|
هل ظروف العلاقة الزوجيّة اليوم
ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 1328 - 2005 / 9 / 25 - 06:38
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
واضح من عنوان الحديث أن العلاقة الزوجية الآن أصعب بكثير من العلاقة الزوجية من قبل.
ربما لا يوافقنا الرأي بعض المتزوجين في الماضي!.. على كلّ حال، لنرى..
علينا أولاً أن نرى كيف كانت فترة الخطبة منذ أربعين سنة مقارنة بما آلت عليه الآن...
ليست سهلة، في كلا الحالين، إن كانت جديّة وغير سطحيّة، لأنه يوجد أبعاد كثيرة تدخل بالموضوع... النقاش حول الأولاد مستقبلاً، الأوضاع المادية والنفسية والاجتماعية والروحية. ربما نجد ما هو مشترك، وقد لا نجد..
علينا أن نقول أن المكان يؤثر أيضاً... المفهوم عن الزواج في القرية لم يتطور بينما بالمدينة تطور كثيراً... هناك مفاهيم تختلف من بلد إلى آخر..
دعونا نبدأ الحديث عن الخطبة منذ أربعين سنة في حلب. كيف كان وضع البنت، وكيف كان وضع الشاب بشكل ملخص. لا يمكننا أن ندخل كثيراً بالتفاصيل..
نستطيع أن نقول أن البنت الحلبية التي تستعد للخطبة منذ أربعين سنة كانت فتاة مثقفة، تعلّمت بمدارس خاصة... تكوّنت بشكل صحيح... ربما درست في الجامعة.. ربما كان لها وظيفة في المجتمع... ولكنّها كانت خاضعة أكثر لتقاليد اجتماعية وعائليّة... ربما لم تكن مستقلة مثل اليوم... مهما يكن فهدفها من الزواج آنذاك أن تصبح أماً وتكوّن عائلة.
أما الشاب فوضعه منذ أربعين سنة كان بألف خير... كان يوجد، بنوع ما، توازن بين المدخول والمصروف... لم يكن هناك مطاليب شاقّة كالتي اليوم عند الفتيّات والأهل والمجتمع.. كان، بنوع ما، مَلِك... هو أيضاً تعلّم في مدارس خاصة، وربما حصل على شهادة جامعية... ربما يُتقن أو يلمّ بلغة أجنبية... يقرأ أحياناً بالإنكليزي أو بالفرنسي... مثقف... مرتاح بنوع ما، لم يكن يوجد ذاك الهمّ المادي الذي يسيطر على شباب اليوم..
لنرى المسألة اليوم :
إن عدد البنات الآن أكثر بكثير من عدد الشباب... أنا لا أعرف الإحصاءات منذ أربعين سنة، لكنني أظن أنه يوجد بنات نسبياً أكثر بكثير من الشباب.. وذلك بسبب هجرة الكثير من الشباب
* هناك أنواع مختلفة من البنات:
- الفئة الأولى: بنات يردن الزواج بعمر مناسب، وعن حب، كما يرغبن...
- الفئة الثانية: بنات يردن الزواج ولا يهمّ لهنّ مَن يكون الشاب بحدّ ذاته.. المهم فقط هو الزواج والأمومة…
- الفئة الثالثة: بنات يردن الزواج من شباب يأتون من الخارج.. من كندا أو أمريكا أو استراليا.. ولا يهمّهن المفاجآت التي قد تحصل لهن في المهاجر أو مع الشريك…
- الفئة الرابعة: بنات لا يردن الزواج كيفما كان.. ليس ضرورياً أن نتزوج... عندنا وظيفة.. عندنا مال... يوجد في حلب إمكانية أن تعيش البنت لوحدها أو مع أهلها.. "أنا أفضل أن أعيش بلا زوج وبلا أولاد على أن أعيش زواج فاشل"...
- الفئة الخامسة: بنات متطلبات كثيراً... يرغبن الكثير من الخطيب، ثم من الزوج... مثقفات... عندهن شهادات جامعية، ولا يأخذن أي إنسان ولا يطلبن سيارة فقط أو بيت وما إلى ذلك، لكن يطلبن أيضاً علاقة حقيقية مع الرجل على مستوى اجتماعي ونفسي وروحي وليس فقط مادي. وهنَّ يقلن: "إذا لم نجد هيك رجل.. الأفضل أن نبقى بلا الزواج أصلاً... يُثقلن كاهل الرجل أحياناً بمطاليبهن قبل وبعد الزواج.
