كمال محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4778 - 2015 / 4 / 15 - 14:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
( لتصفية الشعوب, يُبدأ بانتزاع ذاكرتها. وتتلف كتبها , وثقافتها و تاريخها . فيكتب لها حينئذ كتباً أخرى, ويعطها ثقافة أخرى, ويبتكر لها تاريخاً مغايراً. وبعدئذ تنسى الشعوب شيئاً فشياً ما هي عليه وما كانته. وينساها بسرعة أكبر العالم الذي يحيط بها ) ميلان كونديرا
النظرية الجهمية
رغم سلبية و رجعية , جهم بن صفوان , في موقفه من قضية حرية اختيار الانسان . في قوله ( أن الانسان لا يقدر على شيء , ولا يوصف بالاستطاعة و أنما هو مجبور في أفعاله, لا قدره له ولا ارادة والاختيار ). ولكن هناك افكار اخرى لجهم يضع فيه حكم العقل وضعاً جديدا في التفكير الاسلامي بالقياس الى زمنه منها :
أصل نظرية جهم ( أن الله , ذات , ) فهو يقول ( ان الله لا شيء وما من شيء ولا في شيء وان الله لا يقع علية صفة و لا معرفة شىء , فوقعوا عليه اسم الالوهية و لا يصفونه بصفة تقع عليها الالوهية ) . الملطي . ويتضح من هذا الكلام عن جهم , أنه ينفي عن القرآن. صفة تعني تشبيهه بالمخلوقات وهو ينفي عن الله صفة ( الكلام) وبذلك توصل الى القول بان القرآن مخلوق , أي حادث وليس قديماً ازلياً . وبذلك يكون قد سبق المعتزلة في القول بخلق القرآن .
يرى جهم ( الجنة و النار ) تنقطع وتفنيان بعد دخول أهلها فيها , نلحظ هنا الموقف العقلي و الفلسفي الصرف , فهو ينفي أزلية الحركة الذي يؤدي حتماً الى نفي أبديتها وبذلك يتضح مثالية النظرية التي يتبع . فهو يقول ( أما جنة أدم التي ذكرتها الكتب الدينية فقد خلقها و أفناها وبذلك يثبت جهم أن الجنة ليست أزلية ) .
أما بخصوص مسالة الحسن و القبح العقليين . يرى جهم ( أن العقل يمكنه أن يكشف ما في الاشياء و السلوك من صلاح او فساد , فيوجب العمل بما هو صالح فالعقل بحد ذاته يدرك ذلك ويفعله بمفرده قبل ( السمع ) أي قبل ان يسمع ما يأتي به الأنبياء و الرسل .
تتفق أغلب الفرق الدينية بإمكانية رؤية الله في العالم الأخروي و موقف جهم واضح كما ذكرنا سابقا , من أن الله ( ليس شيئا ) فليس تنطبق عليه أذن قاعدة ( كل ما هو موجود يمكن رؤيته ) كما تدعي الفرق الدينية .
وبخصوص مسألة علم الله , يكون جهم وقع في مشكلة , عندما كان العلم صفة وهو نفى الصفات عن الله , ولكي يحل هذا الاشكال فختار جهم أن يقول ( لا لأزلية علم الله ) . ويقول الشهرستاني أن جهماً , يحل هذا الاشكال بما يلي ( أن علم لله حادث لا قديم , وأن هذا العلم الالًهي لا محل له , وأنه ليس علما كليا واحداً شاملاً وإنما هو علم بالجزئيات, فهو متعدد اذن بقدر تعدد الجزيئات أي الموجودات ) وبهذا يكون جهم قد سبق كل من المعتزلة والأشاعرة في مسالة علم الكلام .
الاعتزال والمعتزلة
عَرف الاعتزال في تاريخ الصراع السياسي الاجتماعي الفكري في الاسلام قبل نشوء هذه الجماعة . والاعتزال عرف في المجتمع الاسلامي بأكثر من نصف قرن , وهذا المصطلح السياسي والفكري عرفة الاسلام , عندما اطلقت على نفر من الصحابة اتخذوا موقف الحياد من حرب الجمل 656 م , بين علي بن ابي طالب من جهة وطلحة والزبير و عائشة , والحال نفسة عندما اتخذت بعض الصحابة القدماء موقف الحياد من حرب صفين بين علي و معاوية 658 م , ووصفوا هؤلاء المحايدين أنهم ( اعتزلوا) عن علي و معاوية ( الطبري ) .
