أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الحركة الطبيعية-.. من وجهة نظر جدلية!















المزيد.....


-الحركة الطبيعية-.. من وجهة نظر جدلية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4771 - 2015 / 4 / 8 - 14:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




إنَّه سؤالٌ أجْهَد الفلاسفة والعلماء وهُمْ يَسْعون في إجابته، التي أتَت متباينة متناقضة؛ وإنِّي لأستطيع القول الآن إنَّ "الثلاثية الهيجلية" الشهيرة، والتي أبطالها، في هذا الأمر، أرسطو ونيوتن وآينشتاين، قد خَرَجَت منتصِرة من (أو حتى من) هذه المعركة؛ لكنَّ السؤال نفسه تظلُّ إجابته مُسْتَعْصِية على المرء إنْ لَمْ يُجِبْ، مِنْ قَبْل، عن سؤالين أوَّليين هما: "ما هي الحركة؟"، و"كيف تكون طبيعية (أو غير طبيعية)؟".

من غير "الجسم (أو الجسيم)"، ومن غير "المكان (أو الفضاء)"، لا وجود أبداً لـ "الحركة"؛ فـ "الحركة" إنَّما هي حركة "جسمٍ (أو جسيم)" في "المكان (أو الفضاء)"؛ إنَّها انتقال الجسم من موضع (أو نقطة) إلى موضع (أو نقطة) في الفضاء (أو على سطح الأرض، مثلاً).

وهذا "الانتقال (أيْ الحركة)" هو مُرَكَّب من عنصرين، هما: "السرعة" و"الاتِّجاه".

و"السرعة" نتوصَّل إليها من خلال إجابة السؤال الآتي: "كم متراً (مثلاً) يَقْطَع هذا الجسم في الثانية الواحدة (مثلاً)؟"؛ أمَّا "الاتِّجاه (الذي فيه يسير، أو يتحرَّك، هذا الجسم" فهو سؤالٌ نجيب عنه بما يوضح "كيف" يتحرَّك هذا الجسم، أيْ "شكل" حركته، أيْ "شكلها الهندسي"؛ فهذا الجسم، مثلاً، يسير في مسارٍ "مستقيم"، وذاك في مسارٍ "مُنْحَنٍ".

وحركة الجسم في المكان تشمل، أيضاً، "الدوران"، أيْ دوران الجسم حَوْل نفسه، أو حَوْل غيره، و"الاهتزاز".

"الحركة" إنَّما هي حركة "جسم (أو جسيم) ما"؛ إنَّها، على سبيل المثال، حركة "كرة"، أو "كوكب"، أو "إلكترون"؛ فلا وجود لـ "الحركة" في عالَمٍ يخلو تماماً من الأجسام والجسيمات، أو، بمعنى ما، من "المادة".

و"الحركة" إنَّما هي "الحركة في المكان"، أي انتقال جسمٍ (أو جسيمٍ) ما من موضِع إلى موضِع، أو من نقطة إلى نقطة، في "الفراغ (أو الفضاء، أو المكان). إنَّ هذه "الكرة" تنتقل الآن من موضِع إلى موضِع على سطح هذه الطاولة؛ وإنَّ هذه "المركبة الفضائية" تنتقل الآن من موضِع إلى موضِع في الفضاء (أو الفراغ).

كيف يمكن أنْ يتحرَّك جسم أو جسيم (كروي الشكل مثلاً) في الفراغ أو الفضاء أو المكان؟

قد يتحرَّك (أي ينتقل من موضِع إلى موضِع) في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم، أو منحنٍ (أو دائري، أو بيضاوي). قد يتحرَّك في موضعه (الاهتزاز). وقد يدور حَوْل نفسه (أو محوره).

أمَّا لجهة "سرعته"، أي "المسافة" التي يقطعها في "ثانية (أو دقيقة أو ساعة..)"، فقد يكون "سريعاً" أو "بطيئاً".

