|
لغة الضاد.. / / بنعيسى احسينات
بنعيسى احسينات
الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 22:00
المحور:
الادب والفن
لغة الضاد..
(مكانة اللغة العربية في الوطن العربي)
بنعيسى احسينات
هي لغة أهل قريش، تتحدث بالعربية الفصيحة.. منذ قرون خلت، في فجاج رحاب الجزيرة العربية.. إنها لغة القرآن والتوحيد، لغة الرسالة المحمدية..
لغة الضاد اليوم، تشتكي من مكانتها الحالية.. من تهميش مخز، وتحريف نحو اللغات المحلية.. من المصرية واللبنانية، والعراقية والفلسطينية.. إلى الحجازية والشامية، والمغاربية والخليجية.. العرب أمة نكن العداء للثقافة، لا نقرأ إلا بالضرورة.. لم تعد تستمتع حقيقة، بنقاوة اللغة الفصيحة.. لا في الحديث والنقاش، ولا في الدرس والكتابة.. لغة لم تنل حقها، إنصافا، في المجالات العلمية.. ولم تنل حضها بالفعل، في المحادثة السليمة.. لقد وُصفتْ علنا، بالسقيمة العقيمة المتخلفة.. وهي عدلا، من كل هذا وذاك بريئة كل البراءة.. لكن لا تزال محتفظة، بامتيازات صفاتها العرقية.. سبقت الإسلام، وتحتويه اليوم لتأكيد القومية.. اعتنقها أهل شمال إفريقيا، برضا جُل الساكنة.. باسم الفتح الإسلامي، باسم لغة أهل الجنة.. وفُرضتْ حقا عليهم لا كلغة، بل كانتماء للعروبة.. وتم التهميش والتعنيف، قهرا، للغتهم الأصلية.. واغْتُصبُوا، كرها، في هويتهم الإفريقية الأمزيغية.. والعربية كلغة، نعرفها بالحروف والرموز المتميزة.. تعبر عن لسان أهلها القاطنين بالمنطقة العربية.. نزل القرآن الكريم بها، لتبليغ الدعوة الإسلامية..
فما تعيشه لغة الضاد اليوم من تأخر، ليس بسببها.. فالعيب ليس فيها، بل العيب كل العيب في ذويها.. بل في ناطقيها، إن لم نقل في مستعملي حروفها.. نحن لا ننتظر من اللغة أن تبيض لنا ذهبا من ذاتها.. ولا ننتظر أن تنتج لنا من نفسها، فكرا وأدبا كغيرها.. لا ننتظر منها أن تخرجنا من تخلف من تلقاء نفسها.. ولا ننتظر منها أن تكون لغة علوم خارج إرادة أهلها.. فهي اليوم نتاج تخلف عقلية، وأمزجة جُل أصحابها.. فمظاهر تخلفها المتنامي، تتجاوز تعْدَادَا حروفها.. في التركيبة المتناقضة، لعقلية المدافعين عنها.. من عصر الانحطاط، إلى يومنا هذا من تاريخها.. فمن مظاهر تخلفها؛ طغيان الأنانية وحب الذات.. وبث الدسائس، ونشر المقالب بالمئات المئات.. وتفريخ التعصب والتطرف، وإذكاء نيران النعرات.. عقلية تسيطر عليها الخرافة، باسم المقدسات.. تؤمن باسم التدين المنغلق، المكرس بالغيبيات.. بقدرية تستكين للخمول، والاتكال بالتوسلات. عقلية مُسْرفَةٌ، يتحكم فيها عشق المال بجلاء.. تَصْرفُه على البذخ واللهو والجنس، بكل سخاء.. كأولوية حيوية، من أجل تحقيق تحسين البقاء.. وتأبى أن تصرفه في العلم، والمعرفة بكل ذكاء. عقلية ترى في المرأة بضاعة ووسيلة للإذلال.. تلفها بمئزر أسود، لتحْجبَها عن نظرات الأنذال.. دورها حقا أن تكون في خدمة سادتها الرجال.. وأن يقضوا فيها طرا، مآربهم الرديئة بالاستعجال.. عقلية أنانية مستبدة، متسلطة بمكر الارتجال.. عقلية ترفع سيفها ظلما، في وجه حرية التعبير.. ولا تؤمن بالاختلاف الساطع، ولا بمنطق التفكير.. تحول دون بلورة فكر خلاق، الجدير حقا بالتقدير.. عقلية تجمع بين الشيء ونقيضه في فص التنظير..
تبقى العربية جزما، لغة غنية بليغة جميلة بالأصالة.. لكن جعلوا منها قصرا، حمالة لأوجه وترادف للعبارة.. لم يجعلوها في تفكيرهم حقا، ناقلة العلم والمعرفة.. وتبقى عبر الزمان، نفس الطبعة الناقصة المتجمدة.. تتكرر أبدا باستمرار، عبر كل العصور الغابرة والآتية.. تستنسخ نماذجَ من الأموية والعباسية والفاطمية.. بالأمس، كان أهلها سباقين للعلم، بين كل الأقوام.. فلولا سد باب الاجتهاد، والدفع بالجمود إلى الأمام.. ولولا جشع العرب في الأندلس والعراق وبلاد الشام.. لرُفعتْ عاليا، رايةُ الإسلام والعلم في كل بقاع العالم.. ولَمَا تقدمَ الغربُ اليوم، وتخلف العرب جورا، بين الأمم.. ما أشبه الحاضر بالأمس، لدى كاتمي الحس والأنفاس !! اللوم ليس فقط على الماسكين بالسلطة في الأساس.. اللوم على أهل الفكر والنظر، أصحاب القلم والقرطاس.. فما زلنا نستهلك معارف قديمة، على أنها بنات الأمس.. تلك كانت حالة الماضي، وهي حالة اليوم ببصمة النحس..