- الفئة السادسة: هناك بنات ليست عندهم الكثير من المطاليب... يقلن: "بدنا نتزوج.. ما مهم بعدين شو بيصير.. المهم أن نتزوج ولا نسمع صفة عوانس علينا.. يعني الزواج سترة من عند الله"..
أما الشاب اليوم الآن، فوضعه فيما يتعلّق بالخطبة، أصعب بكثير من قبل، على المستوى المادي أولاً.. عليه أن يؤمن متطلبات كثيرة... عنده همّ مادي، لأنه لايوجد توازن كما من قبل بين المدخول والمصروف... لديه همّ كبير.. ولا يجد دائماً بسهولة عملاً مناسباً.. والمرأة أحياناً متطلبة. يوجد لديه أيضاً همّ آخر هو سماعه عن أخبار بعض الزيجات الفاشلة، والأمثلة كثيرة… فإذاً هو يخاف من الفشل..
ربما الفرق الأساسي بين هدف الزواج في الماضي واليوم، هو أنه كان قبل أربعين سنة يهدف إلى إنشاء عائلة أما اليوم، إضافة إلى ذلك، يهدف إلى خلق علاقة قويّة ووجوديّة بين الشريكين، وهذا مهم جدّاً. كانت السعادة آنذاك تنحصر في تقديم التضحيات من أجل الأولاد، أما اليوم لا يكتفي الأبوان بالسعادة التي يقدّمها الأولاد.. لم يكن تأمين الحاجات الماديّة ورفاهية المعيشة عبئاً صعباً على الزوجين كما هي الحال اليوم، التي تتطلّب عمل الطرفين من أجل تحقيق سهولة أفضل للحياة. لم تكن السعادة مطلباً شخصيّاً بقدر ما هي حاجة للأسرة ككل.
هل نستطيع أن نقول أنه يوجد الآن مفهوم جديد عن الزواج؟.. أم أن المفهوم القديم تطوّر لا أكثر ولا أقلّ؟
ربما المفهوم عن الزواج قد تغيّر!.. لكنّ معطيات جديدة في المجتمع تغيّرت أيضاً.. وهي التي تغيّر مفهومنا عن الزواج...
إذاً السؤال: ما هي تلك المعطيات الجديدة؟
كما قلنا: الهمّ المادي!.. الضغط المادي!.. هما أكثر ما يؤثران على نوعية الزواج.. كذلك المظاهر الماديّة!!..
الشيء الذي تغير أيضاً في هذا المجتمع: الوسائل الإلكترونية!.. أنا لا أعرف بأي معنى هذه الوسائل تؤثر فعلاً على العقلية الموجودة؟.. لكن نستطيع القول أنه عالم كبير يدخل في عالم صغير، ويسعى أن يكبّر هذا العالم الصغير... يوسّع...
وضع المرأة في المجتمع قد تغيّر أيضاً كما رأينا.. كانت البنت من قبل، تعيش في البيت دوراً واضحاً لتنتقل منه إلى خطيبة وتصبح زوجة ثمّ أمّاً... المرأة لم تكن موجودة في المجتمع العام كما هي الآن... المجتمع ملكوت الرجل!.. بينما الآن: يوجد للمرأة قدم في البيت وقدم في المجتمع.. تعمل، تربح، وتصبح مستقلة مادياً.. وأحياناً تربح أكثر من الرجل.. فإذاً المرأة تطورت وأصبحت متطلبة أكثر.
أمام هذا التطور يعيش الرجل تساؤلاً: ماذا عليه أن يفعل أمام المرأة التي تتطور؟.. من قبل كان هو، بنوع ما، الكل بالكل.. الآن المرأة تطلب حقوقها أكثر، الآن المرأة تطلب علاقة شخصية مع الرجل، ولا تكتفي بأن تكون أماً للأولاد ومدبّرة للمنزل..
