|
صداقة ..... قصة قصيرة
محمد مهاجر
الحوار المتمدن-العدد: 4775 - 2015 / 4 / 12 - 00:25
المحور:
الادب والفن
صداقة ..... قصة قصيرة - محمد مهاجر - بعد أيام كنا نبذل الجهد كله لكي نسترجع كل تفاصيل القصة حتى نقدر أن نتوفر على بناء جديد للحكاية يبين الدوافع الحقيقية للفاعل. و في أحيان كثيرة كان صابر الاستاذ الجامعي يستمع إلي بلا إهتمام على الرغم من إعتدال جلسته وتركيز بصره جيداً في عيني. وقد أثرت الأحداث عليه بقوة ولم تعطه الفرصة لكي يرمم أثار الحزن العميق الظاهرة على وجهه العريض أو يبدل انحسار ابتسامته المميزة . قابلها بإبتسامة مشرقة ريانة شملت عينيه الواسعتين وزادت من نضارة وجهه. كان يبدو كطفل وهو يصف لي تفاصيل فرحته المخضرة الولودة. قال إنه لم يك يصدق إن زهرة ستقبل طلب الصداقة. وكنت أعرف بأن قناعته الراسخة هي أن الصداقة الاسفيرية عمل لا طائل منه ما لم تقترن بمعرفة وثيقة ناتجة عن تجربة واقعية طويلة الأمد. كنا من ضمن الحاضرين في الحفل الذي نظمته الجمعية الخيرية. وشدت إنتباه صابر عندما كانت تتحرك بنشاط مميز وتلتقي بالناس وهي مبتسمة وتروج لمشاريع الجمعية بتوزيع النشرات والمشاركة في النقاشات. ورغم الجهد الكبير فلم يظهر عليها أي مظهر لتعب ولم تفارقها ألابتسامة العذبة البراقة لحظة واحدة. وفي لحظة ما لكزني لكي يلفت انتباهي. وحين عزمت على التركيز فيها وجدتها قد غادرت المسرح كانت واقفة قرب الباب كانها تنتظر شخصاً ما. لكن صابر لم ينتبه لها إلا بعد أن نجح في أن ينسل من بين الجموع المكدسة ويواصل مشيه عبر الدهليز الضيق . وحين اقترب منها توقف متردداً . قالت له : "تفضل يا أستاذ "، ثم تنحت جانباً . شكرها ثم مضى في سبيله ثم إلتفت ليتمعن في عينيها الحلوتين وتفاصيل جسدها، ولم يهتم بدفع الناس له. وفي الخارج كان ينفث سحابات دخان سجائره التي سلكت طريقها نحو السماء ولم يتخلى عن مراقبتها من حين إلى أخر . ولما أكمل سيجارته وسمح لعضلات جسمه أن ترتخي، أخذ يتصفح في الصور الجميلة التي أثرت كثيرا في خياله وجعلته يعيد التامل في وجه زهرة الآسر وروعتها وأناقتها الملفتة في الوقت الذي أنشأت فيه كثافة الناس في التناقص، شرع صابر يخطو بحذر نحو زهرة بعد أن اطمأن إلى أنه تخلص تماماً من التردد. وفي اللحظة التي وقف فيها أمامها تدفق نحوه شلال من البشاشة وحفاوة الاستقبال التي شملت المكان كله. ابتدر الحديث بالشكر والإشادة بجمعيتها التي ساهمت بجهد كبير في إنجاح الاحتفال. ولم يمنعها انشغالها مع زميلاتها من أن توليه إهتماماً مميزاً، ثم اعطته البطاقة وحثته على التواصل معها عبر الشبكة العنكبوتية منذ سنوات كون صديقي صابر موقف راسخ حول الانترنت حيث اعتبرها مفيدة فقط في حالة البحث العلمي. وقد ظل صادقا مع نفسه فهو لا يستخدمها إلا للترويج لكتاباته وابحاثه. زوجته تتفق معه فى هذا بل تتشدد فى موقفها الحازم ضد اى صداقات اسفيرية. وعلى الرغم من هذا فان انهماكه فى كتابه الرسائل الى زهرة واهتمامه الكثير بلغة الرسائل واسلوبها, ظل أمرا محيرا. إضافة إلى ذلك فإنه كان يبحث كثيرا في المعاجم الرقمية ويستشيرنى احيانا قبل ان يرسل النصوص. وصله خبر قبول طلب الصداقة فإنتقل الى حالة مشاعرها مختلطة، فهو من ناحية كان مغتبطا جدا لقبول الطلب, ومن ناحية اخرى ضجر صابر لانه لم يتلق ردودا على الرسائل الكثيرة التى ارسلها الى زهرة. ومن شدة لجاجته فقد أصابني الضجر كذلك إغتبط حين وضعت صورة جديدة