أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - 2- ضد الحرب وحتى العادلة















المزيد.....

2- ضد الحرب وحتى العادلة


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


2- ضد الحرب وحتى العادلة
وليدي الأول والموقف من الحرب
نشرت بوست حول ما يجري من سعار طائفي وقتال مليشيات قلت أنا صد أي حرب وحتى العادلة، هنا موقفي الواضح من اول مجموعة صدرت لي والتي أسميها ولدي الأول -رؤيا اليقين- سبع قصص قصيرة صدرت عن دار الكنوز الأدبية -بيروت- بعد ان رفضها الرقيب السوري. ويعرف كل كاتب مدى قلق ردة فعل الوسط الثقافي على كتابه الأول. فالقصص التي أخترتها محلية، لا بل شديدة المحلية تتحدث عن مأزق الإنسان في تجربة الكفاح المسلح في كردستان 1980-1988. فكان الصدى مشجعا فعرفت أني أخطو على المسار الصحيح، هنا مقال راسم المدهون الذي نشر في الحياة بتاريخ 8-12-1994 وهذا التاريخ يوم ميلادي:
-رؤيا اليقين- للعراقي سلام إبراهيم
محنة القصص في المنافي... محنة البشر العاديين
قصص المنفى العراقية، تعيش في أغلب نماذجها مناخات سياسية، أنها بمعنى ما، حكايات الصراع بين الناس والسلطة، وما ينحدر من ميادين هذا الصراع من ألوان القمع والعذاب، التي تبدو في كثير من الأحيان، ضرباً من كوابيس سوداء، تقارب حقائقها الأوهام، حتى تكاد تتبادل معها المواقع، في لعبة دامية تجعل من الكتابة بدورها، تصطبغ بما يشبع العبث المخيف، كوميديا الموت وتراجيديا الفكاهة.. حيث البشر يصدق في وصف حالتهم قول دانتي الشهير في كوميدياه، بشر لا يموتون، ولا يحيون.
الكاتب العراقي سلام إبراهيم يقدم مجموعة من القصص القصيرة تنتمي إلى هذه الأجواء، وتحاول التعبير عن بعض تلاوينها وخطوطها المحفورة بسكين من نار في الروح والأعصاب. ففي مجموعته القصصية "رؤيا اليقين" (دار الكنوز الأدبية ـ بيروت 1994)، قصص تأتي من كوابيس الحرب بمراحلها المختلفة، الحرب العراقية ـ الإيرانية مرة، والحرب الأخرى التي اشتعلت ولم تتوقف بين السلطة من جهة والناس من جهة أخرى... الحرب الأقسى، والتي أخذ فيها الموت يجوب الشوارع في المدن، والأزقة والطرقات الضيقة في المدن الجبلية، والتي ذهب فيها الآلاف ضحايا الغازات السامة.
في قصة بعنوان "المتاهة" يقدم سلام إبراهيم حكاية شاب يفرَّ من الخدمة في الجيش، ويلتحق بفصائل المعارضة في شمال العراق، وهنالك تشتعل الحرب دامية ويضيق الحصار. "المتاهة" ليست قصة عن الحرب، وأن كانت تستمد إيقاع أحداثها من الحرب، أنها قصة الصراع الداخلي الذي يعيشه بطلها، حينما تتنازعة رغبة قوية في مقاومة السلطة، ورغبة أخرى في الحياة، في الخلاص من صراع عبثي لا ينفك يضيق ويهدده بالاختناق، حتى يصل إلى لحظة يقرر فيها الاستسلام.من هذه اللحظة السوداء، التي يصعدها الكاتب لتكون ذروة الحدث القصصي، نجد أنفسنا أمام قصة تلامس الجانب الإنساني في الإنسان، قصة لا تدعي البطولة، ولا تبحث عنها، قدر بحثها عن روح القلق العميق لذلك الرجل البائس الذي يواجه عزلة الموت هنالك في الجبال البعيدة، من دون بيتٍ دافئ، أو صدر أو لقمة هانئة: ( كيف المخرج من كل هذا؟ وإلى مَ تبقى يا داود؟ حال المتسول أفضل من حالك! ستموت جوعاً وبرداً، فالشتاء على الأبواب.. وما أنت!.. سوى قملة تقصعها أصابع السلطة الفولاذية.. أنج بنفسك.. أنج.. تسلل بهدوء.. أترك سلاحك.. وسلم نفسك قبل أن ينتهي موعد العفو.. عد إلى بيت أهلك ودفئه، تخلص من كوابيس نومك.. من خيول مجنونة تسعى لسحقك.. أترك كل شيء.. كل شيء.. أخلد إلى غرفتك ولا تبارحها.. أشبع نوما وخبزا ودفئا ) هذا المسار القصصي المعاكس لما عهدنا في القصص الواقعية ـ خصوصا السياسية ـ أعطى "المتاهة" مذاقاً مختلفاً، جعلها تبتعد قدر الإمكان عن التقريرية الجافة، والشعار البارد، وتقترب كثيرا من داخل بطلها، من وعيه الخاص الذي لا تبوح به كلماته بصورة مباشرة. أنها قصة تهرب من البطولة إلى نقيضها، الانكسار الذي يعيشه بطلها، والذي هو جزء من حالة عامة لا تقصد تبرير جرائم السلطة قدر ما تقصد الإشارة إلى محنة أعداء السلطة، إلى الحياة الضيقة، التي يغزوها الموت في كل لحظة ويهددها بآلات الدمار الشامل وأسلحته المجنونة.
أما في "رؤيا اليقين" فإن الحرب ذاتها، تأتينا من خلال حكاية أخرى، حكاية فتى يتسلل إلى بيته، ويرقب من مكمن من ظلمة البيت أمه، تنتقل بين غرف البيت، حيث تسقي بالماء زهرا على أضرحة، في كل غرفة ضريح، ويسمعها وهي تدعو الله أن يحفظه لها، وهو الوحيد الباقي، من دعائها ومشاهدة القبور، يعرف أن أخوته الآخرين ضحايا للحرب، ولم يبق سواه، بل وذهبت الحرب بأبيه معهم " أنهم يا ولدي أخوتك الثلاثة، وأبوك.. أخذوهم الواحد بعد الآخر قبل خمس سنين.. وتركوني وحيدة.. أتعبني التجوال بين السجون والمعتقلات، شبعت شتماً بذيئاً من رجالٍ غلاظ القلوب، أضنتني الوحدة.. كدت أموت كمداً.. لكنهم نبّعوا كلٍ في غرفته.. وجدتهم ذات ليلة يغطون في سباتٍ عميق".
قصص تحكي عن آخرين، والكاتب يأخذ غالبا دور الراوية، لعل هذا ما يجعل قصصه تأخذ طابع السرد، ولا تحفل كثيراً بالاسترجاع أو الحوار الداخلي، إنها قدر الإمكان تلتزم الحديث عن وقائع جرت لإبطال ما، وهذا الأسلوب يناسب إلى حد بعيد أحداثها وتفاصيلها، فهي قصص ذاكرة طازجة تمنح قارئها صور أحداث جرت في الواقع، وجاء الكاتب ليقدمها من خلال الرؤية الداخلية لأبطال