أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [16]















المزيد.....



الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [16]


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 17:55
المحور: الادب والفن
    


نتابع مناقشة الإمام لاعتراضات المبشرين والمستشرقين

2 – حكمة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب بنت جحش:
يقول الإمام المجدد في كتابه "وسائل إظهار الحق": لا تعجب أيها المسلم إذا رأيت الخفاش- أي الوطواط- يسكن نهارا ويتعيش ليلا، فإن الله خلق خلقا يبغضون النور ويحبون الظلمة، يسارعون في الفتنة والضلالة والغواية وهم يعلمون أنهم على الباطل عنادا وعلوا بغير الحق ويحسبون أنهم يحسنون صنعا جهلا بالحق وعمي عن الهدى. وكيف لا؟ وقد صارت الفضائل العمرانية والخيرات الاجتماعية والمنافع العامة للمجتمع الإنساني رذائل وظلمات في أعين من هم أعمى من الخفاش بصرا، وكيف لا؟ وهم ينكرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر به المسيح من أناجيله، وموسى في توراته، وإبراهيم في أسفاره، وداود في مزاميره، وذكر اسمه في النبوات بأوصافه، ما الذي ينكرونه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ينكرون عليه صلى الله عليه وسلم تزويجه بالسيدة زينب بنت جحش، ولو أنهم قرأوا آية القرآن وكانت لهم عقول تعقل حكم هذه الحادثة، ولكن صدق الله العظيم في قوله سبحانه ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(لأعراف: من الآية179).

يقولون : أن النبي صلى الله عليه وسلم عشق زينب بنت جحش حتى أخذت من قلبه مأخذا- تنزه قلبه صلى الله عليه وسلم عن أن يشتغل بغير ربه- حتى طلقها زيد فتزوجها صلى الله عليه وسلم. سبحان الله!َ! لو كنت أيها المنكر راغبا في البيان لبين لك طفل صغير من أطفال المسلمين أسرار تلك الحادثة!! أو كنت باحثا عن الحق لتجلت لك الحقيقة بمجرد سماع آيات القرآن الشريف!! أكتب لك الآية ثم اشرح لك ما فيها صريحا من الحكم، ومما يؤخذ منها بطريق الالتزام أو التضمن من الحكم ، يقول الله تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب:37) . هذه الآية الشريفة ليس على أنوارها العلية ستائر تحجبها عن العقل، ولا حجب تمنع أشعتها من أن تنقذ إلى القلب، ولكن لعن الله الضلال وقبح الله العناد.
أشرح ما يمكن أن أبينه لعدو منتقد، وأخفي من أسرار الحكمة العالية وأنوار الأسرار الغالية ما لا يمكن أن أبيحه إلا لمسلم كامل:
أنت تعلم أن زيدا مملوك من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن زينب بنت جحش من أشرف بيوتات قريش. وقد بلغت من المجد والشرف أن لها نسبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها زيدا لمحي ظلمات الجهالة عن نفوس المسلمين فيعلموا حق العلم أن العبد المملوك في مستوى واحد مع الهاشمي المالك وأنه كفء لأشرف امرأة من قريش حتى يكون الفخر بالتقوى لا بالأنساب، وبالنفوس الزكية الطاهرة لا بالعصبية والأموال.
ولو أنك أيها المنتقد أدركت سر زواج سيد لزينب وما أنتجه في المجتمع الإسلامي من المساواة بين أفراد المسلمين حتى صار العبد المسلم مع الشريف القرشي المسلم لذقت من رحيق الكمالات الإسلامية شرابا طهورا يجعل قلبك يدرك حكم الأحكام الإسلامية، فتنبه من نومة الغفلة ورقدة الجهالة، ويوحي إليك أن المراد النجاة بأي دين وعلى أي طريق وباتباع أي نبي يكون دينه مطابقا للعقل والحق، وليس المراد التعصب للآباء الضالين والاقتداء بالرؤساء المضلين، تعصبا يبلغ بالإنسان مبلغ البغض للحق الصريح والعناد لإحياء الباطل القبيح. هذا سر جلي من أسرار زواج زيد بزينب ما، قال الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ )(النساء: من الآية23) إلى أن قال سبحانه وتعالى ( وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ). هذه الآية تحرم على الرجل أن يتزوج زوجة ابنه الذي من صلبه، وكان العرب قبل الإسلام ينسب الرجل الولد لنفسه فيقول ابني ثم ينزله منه منزلة ولد الصلب، وأحكام الله تعالى تغرير أحكام الجاهلية. ولما كان رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم يجب أن يبدأوا بتنفيذ الأحكام على أنفسهم قبل كل أحد.. ليكونوا قدوة وأئمة للأمة ويكون للأمة أسوة حسنة فيهم، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر زيد بطلاق زينب وأن يتزوجها لنفسه ليهدم أحكام الجاهلية، وكانت عوائد العرب مستحكمة في أنفسهم استحكاما يجعلهم ينقصون من يخالف العادة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حريص على تأليفهم كما وصفه الله، فشق هذا الأمر عليه صلى الله عليه وسلم خوفا على قلوب الناس من الانزعاج وعلى نفوسهم من الرعونات والنزوع إلى ما لا يحمد. وابتهل إلى الله تعالى أن يجعل هذا الحكم علما لا عملا. حتى كان صلى الله عليه وسلم كلما وقع نظره على زينب وعلم الآية التي يأمره الله بتنفيذها على نفسه في نفسه ليمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته، يصعب عليه الأمر خوفا على الخلق، ويخشى أن يكون هذا الأمر مفسدا لعقائد بعض الصحابة، وكانت زينب كلما نظرت إلى زيد عزت عليها نفسها أن تكون زوجا لمولى، وهي الشريفة النسب الكبيرة النفس، وكان زيد يلتمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمره بطلاقها تخلصا من أذيتها لـه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعه، حتى طلقها زيد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى على قلوب الناس وعقائدهم حتى عاتبه الله عتابا شديدا بقوله تعالى (وتخفى في نفسك) ما أمرك الله به من زواج زينب بعد طلابها من زيد لمحو تلك الضلالة التي كان عليها أهل الجهالة من أن الرجل إذا تبنى ولدا لا يتزوج زوجة الولد ولا يتزوج زوجة من انتسب إليه، وهي أحكام جاهلية لم ينزل الله بها من سلطان، وهذا الأمر حكم من أحكام الله تعالى لابد أن يبديه الله في ذات رسوله صلى الله عليه وسلم ليتقرر علما وعملا، فلا يشك مسلم في ذلك في صريحه، ثم بينه صريحا فقال سبحانه (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً)(الأحزاب: من الآية37) أي طلقها (زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) أي زوجناك زينب بنت جحش مطلقة زيد الذي تبنيه ليرتفع الحرج عن المؤمنين ويجوز لكل مؤمن أن يتزوج زوجة من يتبناه إذا طلقت منه وهو حكم الله سبحانه وتعالى، وإنما التحريم بالنسب الحقيقي لا بالانتساب القولي، وهذه سنة الله تعالى في رسله، فإنه سبحانه إذا أمر بأمر وجب على الرسول أن يسارع في تنفيذه عملا أو تركا. أنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم (كل دم في الجاهلية تحت قدمي هذا، وأول دم أضعه دم الحارث بن عبد المطلب، وكل ربا في الجاهلية تحت قدمي هذا، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) فبدأ بتنفيذ أحكام الله في نفسه بنفسه ليقرر الأحكام علما وعملا، ثم نفذ أحكام الله في أقرب الناس لـه لأن الحارث بن عبد المطلب عمه والعباس بن عبد المطلب عمه.