جميلة، تسببت بعد ذلك في ردود افعال إيجابية وسلبية. والمحير هو رده الذي كان متاخرا ومختصرا، والذي حشره حشرا بين الردود الكثيرة، ومع ذلك فقد ارسلت زهرة رسالة شخصية تشكره فيها. فيما بعد وجدناها وزوجها خلف الكواليس فاستقبلنا إستقبالا رائعا. كانت تلبس نفس الفستان الذى ظهرت به فى الصورة التى رد عليها مئات الاصدقاء واثرت كثيرا في الحاضرين. الفستان كان من المخمل الاحمر وكان ضيقا الى حد ما فاظهر انوثتها وجاذبيتها الدفاقة. اعطتنا عصيرا ثم ذهبت. ساد صمت ساعدني علي إسترجاع الكثير من الاحداث وربط ردود ألافعال. ومن المنطقي أن يساهم الكم الهائل من الاعجاب في شحذ حماس زهرة ويجعلها تستخدم الزخم الكبير للترويج للجمعية. أما المثير للناس فهو الحذر الكثير وكذلك الردود الماكرة والضبابية. صابر كان هو الآخر من الحذرين. وحدثني بعد ذلك أن الذي شجعة على كتابة نصه القصير هو مبادرتها بالسؤال عن رايه حول الحفل الخيري. فإستطاع أن يهزم التردد ويكتب نصا قصيراً إحتفظ به في حاسوبه الشخصي لمدة نصف ساعة، كان يجري خلالها التعديلات ويناقش مع نفسه ردود الأفعال المحتملة مباشرة بعد أن رد صابر على زهرة، ظهر صديق إسفيري مشترك، فنبه الجميع إلي وجوده ثم إختفى. في تلك الأثناء كان منكباً على دراسة نص صابر وتحليله من أجل وضع الرد المناسب. وفي لحظة ما علت وجهه إبتسامة عريضة وإمتلأ بنشوة السخص الذي عثر على أغلى كنوز الأرض. أكمل شرب قهوته فتمطى فأرخى عضلاته كلها ثم ترك خياله لكي يتوغل في الجنة الوريفة. وغشيته غفوة وحين إنتصب جالسا كان موقناً إن الرد الذي اطمأن له قلبه سيحقق كل التوقعات. عندما كنا خلف الكواليس كانت زهرة تشرب جرعة من قهوتها ثم تغادر الكواليس. وفي لحظة الصمت كنت أحدق في وجه صابر. أدهشني لانه ظل متماسكاً وواثقاً من نفسه رغم الضغوط التي سببها له العمل الخبيث الذي نفذه الصديق الإسفيري بحذقه المميز. عندما تحدث صابر كانت عبارته قصيرة لكنها معبرة وبليغة. أما أنا فأكثرت من الثرثرة لكي ألطف الجو، وبالعكس كان زوج زهرة صامتاً لا يتحدث إلا لماماً. أما صمت زوجة صابر فيعزى إما إلى أنها خجولة بطبعها أو أنها كانت تستمتع بنشوة الانتصار . النص والتعليق الخبيث أثارا ردود أفعال متباينة وضجة واسعة النطاق. وفي لحظات شكلت الهمهمات والهمس والتساؤلات الكثيرة والشكوك مصدرا لخطر داهم على الحفل. والكل يعلم، فلا صابر أخطأ ولا زهرة، لكن انهالت عليهما الاتهامات والشكوك من كل صوب. وقلت لصابر إن الصديق الحقيقي هو من يثق فيك لا في إجماع الآخرين. وكنت أعلم إن السيطرة صعبة عندما يكون الأمر مقتصرا على الشبكة العنكبوتية. كنت أجلس بجواره ولما فرغ من الكتابة نبهته إلى الرد الحاسم . إنتصب واقفاً ثم قال - لا شيء غير الطرد - لن يجدي و قد يزيد من الشكوك ويعقد المشكلة جلس فصمتنا وانغمسنا في جو من الحيرة والضجر. صارحته بخطة يستدرج بها الشخص المجهول إلي حوار مباشر فوجدته قد جرب هذا من قبل. قال إن الذئب الرعديد تعود على إن يأتي خلسة في الظلام ليسرق ثم يهرب كان كل نص موجهاً إلى صابر مباشرة ولكنه ذو جمل مبهمة وحمالة أوجه، وبعد ساعة أضاف الذئب اسئلة وطلب من صابر أن يجيب عليها بوضوح. كان في كل مرة يطرح سؤالا واحداً مستفزاً . وحين وصل إلى أقصى المدى كان الجو مكتنزا بالخصومة والتشفي والتهديد ، ورفع البعض رايات النصر، وضح ذلك على وجوه الناس و كلامهم وهمساتهم. قرأت نص صابر عدة مرات ولم أجد ما يجعلني أغير