ما معنى أنَّ هذا الجسم يتحرَّك، أو يسير، بسرعة 10 أمتار في الثانية الواحدة، مثلاً؟

معناه نَقِف عليه في المثال الآتي:

أنتَ واقِفٌ (ثابتٌ في مكانكَ) على سطح الأرض، ولمَّا قِسْتَ وحَسبت سرعة هذا الجسم وجدتها 10 أمتار (بحسب مترك) في الثانية الواحدة (بحسب ساعتكَ). إنَّكَ، في هذه الحال، "المراقِب" الساكن، الثابت في مكانه. وهذا الجسم تَعْتَبِرَه "متحرِّكاً"؛ لأنَّه "يبتعد عنكَ"، أو "يقترب منكَ"؛ وتَعْتَبِرَه يتحرَّك بسرعة 10 أمتار في الثانية الواحدة؛ لأنَّه، وفي كل ثانية، "يبتعد عنكَ"، أو "يقترب منكَ"، 10 أمتار. إذا كان يسير "مبتعداً عنكَ" فإنَّه ابتعد عنكَ، بعد انقضاء الثانية الأولى، 10 أمتار؛ وبعد انقضاء الثانية الثانية، أصبح "يبعد عنكَ" مسافة 20 متراً؛ وبعد انقضاء الثانية الثالثة، أصبح "يبعد عنكَ" مسافة 30 متراً.

الحركة، أي حركة الجسم أو الجسيم في المكان، ومن وجهة نظر هندسية، إمَّا أنْ تكون في خطٍّ "مستقيم" وإمَّا أنْ تكون في خطٍّ "منحنٍ".

ومن وجهة نظر السرعة، إمَّا أنْ تكون "ثابتة (منتظَمة)"، أي لا تزيد ولا تنقص، وإمَّا أنْ تكون "متغيِّرة"، تزيد أو تنقص.

قُلْت إنَّها معركة خَرَجَت منها منتصِرةً "الثلاثية الهيجلية"؛ فَلْنَبْدأ، من ثمَّ، بـ "الأطروحة" Thesis التي يُمثِّلها أرسطو.

نَظَرَ أرسطو في حركة الأجسام؛ لكنَّه نَظَر فيها بعين الفيلسوف ـ العالم الذي لم يَكُن يَعْرِف قانون "القصور الذاتي"؛ لأنَّه لم يَكْن قد اكْتُشِف بَعْد.

نَظَر أرسطو، أوَّلاً، في حركة كرة (مثلاً) على سطح مستوٍ منبسط (كسطح طاولة). وتوصَّل إذ أدام وأمعن النَّظَر إلى أنْ لا حركة إلاَّ بـ "قوَّة خارجية"، وإلى أنَّ هذه "القوَّة"، المتأتِّية من جسم آخر، لن تَجْعَل الكرة (الساكنة) تتحرَّك إلاَّ بـ "التلامس (أو الاتِّصال Contact)"؛ فَمِن غير تلامس (أو اتِّصال) لا وجود أبداً للحركة في المكان.

كيف (أو لماذا) يتحرَّك الجسم في المكان؟

هذه كرة واقِفَة، ساكنة، ثابتة في مكانها، على سطح طاولة، تَدْفَعَها بيدكَ فتتحرَّك. إنَّ "شيئاً ما (طاقة حركية)" قد انتقل من يدكَ إلى هذه الكرة (الساكنة) فشرعت تتحرَّك. ويدكَ، في هذه الحال، هي "قوَّة"؛ هي "القوَّة الخارجية" التي لولاها لما تحرَّكت الكرة. وهذه "القوَّة" لا تؤثِّر، ولا تَفْعَل فعلها هذا، عن بُعْد، أو عبر الفراغ. لقد "مسَّت" يدكَ الكرة (إذ دَفَعَتْها) فتحرَّكت هذه الكرة. وتلك "الطاقة الحركية" ما أنْ انتقلت من يدكَ إلى الكرة حتى زادت "كتلة" الكرة.

بيدكَ "الدَّافعة"، والتي "مسَّت" الكرة الساكنة، انتقلت تلك "الطاقة الحركية" إلى الكرة، فشرعت الكرة تتحرَّك؛ لكن، وعلى ما ترى، هل تظل تتحرَّك إلى الأبد؟

كلاَّ، لا تظل؛ فالكرة ما أنْ تشرع تتحرَّك حتى تشرع سرعتها تتضاءل وتنقص حتى تتوقَّف الكرة تماماً عن الحركة.

