|
بولس – 14 – بولس والنص اليهودي
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4771 - 2015 / 4 / 8 - 16:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(إنْ كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟!) بولس مخاطباً أهل رومية [رسالة بولس إلى أهل رومية 3: 7]
خلال الأسابيع القليلة الماضية كان هناك نشاط حواري محموم متعدد ومتشعب وشمل الكثير من القضايا السياسية والفكرية والدينية. ولا عجب، فالمنطقة كلها تمر بحالة صراع غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى من حوالي مئة سنة. فكرة هذه المحاورات المغلقة تتركز على أتفاق في البداية على موضوع عام وعلى شخص من المتحاورين يتتبع، على ورقة، ومن خلال رسم بياني بسيط، القضايا التي يتم تناولها، ومعها كل تشعباتها وذلك من خلال (رؤوس أقلام – Bullet Points). في نهاية المحاورة يرى المتحاورون جميع القضايا التي تناولوها، مع تشعباتها ومسائلها الجانبية، مرسومة بخط اليد على ورقة، وعن ما إذا توصلوا إلى نتيجة فيها أو أن بعضها بحاجة إلى توضيح أو مناقشة أخرى. إحدى هذه المحاورات تركزت على قضية "النص المقدس للأديان التوحيدية الثلاثة" بكل ما يتعلق به، أي بالنص المقدس، وبها، أي بالأديان، من قضايا وتأثيرات وتفاعلات على الفكر والموقف والقرار. ففي هذه المحاورة بالذات كان النقاش متشعب جداً وتناول قضايا كثيرة، إلا أنني سُئلتُ فيه عن عبارة كتبتها في أحدى مقالاتي في (الحوار المتمدن) عن افتراض أنه لو أُتيح لبولس أن يرجع للحياة لكان أعاد صياغة رسائله، بالحذف الكثير منها وإعادة الصياغة واعادة النظر في اقتباساته من العهد القديم، ولرأينا اليوم ديناً مسيحياً مختلفاً جملةً وتفصيلاً عما نراه اليوم. كانت إجابتي على هذا السؤال بأنه لو أتيح لبولس أن يعرف مقدماً أن رسائله التي كتبها ستتحول إلى "أسفار مقدسة" ونتاج "وحي مؤيد بروح القدس" وأن الكنيسة سوف تؤكد لأتباعها أن مؤلفها الحقيقي هو (الله) نفسه [انظر الهامش رقم 1]، لكان (أول شيء) سيفعله هو أن (يمزق رسالته إلى أهل رومية ليعدمها، ثم يتتبع نسخها حيثما كانت ليتلفها ويخفيها عن أعين البشر). والسبب في ذلك بسيط جداً، إذ يكفي أي باحث أن يركز جهده، فقط، على رسالة بولس هذه بالذات دون سواها، مقارناً اقتباساته مع نصوص العهد القديم، ثم يعرض استنتاجات بولس بخصوصها، وليكتشف مباشرة (حجم التزوير والحذف والإضافة) التي (مارسها بولس) في رسالته تلك إلى أهل رومية المساكين من أتباعه. فالقضية في هذه الرسالة (ليست) تفسير مختلف، (وليست) ترجمة مختلفة إلى اليونانية عن النص العبري، ولكنها (قضية تزوير، واع، متعمد، مقصود، وواضح) مارسها بولس في اقتباساته من العهد القديم في رسالته إلى أهل رومية حتى يبرر ويشرعن لعقيدة (لم يدعو لها يسوع ذاته ولا حتى تلامذته المباشرون). وحتى أبرهن على هذا التزوير (الواع، المتعمد، المقصود، والواضح) سوف أتطرق أدناه إلى قضية (إلغاء العمل بالشريعة اليهودية) التى دعى إليها بولس دون غيره.