إذا سلمت أيها المعاند وفقهت تلك الحكم الجليلة، يمكن أن تباح لك من أسرار الحكم التي تنتقش كمالاتها في نفسك وتشرق أنوارها على قلبك، فتكون بها رجلا كاملا مؤهلا لدخول ملكوت الرب سبحانه رحمة بك أيها المعاند لأنك إنسان مثلي قادك هواك وحظك إلى الهاوية، والأخوة الإنسانية تقضي على أن أسعى في نجاتك منها بقدر استطاعتي بالموعظة الحسنة والرفق لأني أدعوك إلى الحق والى السعادة، لا كما تفعل أنت من فحشك وقذفك وجعل الحسن قبيحا وأنت تدعو إلى الضلال بالجهل عن الحق. فعساك أيها الإنسان أن تحفظ رتبتك من الوجود وتعلم أن التعصب للآباء والغرور بالملك والسيادة من مهاوي الهلاك عاجلا وآجلا. وكفى بالإنسان تعسا أن يترك الحق الجلي ويسعى في إخفائه وينصر الباطل الوبئ ويسعى في إظهاره.
وأكتفي بما أشرت إليه في معنى الآية لأن مريد الحق يميل إليه متى ظهرت بوادره، ومريد الباطل يفر من الحق ولو لمسه بيديه . أهـ.

