|
رسالة خاصة من الرئيس حسني مبارك .. طُزّ في حمارك
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 07:03
المحور:
كتابات ساخرة
رأيت فيما يرى نصفُ النائم، نصفُ الدائخ، وكنت متدثرا حتى أرنبة أنفي، أنني تسلمت رسالة بالبريد المستعجل المسجل في مظروف بني اللون صادر عن رئاسة الجمهورية، مكتب السيد الرئيس! فتحته على عجل ممزقا عن غير قصد طوابع البريد والتي كان واحد منها يحمل صورة سيدة مصر الأولى، ولم يكن هناك أي طابع بريد تزينه صورة شاب مصر الأول! تسارعت ضربات قلبي، وتبادر لذهني أنني قرأت عدة كتب عن ( القراءة السريعة) لعلها تساعدني في أن أقفز فوق السطور لأصل إلى التوقيع قبل أن يرتد إلى طرفي كانت الرسالة مكتوبة على جهاز ماكنتوش، لكن التنسيق كان بدائيا وبدا لي كأنه خارج من البنك المصري الأمريكي، فرع شبراخيت لم تصدق عيناي للوهلة الأولى أن الخطاب من الرئيس نفسه وليس بتوقيع الدكتور زكريا عزمي، فما أعرفه أن الرئيس ليس لديه وقت لصغائر الأمور، فهو، رعاه الله، لا يحصي أعداد المعتقلين المظلومين، ولا يعرف الحساب الختامي للبنك المركزي بعد نهب عشرات المصارف والبنوك، ولا يعرف أعداد مواطنيه في الخارج أو أسباب الديون الداخلية، فكيف يرسل لي خطابا ممهورا بتوقيعه؟ سقطت من بين يدي نظارة القراءة، فالتقطها في لمح البصر كأني أخشى أن يختفي الخطاب، ثم قرأت:
السيد محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
عندما أبلغني رجالي بنتائج فوزي في الانتخابات تذكرتُ على الفور مقالك الذي عنونته في منتصف أغسطس بــ ( حمار يقدم شكوى إلى الرئيس حسني مبارك ) والذي كان مطلعه
سيدي الرئيس، لن أطيل عليك لمعرفتي المسبقة بأن وقتَك الثمينَ لم يعد ملكا لك وحدك، فهو موزعٌ ما بين اتصال من الدكتور ماير في ميونيخ للاطمئنان على صحتك، وعلى أن عزرائيل لن يقوم بزيارة مفاجئة إلى شرم الشيخ أو قصر العروبة أو قصر عابدين، وما بين انشغالك في تحديد نسبة نجاحك في الانتخابات ولعلك ترى أن 87% قد تكون مُرْضية للدكتورة كوندي، وما بين زيادة الطلبات من الذين لم ينهبوا من الوطن ما يكفيهم في ربع القرن المنصرم ويريدون بقية الكعكة المصرية، ورهن قناة السويس أو حقول البترول أو احتياطيات الوطن المسكين مما بقي في مصارفه المنهوبة.
