|
الرمز والواقع في رواية -ما زال المسيح مصلوبا- حبيب هنا
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 19:46
المحور:
الادب والفن
الرمز والواقع في رواية "ما زال المسيح مصلوبا" حبيب هنا رواية من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، طبعة أولى 2008، يتناول الكاتب الأحداث في بداية الاحتلال عام 67 ثم ينقلنا إلى مجيء السلطة والانقلاب الفكري والمسلكي الذي حصل، تمتاز الرواية بوجود كم كبير من التصوير الأدبي، وحضور المرأة وقدرتها على تجاوز نظرة المجتمع لها كامرأة ضعيفة، فمن خلال شخصية "زهرة زوجة الشهيد عبد المعطي" يعطينا الكاتب نموذجا للمرأة الفلسطينية التي تبقى رغم تقهقر الظروف الثورية والوطنية، ودخول مفاهيم سلبية عديدة على المجتمع، تستمر بالمحافظة على قناعتها ونهجها فكانت عمليا أكثر مبدئية من قيادات كبيرة، تظهر شيئا وتمارس نقيضه، تدعي الوطنية وتمارس المتاجرة في حقيقة الأمر. حقيقة ما جري في فلسطين في احتلال عام 67 يتحمل مسؤوليته النظام الرسمي العربي، فهو الذي هيئ ومهد لهذا الاحتلال، فالفلسطيني الذي كان يحظر عليه حمل سكين، ويقمع بشدة إذا تحدث أو عمل بالسياسية، جعل من الأرض فارغة من أي وسيلة مقاومة، فقد كانت تلك المقاومة في ذمة النظام العربي، فهو حامي الحمى، وقد وجد المواطن شدة بأسه القوية والحاسمة، فكيف سيكون اتجاه أعدائه؟. الجندي العربي الجندي العربي يمارس سادية على نظيره أو مواطنه، وكأنه ينفس عن ضعفه أمام العدو الحقيقي بسلوكه القمعي، الحقير، غير الإنساني مع ابن جلدته، "كان الضابط الأردني بلباسه الداخلي يجلس على حافة إحدى برك البيارات في الشونة ينتظرهم بالسؤال الوقح: لماذا تركتم البلد؟ لماذا انتم مهاجرون؟... تفحصهم من أعلى إلى أسفل بنظرة شزرة حركت البغضاء في النفوس. ـ انقلهم أيها الجندي إلى مخيم العبدلي حيث بقايا الجيوش العربية المهزومة" ص7، بهذا الاستقبال المذل والحقير يستقبل الضابط المهزوم أصلا العرب، أن كانوا جنودا أم مدنيين، فهو في الأساس ضمن جيش كبير وجرار ترك القدس وجبال الخليل ونابلس بدون قتال، لكنه هنا يمارس سادية تعبر عن التركيب النفسي لمثل هؤلاء الآلات التي لا تعرف سوى تنفيذ الأوامر وقول "حاضر، وأمرك سيدي". المهربون النظام الرسمي العربي لم يتوقف على ما فعله قبل عام 67، بل استمر العمل بتخريب فلسطين بعد الاحتلال، فكانت عملية تفريغ الأرض الفلسطينية من السلاح عملية ممنهجة ومرسوم لها بدقة، فكان المهربون يقومون بهذه المهمة، رغم أن سعر السلاح في فلسطين كان مضاعف لسعرها في الأردن، لكن المخطط الاستعماري كان أقوى ـ ماديا وتنظيميا من الشعب البائس، "ـ هل ثمن السلاح في الأردن يفوق كثيرا ثمنه هنا داخل الوطن؟ ـ السلاح هنا ثمنه مضاعف عنه في الأردن، ومع ذلك، يتم تهريبه، هناك خيوط غير مرئية تنسجها أيد خفية تسعى لإفراغ الوطن من السلاح حتى يتم السيطرة عليه لسنوات طويلة" ص35، انكشاف حقيقة تسريب بقيا السلاح من فلسطين، وجعلها أكثر تهيئا وقبولا لما سيأتي، فهي كجارية تم بيعيها للآخر وعليها أن تكون طيعة وخاضعه لسيدها الجديد.
