|
موضوع الصراع بين القديم والجديد في التجارب الإبداعية.
اسحق حنا قومي
الحوار المتمدن-العدد: 4771 - 2015 / 4 / 8 - 18:43
المحور:
الادب والفن
موضوع الصراع بين القديم والجديد في التجارب الإبداعية. تختلف رؤية كلّ منّا بالنسبة لموضوع الشعر والتجارب الشعرية عبر العصور والأزمنة والشعوب وكذلك التجارب الأدبية والفكرية والفنون الموسيقية والغنائية والتشكيلية بل لنقل . الحياة الإبداعية كوحدة متكاملة وبصفتها تمثل نتاجاً إنسانياً جمالياً مفيداً. ومن المؤكد أننا سنختلف في رؤيتنا تجاهها من حيث البناء والقدرة على إيصال رسالتها كما وسنختلف حول إمكانية توافقنا على التسمية الواقعية لتلك التجارب وهي مسألة ليست بحديثة أو طارئة على الحياة الإبداعية بل هي مسألة قديمة قدم الإنسان والتنوع والاختلاف سمة صحية وصادقة بحسب الخصوصية للشخصانية وحالاتها وتجربتها وتعاملها مع الواقع والواقع المتخيل...وتنطلق بالأساس من قدرتها على استهلاك كلَّ ما كان قد مرّ عبر الحواس على اختلاف أنواعها ووظائفها. لهذا فالقيم الجمالية معيارية بالأساس وسنختلف حولها وحول من يعيشها أو يسمي حاله بأنه يصنعها أو يبدعها .ومع هذا لابدّ لي أن أقف أمام نقاط عدة أشير إليها وهي: فالمبدع لابدّ من أن تتوفر فيه عدة أمور منها ما هو وراثي ومنها ما هو تحصيلي وفي حالة مستمرة .ولهذا لابدّ من موهبة تولد مع الإنسان ولتكن موهبة الشعر فنقول عن المولود ولديه موهبة شعرية أنه شاعر بالقوة حتى يصقل تلك التجربة بمعرفة العديد من القضايا المهنية وآلياتها وتمكن العامل منها وفهم أغوارها وتأثيرها فلابدّ للشاعر مثلاً من معرفة آليات الفعل الإبداعي التي يقوم عليها المولود المبدع ولابدّ له من أن يثقف نفسه تثقيفاً يخصّ البنية العظمية للكائن المبدع وكذلك المعرفة غير المحدودة للبناء اللحمي والنسيج العصبي لعمله ولابدّ له من أن يكون على قدرة من موضوع التخيل والخيال المبدع وما تحتويه الصنعة البديعية وصناعة الكتابة بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة في سياق التجربة الإنسانية. ولكي نحدد قيمة العمل فأنا مع من يؤكد على الشكل الموروث مع بعض ٍ من التغيير ليتناسب مع الواقع ولأنّ القدرة على تقديم ماهو أقرب إلى الواقع يمثل عملية ناجحة للتقليد والإبداع معاً...أضف إلى ذلك مجموع الثقافات التي تعيش في مجتمع واحد فهذه أيضاً علينا ألا ننسى دورها وتأثيرها في الإنسان المبدع بثقافة غيره من الشعوب بمعنى أوضح أن هناك في المجتمعات التي تُسمى مجتمعات عربية شعوباً وقوميات مختلفة فهي أيضاً تمدنا بتأثيرها وعلينا أن نتبنى ذاك التأثير كعامل من عوامل تنوع الشكل والمضمون في المادة المبدعة التي تنتجها الأجيال وعلينا ألاّ لا نطلب من أبناء الحضارة الغربية ومن يعيش في كنفها أن يكتب كمن هو في الصحراء قد تكون هناك تجارب تشذ عن هذه القاعدة فنجد من يكتب شعراً وهو يعيش في الغرب بكلّ تجلياته وكأنه يعيش في صحاري الشرق وقد لا يكتب ابن الصحراء اليوم تجارب أسلافه فهذه مسألة تعود إلى الشخصية الإنسانية المبدعة . كما وأريد أن أشير إلى مسألة المدارس وتنوعها في التجارب الإبداعية. ولنأخذ التجربة الشعرية مثلاً.. منهم من يريد الشعر قصيدةً عامودية خليلية ويبقى يستظل بظلها ويقلدها وهنا نؤكد على أنّ أفضل المبدعين فيها لا يخرج عن طقوسها فهو عبارة عن كاهن ٍ يُمارس طقوسه بإتقان لكنه لا يقدم أمراً إبداعياً . البيت الشعري وحدة متكاملة تنزع نحو الاستقلالية وقيل لكلّ قصيدة بيتها . بتعبير أخر ما فائدة المعلقات مادام لكلّ قصيدة بيتها فأبو القاسم الشابي من الشعراء المغمورين لولا هذا البيت ويكفيه أنه خلده. حين يقول: -;---;--( إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة///فلا بدّ أن يستجيب القدر)). أعتقد على المبدع أن يتقن آلياته ويكون قد جرب ّكلّ وجوه الإبداع وبعد هذا عليه أن يخرج على الصنعة بجديد ليضيف إلى التجربة الإبداعية إضافات وإلا فهو عبارة عن ممثل فاشل ومقلد لا يستحق غير أن نثني عليه لأنه يذكرنا بأسلافه من المقلدين. إن العمل الإبداعي له أسس علينا ألاّ نخرج عنها إلا إذا تمكنا من أن نضيف إلى تلك الأسس لا أن نشوه جماليتها .فالقصيدة العامودية كما قلتُ في أكثر من مقابلة.هي الميزان الذي تُمنحن به شاعرية الشاعر وأما القصيدة التفعيلة أو النثرية(الحرة) فهي السماء الرحبة التي أحبّ أن أحلق بها...لأنها تستخرج مكنونات النفس الإنسانية .. والشاعر المبدع مشروعٌ غير منجز لقصيدة ٍ غير منجزة وإن جاءت على مراحل .في سياقاتها ومضامينها. الشاعرُ عاشقٌ مستمر تحفه آلهات الجمال والروعة والخيال المبهر،الشاعر المبدع قراءات لمستقبل ٍ سيأتي،ومواضيعه ليست ذاتية بل هو يتعامل مع المقدمات الكبرى لتنتهي إلى مقدمات صُغرى وهذا هو مشروعهُ. وجودي يتضمن أسئلة كبرى للإنسانية والعالم والوجود. الشاعر المبدع ضمير أمة أو شعب ٍ،لكنه لا يتوقف عند هذه الحدود بل يتجاوزها إلى الإنسانية الفسيحة وإلا أنغلق على نفسه ومات،الشاعر المبدع هو إضافات إبداعية لا يقف عند القوالب الجاهزة والطوطمية التي كانت في سياقاتها التاريخية حالة إبداعية،وهوحكاية زمن ٍ تعمد بالحزن والبؤس والمعاناة،. ولو أنني أرى أن أتابع قولاً حفظته منذ حداثتي لأفلاطون حين يقول : الشاعر الذي يقف عند الوصف فهو أقل من النجار)) ... ويقول الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر:(( الشعر هو تأسيس للكينونة عن طريق الكلام، ولكن اللغة الأصلية هي الشعر من حيث هي إرساء لأسس الكينونة)). وفي المحصلة جميع الأجناس الأدبية تخرج من كينونة الشاعر أو الأديب الذي هو بالأساس ذو موهبة صقلتها العزيمة التي تتسلح بمعرفة للهدف من وجوده كونه. والمبدع يشبه الرحالة الناجح فهو من يضع لرحلته خطتها وخطوطها وبرامجها ويحضر .وأن لا ينسى أية أداة إلا ويكون قد أجادها ومارس معها طقوسها المرئية وغيرالمرئية. وعندما يبدأُ رحلته وكي لا يتعثر أو يعود للوراء بل يتقدم عليه أن يسهر الليالي الطِوال وهو ينقب ويفتش ويبحثُ ويحفظ كل ماله صلة برحلته سواء من حيث الزمان والمكان والطبيعة الجغرافية والمناخية وما يعتري الفصل من مواسم للرياح وغيرها .كلّ هذا وغيره يجب على المبدع أن يُدركه لابل يعيشه . وعرفت الشعر: بقولي: الشعر بأنه موهبة ٌ وصنعة ٌ ومكابدةٌ وملاحقةٌ ٌ وتجديدٌ وإضافةٌ ٌ وهو إذن ٌ مرهفة ٌ تتناسقُ من خلال حسها الكلمات تباعاً على أقدارها وأطيافها ومخارجها وبهذا للشعرِ موازين تختلفُ إلى عشر تفاعيل ٍ اثنتان خماسيتان وثمانية سباعية وتتوزعُ بحسب الخليل ِ والأخفش إلى بحور ولكن الشعر طقوس تتجدد كالحياة وسياقاتها وعندها تتحرر القصيدة من كهنوت تلك الموازين أوممن أبدعوا أوزاناً جديدة أو حدّثوا في بعضها. والشعر ُ علم ٌ بما يحتويه ويستلزمهُ من تقنيةٍ ومعرفةٍ لصيرورته التاريخيةٍ مروراً بكل العصور. والشّعرُ محرابُ متعبدٍ وصلواتُ راهبٍ في أعالي الجبال لكنهُ يُغني بمعزوفته ِ للسهول المليئة بالفلاحين والعمال ،فيزيدهم قوة ومنعةً ًكيما يتابعوا جني المحاصيل من الكروم والبساتين.