وفي عام 1331 هـ جاء وفد كبير من دول أوربا إلى مصر، يضم قساوسة وكتابا وصحفيين يصطحب أحدهم معه زوجته ، يجادلون علماء المسلمين في محاولة لبث سموم التشكيك في الدين الإسلامي. وبعد مناظرات عدة بينهم وبين عدد من العلماء ظنوا أنهم قد حققوا أغراضهم إلى أن دلهم البعض على الإمام أبي العزائم لمناظرته، فتوجهوا إليه ظانين أنه كغيره ممن سبق لهم مناظرتهم ومجادلتهم.
جلسوا مع الإمام في بيته، وجلس المترجمون، وبدأ الإمام الحديث مع رئيس الوفد قائلا: كيف حالك؟
قال : بخير
فقال الإمام: أتأكل وتشرب جيدا؟
قال: نعم
فقال: يعني صحتك على خير ما يرام؟
فتعجب لهذه الأسئلة وأجاب بهذا اللفظ: زي البمب
وهنا قال لـه الإمام: وكيف حال أولادك؟
فضحك الرجل باستهزاء ناظرا إلى الوفود وهو يقول لهم: إنه يسألني عن أولادي.. فتحضك الوفود. وفي النهاية قال للإمام: لقد جئنا إلى هنا على صيتك الذائع المشهور، ولكن للأسف وجدناك تجهل أبسط قواعد المسيحية
فقال الإمام: وما هي أبسط قواعد المسيحية؟
فرد قائلا: إنني لا أتزوج وبالتالي فلا يكون لي أولاد.
وهنا انبرى الإمام قائلا: تنزهون أنفسكم عن الولد وتزعمون أن لله ولدا؟
وهنا وقعت الواقعة وبدأ رئيسهم يتصبب عرقا..
فقال الإمام: ألم أسألك أولا أتاكل وتشرب؟ فقلت: نعم، إذن أنت أسير نعمته سبحانه، ولو منع عنك نعمته لهلكت فقل لي بالله عليك لوا احتبس البول فيك أو الغائط ماذا يكون مصيرك؟ إذن أنت أسير بَوْلة وأسير غائط، تنسب لنفسك النزاهة عن الصاحبة والولد وتنسب لله المنزه القادر الصاحبة والولد.
وأشار إلى السيدة الموجودة وسأل عنها، فقالت : حضرت مرافقة لزوجي هذا، فقال لها: تزوجت على سنة من؟ السيد المسيح لم يترك سنة للزواج والمسيح لم يتزوج، وبذلك فإن سنة المسيح تقتضي انقراضكم من الحياة، وما نحن نعيش فيه الآن هو على سنة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي سن لنا الزواج.
وهنا طلب الوفد الانصراف لأنهم علموا أن الإمام سيدخل في الموضوع الذي حضروا من أجله وهو زواج السيدة زينب بنت جحش وسيدنا زيد بن حارثة وكذلك موضوع تعدد الزوجات، وأنه سوف يفند آراءهم بالحق، ويكشف نواياهم الخبيثة التي حضروا من أجلها إلى مصر، وصدق الإمام حينما قال منذ اللحظة الأولى للقائهم: إذن استوى الماء والخشبة. وغادروا المنزل فورا إلى الإسكندرية ولم يطيقوا البقاء فيها فذهبوا إلى الميناء وأمضوا وقتهم وليلهم بها حتى إقلاعهم إلى بلادهم. وقد كتبت إحدى الصحف الإيطالية بعد وصول الوفد تقول: إن في القاهرة رجل يدعي محمد ماضي أبو العزائم لن يكون للاستعمار بقاء وهذا الرجل موجود في هذا الشرق.