جيش الاحتلال الاحتلال على مر التاريخ يمثل القمع بأبشع صوره، وبما أن الاحتلال في فلسطين يختلف عن كافة الاحتلالات الأخرى حيث أنه احتلال استيطاني يهدف إلى الاستيلاء على الأرض وقتل وتهجير السكان فهو يمثل أقذر وأشرس الاحتلالات على وجه الأرض، من هنا نجده يقوم.. "أثناء اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى دار الشفاء وإخضاع جميع العاملين فيها للحصار والأوامر العسكرية، لقد أمرهم بالمثول في الساحة الرئيسة والاصطفاف في اسطر متساوية رافعين الأيدي" ص16. التعامل مع أطباء وممرضين ومرضى بهذا الشكل يظهر طبيعة هذه القوة المحتلة، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل هناك صورة تجعلنا نوقن بأننا أمام قوة لا تعرف الرحمة، فهي جاءت للدمار والقتل والتهجير، "تزحف الدبابات نحو مستشفى دار الشفاء وتطلق قذائفها فتحترق إحدى القذائف مبنى الجراحة، وترعب الجرحى والممرضين وتعتقل العديد من الأطباء وترسلهم في إحدى قطارات الشحن إلى سجن عتليت وتفرض الإقامة الجبرية على من تبقى" ص18، ليس هناك أي شك بطبيعة الاحتلال الإجرامية، وبربريته اتجاه الفلسطينيين، فهو يمارس دوره كقوة محتلة، يقوم بكل ما تحمل كلمة احتلال من معنى. لكن لم يكن جيش الاحتلال يقوم بأساليب القمع وحسب، بل نجده يقوم بتطهير الأرض المحتلة من السلاح والذخائر، "شرع بشراء العادم من الرصاص كمادة نحاسيىة بثمن يفوق ثمن النحاس المصنع بضعفين، وترك فرصة نشر أخبار وجوب إفزاع الرصاص من البارود تستشري كالنار في الهشيم، في حين يقوم المهربون بنقل السلاح بعد شرائه إلى خارج الوطن، عبر المنافذ المختلفة" ص42و43، عمل متكامل ومدروس يقوم به الاحتلال، فقد خطط لما سيقوم به بعد الاستيلاء على الأرض، تفريغها من أي شكل من أشكال التهديد المستقبلي، من هنا يدفع ضعف ثمن النحاس. الكاتب قدم لنا صورة جندي يمنى بطريقة ايجابية، وكأنه من خلال هذه الشخصية أردنا أن لا نعمم الهمجية التي يتسم بها جيش الاحتلال، وأيضا أرادنا أن نتعاطف مع اليهود العرب تحديدا، حيث أنهم يحملون في داخلهم التعاطف وبقيا من حياة كانت طبيعة في بلدانهم قبل الهجرة إلى فلسطين، "... ما دام لا يرى ولا يسمع لماذا إذن خرج من البيت في هذا الوقت؟ ... اقسم بديني... باني لم اقتل إنسانيا يوما، وأكثر ما أخشاه الآن أن يقتل على مرأى مني، اخذ يركض فجأة فتحولت أنظار الجنود إليه، لم يعبأوا بالقادم ولم يصوبوا بنادقهم إلى صدره، وصل اليه، قاده من يده حتى أضحيا أمام البوابة على مقربة من الجنود... ـ هذا هو ابنك اطمئن عليه" ص69، من حق الكاتب على قراءه أن يكون إنسانيا في طرحه، فرغم أنه يتحدث عن عدو ومحتل، إلا أنه تعمد أن يذكر الجوانب الإنسانية التي لا بد أن تكون موجودة عن البعض، وهذا يؤكد بان كتابنا موضوعي فيما يكتب، ويحال أن يكون هناك خط ابيض رغم حجم السواد الهائل، على النقيض من الآخر الذي يصورنا بصورة القتلة دون أن يبدي أي تحليل أو إشارة إلى ما يعانياه الفلسطيني من ويلات الاحتلال. الانجليزي وعقدة الذنب لا احد يشك بان جزء كبير مما يعانيه الفلسطيني كان وما زال بسبب الاحتلال الانجليزي لفلسطين، فهو الذي مهد وهيئ لقيام دولة الاحتلال، من هنا نجد بعض الانجليز يعرفون هذه الحقيقة فيحاولوا أن يكفروا عما بدرة منهم من ظلم بحق الفلسطيني، "...