كان حمارك محقا في النسبة المئوية التي وضعها لي، فلم أكن لأقبل بأقل منها حفاظا على كرامتي، ولو خرج المصريون كلهم عن بكرة أبيهم ورفضوا ولايتي الخامسة ومنحوا أصواتهم لأحمد الصباحي، مثلا، الذي منح بدوره الأولوية لارتداء الطربوش قبل حقوق المواطن، فإن النسبة المئوية التي أمرت بها أتباعي لم تكن لتتغير حتى لو تم فتح صناديق الاقتراع في البيت الأبيض وتحت اشراف الدكتورة ذات البشرة السمراء. الآن يمكنك أن تتفق مع حانوتي في أي مكان خارج مصر ليدفنك بعد رحيلك في مقبرة باردة بعيدا عن وطنك، فأنا باق في القصر الجمهوري، وقائمة المترقب وصولهم إلى مصر ستظل كما هي، وإذا تأخر عزرائيل عن زيارتي عامين أو أكثر بقليل فقد أحكم لكم العقدةَ التي لا حل لها، ومارأيتموه، وسمعتموه، ولمستموه في ربع القرن الفائت هو ( لعب عيال ) مقارنة بفترة حكم ابني الذي سيسلخ جلودكم، وسيكسر عظامكم، وسيجعلكم تتحسرون على عهدي حيث كان أقصى ما يفعله ضابط أمن في قسم للشرطة أو التخشيبة هو أن يعلق المواطن من قدميه في سقف مكتبه، أو يصب كيروسين عليه ليلا ويشعل فيه النار أو يأمر مخبرا بأن يضع العصا في فتحة شرج المواطن وسط ضحكات هستيرية من المرشدين والمخبرين وضباط الصف، فقيمة المصري في عهدي أقل من ديدان الأرض وجيفاتها. عد إلى كتاباتك في العشرين عاما الماضية والتي ذهب ظنك البائس بعد الانتهاء من نشر كل مقال أن الماء سينبجس من الحجر، وأن مظاهرة ستندلع في قلب عاصمة المعز، وأن كلماتك ستوقظ روح الكرامة المصرية، فإذا بك تبدأ من نقطة الصفر عشرات المرات. كانت تصلني مطبوعتك التي ترسلها للآلاف، وأقرأ فيها ( وقائع محاكمة الرئيس حسني مبارك ) و( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تهرب) و ( سيدي الرئيس .. لا تصدقنا فنحن جبناء ) و ( الرئيس حسني مبارك يضحك في جنازة وطن ) و ( حوار بين الرئيس مبارك وإبليس ) و( رسالة مفتوحة لأم الدنيا .. ماذا فعل بك هذا الرجل )، وكنت اضحك وأغضب وأسب وألعن، لكن ثقتي في الرغبة الدفينة للمصريين أن يظلوا تحت حذائي بحجة عدم وجود بديل قد جعل كل الكتابات المعارضة التي تصرخ بها أنت أو غيرك، وتشتعل بها صحف المعارضة، أو جَمْعَ مجدي أحمد حسين لمئات الآلاف من التوقيعات بضرورة عزلي ومحاكمتي، أو المقالات المفخخة للدكتور محمد عباس، أو القاتلة للدكتور عبد الحليم قنديل، تذوب في قيظ القاهرة، أو تنزوي وتختفي مع السحابة السوداء كما تختفي أموال المصارف في جيوب حيتان عهدي الذين قمت بصناعتهم ، ونفخ كروشهم، وتسميم أنيابهم، وقتل ضمائرهم. قمت بعمل مسرحية انتخابات أمريكية في وادي النيل يعجز آرثى ميللر لو كان حيا أن يفعل مثلها، وأخرجها لي أصدقاء وريثي، ونزعوا عني الصورة التقليدية في ولاياتي الأربع الجحيمية، وجعلوني شابا في الثمانين، ومتسامحا يختفي خلفه ثلاثون ألف معتقل جلهم من الأبرياء المشتبه بهم والذي يبكيهم نصف مليون مواطن هم عدد أفراد أسرهم وأقاربهم وعائلاتهم وأحبابهم. وكما توقعت، تفرقت المعارضة المصرية، واختلفت في مفهوم الوطن، وغابت ذاكرة الكثيرين، وطمع البعض في التلميع الذاتئ في الانتخابات، واكتفى آخرون بشرف المنافسة أمامي، وتعهد أحدهم أن يقوم باهدائي فوزه فحصل على أقل من خمسة آلاف صوت هم سكان عمارته وثلة من معارفه.