3 – حكمة تعدد الزوجات لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإنسان في حاجة للتعاون، وأكمل من يعينه أقاربه وأصحابه. فقد يتزوج الرجل من العائلة ليكون أولاده أهل شرف وعصبة، وقد يتزوج ليكون أولاده أصحاء أقوياء البنية، وقد يتزوج لتكون الزوجة معينة لـه على دينه ودنياه، وقد يتزوج لتكون الزوجة مدبرة لمنزله مربية لأولاده، والمعاني المعقولة التي ترجح تعدد الزوجات محسوسة راجحة. والحقيقة أن الإنسان إذا تزوج امرأة أخرى هي كالأولى لا تتفاوت عنها، لم ينصف.
ولما كان الدين الإسلامي يوجب العمل والنشاط على كل مسلم ويجعل أول واجب التعليم، كان ولا شك كلما كثر النسل انتشرت الفضائل وعمت الخيرات. ولما كان الدين المسيحي أوجب على الناس ترك الدنيا وكرهم في العمل لها فيها، وأخبر أن الغني لا يدخل الملكوت، ولم يتزوج المسيح ولم يأمر أحدا من تلاميذه بالزواج، وكان يتناول طعامه من أيدي الناس بلا عمل.. كان ولابد أن يأمر بترك الزواج مرة واحدة أو بتزويج واحدة فقط، وإلا مات الناس جوعا، لأنه لم يأمر بتعليم الصناعة والحرف ولا بالزراعة ولا بالعمل مطلقا للدنيا فيها.
فكأن دين المسيح دين الكسل والبطالة وسكنى الغابات والكهوف، ولذلك ترى أن أهل أوربا لما أشرقت عليهم أنوار العلوم الإسلامية والعمل في الدنيا، وقام أهل الأفكار منهم وطالعوا التعاليم المسيحية التي تحت على بني الإنسان أن يترك الحضارة والمدنية والتمتع بنعم الله من الائتلاف والتعاون، حكم أن أصل الإنسان قرد وأنه لابد وأن يؤمر بالرجوع إلى ما كان عليه من العيشة في الكهوف والغابات وترك استكشاف أسرار الكائنات وخواصها للانتفاع بها.. وإلا ما الذي دعا دارون أن يقول : إن الإنسان أصله قرد ويقوم مبرهنا بالبراهين التي تنبئ عن فساد قواه العقلية واختلال تركيب أمزجته وضعف المجموع العصبي.
لا تعجب.. فأكثر أهل أوروبا تلاميذ دارون، وقد كانت تلك الحقيقة تكون مقررة في أذهان نصارى الشرق، لأن تعاليم الدين المسيحي ترغب في العيشة الحيوانية، وهم يعتقدون أنه ابن الله، فلم يرغبهم في العيشة الحيوانية إلا ليرجعهم إلى أصولهم، استغفرك الله من حكاية أقوال من لا يعقلون، وأعوذ بوجهك الكريم من أن أقصد الشر لأحد من بني الإنسان. اللهم وأنت سبحانك تعلم لا غيرك أني لا أريد إلا الخير، فأنزل يا إلهي بياني هذا من قلوب الذين ينتقدون علينا منزلته من قلبي من القبول، واحفظني يا إلهي بحفظك من شرهم وكيدهم ومكرهم إن قدرت سبحانك عدم هدايتهم.

إذا تقرر هذا الأمر، أبين لك أيها المنكر ما يمكنك أن تفهمه من حكمة تعدد زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اعتقد معي أنه رسول لجميع الخلق، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه أرسله الله على فترة من الرسل بين جاهلية عمياء وأمم ظالمة ومدن فاسقة وملوك جبابرة، وهو الذي يضع الحرب كما بشر به المسيح الذي قال (ما جئت لأضع حربا ولكني جئت لأضع سلاما، والذي يأتي من بعدي يحصدهم بالسيف) أو كقوله عليه السلام. وكان الرسل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثون لأممهم فقط، وأرسله الله تعالى للناس كافة، فلابد أن يكون لـه صلى الله عليه وسلم حزب قوي متماسك متحد اتحادا بكل معنى الكلمة من أوجه الاتحاد كلها: من جهة الدين ومن جهة الألفة ومن جهة القرابة ومن جهة النسب. فحقق الله تلك الرابطة القوية بالدين وباللغة، فكان يتكلم مع كل قبيلة بلغتها، ثم أكمل الله تلك الرابطة بما أباحه لـه صلى الله عليه وسلم من تعدد الزوجات بوسعة: فتزوج أبنة أبي بكر الصديق وابنة عمر بن الخطاب ما وزينب بنت جحش للحكمة التي سبقت وابنة أبي سفيان وغيرهن ممن كن سببا في تقوية الروابط الدينية بسبب النسب واتصاله.
ومن نظر بعين المفكر العالم الحكيم يتحقق أن تعدد الزوجات للنبي صلى الله عليه وسلم من علامات النبوة وأكمل دليل على أنه خاتم الرسل وأنه المبعوث للناس كافة بشيرا ونذيرا، وكيف يخفي على إنسان يعقل البديهي حكم هذا الحكم؟
وقد مكث صلى الله عليه وسلم راضيا بزوجة واحدة مدة عشرين سنة تقريبا وهو في ريعان الشباب وراحة البدن وصفاء الوقت. ولم يتزوج السيدة عائشة والسيدة حفصة وغيرهما إلا بعد بضع وخمسين سنة من عمره الشريف وهو في أعظم أوقات العمل واصعب آنات الصعوبة، وهو بين جهاد بالسيف أو باليد أو باللسان، وبين تقرير أصول الدين وبيان فروعه وبين تنظيم الجيوش وتزكية النفوس، حيث أن أنفاسه صلى الله عليه وسلم كانت أنفس من النفائس.
ومن قرأ تاريخه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة يتحقق أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يتزوج واحدة من أمهات المؤمنين بعد الهجرة لشهوة أو رغبة في لذة، ولم يتزوج قبل الهجرة على التحقيق إلا السيدة خديجة عليها السلام قبل البعثة، ومكثت معه صلى الله عليه وسلم راضيا بها وراضية به عليه الصلاة والسلام منذ كان عمره الشريف سبعة وعشرين سنة إلى بضع وأربعين. فهل القائم بعظائم الأمور الذي يدعو الخلق أجمعين إلى نجاتهم بالرحمة والرأفة الحريص عليهم، المنكب بكليته يتلذذ بغير الحق أو يشتغل نفسا بغيره؟ حاشا أن يخطر على قلب رسول من غير أولي العزم هذا الخاطر، فكيف يخطر على قلب أفضل أولي العزم؟ إنما هي أعمال لحكمة عالية هي من أكمل الجهاد في الله سبحانه وتعالى والعاقل يكتفي بأقل إشارة ، فكيف لا يكتفي بالعبارة؟!.