ـ لماذا تساعدني ما دمت خائفا إلى هذا الحد؟ ـ قل عنه شعور بالظلم الذي لحق بكم، قل تكفير عن ذنب اقترفته حكومتنا بحق شعبكم" ص55، أذن نجد "حبيب هنا" يتعاط مع من تسببوا بما هو فيه من تشرد واحتلال بطريقة إنسانية، بمشاعر التعاطف الإنساني وليس بطريقة العداء، فهو يركز على الناحية الإنسانية، متغاضيا عن جرحه العميق، وهذا ليس بالأمر السهل، فالكتابة بحيادية ليس سهلة على من يحمل الوجع والألم. المرأة المرأة تأخذ دورا حيويا وأساسيا في الرواية، فهي كانت اقدر من الرجل على التكيف مع الظروف، فنجد "زهرة" تمثل المرأة بصورتها الكاملة، المرأة المثالية، يصورها وكأنها مقدسة، قريبة من مريم العذراء، الأولى فقدت زوجها والثانية ابنها، تحدثنا زهرة عن حالتها قائلة: "غير أن شيوع خبر استشهاد عبد المعطي بعد زواجه مني بأشهر سلحني بالسطوة على الجميع، جعل معظم الناس ينظرون إلي بغير النظرة التي درج الرجال عليها حيال امرأة فقدت زوجها في أوج التوهج، خاصة وانه الإنسان الأول الذي زرع جبال الضفة الغربية وسهولها بالرجال والبنادق" ص77، الإرث الذي تركه "عبد المعطي" لزوجته "زهرة" جعلها تحافظ عليه وتزيد، فكأنه بذر بذرة وهي قامت بسقايتها وتسميدها وحمايتها من الأعشاب الضارة، فهي عمليا من قام بالعناية وأوصلها إلى ما هي عليه من نماء. من هنا يرسم لها "عبد الله" هذه الصورة ، "رأها وهي خارجة من البوابة رأسها شامخ وخطواتها الرزينة تعكس عزة نفس ليست على سواها، تعتلي وجهها مسحة حزن جميلة أضيفت عليها مزيدا من الوقار، قال في سره: هذه المرأة من حقها علينا أن نبني لها نصبا تذكرايا في وجداننا" ص67، المحافظ على سلوك نظيف ونهج قويم في عصر متغير ومتقلب ليس بالأمر الهين، خاصة على امرأة، وعندما تمسي الرذيلة عادية، ويبتعد المجتمع والأفراد كثيرا عن القيم التي يعتبرونها (دقة قديمة). "زهرة" إذا ما قارنها مع الكثير من المناضلين الذي تخلوا عن أفكارهم ومبادئهم سنجدها من القلائل الذين استطاعوا أن يصمدوا في وجه العاصفة. التحول من الثورة إلى الدولة كثير من الثورات فشلت في إدارة الحكم، وذلك لفقدانها الخبرة الكافية، وأيضا لتفشي كم ونوع هائل من الانتهازية والوصولية في العديد من مؤسساتها، بحيث يكون هؤلاء الانتهازيون هم السرطان الذي يقضي على الثورة من الداخل، ويفرغها من محتواها الثوري والنضالي، هذا الأمر انطبق تماما على التجربة الفلسطينية، فالانتهازيون فكانوا يمثلون صورة الفشل الصريح