|
اللغة والإبداع والحاجة لبيئة معرفية قادرة على الإستجابة ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4784 - 2015 / 4 / 22 - 02:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فلم يعد اليوم الهم الإبداعي مسألة ذات خصوصية وتأثير وأهتمام محدود في الإطار الخاص النخبوي فقط , ولم يعد الإبداع ترفا فكريا في الوقت الذي أصبح معارية التطور والتحديث نعنمد كليا على مفاهيم التجديد والتنوع والتعدد الحر خصوصا أن البقاء في حالة التقليد والرتابة الفكرية تقود بالضرورة والمحتم إلى الجمود الفكري وعدم القدرة على مجارات حركة المجتمع الكوني الذي تعصف به حركة الزمن عاليا وقويا دون الأنتظار أو حتى الأمل بالتوقف لفترة ما لألتقاط الأنفاس . الواقع الإبداعي العربي خاصة وبرغم الإرهاصات الأولى والبدائية والمتكررة ما زال يحلم ببيئة إبداعية تطلق قيود العقل العربي وتنهض بالواقع الحضاري والفكري من أسر الخاصية والخصيصة التي نقولها بصراحة وبدون تردد بالقولبة الجامدة والمقيدة التي يفرضها المنطق اللغوي الخليلي والذي عمق أزمته سيبويه قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنه لأهداف ومرام قد لا تكون سيئة النية بالضرورة لكنها أودت بحلم الحرية والتطور, خشي العرب فيها من التصريح عن سبب ذلك أو محاولة فهم لماذا أصبحت اللغة العربية التي كانت وعائا ناجحا لفهم اللسان العربي المبين في فترة الإسلام الأولى كصنم يعبد بلا قدرة على التحرك أو ملاحظة خط الحياة فيه, لتتحول من لسان عربي ينتقل بالهدف ليكون مبين إلى منطق إعرابي قياسي جامد قتل الإبداع وأبطأ في سيرورة العربية في تحديث نظامها التكريبي ونظامها التأثيري العام والخاص . وتحت عناوين الحفاظ على الوجود العربي وهو شعار لا أظنه صادقا في منطلقاته ولم ينجح أن يحمي اللغة من التدهور والأنحطاط والعجز في الإبداع والتحرر ,لقد لعبت السياسة دورا سلبيا معطلا أثر التنازع الحضاري بين فكر الإسلام الحر المعتمد على القصدية المحكمة ونصية المعنى ومعنوية النص وبين سيسيولوجية الأعراب وفكرتهم الأجتماعية الأساسية القائمة على المناورة والتحول والأختباء خلف تبريرات ومعاني متبدلة وأعذار تستخدم المكر والخديعة لتلقي بضلالها على مفاهيم اللغة فتصبح الشخصية الإعرابية المنافقة أكثر حضورا في الواقع اللغوي منه في الواقع الحقيقي . لقد كانت الخطيئة الكبرى التي أرتكبها علماء اللغة في بداية العصر الأموي الأول أنهم إنصاعوا لقيام أطار تجربة قياسية لا تتلائم مع واقع اللغة العربية حصرا والتي كانت تسير تحت تأثيرين منفصلين يبلوران سيرورتها نحو التطور والتكامل , هما منهج القرآن الكريم بطرحه وتعاطيه مع مفهوم اللغة أصلا ودورها في نقل المعرفة والتجربة وهذا واضح في تجديد الكثير من المفاهيم والأبنية والمعاني والدلالات التي لم يألفها العرب والتوليدات والمستجد في الكثير من الصيغ والرسوم التي وردت في النص العربي معربة بطريقة مثالية أما عن ألسن قديمة أو لغات متشابهة دون أن تترك أثر نافر أو خادش لميزان الذوق السمعي العربي . والخط الثاني هو أحتكاكها بثقافات وحضارات ومفاهيم جديدة وعلى مستوى أوسع من التأثر البيئي فقط بل كان التأثير والأثر حضاري يعتمد على محاولة نقل الإسلام كثقافة وحضارة ووجود حداثي أكثر قربا من البيئة العربية ومحاولة تطويع الوسائل والأساليب ليكون أكثر قدرة على النجاح في نقل التجربة بماتيسر وبما هو سهل وبسيط . لقد قبلت العربية الكثير من التحديثات الشكلية والجوهرية وقابلتها بالقدرة على التلائم مع واقع متحرك متبدل يسعى للتوصيل الأفضل والتواصل الأشمل , فقد قبلت التنقيط والتحريك والخضوع لمعاير النحو والصرف والإعراب ولكن بحدود الطبيعة اللغوية ,لكن ما ألجئها للأنزواء وعقد حركة التطور فيها هذا المنطق الأرسطوي التي تغلفت به وتقمقمت في داخل حدوده حتى أن الكثير من المحاولات الجادة والناجحة في إخراجها من هذا القمقم أصطدمت بالحس المحافظ المندفع سياسيا والذي يخشى بكل تأكيد إنهيار معالم المدر سة المحافظ العربانية ليس بالفكر واللغة فقط, بل حتى في مبرر وجودها وأركانها الأساسية . إن الجهود التي بذلها علماء اللغة وأئمة النحو والصرف والبلاغة على مر العصور العربية ولليوم تثبت حاجة لغتنا العربية إلى الحرية والتحرر من منطق البصرة كمدرسة أكثر راديكالية من الواجب الطبيعي ,وعلينا واجب وإن كنا من غير ذوي الأختصاص ولكن بالتأكيد من المعنيين بدراسة الإبداع والمعرفة الإبداعية أن ندعو لثورة حقيقية تعيد للغتنا الجميلة حريتها المصادرة وتمنحها القدرة على التطور النوعي والجوهري بما يجعل منها حاملة أساسية من حوامل النهضة الأجتماعية والفكرية , وأن لا نتقيد بحدود الخشية من ضياع العرب بضياع اللغة فالأمم هي التي تنشأ طريقة التواصل والمعرفة بين أبنائها أستنادا لتجربها مع الواقع , ولا تصنه اللغة وحدها أمة بدون رسالة مححدة وتوافق مع قوانين التكوين الوجودي . لا يمكن أن يضيع العرب اليوم ومعهم معالم صورة وحدود رؤية تساعدهم على بلورة وجود حديث قادر على العبور بهم للمستقبل بتجربة الماض ي وليس من خلال العيش بها وبه بل بدراسة الظاهرة الماضوية على أنها كانت مجموعة عوامل قسم منها دافع وقسم منها محبط ومعرقل وعلينا إعادة الفرز والتقسيم والتسمية وممارسة النقد التاريخي العلمي بكل مسئولية وبلا خوف ولا تردد ومواجهة الأستحقاق بكل ما فيه من قساوة ومرارة لنعود إلى خط السير الصحيح ونترك الوهم والتشدق بشعارات لا تصلح اليوم لمثل هذه الأمة ورسالتها الوظيفية الأساسية أن تكون حاملة لواء القرآن الكريم ليس دينا وعبادة حسب بل فكرا وحضارة ومعرفة وتجديد في الأسس والقيم والمبادئ المحركة أجتماعيا وحضاريا .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح12,المجتمع الإنساني م
...
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح11, المجتمع كائن إنسا
...
-
نداء إنساني
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح10 , الإنسان كائن إرا
...
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح9 , المعرفة والبناء ا
...
-
العراق والأقتصاد والمستقبل
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح7 , الوعي والبناء الأ
...
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح8 , نظرية المجتمع
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح5 , الإنسان الأجتماعي
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح6 ,الوعي التكويني
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح4 , بناء الوعي
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح3 , الإنسان الخالق وا
...
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح1
-
المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح2 , الإنسان أولا
-
الشرطي عريف 16ج1
-
الشرطي عريف 16 ج2
-
الحكومة القادمة ... حكومة الجيب
-
داعش الفكرة وداعش الصورة
-
الشخصية الأجتماعية ج1
-
الشخصية الأجتماعية ج2
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|