4- سيف الإسلام سيف الرحمة:
ليس تاريخ العرب بالتاريخ الذي كان منقوشا على الأحجار فمحى من عليها، أو مرموزا باللغة العجمية وليس من يقرأه، ولكنه تاريخ جلي يعلم كل عاقل ما كانوا عليه وما آلوا إليه.
عجبا عجبا!! يخرج العربي من جوف مكة في زمن لم تكن هناك معدات سفر ولا عوارف حضر ولا آلات للنقل، فيخرج والقرآن في يمينه، وحب الخير لامة بني الإنسان في ضميره، وقليل من القوت والماء على ظهره، والسيف الذي هو رحمة الله في يساره، أقول رحمة الله لأنه: في يد من سل؟ وعلى من سلط؟ في يد إنسان ملأ الله قلبه رحمة ليسوي بين أفراد الإنسان، وجعل في قلبه نورا لينشر العدل بين بني جنسه، لا يقصد بذلك أن يقهرهم على اعتناق دينه ولا أن يخرجهم من الملك الذي هم فيه ما داموا على مبادئه الشريفة الفاضلة من العدل والمساواة والرحمة والشفقة والتعاون والصلة والبر، لا فرق عنده بين النصراني واليهودي والصابئ، وها هم أهل الذمة في كل بلد إسلامية برهان ساطع على أن الأمر كما أقول.

على من سلط هذا السيف؟
سلط على جبار عنيد يستعبد عباد الله، وطاغية فاجر عامل لمحو الحق وإظهار الباطل، سبحان الله. ما للعيون عميت عن الحقائق وهي مجلوة‍‍‍!! وما للقوب انصرفت عن الآيات وهي مضيئة!! اللهم رحماك. فكأن الإنسان ليس بإنسان لأنه أهمل عقله إهمالا جعله يجعل الباطل حقا ويؤيده بأباطيل، ويجعل الشمس الجلية ضحوة مظلمة.
قلت إن السلم لم يجعل سيفه في قهر الناس على اعتناق الدين، لأن الجمال الإسلامي تجلي للعقول الكاملة وللقلوب السليمة تجليا جذبها إليه. ومن رأى الكتب التي ألفت في تفسير القرآن وخدمة الأحاديث النبوية واستنباط الأحكام من الكتاب يتحقق أن أكثر مؤلفيها من غير العرب، وأنهم من عقلاء الأمم وعلمائهم الذين جذبهم الحق إليه وقربهم منه، الذين تجلت لهم أنوار الإسلام فاهتدوا بها إليه وظهرت لهم حقائقه فأقبلوا بها عليه، فلما أن باشرت بشاشته قلوبهم تفجرت ينابيع الحكمة منها فترجمت بها ألسنتهم. ومن قرأ تلك الكتب يعلم حق العلم أن الذي دعا العالم إلى الإسلام جماله الحقيقي ونوره الجلي. وإنما كان السيف الإسلامي لمحو الظلم والفسوق والجهالة والرذائل، وإلا فما لنا نرى أكثر من أسلم من غير العرب هم الذين خدموا الدين بعلومهم وأفكارهم!! وبينوا أسراره وأنواره وكشفوا للعقول عن حكمه وآدابه!! ونرى من بقى منهم على دينه ممتعين بأملاكهم وأموالهم وخدمهم وهم أقل ممن أسلم عقلا وأدنى منهم فكرا وأبعد منهم معرفة بأسرار الحكمة.