إنني أعلم أنك تحدثت هاتفيا مع الدكتور أيمن نور، وأرسلت له عدة فاكسات تحثه وتحرضه على الانسحاب من الانتخابات والدعوة للعصيان المدني بالتعاون مع ( كفاية ) و الأحزاب الأخرى المعارضة، وقمت بتحذيره من مؤامرات ضده لتحجيمه، أو التسبب في فضيحة أخلاقية، فأيدي النظام قذرة، كما وصفتها أنت، في استدلالك بتصرفات بلطجية نظامي مع الدكتور عبد الحليم قنديل . عصيانك المدني فاشل قبل أن يبدأ، وحتى لو استمعت بأم اذنيك وقرأت بعينينك المتعبتين عن حماس قيادات وطنية للعصيان المدني فهي كلمات تذهب مع الرياح، وينساها صاحبها قبل شروق شمس اليوم التالي، وهكذا كتب المستشار طارق البشري في أكتوبر من العام الماضي يدعو للعصيان المدني وبعدها بعدة أشهر كتب مقالا مناقضا يفسر فيه ذلك العصيان تفسيرا مخدرا يتعارض مع دعوته الأولى. والدكتور عبد الحليم قنديل خصمي الأول في الصحافة المعارضة الذي حاول رجال ابني تأديبه فازدادت كلماته شراسة وعنفا وفضحا لممارساتي وأسرتي، لم يشر ولو مرة واحدة طوال دعوتك للعصيان المدني التي امتدت لنصف عام تقريبا، ومضت عدة أشهر وهو يقول بأنه سيجمع مئة ألف متظاهر يسقطون نظام حكمي في ثلاثة ايام وثلاث ليال، ولا يزال ينتظر رغم أن امكانياته تسمح له ولصحيفته باكتشاف أن نظامي أوهن من خيط العنكبوت. وحمدين صباحي تحمس للعصيان المدني شهرا أو شهرين ومعه أعضاء حزب ( الكرامة ) ثم انحسر هذا الحماس وتبخر في هواء القاهرة الملوث. ومجدي أحمد حسين الذي صرح أنه أول من قام بالدعوة للعصيان المدني انشغل عنها بمحاكمات لنظامي موثقة في مئات القرائن والأدلة والشهود لكنها ستنتهي كما انتهت حلقات فضح يوسف والي، فكل ما على أرض مصر من مؤسسات قضائية وتشريعية وأمنية ومالية واجتماعية ودينية هي بين اصبعين من أصابعي أقلبها كيفما اشاء.
السيد محمد عبد المجيد، ألم يدب اليأس في نفسك بعد عشرين عاما من مناهضة نظامي؟ ألم تبلل دموعُك على بلدك وجهَك عشرات المرات، واستنهضت هِمَمَاً، واستنفرت رجالا، وغرزت ريشة قلمك في كرامة أبناء بلدك فلم تحرك ساكنا، بل جاءتك مئات الرسائل تسخر منك، وتتهكم عليك، وتشكك في وطنيتك لأنك واحد من عدة ملايين مصري في الخارج حرمهم قراري من الحق المواطني في التصويت، وحرمهم أبناء الشعب مرة ثانية عندما استكثروا عليهم الاهتمام بقضايا الوطن، وجعلوا غربتهم مضاعفة فأضحوا غرباء في الداخل ومنبوذين في الخارج؟ ألم تفهم بعد أن العصيان المدني خط أحمر لا يتجاوزه أكثر خصومي شراسة، لكنني لا أمانع في أن يتطرق إليه بين ألفينة والأخرى لزوم لعبة السلطة والمعارضة فكل منها تلمع الأخرى لتحتفظ بها أمام عيون الرعية التي تنظر ببلادة وبلاهة فلا تفهم ما يجري على الساحة، وإذا فهمتْ صمتتْ، وإذا صمتتْ سلَمتْ من قبضتي ولا مانع من كف غليظة فوق القفا لاتدري إن كانت للتذكير بأن سيد القصر موجود أو لنسيان أن سيد القصر موجود! تعمدت في حملتي الانتخابية التي تشبه اعلانات دجاج كنتاكي وتشيكن ناجتس أن أمعن في اذلال المصريين فلم أتعهد بالافراج عن المعتقلين ومسح دموع أبنائهم وبناتهم وأحبابهم الذين حرمتهم ساديتي من حياة عائلية طبيعية، وحقوق مواطنة، وكرامة أعطاها لهم رب العزة فحرّمْتًها