حكمي عليه. كانت كلماته واضحة جدا كانه خطها على لوح أسود بمداد من فضة. كتب لزهرة يقول: فستانك تاج ذهبي وضع في موضع يليق به. مبروك وشكراً مرة أخرى . بعد أيام كنت أتهكم من صابر وأقول له بانك قد فشلت في إقناع زوجتك بجدوى الانترنت فدفعتها إلى التشدد دفعاً. في لحظة ما ارتبكت زهرة وتجاهلت النصائح وجعلت تسرد لصديقاتها تبريرات حول الصورة، ثم ذهبت وغيرت الفستان. عنفت على ذلك العمل لانه لم ينجح في ترميم ما إنكسر، ولم يغفر لها الأعداء أنها تراجعت لما أدركت الخطأ. أما تجاهلها للصديق الخبيث فقد أثلج صدري. لم تكتب حرفا واحدا للرد عليه رغم أنه كان يواسيها في البدء ثم أصبح بعد ذلك يتودد إليها بعبط بين. انتظرنا لمدة ساعة خلف الكواليس ولم يأتي الأخرون. ذهبت زهرة فعادت وهي تلبس نفس الفستان الأحمر. وظهر عليها مزاج إيجابي وفجأة تحدثت كثيرا فأضفت على الجو لطفا وراحة. وفي لحظة جعلت أفكر في العبارة التي تسببت في المشكلة: الفستان أظهر بوضوح انها حامل ، لكن من أين أتتك الجرأة لكي تزف إليها التهنئة على الرغم من أنها لم تخبر زوجها حتى الآن . كان هذا هو السؤال الأخير والذي كاد أن يدمر الانجاز الكبير للجمعية حين جاء الرجال الضيوف استقبلتهم زهرة وزوجها. جلسوا وساد صمت قرأت من خلاله تفاصيل الحذر البادية على وجوه الضيوف. تحدث أحدهم بإقتضاب، شكرنا وحمد الله على نجاح الحفل، ولما أكمل مد زميله ورقة عليها نصا مكتوبا بخط اليد. أخذت منه الورق وشرعت في قرأتها، كان صابر ينظر إليها بلهفة. كان قبل دقائق يحدثني بإستمرار عن رغبته في مواجهة ذلك الرجل على إنفراد، وكان يسميه الوطواط. كنت ألمح في عينيه الرغبة الأكيدة في الانتقام . ولما أكملت القراءة سلمت الورقة إلى زوج زهرة. في تلك اللحظة انفجرت المرأة الثالثة بالبكاء وقذفت بنفسها حتى استقرت بين قدمي زهرة. وحين ارادت تقبيل القدم رفضت زهرة ذلك. ومع ذلك ظلت المراة الثلاثينية جالسة على الأرض وهى تنتحب وتشهق بالبكاء وتعتذر للجميع لو قبل صابر نصائح طلابه لكان التلف أقل بكثير. لكن الذي جعله يتردد هو أن المرأة كانت تبدو على صلة حميمة مع زهرة، حسب أحاديتها وسلوكها في الحفل. علاوة على ذلك فهي تعمل في جمعية متعاونة مع جمعية زهرة. و المحير انها كانت تلبس فستانا شبيها جدا بفستان زهرة الأحمر الذي ظهرت به في الصورة. كان الطلاب بارعين في تقنية المعلوماتية ومتميزين في إستخدام الأساليب المختلفة لكشف القرصنة وغيرها من الجرائم الاسفيرية، وهم الذين كشفوا المرأة ولخصوا نتائج بحثهم في الورقة اللتي أخذتها منهم وقرأتها وقرأ نصها صابر -
#محمد_مهاجر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا إنتخابات ولا تفاوض يقوي النظام
-
أم أيمن ... قصة قصيرة
-
بعض مشاكل تطبيق البنائية
-
كرسى
-
ارهاب من يحارب الفساد
-
حول عدم جدية الحكومة السودانية فى محاربة الفساد
-
عهد ... قصة قصيرة
-
الفساد فى الاراضى والعقارات وغسل الاموال
-
الجهادية والجنجويد والحروب الاهلية
-
تحديات العمل الجماعى
-
عن جرائم استغلال النفوذ فى السودان
-
المسالة ليست اضافة سنة دراسية الى مرحلة الاساس
-
فوضى مقصودة
-
تخطيط اجتماعى ام تخريب للمجتمع
-
التعليم الاجتماعى والنمذجة
-
النزاع النفسى الداخلى وضرورة حله
-
شيكولاتة
-
السودان وربيع الديمقراطية المؤجل
-
تعزيز الروابط واثره على العمل الجماعى
-
الهدف وحجر العثرة
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|