أفراد، ينتمون في الغالب إلى تلك الشرائح المقهورة، التي تقف في المساحة الحرجة بين التمرد على سلطة القمع، وبين الحلم الذي لا يتوقف في حياة أخرى مختلفة، يتحرر فيها الناس من الخوف وهول اللحظة القادمة. ثمة في هذه القصص رؤيا سوداء، تصطفي لحظة الضعف، لا لتدافع عن تلك اللحظة، ولكن لتنطلق منها باعتبارها بقعة ضوء مركزية تكشف وقائع وأحداث، وتقدم صورة بانورامية تنعكس من حوافها، تفاصيل حياة كاملة، حياة تزدحم بظلال الموت، بقدر كبير من التلقائية، وقدر أقل من البحث عن الشكل الفني. يكتب سلام إبراهيم، هذه القصص التي نشعر معها أن البحث عن الشكل الفني ينصب هنا على تكوين القصة بأحداثها وأجوائها، تكوينها كحالة متكاملة تقف الحكاية في قلبها، وتلعب فيها الدور الأبرز والأهم.
وبقدر ما تحكي "رؤيا اليقين"، عن عالم الانكسار والضيق الروحي، تحكي حياة المقاومين، الوجه الآخر لهذه الحياة، فتخاطب بلغة بسيطة ومفعمة بالتأثير، انتباه القارئ إلى لون أخر لم يتعوده، لون من الكتابة غاب طويلاً تحت غبار المعارك النقدية للواقعية بمعناها المتداول. هنا وإذ يجري التخلي عن أدب البطولة أو وهمها ـ لا فرق ـ يجري في الوقت نفسه الدخول إلى المنطقة الشائكة، منطقة الحياة الداخلية للأبطال بكل ما يرتبه هذا الدخول على الكاتب من ضرورات الانحياز أكثر إلى خصوصيات عوالم قلما وطأتها القصة القصيرة، وإن فعلت فإنما في سياقات نفسية واجتماعية، لا علاقة لها بالمسائل الوطنية ذات الصلة بالحرب والسلام.
من أجمل قصص المجموعة قصة "لقد أسكته" وتحكي عن امرأة تحمل رضيعها وتتسلل مع المقاومين في طرقات تنتشر فيها دوريات السلطة، حيث يحبس الجميع أنفاسهم خوفاً من صراخ الطفل وانكشافهم. مأساوية نهاية هذه القصة تجعل منها أنشودة جارحة ضد القمع، فالطفل الذي تضطر أمه إلى إقفال فمه بيدها حتى لا يصرخ، تكتشف بعد زوال الخطر أنه سكت، سكت إلى الأبد!. " مدت ذراعيها بالطفل الساكن دون حراك عليهما إلى المقاتل المصعوق أمامها كخشبة محترقة، وصوتها المكسور بالكاد يسمع من بين شفتيها المرتجفتين، باهتاً مختنقاً، مبحوحاً، مفجوعاً: أنظره.. أنظره.. لقد أسكته.. أسكته".
في "رؤيا اليقين" يقول الكاتب رأيه بالحرب، من خلال استدعاء مسرحها إلى مخيلة القارئ، كاشفاً أمامنا ما يختبئ خلف معارك الجنود من دمار النفس البشرية، ومن تصدع مجتمع تذهب بهالحرب إلى الحدود القصوى للاغتراب الروحي، فتحول ناسه إلى بشرٍ من قش، بشر تعصف بهم أهواء حاكم متسلط، يأخذهم إلى دروب حتفهم، مجللين بالسواد سائرين بقوة الأوامر، على وقع المارشات العسكرية، وهدير الشعارات الطنانة.
ــــــــــــــــــــ
·شاعر وناقد فلسطيني

