بوشن فريد
الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 18:57
المحور:
كتابات ساخرة
قسنطينة عاصمة الثقافة الجزائرية
سيكون جميلاً, لو نلتف حول الجزائر كوطن يكفي للجميع, و قبلة مقدسة نتجه إليها في حالات اختلافاتنا السياسية و نزاعاتنا الإيديولوجية, و لا نترك المجال للمتربصين الجبناء الذي يستغلون ضعف وطنيتنا, للبدء في صناعة وصفة الفوضى و تدشين الفتنة و الحروب الأهلية كعهد جديد في وطن, سمعت جدي المتوفى قال عنه: أنه وطن فيه ما يستحق الحياة و الأمل.
لم أكن مخيراً عندما قررت وفي لحظة اللاشعور, أن أكتب هذا المقال و أتناول فيه قضية حساسة, و فيها ما فيها من أشواك تاريخية و طابوهات إيديولوجية, فالكتابة عن الهوية عندنا يشبه إلى حدّ بعيد كمن يكتب عن الإلحاد و نكران الله في بيئة تجعل من الإيمان العقائدي محطة بداية حياتها و وجودها و مصدر إنسانيتها, فليس سهلاً بتاتاً اختراق جوهر اختلاف الجزائريين العميق في قضية عروبتهم من أمازيغيتهم, فالجميع هنا تمتلكه قشعريرة الغضب مصحوبة بعناصر العنصرية المقيتة, و الكّل يحاوّل فرض منطق انتمائه الوجودي بالطرق التي يراها مناسبة دون رعاية وحدة الوطن و لا القلق على ما قد سينجر من أمور سلبية و فوضوية و كراهية الذات و الأخر, حيال ممارستهم لمثل هذا العمل المقيت, الذي يدعو إلى التفتيت و الهروب بالبلد إلى زاوية الانطوانية, بمعنى يمكن للمتشبثين برواية انتمائهم العروبي العيش لوحدهم, و أن الداعين للاعتراف بأمازيغية الجزائر بدورهم أيضاً العيش لوحدهم دون العرب. و قد جاء شعار " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ", ليعري هذه الثقافة المغروسة في ألبابنا و قلوبنا, و لا أدري كيف و لماذا؟, لكن الشيء المؤكد, أن وراء هذه التظاهرة الباهضة الثمن " أكثر من 700 مليار يتم صرفه على التظاهرة, لغرس ذهنية الكراهية بين الجزائريين ", خلفيات سياسية بحتة من طرف النظام الحالي, كارهة لعوامل التلاحم و الترابط بين الجزائريين, و قدرة في التلاعب بمصير الوطن و شعبه الأبي, فلا غرابة أن نسمع اليوم, بأن النظام السياسي الجزائري يرفض الاعتراف بأصله و نسبه, و يبرهن في كل وقت عن عنصريته و جهويته و نميمته اللغوية تجاه كل ما يرمز للتراث الأمازيغي, فمنذ القدم و الجزائر ضحية هذه الممارسات التطرفية, و أن قضية اللغة الأمازيغية كانت دائماً محل صراع خبيث و ملف سياسوي بامتياز, و على هذا من الطبيعي المزعج لذوي التوجه السياسي الوطني رؤية شعب الجزائر منقسم إلى شطرين متصارعين, لا يلتقيان في السياسة و الهوية و اللغة, و يتبادلان قُبل الوطنية في حالة واحدة فقط, ألا و هي, في حالة ذعر الأجنبي و في كرة القدم.
و من الطبيعي جداً أن يتمرد هؤلاء الرافضين لتدشين قسنطينة عاصمة الثقافة العربية على جميع أخلاقيات الوطنية, و ثم التعدي عليها, و ذلك بظهور جماعة المطالبين بالاستقلال الذاتي و الانفصال الكلي عن الوطن, كحال حركة "الماك" الانفصالية التي يتزعمها المغني و السياسي القبائلي فرحاث مهني, و الخطير في القضية, أن هكذا ممارسات يدفع بمختلف الشرائح الأخرى المنتشرة في الجزائر من المزابيين و الشاويين و الترقيين و الشالحيين و آخرون إلى التمرد المباشر على النظام المركزي الشمولي, يطالبونه بحصتهم من الاستقلال الذاتي, و تبقى الجزائر بلد مليون و نصف مليون شهيد معرضة للزوال, و منقسمة إلى دويلات صغيرة بلا روح و لا تاريخ و لا نفوذ إقليمي أو دولي...
و أعتقد أن مشكلة الهوية في الجزائر, بقدر ما هي سبب معاناتنا الأولى و عقدة بمليون رأس تنين, و بحاجة إلى توقيت زمني مصحوب بإرادة سياسية جادة لمعالجتها, و ذلك عبر المختصين و المؤرخين و المدمنين على دراسة التاريخ, بشرط أن تنحصر مهمتهم في معالجة جوهر الخلل و الأزمة بمعايير سامية و حيادية و منطقية, بقدر ما هي مشكلة مصيرية و سهلة لفك رموزها و حلّها للأبد, و لكن كما سبق و أن قلت, هذا التماطل المتعمد من طرف النظام الجزائري سبب بقاء الجرح في حالة مزرية و بلا علاج, و إن عرف السبب بطل العجب, فالأنظمة الديكتاتورية في العالم, و خاصة العالم العربي, تستغل عامل الهوية لبسط نفوذها, و دعم نظرياتها القمعية, و هكذا أنظمة معروفة برفضها لمبدأ تقرير المصير, فهي تجد من هذا المبدأ بداية زوالها و اضمحلالها الحتمي.