إنَّ "قوى الاحتكاك (مع مقاوَمة الهواء)" بين الكرة والطاولة هي التي جعلت سرعة الكرة تتضاءل حتى توقُّفها التام عن الحركة، وإفقادها، من ثمَّ، ما اكتسبته من "كتلة".

كل مَنْ يجهل قانون "القصور الذاتي ((Inertia" لا بدَّ له من أنْ يتوصَّل إلى ما توصَّل إليه أرسطو؛ فأنتَ لو وَضَعْتَ نفسك مكان أرسطو، وفكَّرْتَ في الأمر بما يتوافَق مع حقائق (وأوهام) زمانه، أو عصره، لتوصَّلْتَ إلى أنَّ الكرة الواقفة على سطح طاولة (مثلاً) لن تتحرَّك من مكانها إلاَّ إذا دَفَعْتَها بيدكَ؛ فإذا دُفِعَت تحرَّكت، وشرعت سرعتها تتضاءل حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة. وهذا التضاؤل في السرعة حتى التوقُّف التام عن الحركة لم يَكُن في مقدور أرسطو أنْ يُفسِّره على أنَّه نتيجة تترتَّب حتماً على "قوى الاحتكاك (وفي مقدَّمها الاحتكاك بين سطحي الكرة والطاولة)"؛ فهذه القوى لم تَكُنْ مُكْتَشَفة بَعْد؛ ولو كانت مُكْتَشَفة لَتَبَيَّن لأرسطو أنَّ هذه "القوَّة"، أيْ "الاحتكاك"، هي الضديد (أو المقاوِم، أو الكابح) لحركة الكرة.

ولسوف تتوصَّل، أيضاً، إلى أنَّ استمرار الكرة في الحركة المنتظَمة (سرعةً واتِّجاهاً) يَسْتَلْزِم "قوَّة (خارجية)" منتظَمة ثابتة مستمرة (التأثير).

لنَفْتَرِضْ الآن أنَّ الكرة واقفة، ساكنة، لا تتحرَّك، على سطح الطاولة؛ فهل هي في هذه الحال من وجهة النظر الموضوعية للمراقبين جميعاً؟

كلاَّ، إنَّها ليست كذلك؛ فإنَّ مراقباً يراقبها من موضع ما يقع في خارج المجموعة الشمسية، مثلاً، يرى الكرة ثابتة على سطح طاولة، وثابتة أيضاً على سطح الكرة الأرضية؛ وفي الوقت نفسه يراها تتحرَّك مع سطح الأرض (لدوران كوكب الأرض حَوْل نفسه) وتتحرَّك، أيضاً، مع كوكب الأرض (لدورانه حول الشمس).

تلك الكرة ثابتة، ساكنة، لا تتحرَّك، على سطح الطاولة؛ لكن هل يمكنها (تلك الكرة) أنْ تكون في هذه الحالة من السكون من غير أنْ تكون، في الوقت نفسه، جزءاً من جسم (كوكب الأرض) يتحرَّك؟!

ونَظَرَ أرسطو، من ثمَّ، في السماء، أيْ في حركة الكواكب، مثلاً، والتي بَدَت له حركة دائرية، فتساءل قائلاً: كيف لهذا الكوكب أنْ يتحرَّك في المكان، أيْ أنْ يسير في مسارٍ دائريٍّ، في غياب "قوَّة (منتظَمة)" تُحرِّكه بـ "التلامس (أو الاتِّصال)"؟".

كان يكفي أنْ يتساءل على هذا النحو، أو في هذه الطريقة، وبما يتوافَق مع ما اعتدَّه "مسلَّمات"، حتى يجيب قائلاً إنَّ "الحركة الطبيعية" للجسم هي حركته الدائرية في الفضاء، الذي يخلو من "قوى التلامس (الخارجية)"، ومن ذاك "السبب الخَفي" الذي جَعَل الكرة المتحرِّكة على سطح طاولة تتباطأ حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة.

إنَّ "الحركة الطبيعية"، بحسب أرسطو، والذي يمثِّل "الأطروحة" في هذه "الثلاثية (الفكرية) الهيجلية"، هي "الحركة الدائرية (بسرعة ثابتة)" للجسم، والتي مكانها السماء، أو الفضاء.

