الشرطي عريف 11ج1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 09:21
المحور: الادب والفن
    

((11))-1

مرت سنه منذ أن رحلت حسنه دون وصية ودون وداع بلا شاهد ولا مشهود يتذكر عريف تلك اللحظات التي وجد فيها والدته في حالة لم يدرك كم عانت حتى تخرج روحها من ذلك الجسد القوي وكيف أستسلمت للموت بتلك الوضعية خنقا كأن جدار أو سقف سميك سقط عليها فجأة ليفقدها القدرة على الحركة أو طلب الغوث ,يتأمل الأيام التي مرت قبل أن يذهب بتلك المأمورية المشؤمة ياليتها كان رحلة الذهاب بلا عودة ليرى تلك الفارسة التي هزت المدينة أسيرة موت لا تستحقه وطريقة لا تتناسب مع عمق روحها المتمردة .
في الليالي التي سبقت الرحيل كانت تخطط لأشياء وأشياء أخبرته أنها غرقت أكثر من مرة بالشط ولكن في كل مرة تأتيها حبال النجاة ,كان ذلك ما تحلم به دائما ,لم تغرق مرة واحدة أبدا وينتهي عندها الحلم ,تعوم وترجع للجرف في كل مرة ولكنها لم تغادر بعدها تقول كأنني أفقد كل قواي عند الجرف بعد أن أتنفس الهواء نقيا ومباشرا وبعمق ,أنهض مرعوبة من النوم ...أه يا ولدي أنني سأنجو لا تخاف علي ولكنني لا أستمتع بعدها بالنجاة.
ظن أن هذه مجرد هلوسات أو أفكار كانت تسيطر على عقلها لتبرر شيء أو تريد أن تقول شيء ,لم يمنحها القدر أن تكتب الخاتمة كما تشتهي كما كتبت قصة حياتها على حيطان المدينة وأزقتها ,أحيانا يمنحنا الرب إلهاما فوق طاقة عقولنا يبشرنا بما هو أت ولكن ليس كل العقول تعترف بذلك ,الآن وقد بانت يطن زهرة بحمل ما يا ترى من سيرسم لها طريق الحياة أنا أم أمها أم القدر أم هذه الشوارع والدروب والحيطان هي من سيكلمها ويتكلم بالنهاية .
من المحزن جدا أن تفقد شخصا قبل أن تفهم ما قال لك أو ما حدثك بأمر ما لأنك لا تستطيع أن تستوضح بعض الأمور منه, هكذا ذهبت حسنه دون أن تكمل الحكاية من أولها لأخرها فقد قالت الموجز وتركت للمستتمع التفاصيل وما أصعبها وما أشدها سوادا ,كل الذين يعرفونها من قرب بكوا دما عليها لأنهم يعرفون أن تحت هذا الجسد روح حرة روح ثائرة وليست كارهة لأحد لا تنتقم إلا حين تواجه الفناء أو الإلغاء من الأخر ,ما عدا ذلك فهي تسخر من كل الوجود وتحت كل العناوين.
في شهري محرم وصفر من كل عام تنشغل المدينة ولأيام عدة في مراسيم دينية مستغرقة بالحزن والبكاء المصطنع, البعض كأم علي وقليلون يجعلون منها أيام للخير تيقى أبوابهم كما هي قلوبهم مفتوحة للنور ,حسنة وأيام محرم تتفجر فيها كل مشاعر الألم تبكي المرارة بمرارة واقعها تكره فيها حتى الأرض حين تكون موطأ للظالم, كل صرخة أنطلقت في شهري محرم وصفر تجعل منها كرة نار تتدحرج لتحرق كل الوجود.
دخلت السوق في يوم كانت ترتدي الأسود وقبل حلول محرم وهي واجمة تجمع ما يمكن جمعه من مواد ومستلزمات يتهيأ بها الناس عادة لقدوم الشهر ,هاجمتها إحداهن:.
_ليس من حقك أن تلبسي الأسود على بشر لا يتشرفون أن تحزني عليهم أنت ,,,, وأنت.
_وما أنا ...أنا ,أنا ألبس الأسود ليس لأنهم كما تعرفينهم وزوجك المرابي(أبو العشرة أربعة عشر)كل ما في بيتكم حرام ماءكم زادكم مجلسكم النظر لوجوهكم حرام , وتعيرينني بأنا ...أنا أسأليه إن كان يعرف حسنه أم لا ,وقسما إن لم يجيبك بصراحة لأجمع الناس عليه في السوق وأقول كل الذي في جعبتي ...أنت يا أنت .
_زوجي لا يعرف مثل هذه الأشكال ..ثم ليس في ما يعمل من تهمة إنه يتاجر ويساعد الناس.
_أقول لك الآن أذهبي واسأليه في باب محله إن كان يعرف حسنه أو لا وإن لم تفعلي فسأذهب أنا وبعلو صوتي أقول له أن المحصنة زوجتك لا ترضى أن ألبس الأسود لعاشوراء ...أنك تاريخ أسود كثوبي هذا .
_الناس تعرف بلا سؤال من هي حسنه ومن هو حجي مسافر ,لا تحاولي أن تلوثي سمعة العالم .
_بالضبط إذا كنت تعتقدين أن مسافر حجي عند الله فلا يعني هذا أن الناس أغبياء ,قولي لكل هؤلاء الذين يسمعون من هو حجي مسافر ,سيقولون هذا يهودي المدينة أبو الأرباح ...أذهبي وإلا جعلت يومك هذا ليلة من ليالي عاشور ...أذهبي أيها المغفلة.
تدخلت بعض النسوة وخرج صاحب المحل لفض النزاع أمروا السيدة زوجة مسافر بالذهاب بعيدا ,صاحب المحل كان سعيدا جدا بهذه الفضيحة لأنه يعرف أنه كان في يوم من الأيام ضحية من ضحايا الربا على يد هذا الأفاق مسافر الذي سيكون غدا أول من يلبس الملابس السوداء ويصبغ يشماغه ليعلن عن مشاركته مع الناس في حزن كاذب لا يغير ما بالنفوس.
تطوف حسنه على كل البيوت والتجمعات التي تقام في أيام الحزن تشارك على أنها الجندي المجهول الذي لا يقف متعجزا أو عاجزا أن يمنح ما يستطيع لأجل رمز الحزن, كان الجميع يشعرون أن هذه الأيام تستوجب منهم ولو ظاهريا الإحساس بالظلم والتباكي, حسنة وحدها كانت تشعر بالحزن الذي يلامس روحها ويطلق كل الحرية من داخلها, في هذه الأيام ترفض أن تتكلم مع أي رجل في أي موضوع خارج المناسبة ,لاتتورع أن تسب أو تظهر كل غضبها لو حاول أحدهم التحرش بها ,,, وخاصة من أولئك الذين ترتفع أصواتهم بلباس أسود .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات