صادق جميل السومري
الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 12:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( 1 ) :
تعودنا على استخدام الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي وردت الينا بدون تدقيق وتمحيص في اصولها , كمثال على ذلك :العلمانية ,الحداثة ,الديمقراطية , الجندر ,العرب , اللغة العربية ..
وباتت الكلمات والمصطلحات والمفاهيم تتداخل بصورة ضبابية مبتعدة عن اصولها , لتؤدي الى عكس المقاصد التي كان يهدف اليها مستخدموا هذه الكلمات .
التاريخ العربي – الاسلامي لايستند الى الحفريات الاركيولوجية,لذا بقي تاريخ تاسيس الاسلام مجهولا وغير موثق.فكتب المغازي والسيرة والحديث وحتى جمع القران وتنقيطه جرى في فترة متاخرة من التاريخ الاسلامي , حيث ان كتب السيرة تعطي نظرة عقائدية وليس تاريخية كالاناجيل في المسيحية تماما .
ان استيراد معامل صناعة الورق من الصين جرى في زمن الدولة العباسية . وان الروايات الشفاهية تتعرض للتغيير والتبديل بحسب مقاصد الاشخاص ,لتصل في النهاية الى تدوينها في نص ثابت لايتشابه مع المقاصد الاصلية .
يكتب الباحث ( نادر قريط ) في مقال له على صفحات مجلة ( الكشكول ) العدد 112 – تموز – يوليو – 2010 بعنوان :
(لغة القران في نصه : هل ضيعت الامة ما امرت بحفظه ؟) , يؤكد على ان القران تم انزاله عربيا بايات متعددة في القران الكريم :
(انا انزلناه قرانا عربيا )..
ولكن اية عربية كتب بها القران ؟
يؤكد الباحث نادر قريط انه على الرغم من وضوح هذه الايات والقداسة التي تغلفها , ليست سوى وهم يتعارض ويتناقض مع حقيقة تعدد لغات النص القراني في حياة محمد ولفترة طويلة بعد موته .
يقول الطبري في مقدمة تفسيره (.. اذ كانت العرب, وان جمع جميعها اسم انهم عرب , فهم مختلفو الالسن بالبيان , متباينوا المنطق والكلام .. لم يكن لنا السبيل الى العلم بما عنى الله تعالى ذكره .. الا ببيان من جعل اليه بيان القران وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
لذا يقول الباحث نادر قريط ان مجرد القول بان القران انزل ب (لسان عربي )يبقى كلاما بدون دلالة او معنى لمن ثبت له ان من سموا ( عربا ) في وقت من الاوقات كانوا يتكلمون عددا لايحصى من اللغات المتباينة في منطقها وبيانها .
وهنا يقول نادر قريط ( كيف اصبحت نصوص القران السبعة نصا واحدا ؟ بل كيف اصبح القران لايؤدي مقاصد صاحبه الا اذا كان بلغة المصحف المتداول , بعد ان كان بالامكان فهم مقاصده وهو مصاغ بسبع لغات مختلفة في الفاظها وادابها ؟ )..
ويكمل نادر قريط ( لقد صار من البديهي ان لغة نص القران هي العربية التي انتهت الينا كما كانت في مرحلة التدوين , اي في العصر العباسي ولا احد يمكنه انكار هذه الحقيقة .. قامت بها مجموعة من اللغويين والنحويين من الموالي والمولدين في العصر العباسي . مجموعة عجم بالفطرة ينطبق عليهم قول حسان بن ثابت ( وكنتم قديما مابكم غير عجمة كلام , وكنتم كالبهائم في قفر ).
ان مؤسسي اللغة العربية التي انتهت الينا والتي لايشك احد في انها لغة القران المتداول كانوا اصحاب عجمة كالبهائم في القفر قبل ان يجمعوا العربية التي يبدو انها كانت في وقتهم منحلة ومتفرقة في العديد من لغات العرب .. ويسال نادر قريط :
( هل يمكن للعقل ان يقبل بان تكون اللغة التي جمعتها قريش وقيل بها الشعر لعدة قرون هي ذاتها التي جمعتها مجموعة من العجم بعد ان ضيعتها قريش؟ ).
ان القبول بوجود لغة عربية كما يذكر ذلك نادر قريط ينفي في حد ذاته اية عملية جمع . اذ لايعقل تصور جمع ماهو موجود ومتعامل به .. ان مجموعات كبيرة من الشعوب والقبائل المكونة لما يسمى عربا في المفهوم الاسلامي والعربي المعاصر كانت تؤمن باليهودية والمسيحية , الشيء الذي يتنافى مع مايزعمونه من ان المعنى لكلمة ( امية )الواردة في القران يفيد الجهل بكتاب منزل من السماء , كما يثبت في كتاباتهم ان مجموعات هامة من قريش واهل يثرب كانوا يكتبون ومنهم كتبة محمد .