خرج هذا العربي بعد أن تلقى عن سيد رسل الله صلوات الله وسلامه عليه من مكة مخترقا تلك البوادي القاحلة والصحاري الماحلة والجبال الشامخة والبحار المحيطة، حتى رمي بنفسه إلى الأقطار النائية، فما مر على مجتمع جاهلي إلا جمله بفضائل الإسلام، ولا على أمة ضالة إلا هداها إلى الحق، ولا على مدينة فاسقة إلا أرجعها إلى الهداية.. فكأن كأشعة الشمس التي تسري في الدقيقة الواحدة بسرعة تحير عقل العاقل في سرعة سريانها وفيما تفيضه من الخير ومن النور والهدى والبيان، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشمس، وكان أصحابه هم الأنوار المنبعثة من تلك الشمس العلية.
خرج العربي من مكة حتى خاض لجة المحيط ، محيط الظلمات (المحيط الأطلنطيقي) غربا، وخرجط من مكة حتى سبح في لجة المحيط الهادي شرقا، ونشر النور في أقطار الهند والصين حتى جبال القوقاز، ولم تقف به عزيمته حتى أبقى لـه في كل واد أثرا لا يزال لسان صدق ناطقا بما للإسلام من الفضل العميم، ونورا مبينا شاهدا بأن الإسلام هو الدين الحق الذي يجب على كل عاقل أن يعتنقه.

قام هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فنور قلوبهم بالحكمة النظرية بما أنزله الله عليه من كتابه المجيد، وما أوحاه الله إليه من الحكمة والبيان، ثم قام صلى الله عليه وسلم بأكمل أحوال الحكمة العملي، فعمل الأعمال الروحانية والبدنية الخالصة للدار الآخرة ، والأعمال البدنية للدنيا والآخرة، والأعمال الروحانية والبدنية لخير بني الإنسان، فبث صلى الله عليه وسلم روح تلك الأعمال في أرواح سلمت لـه صلى الله عليه وسلم، وقلوب تخلت من سواه صلى الله عليه وسلم، وآمال تعلقت به صلى الله عليه وسلم، فكانوا صورة كاملة لجنابه صلوات الله وسلامه عليه، وآية كبرى دالة على أنه خاتم رسل الله وسيدهم صلوات الله وسلامه عليهم وعليهم أجمعين. وليس بنقص في الشمس أن يراها الخفاش مظلمة وأنكر فضلها البوم والعقارب والأفاعي وأشكالها من الحيوانات المؤذية التي لا تهتدي في النور المشرق. وكم من حيوانات تتطيب بالقاذورات وتتغذى منها، وتموت إذا شمت الطيب، وكذلك الحيوان الذي هو على صورة الإنسان يرى الحق باطلا والباطل حقا، كما يرى الخفاش نور الشمس ظلمة وظلمة الليل نورا.. نعوذ بالله من هوى يعمي عن الحق وحظ تنقلب به الحقائق، واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لنا نورا في قلوبنا نهتدي به إلى الحق، ويحفظني وأهلي وإخواني والمسلمين.

لعل المنكر يجهل ما من الله به على جميع الخلق من الرحمة برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول قام والسيف صلت- أي مسلول- في يده، ونعم.. ولكنه سيف رحمة وحنانة ورافة وشفقة، وإلا فالذي كان في يده السيف للنقمة لم أبقاك أيها المنكر حيا وكان من السهل عليه أن يقول كلمة صغيرة في وصاياه تكفي أن تكون الكرة الأرضية كلها ليس على وجهها غير مسلم؟
لعلك لا تسلم بحكمي هذا، لكني أبين لك بالبرهان الحسي أنه لم يشهر السيف إلا على الظلم ولم يضرب به إلا هامة الجور. أنظر إلى المدن التي أسسها الإسلام والبلاد التي ملكها المسلمون، تر النصراني واليهودي والمسلم سواء في كل الحقوق المدنية. فلو كان السيد سيف النقمة لغير المسلم لما أبقى نصرانيا ولا يهوديا.. أقول على وجه الأرض، لأن المسلمين إذا كانوا متمسكين بالدين تمسكا حقيقيا مكنهم الله في الأرض بالحق تمكينا حتى جعل لهم من القوة ما يمكنهم به أن يقهروا الخلق أجمعين على الإسلام أو القتل- ولم نسمع بهذا أبدا- وإنما كانوا يقهرون الظلمة الذين كانوا يستعبدون خلق الله من الملوك والرؤساء، ليجعلوا عباد الله يتنعمون بنعمه سبحانه في مستوى واحد، ويكون لليهودي وللنصراني ما للمسلم من الحقوق كلها، ويمتاز النصراني واليهودي عن المسلم بأنه لا يكلف بحماية الثغور ولا بمدافعة الأعداء في الجهاد ولا بحراسة المدن ليلا، بل يكونون في أمن وأمان يعملون في أعمالهم الخاصة ويستريحون متى شاءوا.
وكان المسلم يكلف بدفع زكاة ماله في كل سنة والذمى يكلف بنظيرها من ماله، وزكاة المال من المسلم لا تجعل لـه امتيازا. وما يؤخذ من الذمي من المال يجعله في رياض الأنس وحصون الأمن، تسفك دماء المسلمين وهو آنس بزوجته وأولاده فرحا مسرورا، ويفارق المسلمون أولادهم وأهلهم وبيوتهم وهم كأنهم ملوك في منازلهم ومزارعهم ومصانعهم. هذا هو الذي سل لأجله سيف الإسلام، فهو رحمة لا نقمة، ونور لا ظلمة، وحياة لا موت، وسعادة في الدنيا لأهل الذمة، وسعادة في الدنيا والآخرة لمن انكشفت لـه أسرار الدين ممن أسعدهم الله بالعقل.