ربما يخاف بعض الرجال من قوة المرأة... المرأة تتقدّم، تحصل على شيء أكثر.. ربما يخاف الرجل خسارة شيء تفقده مكانه المريح.. عليه أن يتخلى عن شيء حتى يقدر أن يستقبل تطور المرأة.. ربما ليست عنده هذه الإمكانية؟!..
الجديد أيضاً في المجتمع، وفي المجتمعات الدينية خصوصاً، اختلاف التأثير على الفرد… نستطيع القول أن المجتمع يساعد الإنسان على الشعور بفرادته. ولكن هل المجتمع يساعدنا حتى نكوّن حياة داخلية، نبع متدفق في كل شخص؟.. أم يعمل المجتمع العكس؟!.. المجتمع الاستهلاكي يكوّن الإنسان "فارغاً"!.. "فاضي"!..، بدون صمت بدون إصغاء!.. بدون الله!!.. لماذا؟.. لأن المجتمع الاستهلاكي يريد بيع بضاعته دون أن يفكر الإنسان بها..، "لازم يشتري"..، فإذاً، عليه دائماً أن يكون جوعان.. دائماً عطشان.. "أنا من الداخل فاضي.. طبعاً بدي شيء عبّي الفراغ... شو ما كان.. بأمور مادية، عاطفية، نفسية، بدي عبّي".. فإذاً المجتمع يعمل المستحيل حتى لا يتعمّق الإنسان في ذاته. المجتمع الاستهلاكي يعمل المستحيل حتى يبقى الإنسان في الخارج بدون تفكير، يعيش بشكل مباشر الأمور بدون أن يتعمق. نستطيع أن نقول أن المجتمع بدل أن يساعد الإنسان لكي يصير فيض مُفيض، يبعده عن نفسه حتى يقدر أن يبيع أغراضه.. "ونحن جميعاً بهيك جوّ"..
نستطيع القول أن الحياة الزوجية في هذه الأيام، انطلاقاً من هذه الظروف، أصعب من الماضي: ضغط مادي.. نقص عاطفي.. فراغ وجودي..... حياة مادية، اجتماعية ودينية سطحيّة.
نحتاج إلى علاقة شخصيّة أعمق بين الزوج والزوجة.. "علاقة، بنوع ما، فيض مفيض: هناك ما يخرج مني، وليس فقط من حاجتي إلى لآخر... يخرج مني فيض مُفيض للآخر.. إن الآخر مرتاح معي، لأنه يوجد شيء يخرج مني مريح له.. لا أطلب من الآخر حاجات فقط،… بس ما تعودنا نتخلى عن شيء، أو اللي ممكن كنا نسميه قبل تضحية... علينا أن نضحي بشيء في سبيل الآخر... التضحية بحدّ ذاتها، دون فرح، فارغة ومرضيّة.. اللذين يتزوجون الآن، انطلاقاً من هذا المجتمع الاستهلاكي، عندهم أحياناً صعوبة أن يتخلّوا!.."
السؤال يطرح إذاً: كيف نصل إلى هذا المفهوم الجديد... عندما يهتم الإنسان أكثر بذاته بشكل صحيح يصبح نوراً منير، يستطيع أن يعطي شيئاً للآخر... تصبح العلاقة معه أفضل...
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المرأة في الإعلام والإعلان-
-
أيهما أهمّ العلمنة أم الإيمان؟ أم الثاني يتبع الأول؟
-
الثالوث في الإسلام
-
-أمّيّة- محمّد . وهي الأساس الأوّل للإعجاز
-
العَيش في عالم مُتعدِّد الأديان
-
القرآن كتاب دين ، لا كتاب علم - الكونيات -
-
كيف نختار شريك الحياة..؟
-
الغريب فى القرآن الحلقة الأخيرة
-
الغريب فى القرآن الحلقة الثانية
-
الغريب فى القرآن
-
الحوار بين الأديان: ثقافته ومنطلقاته
-
الشرُّ وَالخطيئَة الأصلية
-
فى سبيل الحوار بين المسيحيين و المسلمين
-
مفهوم الخلق في اللاهوت المسيحي
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الخامسة
-
بين الإلحاد والإيمان
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الرابعة
-
حقيقة الإيمَان بالإله الواحِد
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الثالثة
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟ الجزء الخامسة
المزيد.....
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|