عليهم، فأنا وربكم لا نجتمع على مفهوم موحد للكرامة والعزة والتسامح والمحبة حتى لو كنت أقترب حثيثا من دود الأرض. تحدثت معكم وإليكم، وشربت شايا أخضر من يد فلاحة مصرية، وجلست على مصطبة في حقل يحيط به رجال أمني، لكنني لم أتحدث عن الفساد الذي سلطته على بلدكم، وكنتم تمنحنونني أصواتكم، وتخرج مصر كلها، ظاهريا على الأقل، وكل واحد من المصريين، ولو أنكر جهرا وسمعه سكان الكواكب الأخرى، كان يعلم أنني صنعت أعفن وأفشل وأحط وأسفل نظام استبدادي، نهبي، قمعي، قهري سيجعل المصريين لو استمر عقدا آخر يتسولون طعامهم أو يبحثون عنه في صناديق القمامة. إن غضبي ليس فقط على صمتكم وخوفكم وذلكم وجبنكم، لكنه حيرة أيضا فيما يمكنني أن أفعله معكم أكثر مما فعلت في ربع قرن! فليقم أي منكم برحلة داخل كل مؤسسات الدولة، ويبدأ بزيارة سكان المقابر، ويتحدث مع ستة ملايين عاطل عن العمل، ويحصي مرضى الكبد ويضم إليهم البلهارسيا، ويتسلل إلى نظام التعليم الجامعي ليكتشف أن الجحيم يبدأ هناك، وأن عملية تدمير مصر ومستقبلها تبدأ من الحرم الجامعي، وتفشي الفساد، وبيع الرسائل الجامعية، وتعميم الجهل، والدفع للمجتمع بمئات الآلاف من الخريجين الذين كان أميو عصر النهضة أفضل منهم علما وأعلى قيمة وأكثر معرفة. مصر تحتاج للخروج من آثاري تدميري إياها لخمسين عاما من العمل الدؤوب المخلص والادارة السليمة والقيادة الواعية والديمقراطية الملتزمة والخطط الماهرة للنهوض بأرض الكنانة، هذا فضلا عن عبقريتي في العبث بالشخصية المصرية، وزرع قيم الفهلوة والسطحية تماما كما كان رجال يوسف والي يزرعون طعام المصريين المسرطن وعليه ختم الدولة العبرية فيفجر الأمعاء ويوزع الأمراض بالتساوي بين الفقراء والأطفال المساكين.
السيد محمد عبد المجيد، لماذا تتجاهل عمدا فشل كل كتاباتك في تحريك شعرة من مكانها أو تخويف نملة، وقد كان بامكانك أن تظل معارضا لنظامي في حدود المسموح به، وأن تتحدث عن الفساد ولكن بعيدا عن أسرتي، وأن تحرض ضد الحكومة لكن لا تقترب مني، وعندئذ كنت ستحتفظ بخط الرجعة، وتأتي إلى مصر وتغادرها متى شئت؟ قرأت لك ( حمار يقدم أوراق ترشحه للرئاسة ) و ( حمار يقدم شكوى إلى الرئيس حسني مبارك ) و ( رسالة من حمار إلى حركة استمرار ) و ( حوار بين حمار وزعيم عربي )، وكان حمارك يتحدث بصراحة أدهشتني، وفهمت أنك تهدف إلى نزع القداسة والهالة والتبجيل عني والخوف مني، لكن الحقيقة أنني لازلت الأوحد في مصر كلها، ولك أن تقرأ ماذا يكتب مثقفوالأمة، وأن تقوم بعمل قياس لذاكرة الشعب وستحصل على نتيجة تجعلك تيأس من الحياة والموت معا. هل تعلم أنني تمنيت أن أجمع المصريين كلهم في قاعة واحدة تتسع لسبعين مليونا، وألزمهم بالجلوس صامتين كأن على رؤوسهم الطير، وأن أقرأ عليهم ما يعرفونه سلفا، وما يحفظونه عن ظهر قلب من جرائم تهتز لها السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وأن أضع ميكروفونات مكبرة في آذانهم فردا .. فردا. كنت سأسرد على مسامعهم كل التفاصيل الدقيقة التي لا يعرفها إلا أنا وإبليس.. عن دموع المعتقلين الذين مر على بعضهم عقد أو عقدان وهم يتألمون من ظلم واقع عليهم، ومن رفضي الاقراج عنهم، وبكاء كثيرين كالأطفال تماما وهم يستدعون إلى الذاكرة أطفالا كبروا في غيابهم، وأمهات متن كمدا، وزوجات لا يعرفن إن كن أرامل أم مطلقات أم معلقات بين السماء والأرض. عن متعتي ونشوتي وبهجتي وأنا أقرأ تقارير الأمن، وأكاد أسمع صرخات المصريين في أقسام الشرطة يئنون من طول التعذيب وقسوته، وقد ينتهي الأمر، كما حدث مع المئات في ربع قرن، بشهادة طبيب بأن الوفاة طبيعية، وأن رجالي اختاروا التصفية بدلا من اجهاد أنفسهم بالتعذيب المرهق لهؤلاء الرعايا في عهدي. كنت سأقص عليهم بالتفاصيل المملة عن عمليات النهب المستمر، وأسماء حيتان عهدي، والثروة التي جمعها كل منهم من الحرام والاحتيال والنصب، والأوامر التي تلقتها المصارف بتسهيل القروض للصوص، والمشروعات الفاشلة بالمئات التي كان الهدف منها مد يد العون لمن لم ينهب ما يكفي. كنت سأقول أسباب رفضي اقامة مشروعات قومية، وزيادة نسبة الأمية، وصمتي على مافيا المستشفيات، ومعرفتي بكل خبايا عصابات السيطرة على صناعة الدواء، وأسماء كل الأشخاص الذين اشتروا بتراب الأرض تراب سيناء وأرضها ومنتجعاتها وشواطيء الحب والجمال والبحر فيها. كنت سأفجر قنبلة معرفتي التامة بجحيم ماسبيرو، والقرارات التاريخية التي تم اتخاذها لتخدير الشعب، وتعيين أنصاف الأميين والمعاقين ذهنيا والمتخلفين عقليا ليقودوا مسيرة الاعلام في عهدي ، ورضائي الكامل عن نهج صفوت الشريف الذي جعل ريادة الاعلام المصرية واحدة من الأصفار اللانهائية في عهدي كنت سأحدثهم عن الصفر المونديالي وكيف نجوت أنا من الفضيحة التي عرت نظامي ، وكشفتْ سوءات ونتن عهدي ، لكن ذاكرة المصريين التي تعادل صفري حَمّلت وزير الشباب المسؤولية، وخشيت الاقتراب مني. كنت سأقدم كشفا موسعا ومفصلا ومسهبا بفشل معظم وزرائي ، وبمعرفة الجميع أن الفشل يعني الاستمرار، وأن الوقاحة في نظري هي ظن المسؤول أنه جاء لخدمة الشعب في وزارته، فيحاول مثلا التخفيف عن الغلابة في أسعار الدواء أو يطارد اللصوص، أو يقوم بتعيين شرفاء وأمناء ليكشفوا السوس في نظامي، وهنا يجب أن يفهم المسؤول أن الجلوس بجانب زوجته وأولاده هو النهاية السريعة والطبيعية لعالم الشرف والنزاهة. كنت أعلم بتفاصيل المشروع الذي قدمه الدكتورفاروق الباز والذي كان سيفتح باب الرخاء على ربع سكان مصر، ويضيف إلى رقعتها الزراعية مليونا وسبعمئة ألف فدان، لكنني رفضت خشية أن يفتح الباب للشرفاء في مساعدة وطنهم مما يكشف رجالي وتلاعبهم في ثروة الوطن. وكنت سأصرح بالمبلغ الاجمالي الذي تم انفاقه على مشروع توشكى فلم تستفد منه مصر كأنه توأم النهر الاصطناعي العظيم في الجماهيرية العظمى، ولكن كثرة المنافقين والأفاقين والمتزلفين جعلوا من المشروع مقدمة لتحويل مصر إلى جنة الله على الأرض. كنت سأطلب من السبعين مليونا أن لا ينبسوا ببنت شفة حتى أنتهي من سرد جرائم العصر ، فقد كانوا شهودا عليها، ويعرف كل مصري منحني صمته أو صوته أو سوطه أضرب به ظهره أنه شريك جريمة مكتملة الأركان حتى لو كان رئيس تحرير صحيفة قومية أو قارئا يدافع عني في منتدى على الانترنيت أو عضوا في الحزب الوطني أو أحد قيادات المعارضة الذي يرفض التعاون مع الوطنيين الآخرين لتحرير مصرهم من أسرتي.