ظهرت المعتزلة , في نهاية القرن الاول الهجري وأواخر القرن السابع للميلاد , بصيغته المتكاملة في اواخر عهد الاموي . يرى أحمد أمين , هنالك خط تاريخي يصل بين المعتزلة الاولى و الثانية , اذ يرى في المسائل التي يدور عليها القتال في ( حرب الجمل و صفين ) هي مسائل سياسية تدور حول محور واحد هو قتل عثمان و القصاص منهم , بعبارة أخرى انقسام المجتمع الى أحزاب سياسية ذات صبغة دينية . ( فجر الاسلام )
كما هو معروف أن سبب ظهور المعتزلة كمذهب , هو الخلاف الفكري في مسالة ( مرتكب الكبيرة ) بين حسن البصري و تلميذه واصل بن عطاء , هل هو كافر أم مؤمن ؟ . وكان رأي الحسن البصري ,أنه منافق , وهذا يعني أن مرتكب الكبيرة ليس مكتمل الأيمان وهو بالتالي يستحق ما يستحقه الغير مؤمن من الجزاء في الأخرة . في حين يرى واصل بن عطاء , انه فاسق , أنه مؤمن من حيث الاعتقاد ولكنه يعطل أحكام الشريعة من حيث العمل بارتكابه الكبيرة . ولكن ما جزاؤه في الأخرة , هنا تظهر صيغة جديدة , صيغة التي أوجدها واصل ( منزلة بين المنزلتين ), فليس هو أذن بالمؤمن ولا بالكافر .
حدده واصل مكان الوسط للمعتزلة بين الطائفتين ( الخوارج و المرجئة ) الرئيستين في هذه المسألة, كانت الأولى قد حكمت على مرتكب الكبيرة, بأنه كافر و الثانية قد حكموا له, بأنه مؤمن. علما أن الخوارج يعتقدون ( الايمان قائما على ركنين متلازمين الاعتقاد والعمل معا ).
والمرجئة ( الأيمان مجرد الاعتقاد الداخلي ولم يعدوا الاقرار باللسان والعمل جزءاً من الايمان ) . وفيما تقدم نرى أن الاعتزال الاول وظهور المعتزلة ( كمذهب ) هي امتداد للمساْلة ذاتها ( مقتل عثمان ووقعة الجمل وحرب صفين ) وتدور القضية حول نفس الأشخاص ويتفق كل من ( أحمد أمين و حسن مروة ) أن الثاني امتداد الى الاول . ويوضح أحمد أمين , هذه المساْلة وان كانت في الظاهر ها مساْلة دينية بحتة , الا أن في أعماقها شيئاً سياسيا خطيراً .
وهنالك كذلك رؤية الى الباحثين ( حنا الفاخوري وخليل الجر ) , أن أصل المعتزلة , أصل سياسي , فقد نشأت في الجو الذي نشأت فيه الشيعة والخوارج وخلافة علي بن ابي طالب نقطة الانطلاق لأهم التيارات السياسية والفكرية في الاسلام , أن لم نقل لجميعها .
المبادئ الاساسية لمذهب المعتزلة والاصول الخمسة
التوحيد : العدل : الوعد و الوعيد : المنزلة بين المنزلتين : و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والذين كتبوا عن الفرق الاسلامية القدماء منهم يقسمون المعتزلة الى عدة طوائف أو فرق وغالبا على أساس كبار مفكري المعتزلة مثل الواصلية والنظامية وأخرون على اساس المدن ( معتزلة البصرة معتزلة بغداد ) والمؤرخ الملطي , عدهم عشرون فرقة . يتبع بقسم اخر
المصادر
فجر الاسلام ( أحمد أمين )
الأشعري ( مقالات الاسلاميين)
الشهرستاني ( الملل ج1 )
حسين مروة ( النزعات المادية )
#كمال_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