وهو العاشقة القديمة التي تنتظرُ حبيبها الذي رحل منذ آمدٍ بعيدْ. وهو الشبابُ والرجولةُ والكهولة ُ والشيخوخة المتجددة دوماً بنار الآلهة . والشّعرُ إحدى آلهات الجمال والروعة والدهشة ِ والإبهار ِ ،وهو خيالٌ جامحٌ يأخذكَ إلى عوالم بعيدة ٍ بعدَ أن يكون قد طوّفَ بك َ في العوالم الأرضية فهو بهذا كالخمّرِ الذي ترشفه ُ فيعلو بك إلى فضاءات ٍ رائعة،وهو صورٌ ومعانٍ وفكرٌ ومحسناتٌ وهو أروعُ الفنونِ ِ في ميادين الإبداعِ وإن كان دورهُ الآنَ قد تقلصَ بسببِ التقنيات الحديثة والعالم الاستهلاكي لكنه سيبقى الحاجةَ والضرورة َالنفسية ِوالعاطفية ِوالعقليةِ للإنسانِ الموضوع يستلزم بحثاً طويلاً لكننا نتوقف عند أهم مانود أن نشير إليه في موضوع الصراع والاختلاف مابين وجهات النظر حول العمل الإبداعي ومنه الشعر فنقول: مسألة قديمة وستستمر بين الأجيال والجيل الواحد والعبرة ليست بمن يملك اللغة للكتابة العبرة أن لا نكون عبارة عن مقلدين ونعيد ونجتر أنفسنا . المهم هو موضوع خلود العمل الإبداعي. وكما أن القصيدة لها بيت واحد هكذا قد يكون للشاعر قصيدة واحدة تكفيه , نحن مع من يحرص على الفعل الإبداعي ولكن على أساس أن يتحلى بالصبر وسعة المعرفة في أن التجارب الإنسانية لم تعد كما كانت وكما يعرفها بل تطورت أشكالها لأن الشكل تعبير عن الحالة المعاشة. والمبدع ليس مقلداً بل عليه تقع مسؤولية استكمال البناء الإنساني في العملية الإبداعية. إنّ السنوات القادمة حبلى بمفاجاءات على صعيد تحطيم كلّ الصنمية اللغوية والأشكال الإبداعية مع إمكانية المحافظة على جمالية المدارس الأولى للإبداع فالقصور القديمة من العصور الوسطى تمثل الشكل الجمالي الأكثر تأثيراً من الأبنية الحديثة والمهم هو أن العملية الإبداعية تقوم بوظيفتها سواء أكان بالنسبة للروح أو في إثارة مكامن النفس الجمالية...ولا ندعي بأن مثل هذه العجالة تفي بالموضوع لكننا نرى أنَّ نبش هكذا مواضيع هو مضيعة ولا تخدم العملية الإبداعية التي هي حاجة وجدانية وروحية للبشرية .ما علينا فعله هو تشجيع التجارب المبدعة والتي هي في حدود المعقول وليست تلك التي تستلزم جلسات للطب النفسي والتحليل النفسي لمعرفة أغوارها وأسرارها ...اللوحة الفنية تؤثر وتصل رسالتها أسرع من اللغة لتنوع اللغات العالمية وأما اللحن الموسيقي يصل أسرع من الكلمة ومن اللوحة وهكذا في الختام نؤكد على أنّ هذا الموضوع يمكن أن نكتب به كتاباً كاملاً نتوقف هنا لنؤكد ليس شرطاً أن تكون مجيداً حتى في فنون وعلوم هذه اللغة أو تلك لتكون شاعراً وليست بالمدة التي كتبت بها رغم أهميتها لكن هناك تأثيراً واضحاً لوسائل التواصل وقدرتنا على الاستفادة منها. وتبقى التجارب الإبداعية تهدف للقيم كالخير والحق والعدل والسلام.
#اسحق_حنا_قومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السّلام تراتيل عِشق ٍ أبدي
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|