لقد اثبتت الحقريات ان الاثار المكتشفة للغات العرب لاتمت الى عربيتنا بصلة . فقد تم العثور على كتابات بالخط النبطي والسرياني والمسند , لكن لم يجدوا الى هذا اليوم اثرا واحدا بالخط العربي واللغة العربية السائدة .
اليس غريبا ان يكتب(العرب ) بشتى اللغات والخطوط سوى لغتهم الفصيحة , لغة ادبهم وشعرهم ؟
وحتى كلمة ( عرب ) نجد لها معان متعددة في القواميس العربية .
ان فقدان الجذور والاصول والهوية هو سبب من اسباب ظهور ( داعش ) التي احدثت قطيعة تامة بين القران المكي التاسيسي والقران المدني , وهم بذلك يكونون قد نسخوا اغلب نصوص القران وضيعوا الاساس في القران وهو الايات والسور المكية .
ان تغيير معاني الكلمات يؤدي الى خديعة كبيرة في تبديل المقاصد ووجهات النظر من الفكرالقائم على الحوار الى احداث القطيعة والتكفير .
لو كانت مقاصد داعش حقيقية لما ساعد المسيحيون في العراق والشام ومصرجيوش الفاتحين من العرب المسلمين بوجه الدولة الفارسية والبيزنطية .
لم تتفق المصادر السريانية والساسانية والبيزنطية على اصل العرب ولم تجمع على شيء من صفاتهم او اسمائهم .
(2) :
تحت فصل بعنوان (بلاد العرب ) – ص 289 وما بعدها يتحدث الباحث في الانثروبولوجيا (فراس السواح) في كتابه :
( هل جاءت التوراة من جزيرة العرب ؟ - نظرية كمال الصليبي في ميزان الحقائق التاريخية والاثارية )– ط4- دار علاء الدين – دمشق : ( اول ذكر للعرب في السجلات التاريخية , في اخبار القرن التاسع قبل الميلاد وعلى وجه التحديد في سجل شلمنصر الثالث عن معركة (قرقرة )..فلقد شاركت القبائل العربية في حلف قرقرة ضد شلمنصر الثالث , وقدم زعيمها (جنديبو العربي ) الى المعركة فرقة من الهجانة كاملةالعتاد والتسليح .. غير ان كمال الصليبي ينفي ان تكون الكلمة الاشورية ( آريبي ) التي وصف بها جنديبو في النص , هي النسبة الى (عرب ) , ويرجح ان تكون نسبة الى موقع في عسير يدعى اليوم (عربة ) او ( عرابة)..
ويرد ذكر العرب مرة ثانية في سجلات ( تفلات فلاصر الثالث )بين اعوام (744 – 727 ق . م ) : ( حيث نعلم عن استلامه الجزية من ملكة عربية اسمها ( زبيبة ) , وقهره لملكة اخرى اسمها ( شمسة ) . ونعرف من المناطق التي ارسلت له الجزية بعد استسلام الملكة شمسة , ( تيماء ) و ( سبا ) .
وفي نص للملك الاشوري (سرجون الثاني ) ( 721- 705 ق. م ) نقرا عن القبائل العربية التي قهرها هذا الملك ومنها قبيلة ثمود ).
حيث قهر الملك الاشوري سرجون الثاني العرب (الذين يعيشون بعيدا في الصحراء , الذين لايعرفون البحار ولا الرؤساء , ولم ياتوا بجزيتهم لاي ملك . لقد ابعدت من بقي منهم حيا واسكنتهم في السامرة ).
هل هؤلاء العرب (بحسب كاتب المقال ) هم نفس العرب الذين تتحدث كتب التراث العربي عنهم بقبائلهم وبجداول انسابهم وبتحالفاتهم ؟ وبلغتهم العربية ام بعربية اخرى او بلغة اخرى وبخط غير الخط العربي ؟
وهل قبيلة ثمود الوارد ذكرها في المدونات الاشورية نعرف موقع سكنها في شبه الجزيرة العربية ؟ الجواب يكون بالنفي لانعدام الحفريات الاثارية في شبه الجزيرة العربية . بالاضافة الى نصوص ايات القران الكريم تتحدث عن ثمود باعتبارها من العرب البائدة كقصص للموعظة الحسنة وليس كسرد تاريخي .
ان قصة ثمود الواردة في القران هي صدى لاحداث تاريخية موغلة في القدم يفصل بينهما اكثر من 1300 عام .
يصل الباحث فراس السواح الى استنتاج هام بعد عرضه لنصوص المدونات الاشورية ومقارنتها بنصوص التوراة ونقده لنظرية كمال الصليبي ( ان العرب الواردين في التوراة بشتى قبائلهم وفروعهم ,لاعلاقة لهم بموقع (العربة ) في منطقةعسير ( على حد قول الصليبي ) . وبلاد العرب المقصودة في التوراة , هي جزيرة العرب بما فيها عسير واليمن , حيث تذكر سبا والسبئيون الى جانب بقية الجماعات العربية . وهذه الارض لاعلاقة لها بمملكة يهوذا واسرائيل ).انتهى الاقتباس .