إن العرب الجاهلية الأذلاء، الجائعي البطون، العراة الظهور، المتفرقي الكلمة، الجبارين، كيف سادوا وملكوا الأرض شرقا وغربا وأسسوا المدينة الفاضلة على أكمل أسس؟ لم يكن ذلك إلا بالإسلام . نعم.. ولم يكن قبل الإسلام مدينة فاضلة بمعنى الكلمة، لا ، ولا في عصر رسل الله السابقين ، فإن شاهد الحق لدينا أقاصيص التوراة وما جاء في الكتب المقدسة من الحوادث المهمة. أي مدينة من المدن القديمة كانت مؤسسة على الفضائل الكاملة؟ الأمر جليس كالشمس في السماء الصحو، وإنما صار المجتمع الإنساني مجتمعا فاضلا بعد الإسلام لا قبل الإسلام. كان الحق للسيف والسوط والقوة قبل الإسلام، فما ظهر الإسلام إلا وظهرت الفضائل الكاملة بأجلى مظاهرها، والمساواة الحقيقية بأجلى معانيها. لا تجعل أعمال بعض أهل الجهالة من المسلمين حجة على الإسلام، وإنما هي وصايا محفوظة لم تغيرها السنون والدهور، ولم يحرفها أهل المطامع والجهالة والغرور، لأنها تنزيل من حكيم حميد.

5 – ليست الآية في خلق عيسى توجب تأليهه:
وليس حمل مريم بولده عيسى عليه الصلاة والسلام بأعجب من حمل الأرض بولدها آدم. والذي يعتقد أن الأرض التي ولدت رجلا هو آدم، وأن رجلا ولد امرأة هي حواء لأن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، لا يتعجب إذا رأى فتاة بالغة خلق الله منها ولدا.
ولو أرجعت الأمر إلى الأمور العقلية الطبيعية وجردت نفسك من وساوس الخيال ومن فساد الأوهام لحكمت أن الأمر ليس فوق العقل ولا يحتاج أن يكون الذي يولد بهذه الصفة هو ابن الله ولا أخاه ولا أنه الله حل وتجسم فصار ولدا، لأن العناصر الأربعة في المرأة إذا توازنت توازنا حقيقيا مؤديا إلى كمال الرتبة الحيوانية الإنسانية يجوز أن يتحلل من المجموع المنوي مني صالح لأن يتطور في الرحم أطوار منى الرجال، فيكون منه إنسان ينقصه قوة الشهوة الإنسانية، وثقل الطينة الآدمية، كما حصل كثير مما يقول عنه غير المتدينين أنه من فلتات الطبيعة، ويقول أهل الدين قدرة الله صالحة لكل شيء والله قادر على كل شيء.. نعم.. خفاء السبب يوجب العجب، ولكن لم يخف السبب.

إذاً .. القدرة التي خلقت إنسانا من الطين، وإنسانة من إنسان، وجعلت غصنا- الذي هو عصا سيدنا موسى عليه السلام- من شجرة حيوانا يسعى يلقف كل شيء يمر به، وجعل الريح تصير كبساط يجلس عليه الإنسان (سيدنا سليمان) ثم تحمله وتطير به، وجعل تلك الآيات العجيبة المشرقة جلية في المجموعة الشمسية وفيما بين السماء والأرض وفي الأرض.