السيد محمد عبد المجيد، قرأت لك ( كرامتكم تحت حذائي ) و ( سأجعلكم تزحفون على بطونكم ) و ( سأبصق في وجه كل من يعطيني صوته ) ، وسأعترف للسبعين مليونا برغبتي الأخيرة في أن أبصق على وجوههم، فأنا أحكم أعرق بلاد الدنيا، وصاحبة أغنى الحضارات، وولاّدة عباقرة في كل المجالات، وأم الدنيا، والدرس الأول لكل تلميذ على وجه الأرض يبدأ في التعرف على تاريخ البشرية، وصاحبة الرقعة الاستراتيجية التي تغزل فيها جمال حمدان ، وطمع فيها كل استعمار ولى وجهه شطر الشرق، وأهداها النيل ما بخل على الآخرين به، واحتضنها بحران، وثلاث قارات، ولو كنت أملك ذرة محبة واحدة لهذا البلد وشعبه لصنعت منكم ولكم معجزة يسطرها التاريخ بنور من العناية الالهية. كان الأعمى يستطيع أن يرى قرائن ودلائل كراهيتي للمصريين، وكنت أتلهف على سماع أخبارهم السيئة وفواجعهم، فكانت النعوش الطائرة التي أرسلها لي صدام حسين بأقل قليلا من خمسة آلاف مصري تمت تصفيتهم، وكان العقيد يسعدني فيلقي بمئات من أبناء شعبي في صحراء السلوم، ويطلب امتهان كرامتهم فهو الشيء الذي يعلم القاصي والداني أنه يبهجني ويدخل السرور لكل مسامات جسدي، فإذا طال الوقت فيبلغني رجالي بكارثة أو سقوط بنايات من جراء الأسمنت الفاسد، أو غرق مركب تحمل مصريين غلابة هربوا من جحيمي إلى ايطاليا أو اليونان أو مالطا فاصبحوا وليمة شهية لأسماك البحر. كنت سأقول للمصريين قبل أن أبصق في وجوههم أنني احتقرتهم فزادوا ولعا بي، وازدريتهم فتمسكوا بزعامتي، ووليت عليهم ابني دون منصب رئاسي فبلعوا كرامتهم، وأقنعتهم أن الاستفتاء سيعقبه تغيير فقاموا بتأييدي، وتعمدت أن أطالب بتغيير المادة 76 حتى أدس كرامة المعارضة في الأرض وأدهسها بقدمي كما فعل أخي الملك الراحل الحسن الثاني عندما طلب رجاله من بعض المحكوم عليهم بالاعدام أن يرددوا: عاش الملك عدة مرات ليتم العفو عنهم/ فلما صاح المساكين ورددوا الهتاف بحياة مليكهم، انطلقت الرصاصات من كل اتجاه، فالملك رفض أن يأخذوا معهم إلى قبورهم كرامتهم. كان المصريون يعرفون أنني نمر من ورق، وأن نظامي المهتريء آيل للسقوط، وأنها زقة واحدة فننحدر جميعا، ومع ذلك اصطدمت المعارضة الوطنية ببعضها، وظن زعيما الوفد والغد أن المنافسة في الانتخابات أمانة في صناعة الديمقراطية الجديدة وفعلوا كما تفعل الشاة عندما تطلب من الذئب أن يرشح نفسه أمام الراعي، وكانت أكبر مظاهرة لــ ( كفاية ) لا تزيد عن بضعة آلاف في عاصمة يسكنها خمسة عشر مليونا من البشر منهم مليونا عاطل عن العمل ومثلهم من سكان المقابر والعشش الصفيح. كنت سأوزع عليهم الكتاب الأسود وفيه جرائمي، وفي الصفحة الثالثة عشر سيجدون ما قد يجعلهم يلقون أنفسهم من فوق أحد الكباري، ثروة أسرتي المباركة، ومئات الملايين من أموال علاء وجمال. في الفصل الثامن سيجد المصريون