الباحث الدكتور كمال الصليبي يحاول نقل احداث التوراة من فلسطين الى شبه الجزيرة العربية , حيث يكتب الناشر على غلاف الكتاب :
(لاتكمن خطورة نظرية الدكتور كمال الصليبي التي بسطها في كتابه ( التوراة جاءت من جزيرة العرب ) في محتوى النظرية ذاتها بالدرجة الاولى , بل في المنهج غير التاريخي الذي طبقه على مسالة تاريخية في غاية الحساسية بالنسبة الى قضايا التاريخ القديم وقضايا الواقع السياسي الراهن . ان المقولات غير المدعمة علميا تصدر عن مؤرخ معروف , يمكن ان تقود الى مزالق ومتاهات اكثر مما توصل الى حقائق تساهم في النهضة التي يشهدها علم التاريخ وعلم الاثار في هذه المنطقة اليوم , وتفتح الباب امام البعض لالغاء العلم التاريخي لمصلحة التبرير والرؤية الانفعالية والايديولوجية لاحداث التاريخ ).
نتوصل في النهاية الى الاختلاف في معرفة جذور العرب التاريخية ولغتهم وهجراتهم , ومناطق سكناهم وفي ظهور اللغة العربية وتطورها , بين من يقول بان العربية من اقدم اللغات السامية , ومن يؤكد استنادا الى دراسات حديثة بانها من احدث اللغات السامية , كما وجدنا ان الفكر القومي العروبي والاحزاب القومية العروبية قد حولت الكنعانيين والاموريين والاشوريين والكلدانيين عربا
.لذا نجد ان الكثير من الكلمات والايات في القران الكريم تبقى غامضة المعنى لغياب اصول الكلمات ومعانيها وتغيرها عبر التاريخ .
( 3 ) :
من مقالة بعنوان ( اصلاح الاسلام ضروري وممكن )بقلم المفكر والباحث الراحل ( العفيف الاخضر) نشرتها له مجلة( الكشكول ) بعددها 143 -144 شباط ( فبراير) – اذار ( مارس 2013 يقول فيها :
زعم الجابري ان دراسة مقارنة للقران غير ضرورية وغير ممكنة لانه خلافا للكتاب المقدس, لاتوجد نسخ اخرى مختلفة عن نسخة عثمان بعد حرقه لجميع المصاحف الاخرى المنافسة لمصحفه .
هذه مغالطة مزدوجة : مقارنة القران على ضؤ تاريخ الاديان المقارن تكون مع نصوص الديانات الميتة , كالبابلية والمصرية التي اقتبسها القران من الكتاب المقدس , وخاصة سفر التكوين , مثل اساطيرطوفان نوح ومدينة لوط وخلق ادم .
ثانيا : عندما كتب الجابري هذه المغالطة في السنوات 1990 كانت توجد منذ 1972نسخ اخرى للقران اكتشفت في سقف جامع تهدم في صنعاء , ومنه قطعة من مصحف نادر ب ( 900)آية يرجح الاخصائي في القران محمد بن علي معزي , ان تكون قطعة من مصحف ابن مسعود او مصحف ابي بن كعب . ارجح شخصيا( والكلام للعفيف الاخض) ان تكون من مصحف ابي ,فالسجستاني يخبرنا في ( المصاحف ) ان آية حديث الرجم هي في مصحف ابي . والقطعة تحتوي على هذه الاية . اهم مافيها و كما لاحظ من اطلعوا عليها , ان القران والحديث كانا مازالا لم يفصل بينهما بعد. يبدو ان لجنة جمع القران هي التي فصلت بينهما .
اختلاط القران بالحديث من المسكوت عنه في تاريخ المؤسسين . نجد هنا وهناك اشارة عابرة الى هذا الاختلاط بينهما احيانا بشكل غير مباشر : مثلا جاءفي الصحيحين , البخاري ومسلم ان ابن عباس وابن الزبيراحتارا في تصنيف آية – حديث ( لو ان لابن ادم واديا من الذهب لتمنى اخر) هل هي آية ام حديث ؟.رواه البخاري تحت رقم 5957ومسلم تحت رقم 1739 .
قطعة مصحف (ابي ) كفيلة بكسر هذا المسكوت عنه الذي اجتهدالفقهاء والمفسرون قرونا للتستر عليه .
في المجلة الفصلية ( لوموند دولابيبل) عدد 201 حزيران يونيو – تموز يوليو – اغسطس آب لعام 2012 ملف خاص عن ( مصحف الحجارة ) والمقصود هو القران الذي كتبه الحجاج على صخر, على طريق الحج خلال القرنين الاولين للهجرة . ويلاحظ الاخصائيون الذين حللوه انه توجد اختلافات متفاوتة مع قران نسخة عثمان . وان ( 54 ) سورة مكية غائبة عنه , فهل سيرى هذا المصحف النور ام سيكون مصيرهمماثلا لمصحف جامع صنعاء ؟ .
#صادق_جميل_السومري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