أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - الغضب والعزلة














المزيد.....

الغضب والعزلة


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 10:57
المحور: الادب والفن
    


الغضب والعزلة_ثرثرة من الداخل

كنت لأفعل أشياء كثيرة ومختلفة, لو أن إرادتي لم تتجمد وعقلي لم يتوقف عن التفكير
لكن ما حدث صار جزءا من الماضي وانتهى الأمر. يصعب معرفة ما لم نختبره بأنفسنا عدا عن فهمه وقبوله, هكذا وجدت نفسي في سن ال22 بين المرض والحرمان, وحتى اليوم لا أستطيع قبول الأمر ولا أستطيع تغييره. المرض أو الفقر أو سوء التكيف, تكفي إحدى المصائب الثلاثة لتحيل حياة المرء إلى جحيم.
الهرب إلى الأمام أسلوب وخيار, لا بد منه أحيانا لكن بعدما يتحول إلى نمط حياة, يكون طريق الخسارة والانفصال عن الواقع قد انفتح ويتعذر تغيير الاتجاه ثانية.
أخبرني الطبيب بعدم وجود كلية يسرى عندي, وشرح لي أنها حالات معروفة في الطب, فالبعض برئة واحدة أو كلية وأحيانا ثلاث, ولا داعي للقلق بهذا الشأن, لكن نوبات الألم بقي مصدرها مجهولا, وفي سنة أل 86 في اللاذقية تبين وجود كلية يسرى هابطة ومتضخمة ويلزم استئصالها بسرعة, وذلك ما حصل.
من الصعوبة بمكان وصف عالم الداخل وما يحدث فيه بشكل دقيق, وأكثر ما يمكن الحديث عنه يتوقف عند حدود الشعور والذاكرة, وكلاهما انتقائيان دوما. وما حدث هو ازدياد الشعور بالسخط ثم الغضب المتزايد, و أظن العجز عن إيجاد حلول مرضية هو ما أوصلني إلى التفكير العدمي, وبدوره كان يزيد من الشعور بالغضب لينتج عنه تناقص الأصدقاء والوصول إلى العزلة المخيفة.

التجربة مع التدريب يوصلان إلى اكتساب المهارات, يلزم الجهد في وقت لاحق, ذلك ما ينساه أهلنا وأصدقائنا, فيلقى اللوم علينا نحن المستوحدون البؤساء, ويستمر الضغط والضيق النفسي, حتى تستنفذ طاقتنا ونبدأ بالاستغاثة والصراخ, لكن لسوء الحظ بعد فوات الأوان, ونادرا ما تم إنقاذ أحد.

*

ما يجري في عالم الداخل يحدد الفكر والسلوك, وهو شرط ثابت لا يتغير.
البعض يمتلكون موهبة الحب ويكتسبون المهارات الاجتماعية يوما بعد آخر, كم تمنيت لو كنت من ذلك الصنف, بعد المرض بدأت بكراهية أجزاء كبيرة من نفسي وفي حالات كثيرة, صار الخوف محور حياتي, خوف من الحاجة خوف من العزلة خوف من المجهول. اختلاط المشاعر, فقدان الثقة, رفع سقف التوقعات إلى الحدود القصوى, زاد من ابتعادي عن الجميع, صرت أراهم من بعيد.
مع الزمن تتحول الأحداث المؤلمة إلى ذكريات حميمة أو كوابيس, كما تتحول الفكرة بشكل دائم إلى حياة أو إلى جدران.
كنت أشعر في الليل والنهار وأنا أمشي في شوارع اللاذقية أ نهم يرون هيكلي العظمي, تمنيت أن أتوارى أو ابتعد أو أختفي, ولما تعذر ذلك, صرت أثرثر بلا حساب هربا من العزلة والغفلة. غالبا ما كانت مأساتي امرأة, لتأتي أخرى جديدة وغريبة في البدء, تمد لي حبل النجاة, دون أن أصدق إلا بعد فوات الأوان أنها كانت حقا من لحم ودم, وأن ما خسرته تحت مطر اللاذقية وقرب بحر اللاذقية حقيقي ولا يستعاد.
عشت أربع سنين وأنا مقتنع بان أيامي محدودة, وذلك غيّرني في الجوهر. وبعد ها سأعرف بأني من طويلي الأعمار وذلك يربكني ويزيد في ضياعي.

*
في سنتي الجامعية الثانية كنت على أبواب العشرين, وقرأت لا ئحة رسوبي في أكثر المواد, لم أنزعج, على العكس تماما كنت مبتهجا, ورأيت وجه أبي بين جمع من معارفه, وهم يتهكّمون بأصوات عالية ابنك راسب. حيّرني ذلك الشعور فعلا, ولم تمضي سنة حتى كنت أدخن بشراهة وأسكر حتى التعتعة, وناصبت العداء لأبي الحقيقي ولجميع رموز الأب, صارت "اللا" هويتي المفضّلة, وانفتح بئر الغضب.
تشبه حياتي صفحة ممحوّة عشرات المرات, والنصوص التي كتبت عليها سابقا, من الديني والقومي مرورا باليساري وصولا إلى الليبرالي, محتها الأحداث اللاحقة وبقيت الصفحة في خليط عشوائي تتقاطع فيه الخطوط والأزمنة, مثل بقايا قبر قديم.
الحرمان من الحاجات الأساسية, مع الفقر والمرض والشعور المديد بالظلم, كلها مولدات دائمة للغضب, وإذا اجتمعت يتجاوز الغضب عتبات الأمان, بين الغضب و العزلة طريق مستقيم يتعذر تجنبه. لقد عبرته مرارا وانسحبت وأنكرت الواقع, لكنني أعود بمساعدة امرأة تتركني بدورها في منتصف الطريق وتغادر.
وكلما سقطت وجدت الهاوية عمق.



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأوهام_ثرثرة من الداخل
- مأساة هدى أبو عسلي_مأساة سوريا
- العين الثالثة_ثرثرة من الداخل
- ابن الكل_ ثرثرة من الداخل
- ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية
- الآخر السوري_ثرثرة من الداخل
- لو أن الزمن يسنعاد
- الزيارة
- الذكاء العاطفي السوري(الكنز المفقود)
- محنة النساء في سوريا
- نساء سوريا الغبيات
- على هامش مهرجان جبلة الثقافي
- المهرجان والوعد
- الليبرالية تحت الشعار
- الارهاب مسؤولية مشتركة
- جميلة هي البلاد التي أغلقت أبوابها
- خاتمة أشباه العزلة
- رالف
- ظل أخضر
- أبواب متقابلة


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - الغضب والعزلة