وظلَّ الناس زمناً طويلاً على إيمانهم بهذه "الأطروحة"؛ وشقَّ عليهم، من ثمَّ، اكتشاف قانون "الجاذبية" كما بسطه وشرحه نيوتن؛ فكيف لهم أنْ يكتشفوا هذا القانون وهُمْ يؤمنون إيماناً لا يتزعزع باستحالة وجود "القوَّة (الخارجية) التي تمارِس تأثيراً عن بُعْد"؛ فـ "التلامس (أو الاتِّصال)"، بحسب وجهة نظر أرسطو، هو الشرط الأوَّلي للحركة.

وبعد "الأطروحة"، جاء "النقيض (أو النقيضة، أو النفي، أو التضاد، أو التناقض)" Antithesis، الذي يُمثِّله نيوتن، الذي أجاب عن سؤالي "هل من وجود للحركة الطبيعية؟"، و"كيف تكون؟"، قائلاً إنَّها موجودة، وإنَّها حركة الجسم في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيمٍ، وبسرعةٍ ثابتةٍ (لا تزيد ولا تنقص).

إنَّها ليست سَيْره في مسارٍ مُنْحَنٍ، أو دائري، أو بيضاوي؛ وإنَّها حركته الحُرَّة من "القوى الخارجية"، أيْ من قوى الدَّفْع والسَّحب؛ فـ "القوى الخارجية" تُفْسِد "الحركة الطبيعية" للجسم إذا ما تعرَّض لها.

وإلى "قوى التلامس" المُفْسِدة لـ "الحركة الطبيعية" ضمَّ نيوتن "الجاذبية" التي عَدَّها "قوَّة" Force، تمارِس تأثيراً عن بُعْد؛ وهذا "التأثير"، الذي ظلَّت فكرته غامضةً مبهمةً، في تصوُّر نيوتن، ينتشر "فوراً" من مَصْدَرِه (عبر الفضاء) إلى أيِّ موضع في الكون، ومهما بَعُدَ، أيْ أنَّه تأثير لا ينتقل (في الفضاء) بسرعة الضوء على ما أوضح آينشتاين في نظريته "النسبية العامة".

لو رأى نيوتن جسماً ما يسير (في الفضاء) بسرعة ثابتة (لا تزيد ولا تنقص إلى الأبد) وفي خطٍّ مستقيم (إلى الأبد) لقال إنَّ هذا الجسم في "حركة طبيعية"؛ ولو رأى سرعته تزيد، أو تنقص، مع استمراره في السير في مسارٍ مستقيم، أو لو رآهُ يخرج عن الاستقامة في خطِّ سيره، مع بقاء سرعته ثابتة، لقال إنَّه أصبح "متسارِعاً"، أو في "حركة غير طبيعية".

أمَّا "السبب" الذي جَعَل هذا الجسم في "حركة غير طبيعية (أي في حالة تسارُع)"، فهو، بحسب نظرية نيوتن، "قوَّة خارجية"، دَفَعَتْه أو سَحَبَتْه؛ وهذه "القوة" إمَّا أنْ تكون من "قوى التلامس" وإمَّا أنْ تكون "قوَّة" الجاذبية، الخفية الغامضة المبهمة، التي تمارِس تأثيرها (اللحظي) عن بُعْد.

و"الخطُّ (أو المسار) المستقيم"، عند نيوتن، هو "المسافة الأقصر بين نقطتين"، على أنْ تكون هذه المسافة مستقيمة استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة؛ وهذا "المستقيم (النيوتني)" لا يُوْجَد إلاَّ حيث لا وجود (أو لا تأثير) للقوى الخارجية كافة، أكانت من "قوى التلامس" أمْ من "قوى" الجاذبية؛ فـ "الفضاء"، عند نيوتن، ليس بالشيء القابل لـ "الانحناء"، ولا بدَّ له، من ثمَّ، من أنْ يظل (كله، وإلى الأبد) مستوياً منبسطاً، أيْ على هيئة سطح طاولة.

مسرح "الحركة الطبيعية (النيوتنية)" إنَّما هو الفضاء (النيوتني)" الذي يخلو تماماً من "المادة"، أي من الكواكب والنجوم..، ويخلو تماماً أيضاً من "القوى الخارجية" التي قد تؤثِّر في الجسم، ومن مصادِر ومنابع وحقول الجاذبية.

في هذا الفضاء، وفيه فحسب، يكفي أنْ تَدْفَع بيدكَ كرة حتى تتحرَّك إلى الأبد، بالسرعة نفسها، وفي الاتِّجاه نفسه (أيْ في خطٍّ مستقيم استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة). وأيُّ تغيير في سرعة هذه الكرة، أو في اتِّجاه حركتها، لا يمكن أنْ يُفْهَم ويُفسَّر إلاَّ على أنَّه نتيجة تأثُّر الكرة بـ "قوَّة خارجية ما"، أو بـ "جاذبية ما"، فالكرة، وبصفة كونها جسماً يملك خاصية "القصور الذاتي"، لا يمكنها أبداً أنْ تُغيِّر حركتها من تلقاء نفسها.

وفي هذا الفضاء الحُرُّ من القوى والجاذبية ينبغي لنا أنْ نفهم "السكون" و"السَّيْر بسرعة ثابتة في مسارٍ مستقيم" على أنَّهما وجهان لـ "الحركة الطبيعية".

ومع ظهور "النسبية العامة" لآينشتاين تهيَّأت الأُسُس النظرية لـ "الطور الثالث (والأخير)" من "الثلاثية الهيجلية"، ألا وهو "المُركَّب (التركيب، التأليف، أو نفي النفي" Synthesis.

لقد فَهِمْنا خاصية "القصور الذاتي" للجسم (أو للجسيم أكان يملك كتلة أم كان عديمها) على أنَّها "العجز (المُطْلَق) للجسم عن تغيير حركته (من تلقاء نفسه) فلا بدَّ من "قوَّة (خارجية)" تُكْرِه وتُرْغِم الجسم على تغيير سرعته، أو اتِّجاهه، أيْ على الخروج عن "حركته الطبيعية (المنتظَمة)".

لكنَّ هذه الخاصية تعني، أيضاً، "المقاوَمة"؛ فالجسم يبدي "مقاوَمة" لكل تغيير في حركته، متأتٍّ من "قوَّة (خارجية)"؛ ولا بدَّ لهذه "القوَّة" من أنْ تتغلَّب على هذه "المقاوَمة" قبل، ومن أجل، تغيير حركة الجسم، أيْ إخراجه عن "حركته الطبيعية، المنتظَمة (سرعةً واتِّجاهاً)".

على أنَّ التغلُّب على هذه "المقاوَمة" لا يعني أبداً "القضاء عليها قضاءً مبرماً"؛ فهذا "التغلُّب" يجب فهمه على أنَّه "احتفاظٌ بهذه المقاوَمة في الوقت نفسه"؛ ولعلَّ خير دليل على ذلك هو أنَّ كل تسارُع (جديد) للجسم (أو الجسيم) يجعل تسارعه (التالي) أشد صعوبةً من ذي قبل، فـ "مقاومته (للتغيير في حركته)" تقوى وتشتد مع (وبفضل) كل تغلُّبٍّ عليها.

"المقاوَمة" التي يبديها الجسم لكل تغيير في حركته يمكن وصفها بأنَّها "انتفاضة القصور الذاتي"، فالجسم يميل إلى أنْ يبقى في "حركة طبيعية"، فإذا تعرَّض لتأثير "قوَّة (خارجية)"، تدفعه أو تسحبه، "انتفض"، وكأنَّه يُدافِع عن "حقِّه" في البقاء في حالة "حركة طبيعية منتظَمة".

وإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نقف على النتائج المترتبة حتماً على "المقاوَمة" التي يبديها الجسم، أيْ على "انتفاضة قصوره الذاتي"؛ فهذه "المقاوَمة" مع نتائجها الحتمية، إنَّما هي خير دليل على أنَّ الجسم ما عاد في حالة من "الحركة الطبيعية المنتظَمة".