نص القصة التي أشار إليها الشاعر والناقد راسم المدهون

لقد أسكته

يضفي لون الغسق المعتم كآبةً على قسماتها الجميلة وهي تتعثر بخطاها الواهنة على المسلك المنحدر المغطى بالأحجار الناعمة المدورة كالكرات. ثوبها الطويل يلتف بين ساقيها تارةً ويخط ماسحاً الأحجار تارةً أخرى شاعرةً بإرهاق فرط المسافات الطويلة التي قطعتها صعوداً هبوطاً على الممرات الجبلية الوعرة. رمقت بعينين منطفئتين كحفرتين وجه طفلها المضيء الذي يغفو ليناً بين ذراعيها الكليلتين فاختنقت بعبرتها...
... لم تكد تمضي على زواجها سنة واحدة حتى فُقِدَ زوجها في الجبهة فأقفلت راجعةً إلى بيت أهلها حاملةً طفلاً لم يرَ أباه. ظلتْ تتابع بلهفة قوائم الأسرى المذاعة من إذاعة طهران. أتعبها تشابه الأسماء وَقَطْعَتْ أنفاسها أجهزة التشويش، ولم تمل من الانتظار المديد وحلم سماع خبر آسره، والأيام تطوى نفسها ببطء قاسية، متشابهة، محتشدة بآلام وأحزان الحرب.
رمت بصرها إلى السماء الكابية.. تكاد تنكفئ عليها. الوحشة تغرز أسنانها بروحها القاحلة والصخور المشحوذة، القاطعة السكاكين.. والأفق المجهول.
الشارع المبلط يخترق السهل المنبسط أسفلهم كخيط أسود مختفياً بين تلالٍ بعيدة. مَنّتْ نفسها بلقاء أخيها الذي سيرى أبنها للمرة الأولى. فكرت بأبيها الحزين السائر في ذيل المفرزة واللائذ في صمته.
.. لم يفه بكلمة واحدة عقب صفعه بباحة الدار من قبل رجال الأمن أمام مرأى العائلة. تكورتْ ألماً والتصقت بالجدار، ووجه أبيها تكسر مختنقاً بوجعٍ غاضب وصار داكناً كالبئر. وخيمَ عليه الوجوم كشأنه حينما يستدعونه إلى دائرة المن طالبين منه العودة بأخيها الصغير الذي التحق بثوار الجبل، فيرجع محتقن الوجه، غائر العينين، ويلوذ بكرسيه قرب المدفأة وما ان تسأله أمها حتى ينفجر نافثاً جملته بحقدٍ:
- الكلاب.. الكلاب.. يهددونني بالتهجير!.
وبعد أن يشتم ما طاب له، يستريح وينفرط الغم من ملامحه، ولكن في المرة الأخيرة مختلفة فقد بقى وجهه رمادياً.
الظلامُ أطبقَ غامراً كل الأشياء فتقاربت الأجساد مقلصةً المسافات الفاصلة إلى مترٍ واحد.
... لم يتركوا لها فرصةً لجلب القماشة التي تقّمط بها جسده. دخل من باب البيت المفتوح حشدٌ من رجالٍ قساة الملامح، مدججين بالسلاح، ودفعوهم بأعقاب دفعاً إلى الشارع بملابس النوم وحشروهم في عربة "إيفا" عسكرية مكتظة بالطفال والنساء والعجائز، وانطلقت ناهبةً شوارع المدينة سالكةً الطريق العام. أنزلوهم في طريق ترابي وقالوا:
- لا ترجعوا إلا وأبناءكم معكم!.
السكون يملأ ليل الجبل الحالك الظلام بخدر يبعث على النعاس. أحستْ برغبةٍ عارمةٍ في النوم ونسيان كل ما جرى ويجري لها عندما انتبهت إلى صراخ طفلها ينفجر قوياً ملعلعاً، وهمس مضطرب سمعته قرب أذنيها:
- أسكتيه يا أختي.. نحن نقترب من الشارع والربايا.
على عجلٍ فَلّْتْ زر ثوبها. أخرجت ثديها وألقمتْ حلمته بين شفتيه. مادتْ برأسها الهواجس ودارت مع أسئلة لا تجد لها اجوبة، إلى أين يذهبون؟.. أين سيستقر بعم المقام؟.. وما ستؤول أحواهم؟.. و.. فتلبد ذهنها تاركاً التفكير وضائعاً في الغموض الذي يكفن أيامها القادمة، فجعلت خطواتها كالسائر في نومه.. كتلة من الأحزان التائهة في عتمة ليل الجبل البهيم.
- اصعدي وأسرعي في العبور!.
همس لها المقاتل الذي لم يبتعد عنها لحظة واحدة مذ حلَّ الظلام. ركزت نظرها وثبتت إحدى قدميها على الحافة الزلقة، وتحسستْ بقدمها الأخرى صاعدةً بحذر إلى الجادة المبلطة. هرولت عابرةً رغم الألم الذي أشعل باطن قدميها:
- تلك هي الربيئة.. سيري بهدوء ودون صوت!.
سَمَعتْ شبحاً يهمس لها وهي تهبط على ممر ينزل من الجادة بشكل مائل يفضي إلى منخفض مظلم. رفعتْ بصرها إلى ضوءٍ ضعيفٍ معلقٍ فوق تلٍ يحجب جزءاً من نجوم السماء. زلتْ قدميها، ففقدتْ توازنها، هوت متدحرجةً إلى أسفل. تلقفتها ذراعان قويتان، ساعدتاها على النهوض، بينما مزق الصمت عويل الطفل المتألم. ارتبكت متعثرةً بخطاها وأصوات مخنوقة تردد بذعر وتأتيها من كل ركن في الظلمة المحيطة بها كالجدران.