تفاصيل مبكية عن دوري مع اسرائيل، وحمايتي لشارون، وأوامري بتصدير الغاز للكيان العبري، ومساندتي للارهاب الاسرائيلي ضد الفلسطيينيين حتى تفريغ البضائع الاسرائيلية في ميناء بورسعيد لانقاذ حكومة شارون من نتائج اضراب عمال الموانيء الاسرائيلية. عندما أطل من شرفة أحد قصوري وفي يدي صحيفة يومية وأمامي تقارير تتحدث عن استتباب الأمن، وزيادة الصمت، ومظاهرة صغيرة في قلب العاصمة، وعدة مقالات حادة ضدي وضد وريثي تشتعل النار في جسدي غضبا على شعبي كله .. صاحب أزهى حضارات الدنيا، فقد لجأ إلى ذاكرته الضعيفة، واستقبل نتيجة الانتخابات ببعض النكت والمزاح والقاء الزجل والشعر ورفع شعارات صفراء مع متظاهرين من ( كفاية ) تنتهي قبل مرور ساعتين وتبدأ مرة أخرى بعد مرور أسبوعين. بحثت عن المصريين، وسألت عن الأكاديميين والثوار واليساريين والاخوان المسلمين والوفدين والناصريين والقادة العسكريين ورجال الدين والأمن والمخابرات والقضاء والمحامين والنقابات الكبرى وطلاب الجامعات فقيل لي بأن الجميع وافقوا على النتائج الديمقراطية للانتخابات الأمريكية في مصر، وأنه بامكاني الآن أن أعد العدة لتصعيد وريثي وابني لأمانة الحزب الوطني، وأن أعقد معاهدة مع مجلس الشعب فتمنح الأغلبية أصواتها لجمال مبارك، وأنا أتعهد بالصمت حيال فضائح الجهل والأمية والكيف والقروض تحت قبة الحرم الديمقراطي. كنت أعلم أنني قتلت مصر، ولكنني لم أكن متأكدا من صعود الروح بعد، فذهب بي الظن أن المصريين سيتعلمون من الفنزويليين واللبنانييين والأوكرانيين وأبناء شعب توجو البطل، وخاب ظني فمصر كلها لاتزال تحت حذائي، واستطيع أن أقرأ في اليوم والليلة مئات المقالات في الصحف القومية والمحايدة وعلى النت كلاما كأنه دعوة لمزيد من الطغيان والاذلال والامتهان، فتحول الصمت إلى لذة، واللذة إلى شهوة، والشهوة إلى شبق يتخطى كل المحرمات في القيمة الانسانية، وأنا الآن استعد بعد أقل من ثلاثة أعوام للاحتفال بميلادي الثمانين، ولو كنت أحكم أصناما وأوثانا لنطقت احتجاجا ورفضت طاعتي، ولا أقول وطالبت بالعصيان المدني.
السيد محمد عبد المجيد، كنت تكتب لي مقالاتك ( استحلفك بالله أن تستقيل ) و ( استحلفك بالله أن تهرب ) وغيرها، والآن أنا استحلفك بالله أن تنحي قلمك جانبا، وأن تتعلم من عشرين عاما من المعارضة التي ظننت أنها ستزلزل الأرض، وتعيد الروح للصامتين، فأنا باق ما بقي ملك الموت بعيدا عني، والمصريون سعداء بالعبودية، والقوى الوطنية المعارضة تعيش وتربح عندما لا تهدد نظامي، وكل من يقرأ كلامك يلقي به خلف ظهره بعد دقائق معدودة، ولو جددت الدعوة للعصيان المدني سبعين مرة فلن يستجيب لك المصريون، ولا تصدق أن وحدة تحالف وطني ستجمع كل قوى المعارضة، وستظل تتلقى رسائل التهكم والسخرية ما بقي قلمك منتصبا في وجهي وفاضحا جرائمي.