كل تلك الآيات لم تكن عجيبة عند العاقل لظهور سببها جليا، وهو قدرة القادر الحكيم. ولكن الجاهل بقدرة الله تعالى وبكمال تنزيهه سبحانه وبعلي جلاله وعظيم كبريائه وعزته إذا رأى آية مما لا يعجب منها العقلاء يظن أنها هي الله أو جزء من الله، وكفى بالجهل شرا. أكرم الله عبده ورسوله عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم بما يلفت إليه الخلق، وخصوصا بما كان يتنافس فيه أهل زمانه من الطب والسحر، وكان صلى الله عليه وسلم يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ويحيي الموتى بإذن الله، الأمر التي أعجزت أئمة الأطباء في عصره كما فعل سيدنا موسى عليه السلام حين ألقى العصا فصارت تلقف ما صنعوا. وإن العجب من عصا سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عند العاقل أولى من العجب بآيات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، لأن المرض من شأنه أن يزول لأنه عارض، والموت سبقته الحياة، فإرجاع الأصل سهل على القدرة، ولكن تفجير أثنى عشر نهرا من حجر صغير يحمل في الكم أعجب وأغرب، وشق البحر حتى يصير الماء كجبل انفلق فكون واديا بين جزأيه وجمد الماء كأنه جبل ويبس ما بين الفرقين بحيث صار الماء لا يسيل حتى مر سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ومن معه من بني إسرائيل ثم انضم بعد ذلك فصار متلاطما بالأمواج. تلك الآية أعجب وأغرب من كل آية أتى بها سيدنا ومولانا عيسى عليه الصلاة والسلام.
فالجاهل ربما يظن أن العصا هي الله، وأن الله حل في العصا، كما ظن بعض بني إسرائيل أن عزيزا الذي أماته الله مائة عام وأحياه بقدرة وحكمة هو ابن الله لجهلهم السبب، ولكن إذا ظهر السبب بطل العجب.
فأي عجب في أن امرأة ولدت بدون زوج- وقدرة الله صالحة لأكثر من ذلك؟!!- وأي عجب في أن إنسانا يقول في الإنجيل (لست المعلم الصالح، المعلم الصالح هو الله) ويقول: (اعبدوا أبي وأباكم الذي في السماء) ويقول: (من يؤمن كإيماني يعمل كأعمالي وأكثر)، ثم يقيم الحجة على أنه عبد الله ورسوله بما يعجز أهل زمانه فيعتقد الجاهل أنه ابن الله أو أنه هو الله أو أنه جسم حل فيه الله.

لا تعجب إذا اعتقد الجاهل عقيدة من تلك العقائد، فليس بعد الجهل ذنب. وكفى ذما للإنسان المؤهل لتلقي العلوم المفيدة ونيل كمالات النفس أن يكون جاهلا يلقى نفسه بجهله في هاوية العذاب.
إن يحيى بن زكريا عليهما السلام المذكور في التوراة باسم (ملاخي) وهو مرسول كريم على الله تعالى جاء بمعجزة في حمله ووضعه لا تقل عن معجزة المسيح في حمله ووضعه، لأن زكريا عليه السلام كانت عنده امرأة عاقر كما هو صريح التوراة وطال عمره حتى بلغ سن اليأس من أن يكون لـه ولد، وذلك لأن امرأته عاقر وأنه حرم القوة التي بها نيل هذا الأمر حتى أن الله بشره على لسان جبريل عليه السلام فعجب من بشارة الله لـه لأن حاله هو وزوجته لا يقبل العقل أن يكون لهما ولد، ولكن الله قادر على أن يوجد الشيء من لا شيء، فكيف لا يوجد ولدا من امرأة عاقر ورجل يائس بلغ به ارتخاء مفاصله ويبس المادة الغريزية مبلغا جعله كالميت وامرأته كأنها ميته لأنها عجوز بلغت سن اليأس.

إن المعجزة التي ظهرت لعيسى ظهرت بأجلى مظهرها في يحيي (يوحنا). لم يكن عيسى أولى من يوحنا في هذا المجد، لأن يحيي رسول الله وعيسى رسول الله عليهما السلام، والله أعطى يحيي الرسالة صبيا، وبلغ من الثقة به عند قومه أن جعلوه رئيس المعمودية وهي وظيفة كمل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأجمع كل شعب إسرائيل على أن المعجزة التي أظهرها الله ليحيي من أكمل المعجزات، لأن حمل بنت شابة ليس بعجيب كحمل امرأة عاقر- يئست من الحيض- من رجل ارتخت مفاصلة ويبست مادته وأكله الهرم حتى صار بالنسبة لهذا كالميت.
أقول: لم يكن المسيح عليه السلام أولى من يوحنا (يحيى) في هذا المجد، لأن يحيى عَمّد المسيح، فكان ذلك برهانا على منزلة يحيي من المسيح عليهما السلام.

يتبع



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [15]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [14]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [13]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [12]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [11]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [10]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [9]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [8]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [7]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [6]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [5]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [4]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [3]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [2]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [1]
- فن الإستمتاع بالحياة [2]
- فن الإستمتاع بالحياة [1]
- النقاب عادة لا عبادة وليس من الإسلام [2]
- النقاب عادة لا عبادة وليس من الإسلام [1]
- إضاءات ورؤوس أقلام حول مسألة (الشيعة والسنة) [1]


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [16]