لو كانت الدولة الجزائرية في قمة الذكاء و الإجماع الوطني, لساهمت عبر هذا الغلاف المالي الضخم " 700 مليار " المخصص لدعم هذه التظاهرة, و في زمن تطبيق سياسة التقشف, في دعم الجيل الصاعد من الكتاب الشباب, و بناء معاهد تكوينية و تربوية في كل ولاية, أو مصانع بل الجوامع التي يتكفل بها المواطن البسيط في بنائها, أو خلق مناصب شغل دائمة للعاطلين عن العمل من الحاملين للشهادات الجامعية .. لكان الأمر جميلاً و قراراً سياسياً سيادياً سيحسب له ألف حساب من طرف الجزائريين, فلو أرادت فعلاً دولتنا و فخامته الاحتفال بالتراث الثقافي الذي تزخر به الجزائر, و التشهير به, لقامت بتغيير شعار التظاهرة من قسنطينة عاصمة الثقافة العربية إلى قسنطينة عاصمة الثقافة الجزائرية, و هكذا تكتمل الوطنية و تذوب العنصرية و تتبخر الانفصالية, و حينها فقط يجسر الشعب الجزائري بمختلف شواربه و ألوانه و انتماءاته احتضان هذا المشروع بصدور رحبة و مطمئنة. و لكن نظامنا لا يفكر بمنطق الإجماع و التوافق الوطني بقدر ما يفكر بمنطق القبيلة و الدشرة و القومية.
قسنطينة ليست هدية للعرب.. هكذا سمعت يقولون, و هكذا يكتبون:
"رغم أننا لا نهتم بالأحداث التافهة التي ينتهي ذكرها بانتهائها ، نريد فقط فتح قوس و التعقيب على تلك التظاهرة التافهة المسماة جهلا و عارا بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية !!
لقد لاحظتم أنهم همشوا اسم سيرتا و كرسوا اسم قسنطينة باتخاذهم حرف القاف شعار لهم ( أول حرف من قسنطينة) ثم كان من الأجدر أن تستبدل الجزائر المستقلة تسمية قسنطينة بسيرتا كما فعلت مع كل المدن و الشوارع و غيرها التي حملت تسميات استعمارية .
لعلمكم تسمية قسنطينة مشتقة من اسم الإمبراطور المسيحي الروماني قسطنطين و هو أول إمبراطور روماني قام بترسيم المسيحية كدين رسمي للإمبراطورية الرومانية بين سنة 313 م و 380م ، و هو الذي أعاد بناء مدينة سيرتا بعد غزوها من طرف روما و بهذا تحول اسم سيرتا لاسم المحتل الجديد قسطنطين ( تنطق هكذا باللاتينية ) أو قسنطينة "نطق معرب".
أما أصل تسمية سيرتا ( نطق معرب) فهو مشتق من "تسيرت" أي "الطاحونة" ، لأن سيرتا أو قسنطينة عبارة على صخرة تتوسط أراضي فلاحية كانت في قديم الزمان تستغل لزراعة القمح و بعد الحصاد يؤخذ و يجمع ذلك القمح في تلك الصخرة مكان تواجد تسيرت أو الطاحونة ( أو المطاحن) ثم جاء عصر الشراكة البونيقية بين الأمازيغ و الفينيقيين ، فأسسوا مدينة سيرتا و بونة و القل و غيرها، المعادلة كانت بسيطة : الأمازيغي يفلح و ينتج و الفينيقي يسوق و يصدر المنتوج لكن هذه العلاقة ساءت و انتهت بثورة ماسينيسا ضد الفينيقيين بمساعدة روما التي كانت دولة صديقة في البداية لأن الفينيقيين فرقوا و أثاروا فتنة بين ماسينيسا ملك نوميديا الشرقية و سيفاكس ملك نوميديا الغربية بعدما زوجوا الأميرة الفينيقية صوفنزيب الموعودة لماسينيسا للملك سيفاكس .
المهم من قال قسنطينة عاصمة الثقافة العربية فقد كرس الثقافة الاستعمارية المسيحية الرومانية و الغزو البدوي العربي، و عليه إذا أن يقبل اسم دولة إسرائيل مكان اسم فلسطين مثلا ، فلا سيرتا أو تسيرت اسمها قسنطينة و لا تاريخ و ثقافة الأمازيغ جاء من جزيرة العرب .و يا ليتهم صرفوا تلك الأموال الضخمة لصالح شعب تلك المدينة العتيقة...
بقلم: فريد بوشن.
#بوشن_فريد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