إذا كنتَ في داخل "حجرة (ضئيلة الحجم والكتلة)" تسير في الفضاء الحُرِّ (من الجاذبية والمادة) بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم، فإنَّك لن ترى في داخل هذه الحجرة من النتائج والتأثيرات والظواهر ما يَدُلُّ على أنَّ حجرتك في حالة مقاوَمة، أو في حالة انتفاضة لقصورها الذاتي؛ فالأجسام (ومنها جسمك أيضاً) في داخل الحجرة منعدمة الأوزان، لا جسم يسقط (إلى أرضية الحجرة) سقوطاً حُرَّاً، والجسم (أو الضوء) إذا سار في داخل الحجرة فلا يسير إلاَّ في مسارٍ مستقيم.

هذه الحجرة (غير المتسارعة) تسير قاطعةً دائماً (أيْ كل ثانية مثلاً) المسافة الأقصر بين نقطتين (في هذا الفضاء المخصوص). وهذه المسافة هي دائماً على هيئة مستقيم كالمستقيم المرسوم على ورقة.

الحجرة نفسها نُقِلَت الآن إلى "الفضاء الآخر"، أيْ إلى فضاء مليء بحقول الجاذبية؛ لكنَّه يخلو تماماً من القوى الخارجية التي يمكن أنْ تؤثِّر في حركة الأجسام فيه.

وهذه الحقول، ولجهة تأثيرها في حركة الأجسام، ليست بـ "قوَّة (خارجية)"، أو ليست من جنس "القوى الخارجية"، على ما أوضح آينشتاين في نظريته "النسبية العامة"، أو في نظريته في "الجاذبية"؛ فآينشتاين خالف نيوتن، ووافق أرسطو، إذ قال باستحالة وجود "قوَّة تمارِس تأثيرها عن بُعْد (وعلى نحو مبهم وغامض ومُلْغَز)".

الحجرة الآن، وفي هذا الفضاء المنحني، لا يمكنها أنْ تسير إلاَّ في مسارٍ منحنٍ؛ فانحناء الفضاء يُنْتِج، حتماً، انحناءً (موافِقاً له) للمسار الذي تسير فيه الحجرة، والتي لا شيء يمكنها فعله إلاَّ "الانقياد" لمسارها، فهي تَتَبْع دائماً المسار.

ومع ذلك، هي تسير دائماً (في هذا الفضاء المنحني) في خطٍّ يمثِّل المسافة الأقصر بين نقطتين، والتي هي (أي المسافة) منحنيةً بانحناء هذا الفضاء.

وهذا إنَّما يعني أنَّ "المسافة الأقصر بين نقطتين" إمَّا أنْ تكون مستقيمة استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة (في الفضاء المستوي المنبسط، الحُرُّ من المادة والجاذبية) وإمَّا أنْ تكون منحنية بما يتوافق مع انحناء الفضاء نفسه.

وفي هذا الفضاء المنحني، نرى الحجرة تدور في مدارٍ (ثابت) حول جسم ضخم الكتلة (الشمس مثلاً) أو تسقط سقوطاً حُرَّاً نحو سطح جسم ضخم الكتلة (الأرض مثلاً).

الدوران في مدارٍ، ولو كان بسرعة ثابتة، إنَّما هو "تسارُع"؛ لكونه سيْراً متغيِّر الاتِّجاه دائماً؛ فالحجرة الدائرة تسير متَّجِهةً دائماً نحو الداخل، أي نحو المركز، أي نحو سطح أو مركز الشمس مثلاً.

وسقوطها الحُرُّ نحو سطح الأرض مثلاً هو أيضاً "تسارُع"؛ لكونه سيْراً بسرعة متزايدة (نحو سطح الأرض).

لكنْ، لا هذا التسارع، ولا ذاك، يمكن نَسْبه إلى الحجرة نفسها؛ لأنَّها جسم "قاصِر ذاتياً"، أيْ لا يستطيع أنْ يُغيِّر سرعته أو اتِّجاهه من تلقاء نفسه؛ كما لا يمكن نَسْبه إلى "قوَّة خارجية (تَدْفَع أو تَسْحَب الحجرة)"؛ لأنْ لا وجود لهذه القوَّة على ما افترضنا؛ إنَّنا ننسبه فحسب إلى "الجاذبية"؛ لكنْ ليس بصفة كونها "قوَّة"، أو "قوَّة تَعْمَل عن بُعْد"؛ وإنَّما بصفة كونها انحناءً في الفضاء (الذي توجد فيه، وتسير، هذه الحجرة).