إن قوتي تكمن في الفهم المغاير للكرامة لدى المصريين، فإذا توحدت كلمتهم حولها فقد زال نظامي قبل شروق شمس اليوم التالي، ولعلك تتذكر الآن آخر رسالة الكترونية وصلتك والذي يقول فيها صاحبها بأن الخروج على طاعة ولي الأمر كفر ومعصية مهما فعل بنا ومعنا، وربما منع حياؤه أن يقول حتى لو أمر باغتصابنا واحدا وراء الآخر.
قل لي بربك ماذا لديك الآن لتكتب؟ لو كان لدى الذين تدافع عنهم ذرة كرامة واحدة لاضربوا عن الطعام والشراب عدة ايام فقط دون الحاجة لعصيان مدني أو مظاهرة مليونية علمت بأمر الشاب الذي قرأ مقالا لك عن كرامة المصريين فأضرب عن الطعام ، ثم أنقذته عائلته بعد عدة أيام. الطمع في الفوز بالحصانة البرلمانية سيزيد الصمت صمتا، ولن تتحرك القوى الوطنية وهي تراقب وتصرخ وترقص من وراء ظهر الشعب مع رجالي. استحلفك بالله أن تنضم إلى القافلة، وتستمتع بالصمت، وتتلذذ بالاذلال، وتعيش حياة هانئة مستقرة،ويستقر معها ضغط دمك، فأنا الآن الرئيس المنتخب شرعيا ودستوريا وولي الأمر والنعمة ونائب الله على الأرض. عندما أنتهي من تقديم كشف حساب لجرائمي أمام السبعين مليونا، سأقوم من مكاني، وأنظر مرة واحدة بكل ما تقدح به عيناي من شرر وكراهية، وأبصق في وجوه كل الحاضرين بصقة يهتز لها أبو الهول والأهرامات وكل تاريخ هذا البلد الواقع بين حذائي وحذاء ابني ووريثي. الآن تبدأ ولايتي الخامسة، وطُز في حمارك ...
فجأة رن جرس الهاتف وأيقظني من غفوتي، ولكنني تذكرت كل كلمة في الخطاب الذي حلمت بأنني تسلمته في البريد مرسلا من السيد الرئيس حسني مبارك .. زعيم مصر في الست سنوات القادمة!
محمد عبد المجيد رئيس تحرير طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين http://www.tearalshmal1984.com [email protected] [email protected] Fax: 0047+ 22492563 أوسلو النرويج
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحوار المتمدن وطائر الشمال .. كلمات شكر
-
عقيد متقاعد : نعم اشتركت في قتل جون جارانج
-
رسالة مفتوحة إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز .. هل تستطيع أ
...
-
نعم .. أنا مسلم رغم أنفك
-
الانقلاب العسكري القادم في تونس
-
الخليج والرئيس حسني مبارك .. قراءة في علاقة غريبة
-
الرئيس بشار الأسد .. سجين أم سجان؟
-
عبقرية الحماقة لدى العقيد
-
غباء السُنّة .... غباء الشيعة
-
القبض على الرئيس مبارك في جحر بشرم الشيخ
-
جنازة الرئيس حسني مبارك
-
حمار يقدم شكوى إلى الرئيس حسني مبارك
-
وقائع محاكمة الرئيس مبارك .. كتاب يبحث عن ناشر
-
حمار يقدم أوراق ترشحه للرئاسة
-
إنقلاب عسكري في مصر .. البيان رقم واحد
-
كلاب السيد الرئيس
-
رسالة من مبارك للمصريين .. سأجعلكم تزحفون على بطونكم
-
الجنسية الخليجية .. الشرف المستحيل
-
هل القوى الوطنية المصرية ترقص مع النظام؟
-
صعاليك الإنترنيت
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|