كما هو معروف، دعى بولس إلى (وقف العمل بالشريعة اليهودية)، وفي سبيل ذلك (اخترع) بولس مصطلحاً جديداً غير معروف حتى لـ (يسوع نفسه) وهو مصطلح (التبرير). ويعني هذا المصطلح في العقيدة البولسية [المسيحية] أن (يُعلَنَ شخص ما بأنه بريئ تماماً من الذنوب التي اقترفها، كلها أياً كان نوعها ودرجتها ومن دون استثناء، وأنه على منهج الأبرار وعلى الطريق الحق ومؤهل للخلاص، فقط لأنه آمن بيسوع على أنه المسيح على حسب المفهوم الذي دعى له بولس). وعلى هذا كتب بولس في رسالته إلى أهل رومية الآتي:
(نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس) الترجمة العربية (غير دقيقة) كالعادة، أما الترجمة الحرفية لِما كتبه بولس: [نحن نتبنى بأن الإنسان سيُعلًن بأنه بريء من الذنوب وأنه على منهج الأبرار [= يتبرر] بالإيمان، وذلك بدون الأعمال المكتوبة في الشريعة] [رسالة بولس إلى أهل رومية 3: 28]
إلا أن بولس، بعد (اختراع مصطلح ومفهوم التبرير) هذا، كتب في رسالته إلى أهل رومية (اقتباس)، أو في الحقيقة (أوهم أهل رومية بأنه اقتباس) من نصوص العهد القديم، ليُبرهن لهم أن (نصوص العهد القديم تؤكد على الاكتفاء بالإيمان دون العمل بالشريعة اليهودية كوسيلة للخلاص) (!!!). كتب بولس لأهل رومية الآتي:
(وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا: لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ أي ليحدر المسيح، أو: من يهبط إلى الهاوية؟ أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنك إنْ اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت) [رسالة بولس إلى أهل رومية 10: 6-9]
سنتغاضى هنا عن الترجمة المسيحية العربية (الكارثية) في الاقتباس أعلاه، لأن الفكرة التي يدعو لها بولس واضحة منها، وهي: أن الخلاص هو فقط بالإيمان بيسوع على المفهوم الذي يدعو له بولس بالذات، أو على حسب تعبيره: (كلمة الإيمان التي نكرز بها)، وذلك (دون أعمال الشريعة اليهودية). هو يقول لهم (لا داعي إطلاقاً للعمل بالشريعة اليهودية). وفي سبيل برهنة ذلك لهم (اقتبس)، أو (أوهمهم أنه اقتبس) في رسالته من نصوص التوراة:
(وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا: لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ أي ليحدر المسيح، أو: من يهبط إلى الهاوية؟ أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها) [رسالة بولس إلى أهل رومية 10: 6-8]
نص بولس أعلاه المقتبس، (والذي لم يدل أهل رومية على مكانه في توراة موسى)، هو اقتباس مقتطع من (سفر التثنية)، وسوف أضع الكلمات التي أريد أن أشدد عليها بين [ ] لتركيز انتباه القارئ عليها:
(إن هذه الوصية التي أوصيك بها اليوم ليست عسرة عليك ولا بعيدة منك. ليست هي في السماء حتى تقول: من يصعد لأجلنا إلى السماء ويأخذها لنا ويسمعنا إياها [لنعمل بها]. ولا هي في عبر البحر حتى تقول: من يعبر لأجلنا البحر ويأخذها لنا ويسمعنا إياها [لنعمل بها]. بل الكلمة قريبة منك جدا، في فمك وفي قلبك [لتعمل بها]) [تثنية 30: 11-14]
لاحظ أن بولس حيث وردت كلمة (لنعمل بها) في نص سفر التثنية، وقد وردت [مرتين]، وكلمة (لتعمل بها)، وقد وردت [مرة واحدة]، أي المجموع (ثلاث مرات في هذا النص القصير جداً) قد (تعمد ألغائها من النص تماماً. هذا التعمد هو من الوضوح والتكرار بحيث لا يمكن إرجاعه إطلاقاً للسهو أو الخطأ). (تعمد التزوير في النص اليهودي المقدس عند بولس هو لسبب وجيه جداً عنده). فهذا النص يتكلم بكل وضوح على (وجوب العمل بنصوص التوراة والناموس) وهذا ما لا يريده بولس. فأخذ النص مجتزءاً، ثم (تعمد إلغاء) من النص كل ما يشير إلى (العمل)، ثم كتبه (مبتوراً) في رسالته إلى أهل رومية وأضاف له شرحاً (مخادعاً) جداً ليس له علاقة إطلاقاً بحقيقة النص ولا إلى ما يشير إليه في الحقيقة. أي هو تولى (بتعمد) شرح (عكس المقصود من النص) لهؤلاء المساكين من أهل رومية. وسوف (نتغاضى) هنا عن استبدال كلمة (البحر) بكلمة (الهاوية) حتى يستطيع بولس أن يبرهن على عقيدته في (قيامة يسوع).
وحتى يعي القارئ حقيقة ما كان يفعله بولس، وبتعمد، سوف أضع النصوص بجانب بعضها البعض:
1- النص عند بولس في رسالته لأهل رومية: (وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا: لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ أي ليحدر المسيح)
النص في سفر التثنية قبل التعديل (المتعمد) عليه في سفر التثنية [توراة موسى]: (إن هذه الوصية التي أوصيك بها اليوم ليست عسرة عليك ولا بعيدة منك. ليست هي في السماء حتى تقول: من يصعد لأجلنا إلى السماء ويأخذها لنا ويسمعنا إياها لنعمل بها)
2- النص عند بولس في رسالته لأهل رومية: (من يهبط إلى الهاوية؟ أي ليصعد المسيح من الأموات)
النص في سفر التثنية قبل التعديل (المتعمد) عليه في سفر التثنية [توراة موسى]: (ولا هي في عبر البحر حتى تقول: من يعبر لأجلنا البحر ويأخذها لنا ويسمعنا إياها لنعمل بها)
3- النص عند بولس في رسالته لأهل رومية: (لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك أي [كلمة الإيمان] التي نكرز بها)
النص في سفر التثنية قبل التعديل (المتعمد) عليه في سفر التثنية [توراة موسى]: (بل الكلمة قريبة منك جدا، في فمك وفي قلبك [لتعمل بها])
بل إن بولس (قد فعل ما هو أدهى). إذ تكلمة النص في (سفر التثنية) هو هكذا، وهو على لسان (إله موسى) مخاطباً إياه:
(أني أوصيتك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك في طرقه، وتحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه لكي تحيا وتنمو) [تثنية 30: 16]
فرب موسى هنا يؤكد على وجوب (حفظ الوصايا والفرائض والأحكام) التي أعطاها لموسى، أي على (حفظ الشريعة اليهودية) وهو ما (تعمد بولس إلغاؤه من النص أيضاً).
ما كتبه بولس لأهل رومية: (الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز بها)، كان (تزويراً متعمداً في النص المقدس اليهودي) وهو كان في الحقيقة (يخدعهم)، هذا واضح جداً. وما على القارئ الكريم إلا أن يعود إلى نص سفر التثنية كاملاً ليقرأه ثم ليعود ويقارنه مع ما كتبه بولس لأهل رومية، وسيكتشف الخديعة مباشرة.
بولس كان (يتعمد) التزوير في نصوص العهد القديم، وذلك لإثبات عقيدة هو اخترعها في يسوع الناصري. وكل من ينكر ذلك هو (يتعمد التضليل) على الحقيقة ذات (البرهان) الساطع.
.... يتبع
هــــــــــــــــــــــــــوامـــــــــــــش:
1- بولس – 13 – عصمة النص المسيحي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=459865
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بولس – 13 – عصمة النص المسيحي
-
بولس – 12 – بولس والنص اليهودي
-
بولس – 11 – بولس والنص اليهودي
-
نصوص حرق البشر المسيحية - 3
-
نصوص حرق البشر المسيحية – 2
-
نصوص حرق البشر المسيحية
-
بولس – 10 - بولس وإنجيل مرقس
-
لقاء الصالون الثقافي النسائي
-
بولس – 9 - بولس وإنجيل مرقس
-
بولس – 8 – بولس وإنجيل مرقس
-
بولس - 7 - بولس ويسوع
-
بولس – 6 – بولس ويسوع
-
بولس – 5 – بولس والشيطان
-
بولس – 4 – عقيدة التبرير
-
بولس - 3 - بولس والشيطان
-
بولس – 2 – بولس والشيطان
-
بولس - 1
-
في مسألة طيران بولس
-
حرام - وسيأتي
-
مغالطات يسوع المنطقية - 4
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|