والواضح، "زمن الحب والتضحية والتعاون الضروري من اجل طرد الاحتلال وتحرير الوطن، مضى دون رجعة، وحل محله الحقد والأنانية وحب جمع المال والاستئثار بمواقع صنع القرار الذي لا يستند إلى قانون تمشيا مع حالة التسيب الغريبة التي ساعدت على استشراء الفساد وفقدان القيم" ص80، وصف موضوعي للواقع الفلسطيني بعد تحول الثورة إلى سلطة، ففقدت العديد من ميزاتها وأمست عارية ـ وعريها قبيح وقذر ـ لأنها كانت نقية، مثالية، فعندما تعرت وتخلت عن قيمها، جعلت الآخرين يفقدون الأمل، الإيمان، فجرت معها كثيرين إلى الحضيض. الرمز يكرر الكاتب عبارة "وكان ما زال المسيح مصلوبا" بهذه الكلام الرمزي والواقعي في ذات الوقت، حيث أننا نرى صورة السيد المسيح مصلوبا في كافة الكنائس، وأيضا في بيوتنا، يحاول الكاتب من خلال تكرارها أن يقول لنا بان المسيح/ الفلسطيني ما زال يتألم رغم قيام سلطة فلسطينية ورغم الحديث عن دولة ستقام. فالشعب الذي قدم تضحيات كبيرة لم يحصل على أي انجازات حقيقية على ارض الواقع، "فحبيب هنا" يقول في نهاية الرواية "والآن تقف كل هذه العائلات أمام السؤال الموشك على الانفجار: هل يعبئون الوطن في حقائبهم ويرحلون أم يعبئهم الوطن في حقائبه ويصر على التمسك بهم؟ حتى هذه اللحظة ليس هناك ما يشير إلى إمكانية التفاعل الايجابي الجاد بما يكفل بناء الدولة الحديثة والإنسان الجديد! بعضهم يقول الوطن الذي لا يوفر لي الكرامة والحماية ليس وطني، إنه مسجل بأسماء المزورين في كل الدوائر الرسمية ونحن لسنا منهم، وطننا الحقيقي لم يتحرر بعد" ص107، بهذه الخاتمة يمكننا أن نفهم تكرار "ما زال المسيح مصلوبا" فالواقع الفلسطيني ما زال على حاله إن لم يكن أسوء من السابق، أيام الاحتلال المباشر والصريح، فالآن هناك احتلال وأيضا فاسدين ومتنفذين. رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقتل النضال الفلسطيني
-
ثنائية الحدث ووحدة المكان في رواية -حجارة الألم- انور حامد
-
مجموعة -مجد على بوابة الحرية- وليد الهودلي
-
الإيمان والصمود في رواية -ستائر العتمة- وليد الهودلي
-
الاسلام والعقل
-
-همس الفضاءات- عباس دويكات
-
الجنة في -غوايات شيطانية- محمود شاهين
-
رواية -الوجه الآخر- عباس دويكات
-
رواية -درب الفيل- كاملة
-
رواية -الجبانة- شاركدي إمره
-
الاغتراب في رواية -درب الفيل-
-
الثوري في رواية -درب الفيل-
-
الأبض والأسود في رواية -درب الفيل- سعيد حاشوش
-
رواية -درب الفيل- سعيد حاشوش
-
السادية العربية
-
رسالة إلى كتاب الحياة الجديدة
-
قصة -أنا أحبه-
-
قصص الجيب والقرن الماضي
-
رواية -النخلة والجيران- غائب طعمه فورمان
-
هكذا يقتلون فلسطين
المزيد.....
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
-
محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى و
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|