وأنتَ الموجود في هذه الحجرة لن ترى في داخلها من الظواهر إلاَّ ما رَأيْتَه من قبل، أيْ عندما كانت الحجرة تسير في الفضاء (الحر من الجاذبية) بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم.

وهذا إنَّما يعني أنَّ الحجرة الدائرة في مدار، أو الساقطة سقوطاً حُرَّاً، ليست في حالة من المقاومة، أو من انتفاضة القصور الذاتي؛ وهذا إنَّما يعني أيضاً أنَّها في حالة من "الحركة الطبيعية"، من وجهة نظركَ أنتَ الموجود في داخل هذه الحجرة.

"الحركة الطبيعية" للحجرة (أو للجسم على وجه العموم) نراها في الفضاء المنبسط، وفي الفضاء المنحني؛ ففي "المنبسط" من الفضاء، نراها في الحجرة التي تسير بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم؛ أمَّا في "المنحني" من الفضاء فنراها في حجرة تدور في مدار، أو تسقط سقوطاً حُرَّاً؛ أمَّا الحركة "غير الطبيعية" للحجرة فهي كل تغيير في حركتها متأتٍّ من قوى خارجية؛ إنَّها كل تغيير يستثير مقاومةً له، فَتَشْعُر بها، وبنتائجها، أنتَ المراقب الموجود في داخلها.

في "الأطروحة"، أيْ بحسب نظرية أرسطو، كانت الحركة الطبيعية هي "الدائرية" التي تتَّخِذ من السماء، أيْ الفضاء، مسرحاً لها؛ وكانت "القوَّة (الخارجية)"، الملامسة للجسم، المتَّصِلة به، والثابتة في تأثيرها، هي الشرط لحركته المنتظَمة، سرعةً واتِّجاهاً؛ فالجسم على سطح الأرض لن يظل يسير بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم، إلاَّ إذا أثَّرت فيه، مباشَرَةً، وعلى نحو منتظَم، قوَّة خارجية.

وفي "النقيض"، أيْ بحسب نظرية نيوتن، أصبح السير في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة، هو الحركة الطبيعية؛ وأصبحت "القوَّة (الخارجية)" نفياً للحركة الطبيعية؛ لأنَّها تأتي بـ "التسارع"، الذي هو نفيٌ للحركة الطبيعية المنتظَمة.

وفي "المُركَّب"، أيْ بحسب نظرية آينشتاين، أو بحسب بعضٍ من أُسُسها، رَأيْنا الحركة الطبيعية في حجرةً حُرَّة من ضغوط القوى الخارجية، تسير في الفضاء المنبسط بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم، أو تدور في الفضاء المنحني في مدارٍ ثابت، أو تسقط سقوطاً حُرَّاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما معنى الاتفاقية النووية بين طهران وواشنطن؟
- ولادة توازن إقليمي جديد!
- كيف يُساء فَهْم -السفر في الزمن-!
- لهذه الأسباب يَفْشَل المؤوِّلون في إثبات كروية الأرض في القر ...
- جَدَل -الحقيقة-
- بأيِّ معنى يتوقَّف الزمن؟
- الدكتور النجار يَعْثُر على نظرية -النسبية- في القرآن!
- لعبة -الأَسْلَمَة-.. أما حان لها أنْ تنتهي؟!
- رِبا إسلامي يسمَّى -المرابَحَة-!
- مصطفى محمود في حواره المُبْتَذَل مع صديقه الملحد!
- كيف غرسوا فكرة -فناء المادة- في تربة الفيزياء!
- لو أُغْلِق المسار التفاوضي بين واشنطن وطهران!
- موطن الاستعصاء في -المفاوضات النووية- بين طهران وواشنطن!
- -السياسة- بين -المثالي- و-الواقعي-
- -الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية
- في نسبية -الآن-
- عندما يصبح اللجوء إلى المجتمع الدولي إرهاباً!
- هكذا تكلَّم أوباما!
- هل تورَّط الأردن؟
- سياسة بعيون ميثولوجية!


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الحركة الطبيعية-.. من وجهة نظر جدلية!