العمق السفلي 1957(أكيرا كيراساو):عن شخصيات مزيفة ليست على قيد الحياة

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4772 - 2015 / 4 / 9 - 23:14
المحور: الادب والفن
    

العمق السفلي 1957(أكيرا كيراساو):عن شخصيات مزيفة ليست على قيد الحياة
من ماكبث شكسبير(عرش الدم) ينتقل كيراساو الى العمل على تحويل مسرحية ماكسيم غوركي أديب روسيا العظيم بنفس الاسم (العمق السفلي) الى الشاشة.
كيراساو يبدو موفقا في تحويلاته الادبية بشكل كبير-باستثناء الاحمق للديستيوفسكي العظيم الآخر-فروح النص الأصلي موجودة بقوة وواضحة في هذا الطرح الأدبي السينمائي.
في هذه الفترة يبدو كيراساو مهتم بالنص الأدبي-بمعناه الأدبي-والفيلم فنيا عابق بالروح الأدبية الخاصة بالروائي والمسرحي مكسيم غوركي وهو الروائي التي شكلت رواياته عوامل اجتماعية نقدية للمجتمع الروسي مطالبة وحاثة على الثورة،ومما لاشك فيه ان روايات غوركي شكلت أحد أعمدة روح الثورة الروسية،وعلى ان بعض النقاد يعتبرون غوركي كاتب انتهى عصره مع انتهاء زمنه-بعكس الديستيوفسكي على سبيل المثال-وكتاباته ستظل مجرد ذكريات لعصر حقق فيه شهرة كبيرة،ولكن هذا الرأي الأدبي المبالغ فيه لايعنينا بشيء من خلال هذا الطرح النقدي لفيلم كيراساو وليس لرواية أو فن غوركي بشكل عام.
يعود بنا كيراساو إلى (إيدو) القديمة وهو اسم طوكيو قبل أن تتحول إلى هذا الاسم عام 1868،والفيلم مكثف تكثيفا دراميا على عالم سفلي يعيش فيه اناس غاية في الهامشية (البروليتارية)،واتقن كيراساو اغلاق الفيلم على مكان واحد وفيه فصل العالم الخارجي عن العالم الداخلي بشكل بدا فيه ان العالم برمته تجرى احداثه هنا-في العالم السفلي-وكان الحوار بين الشخصيات هو سيد الموقف،وهذا يؤكد اعتماد كيراساو على النص الأدبي الغوركي الى ابعد حدود في موضوع يتعلق بهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون تحت الأرض.
في نهاية القرن التاسع عشر هناك سرداب تديره امرأة (Osugi) وزوجها (Rokubei) يحتوي على بعض الغرف الصغيرة التي يؤجرها لأناس هم شكليا على قيد الحياة ولكن في الحقيقة حياتهم ليست سوى انتظارا للموت...
مدمنوا كحول فقدو الفرصة وأي أمل في هذه الحياة واصبحوا يكرهون العمل من أساسه،وعاهرات اجبرهم ماضي اليم على امتهان هذه المهنة،ورجل محترف مسن زوجته على وشك الموت ورجل فقير معدم لازال متمسك بمبدأ النبل واصله الأرستقراطي، ومقامرين عصابيين مواجهتهم الأولى مع الحياة هي السخرية ليس الا..
إذا قبل ان نقول أن موضوع فيلم كيراساو هذا هو الموت الشكلي لأشخاص فعليا هم ليسوا على قيد الحياة،فهناك الموضوع الأخلاقي الأساسي المتمثل بألأزمة الأخلاقية،ومن ثم الموروث الطبيعي لصفة الانسانية،فكيف يفقد هؤلاء الأشخاص بشريتهم بناءا على عوامل الانحدار الاجتماعي،ومن ثم الفقر وعوامل الثورة،على ان الأفكار التي يطرحها الفيلم (جدلية) أكثر منها ثورية ولكن غوركي الأصلي وكأنه يتحدث عن عوامل الثورة بصمت بل ويحث على الثورة.
هناك لص يدعى (Sai-توشيرو ميفوني) يغدق على الآخرين القليل من النقود ليقوموا بالسكر ليس إلا...
يقول للرجل المتمسك بأصله الارستقراطي النبيل والساموراي السابق(Tonosama):
سأدعوك للشرب ولكن عليك ان تتصرف كالكلب...أن تركع مثله
قد يكون الفرق بين النبيل والمتسكع هو هذا الموقف فقط،والطبقية هي احد الاسباب القوية للثورة الروسية.
هناك دقة عالية ومهارة فذة في الطرح النقدي للراوية من خلال الفيلم وبهذا حافظ كيراساو على روح الرواية،
مع تكثيف درامي عالي لواقع هذه الشخصيات التي جميعها تفكر بانتحار حقيقي من الممكن ان ندعوه ب(انتحار اجتماعي) وهي كلها تعيش في مكان مغلق منطوي عن هذا العالم.
ساي كان على علاقة غرامية مع مالكة المكان وهو الآن يرغب بالحصول على أختها (Ka) وهي تطلب منه أن يقتل زوجها للحصول على اختها التي تعاملها تقريبا كعبدة..
المشايعة الجنسية واقعية في هذا المجتمع بل أن بعضهم يعرف أن زوجته في خضم علاقة وهم لايملكون طريقة للتصرف ازاء ذلك سوى الاستسلام لهذا الواقع خاصة مع انتشار الالحاد بينهم وعدم تصديق الوجود الالهي كفكرة تبدو في صميمها راسخة في الأذهان...تموت تلك المرأة العجوز وهم يعودون سكارى وكأنه لم يحدث شيئا...
ولاحقا تصرخ أحدى الشخصيات بالملخص وبالمضمون:لا مال ولا عمل....نحن في انتظار الموت فقط
هناك مضمون عالي لهذا الفيلم ذو الروح الغوركية الواضحةعن قيمة الانسان الشخصية داخل مجتمع لايعترف بوجودهم وبالتالي فهذه القيمة قبل ان تكون مسلوبة فهي غير موجودة،فالموت لايشكل اي حاجز للتأمل ولا حتى للتفكير في خضم مجتمع لايعي الزمن سوى بالتفكير في الانتحار أو انتظار الموت.
إذا من الصعب القول أن لهذا الفيلم حبكة فعلية لأن الشخصية غلبت الحبكة،فهو فيلم عن الموت بشقه الاجتماعي،وعندما ينتهي الفيلم على مشهد خبر موت الرجل العجوز السكير بعد أن شنق نفسه،فيعلق أحدهم ويكون تعليقه هو الجملة الأخيرة للفيلم:
سيء جدا...غباء
هو فيلم عن الآمال المحطمة،وعن الموت المجاني وان كان الواقعيون قد طالبوا بطرح الواقع الاجتماعي وبصورته الحقيقية،ففيلم كيراساو العمق السفلي هو ليس ابدا عن تصوير واقع اجتماعي بل هو عن الافلاس الاجتماعي...عن الافلاس الاجتماعي الذي هو السبب في خلق مثل هذه الظروف وبالتالي يحصل كيراساو معنا على العلامة الكاملة من خلال هذا الفيلم المتكامل أدبيا وفنيا واجتماعيا وسينمائيا،وهي علامة من الصعب –كما قلنا سابقا-أن يعطيها ناقد لأي فيلم.
بلال سمير الصدّر
3/1/2015

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات