى السياسية الحية في مجتمعنا حرصها على تجاوز موقف المشاركة – المقاطعة في الانتخابات الماضية مؤكدين على أهمية الوحدة الوطنية والعمل المشترك من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
وقد أعلن المؤتمرون عن استعدادهم التام للعمل سوية مع كافة القوى السياسية على أساس مبدأ الوحدة الوطنية والتعددية السياسية وأشادوا بالدعوات المماثلة من قبل ممثلي قوى سياسية أخرى.
إن معالم عالمنا بدأت بالتغير بشكل جذري حقا خلال هذا العام المتميز بتزايد نزعة الهيمنة الأمريكية على العالم. فتوافق أحداث 11 سبتمبر مع التوجهات الكونية لقوى اليمين الحاكم في الولايات المتحدة والممثل لمصالح احتكارات النفط والسلاح فيها جعل من منطقة الشرق الأوسط والخليج وبحر قزوين أهم نقاط الارتكاز في هذه التوجهات باعتبارها خزان النفط العالمي والسوق الأوسع لتصريف السلاح في آن. وكان لا بد لذلك من أن يجد انعكاساته المتفاوتة على مصائر بلدان هذه المنطقة و تطور قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها.
وفي هذا السياق يجيء التحضير المحموم لشن الحرب على العراق، تمكيناً للولايات المتحدة من بسط نفوذها بصورة حاسمة على المنطقة، وإعادة رسم خريطتها بما يتلاءم ومصالحها. وتوفر الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة والضغوط والمناورات الدبلوماسية الممهدة للحرب الغطاء لشارون لمواصلة حرب التنكيل والإبادة ضد الشعب الفلسطيني وتدمير مرافق البنية الأساسية وشل السلطة الفلسطينية.
إن المنبر الديمقراطي التقدمي سيواصل جهده جنباً إلى جنب مع القوى والشخصيات الوطنية كافة في البلاد من أجل توسيع حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وفي الوقوف إلى جانب الشعب العراقي الذي يواجه خطر العدوان الوشيك الذي يستهدف العراق بلداً وطاقات ودعم نضاله من أجل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما يؤكد المنبر سعيه الدؤوب لوحدة القوى التقدمية الوطنية والمنظمات الجماهيرية في البلدان العربية من أجل درء الأخطار المحدقة التي تواجه الشعوب العربية في هذه المرحلة المصيرية.
المنبر الديمقراطي التقدمي