من شرور الأمور، أن نحمل اللغة خطيئة أهلها بالجملة.. ولا يكفي اعتبارها، قدرا، لغة القرآن ولغة أهل الجنة.. لتكبيل الإرادة، حتى لا ترقى إلى مصاف اللغات الحية.. ربطوها بالسماء، وقطعوا صلتها بالبسيطة والصيرورة.. إذ ليس للعرب اليوم ما يقدمونه حقا من علم ومعرفة.. حتى لتَفْخَرَ ولتتباهَى ولتعْتَز به لغة الضاد، بفخر وأنفة.. لقد حنطوها أصلا في المعلقات العشر، وقيم الجهالة.. اختزلوها في الكسب والغزل، والتفاخر بشرف القبيلة.. حصروها دينا، في القرآن والحديث، والفقه والشريعة.. لقد ورطوها كلغة، في السباب والتهكم، وفنون البكاء.. وتفننوا في إبداع لغة منحطة، لنشر الفواحش النكراء.. في أوصاف ما ظهرَ وما خفيَ، عند الجواري والنساء1.. لا ننسى اعترافا، مساهمة الأدباء والفلاسفة والعلماء.. رفعوا من شأنَ وهمة لغة الضاد، عبر العصور بكل نقاء.. نتباهى بماض مجيد، نتغنى به في كل صباح ومساء.. فعصر الأنوار خلفنا، نحيا على استحضاره طوال البقاء.. لقد كنا في القديم وسيطا نشيطا، في نقل المعرفة.. بالترجمة بين اليونان والعرب، وبين الحضارة الغربية.. اسألوا ابن رشد، عن شروحه للفلسفة الأرسطية.. وحينما آلت الأندلسُ إلى العرب، بفعل حد السلاح.. انشغلوا بالأنغام، بالألحان، بالرقص، بليالي الملاح.. انشغلوا في الخلافات الطائفية، وفي قراع الأقداح.. كم هو مخز، أن تبقى أبدا حبيس ماض بين الأنام.. وتتغنى به مستسلما، كأنه لا يتغير على الدوام.. والحاضر المر شاهد على التخلف، مع مرور الأيام.. تفتقت قريحة العرب الفذة، على اختراع رقم الصفر.. وكان لهم السبق في ذلك، وتخلفوا عن إتمام الأمر.. استفاد منه الآخرون، وحققوا تقدما ونصرا تلو النصر.. أصبح الصفر اليوم مركزَهم المتميز في هذا العصر.. بل توج البعض به هاماتهم، متباهين بالأصل الأصيل.. فتحولوا إلى أمراء وسلاطين، ينعمون بصفة التبجيل.. بفضل نعمة الذهب الأسود، والغاز الطبيعي المُسال..
لقد أهينت اللغة العربية من أهاليها، بالحجة والدليل.. بسبب عقمهم وتخلفهم، وتَخَليهم عن التفكير البديل.. ذنبها أنها وقعت في أَيْد مَنْ أساء إليها بفعل التجهيل.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- ما كتبه الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك إلى عامله على إفريقية آنذاك : "أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين لما رأى ما كان يبعث به موسى بن نصير إلى الملك بن مروان رحمه الله تعالى، أراد مثله منك، وعندك من الجواري البربريات المالئات للأعين الآخذات للقلوب ما هو معوز لنا بالشام وما والاه. فتلطف في الانتقاء، وتوخ أنيق الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل، وسبوطة العصب، وجدالة الأسؤق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام" .
#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعبة الانتخابات.. (سبع قصائد بعنوان واحد) بنعيسى احسينات - ا
...
-
مارد الإرهاب.. / بنعيسى احسينات
-
ما بعد الربيع العربي.. بنعيسى احسينات - المغرب
-
قصيدة: سباعيات امرأة نكدية.. / بنعيسى احسينات
-
مارد الإرهاب.. / بنعيسى احسينات
-
ما بعد الربيع العربي.. / بنعيسى احسينات - المغرب
-
غزة تستغيث.. (قصيدة قديمة بعنوان جديد)
-
وضعية اللغة العربية الفصحى أمام اللهجات المحلية في العالم ال
...
-
العلم المغربي واستعمالاته السيئة: وجهة نظر نقدية.. / ذ. بنعي
...
-
سيدة السيدات.. / بنعيسى احسينات - المغرب
-
أسئلة حول النظافة والأمن وما بينهما بالخميسات.. / أبو أمل
-
من فظلكم، دعوني وشأني.. / بنعيسى احسينات (المغرب)
-
وداعا (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب)
-
الإنسان والبحر (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب
...
-
قمر الحفلة (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب)
-
شهور السنة (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب)
-
ألوان.. (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب)
-
بعد فصل الشتاء.. (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغ
...
-
لماذا البكاء أيها الطفل؟ (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسين
...
-
شمس الصيف (قصيدة مترجمة) / ترجمة بنعيسى احسينات (المغرب)
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|