|
هروب المثقف في العراق
محمد حسام الرشدي
الحوار المتمدن-العدد: 4778 - 2015 / 4 / 15 - 15:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ثلث العراق محتل من قبل أعداء الحياة، المستوى المعيشي للمواطن العراقي هو الأسوأ منذ سقوط الدكتاتورية، البطالة في أعلى مستوياتها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، أكثر من مليوني نازح يعانون ظروف مأساوية، لا يوجد زراعة، لا يوجد صناعة، مستوى تعليمي صار يهبط بسرعة تعادل سرعة هبوط أسعار النفط - الذي يعتمد العراق بشكل كامل عليه..
-;-في مثل هذا الوضع ماذا يشغل بال العراقيين -أو المثقف في العراق بالتحديد؟ الجواب واضح: عاصفة الحزم، الاتفاق النووي الإيراني، نمر النمر، ثورة البحرين، وقبل الجميع مؤخرة كيم كارداشيان.. ماذا نسمي مثل هذا الوضع؟ استحمار؟!! هل هذا ما كان يقصده علي شريعي عندما طرح فكرة “النباهة والاستحمار”؟ لنرى ما هو مفهوم الاستحمار عند شريعتي أولاً..
-;-يقول: “فمعنى الإستحمار إذاً في تزييف ذهن الإنسان، ونباهته وشعوره، وتغيير مساره عن النباهة الفردية والاجتماعية”، ولإيضاح الفكرة أكثر يضيف: “عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن. فكيف لو كانت دعوته إلى عمل آخر أقل شأناً؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، ما هو إلا استحمار، وإن كان عملًا مقدساً أو غير مقدس”. ويميز شريعتي بين نوعين من الاستحمار فيقول: “الاستحمار نوعان؛ استحمار مباشر وغير مباشر. المباشر منه عبارة عن تحريك الأذهان إلى الجهل والغفلة، أو سوق الأذهان إلى الضلال. أما غير المباشر منه فهو عبارة عن إلهاء الأذهان بالحقوق الجزئية البسيطة اللافورية لتنشغل عن المطالبة أو التفكير بالحقوق الأساسية والحياتية الكبيرة والفورية”. يبدو لي أن عبد الرزاق الجبران قد استلهم من أستاذهِ شريعتي هذهِ الفكرة حين قال في جمهورية النبي: “إن أهم لحظة تراودنا، هي لحظة اكتشاف الحقيقة؟، حتى ولو اكتشفت إنك حمار.!”. نعم أنها أهم لحظة، لحظة اكتشاف الحقيقة، ولكن كيف لنُخب تعتاش على موائد المستحمرين أن تكتشف حموريتها؟ هنا تكمن المشكلة.. وليست المشكلة أن الكثير من نخبنا مرتزقة لمن يستحمرونهم، بل المشكلة الأكبر أنهم مخدرين، بل مسحورين إلى درجة أنهم ينظرون إلى المرآة فلا يرون أذانهم وهي تطول كل يوم.. لنحاول البحث عن أصل المشكلة، لماذا هذا الاستحمار - لنسميه هروب المثقف من واقعه؟ لماذا نرى المثقف العراقي “يدافع عن كل قضايا الكون ويهرب من وجه قضيتهِ..”؟ هناك أسباب عديدة: قد يكون أهماها تحول العالم -بفضل التكنلوجيا الحديثة- إلى قرية صغيرة، فالعراقي اليوم يعيش مع السوري والمصري والإيراني والهندي في فضاء -أفترضي واحد، مما يجعله طرفاً في نقاشات وجدالات كان بعيداً عنها في وقتٍ مضى. ولكن السؤال يبقى مطروحاً: لماذا حازت قضايا هذهِ الشعوب على اهتمامهِ أكثر من قضيةِ وطنهِ؟ قد نتفق أن دخول المثقف إلى الفضاء الافتراضي قد جعلهُ أقرب إلى الشعوب الأخرى -وهذا جيد- ولكن بماذا نبرر ابتعاده قضاياه المركزية؟ هل السبب يعود للإعلام الموجه الذي يفرض على الناس قناعاتهم؟ ولكن ما يميز المثقف -غالباً- هو مقدرته على التفاعل من غير التأثر بالمعطيات، نحن قد نغفر للإنسان البسيط انجراره خلف الإعلام، ولكن لماذا نغفر للمثقف؟ وهناك نقطة أخرى، فالأعلام -وإن كان بشكل نسبي- يدار من نفس النخب التي نتناولها، فكأنهم يحشرون أنفسهم بهذهِ الخانة.. فهل يا ترى يجبرهم الممولين على السير بهذا المسار؟! -احتمال قائم، رغم الملاحظ أن حماستهم أكثر من مجرد كونهم تجار يرتزقون من مواقفهم.. قد يكون للعصبيات الطائفية دور مهم، فأن أكون من الطائفة (س) فهذا يعني أن أتبنا موقفاً ينسجم مع قناعات زعماء هذهِ الطائفة ، أما أن أكون من الطائفة (ش) فموقفي سيكون معادي لكل ما يتبناه الأخر المنتمي للطائفة الأولى (س). لا أنكر أن الكثيرين يتعاملون مع الواقع بهذهِ السطحية، ولكن يبقى السؤال لماذا الهرب إلى حلبات أخرى؟ لماذا الاهتمام بالمسألة الطائفية في لبنان -مثلاً- بوقت يعيش فيه العراق حرب الثلاثين عام بنسختها الشرق أوسطية؟ هناك فرضية أرشح أن يكون لها دور بهذا الهروب، وهي حالة اليأس من الوضع العراقي. فكأن المثقف العراقي لا يجد ما يغريه في المشهد الوطني فاختار الهروب إلى أماكن أخرى، وهو بهذا كالطفل الذي أتعبته أحجية فقرر أن يرميها وينسى وجودها لأنه تذكره بعجزه وضعفهِ وخيبته. طبعاً أنا هنا لا أنكر العوامل الأخرى، مثل تأثير العولمة، والسعار الطائفي المستشري في المنطقة، وإرادة الأقوياء، ولكن بينها تبقى سوداوية الوضع في العراق لها المكانة الأبرز بين قائمة الأسباب التي جعلت المثقف العراقي يهرب من واقعه، هذهِ السواداوية التي قد تكون أخطر ما يمر في العراق، وهي التحدي الأصعب الذي على المثقفين تجاوزه. فهل ينجحون؟ أتمنى هذا..
#محمد_حسام_الرشدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الباقي العمري أيقونة الموصل
-
هذيان عراقي
-
المُغيبون
-
وداعاً يا غابيتو
-
بعد عشرة سنواتٍ من الفشل الدولة المدنية هي البديل
-
الإسلاميين والعلمانيين ومستقبل العراق السياسي
-
فاوست يبيع نفسه من جديد..
-
يوتيوبيا حمودي
-
الغريب: نبيٌ وملعون
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|