- أسكتيه.. أسكتيه.. سيقضى علينا!.
بأصابع مجنونة بحثتْ عن ثديها. حشرتْ حلمته بفم الطفل متذكرةً غضب عجوز في القرية التي غادروها عصراً وهي تصيح
- اللعنة على النساء.. اللعنة.. بسببهن فتحت الربيئة النار على مفرزةٍ فأستشهد ثلاثة شبان.. اللعنة عليها لم تسكت بكاء أبنها.
حرك رأسه يمنياً وشمالاً لافظاً الحلمة من فمه، صاراً على أسنانه ومنطلقاً بالصراخ. احتوتْ رأسه الصغير بكفها وأطبقتْ عليه بأحكام محاولةً إدخال الحلمة عنوةً وصوت المرأة العجوز يرنُّ بأذنيها واضحاً موجعاً:
- لا فائدة منهن.. سوى جلب المتاعب للرجال!.
ارتطمت الحلمة بأسنانه المتلاصقة.
... يا إلهي سيبادون بسببي.. أصمتْ أرجوك.. الرحمة يا رب.. الرحمة.
لم تشعر بثقله مثلما أحسته في تلك اللحظات. وَدتْ لو رمته بعيداً.. لو.. وأهتز جسدها تحت ثوبها الفضفاض مطبقةً كفها برخاوة على فمه. مزق الجو المتوتر بالهمس المضطرب صوت إطلاقة أزت مارقة من فوق رؤوسهم يتبعها ذيلٌ أحمر مضيء انطلقت من الربيئة التي أصبحوا تحتها، والهمس صار مسموعاً يفيض بالذعر:
-أسكتيه.. أسكتيه..
ارتعشت يداها المتشنجتان. سحبتْ طفلها غامدةً وجهه بصدرها خانقةً الصراخ الذي لم يعد يسمعه سواها وكأنه يصدر من قعر بئرٍ عميقٍ، ثم أخذ بالخفوت رويدا.. رويدا إلى أن أنقطع تماماً، فعاد الهدوء يطلي كل شيء لا يخدشهُ سوى حفيف أقدامهم وصرير الجنادب المتقطع. عبتْ نفساً عميقاً من نسمات أول الليل الباردة، فشعرتْ بارتياح أعقبه شعورٍ بإنهاك شديد حلَّ مفاصلها.
انحدروا في وادٍ ضيق سالكين ممراً يمتد باستقامة على السفح، يشقون بصمتٍ حلكة الليل وسمائه اللامتناهية، والمرصعة بالنجوم المدلاة كأزهار مضيئة.. لا تدري كم قطعوا حينما رأت على ضوء النجوم الشاحب شبحاً يقترب منها ويسألها بصوتٍ واضح:
- زال الخطر الآن.. كيف حال الطفل؟!.
فَلتْ ذراعيها المطبقتين على جسد طفلها الملتصق بسكينة إلى صدرها. أبعدته قليلاً ناظرة إلى وجهه المشع بياضاً، فانكفأ رأسه إلى الخلف متدلياً رخواً كالعجينة. تسمرتْ بمكانها شاعرةً ببرودةٍ قارصة تنغرز بعظامها وبحركةٍ مجنونة رفعته ملصقةً أذنها على صدره. أنصتت، دق.. دق.. دق.. دقات عالية متلاحقة تركض.. تركض متدفقةً، مالئةً سمعها. قطعت أنفاسها وأرهفتْ مصغيةً ثانيةً. خارت قواها عندما أيقنتْ أن الدقات لم تكن سوى دقات قلبها الفزع. مدتْ ذراعيها بالطفل الساكن دون حراكٍ عليهما إلى المقاتل المصعوق أمامها كخشبةٍ محترقةٍ وصوتها المكسور بالكاد يُسمع من بين شفتيها المرتجفتين، باهتاً، مختنقاً، مبحوحاً مفجوعاً:
- أنظره.. أن.... ظ... ر... ه. لـ.............ق...........د أسكت.......كته.. أ.......... س.. ك... ت...ه.
لولان -أرياف أربيل - 1986



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيران الأخير
- 1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)
- أصدقائي الأدباء 1- شاكرالأنباري
- باب الظلام
- أساتذتي 1- وفاء الزيادي الشيوعي الوديع
- أيها المثقف العراقي لا تزيد سعار الحرب الطائفية العراقية الم ...
- فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-
- قصائد عن تجربة قديمة
- من كافكا إلى غوركي
- كّتاب قادسية صدام 9- جاسم الرصيف
- كتاب قادسية صدام 8- الكتابة المضادة.
- كتاب قادسية صدام 8- بثينة الناصري
- كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
- كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
- كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-
- كتاب قادسية صدام 3- حنون مجيد
- كتاب قادسية صدام 2- وارد بدر السالم
- أدباء قادسية صدام -1- عبد الخالق الركابي
- -مثل طفل يقفز من الرحم إلى العالم. قلب أبيض. عالم أبيض وصرخة ...
- من حصاد زيارتي إلى العراق الشهر الماضي 12-2014 1- حمود الخيا ...


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - 2- ضد الحرب وحتى العادلة