|
الدارجة والمتن اللساني المغربي
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 14:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لغة اليومي ولغة الناس أي الدارجة، تبلورت اليوم في المغرب كمطلب له من يدافع عن تموقعه في المدرسة المغربية اليوم. كما أنها اللغة التي حوربت من طرف البعض الآخر باعتبارها مهددة للغة العربية. والدارجة المغربية يمكن اعتبارها نتاج تفاعل وتثاقف عميق وطويل الأمد بين الأمازيغية العربية. وقد وجدت نفسها في قلب المدرسة، عبر الخطاب اليومي للمدرسين والمدرسات، بسبب صعوبات التفاهم مع المتعلمات والمتعلمين، والتي مردها إلى عدم الفهم الكافي للغتين العربية والفرنسية. فالدينامية التي يعرفها المجتمع على مستوى اكتساب لغات تواصلية، وطرق تواصل الجيل الجديد عبر وسائط الاتصال الحديثة بالدارجة، تضعنا أمام ضرورة الاعتناء بدارجتنا المغربية وتعييرها لتصبح مساهمة في دمقرطة الشأن اللغوي بالمغرب، ومحفزة للقرار السياسي في هذا الباب. لذلك فالحاجة ماسة إلى تطوير المتن اللساني المغربي، والسعي نحو إجراء محاولات لاعتماد لغة وسيطة في التعلم، باستحضار تحولات المجتمع ونمط تفكيره وتواصله، ودراسة الانتشار الكبير للدارجة عبر وسائل الإعلام، ووضع نتائج سياسة التعريب في ميزان النقد، مع الحرص على ملاءمة منظومتنا التعليمية مع التطور الذي يعرفه تلقين العلوم والكفايات والتكنولوجيات في العالم. فالأمر يتعلق اليوم بإشكال هام في حياة المغاربة، ويهم طريقة عيشهم وتفاعلهم وتواصلهم، ولا يعقل أن يتم الاستهتار بمثل هذه القضايا الحيوية بالنسبة لمسار مجتمع بكامله، خاصة إذا ما تم استحضار أبعاد التنشئة والتربية والتعليم في هذا البلد الذي يتلمس خطواته نحو العيش الأفضل. وإعطاء المطالبة باعتماد الدارجة كلغة تدريس في المستويات الأولى من التعليم الأولي والابتدائي كل هذه الهالة، والهروب بالنقاش إلى متاهات مظلمة، والدخول في أنفاق توزيع أحكام القيمة ذات الشمال وذات اليمين، ورمي أصحاب هذه المطالبة بكل أصناف التحقير، وتجريدهم من مواطنتهم واتهامهم بالخيانة، هو شكل من أشكال القيام بمحاولات تفكيك بنيان المجتمع بقراءات وتأويلات تافهة لقضايا مجتمعية هامة، وهو نوع من الإرهاب الفكري على شاكلة الإرهاب الديني والأخلاقي والسياسي والاجتماعي... وتواجد الدارجة المغربية في الخطاب التعليمي/التعلمي أمر حاصل وواقع على أية حال منذ زمن بعيد، في كل الفصول والمستويات والأسلاك الدراسية، من التعليم الأولي إلى غاية التعليم العالي. وهذا التواجد الفعلي والواقعي يتجاوز حدود أي صراع فكري أو سياسي. فالمطلوب اليوم بالنسبة للمغاربة، بعيدا عن أي تراشق سياسي، هو تفادي الانزلاق نحو تعويض اللغة العربية بالدارجة المغربية كلغة تدريس، بل العمل بجدية ومسؤولية من أجل إستدماج هذه التنويعات اللسانية في النسق التواصلي للمدرسة المغربية، مع تأطير هذا الإشراك طبعا وتطويره علميا ومعرفيا وبيداغوجيا. وسيكون من الأفيد للمغاربة، وبدون مزايدات، التفكير في الدارجة باستحداث مراكز للبحث تعنى بها وترتقي بها، وتخرجها من وضعية اعتبارها مجرد أداة للتواصل البدائي، بل لها من المؤهلات ما قد يجعلها لغة للإبداع والتفكير والعلوم والتربية والتعليم أيضا. هناك خلط مقصود لتحريف النقاش حول المطالبة بإدماج الدارجة المغربية بشكل نظامي في فضاء التواصل الدراسي والتعلم، خاصة بالنسبة للطفلة والطفل في بدايات تمدرسهما، وما يقتضيه ذلك مستقبلا من ضرورة صيانة اللغة الدارجة وتعييرها وتنميطها، لتصبح لغة مساهمة في إنتاج المعارف ودراسة العلوم والتكنولوجيات. فهل كانت المسألة متعلقة بمشروع إدماج "اللغة الأم" ضمن المتن التواصلي واللغوي للمدرسة بشكل واضح ومؤطر علميا وبيداغوجيا، كما عرفته عدة تجارب كتركيا واليابان ولبنان؟ أم كان الهدف من المطالبة هو حذف اللغة العربية وتعويضها بالدارجة كلغة للتدريس؟ لقد انحرف النقاش نحو وجهة التوظيف السياسي الضيق، وفي اتجاه تغذية التناقضات التي يعرفها المجتمع حول منظومة القيم ومفهوم الانتماء. واكتنف النقاش كثير من اللبس، وأضمر ذاك الرهان التقليدي لنخب تشكل وعيها الثقافي والهوياتي عبر أطروحات تعزيز "القومية العربية" وتقوية "التوجهات العقدية" ودعم "الميولات المذهبية"، ولم يكن عسيرا على المتتبعين والمهتمين والدارسين أن يدركوا أن أصل الإشكال الفكري واللغوي الذي أطره فتح هذا الموضوع هو الغموض والتردد المريبين المؤطرين لخلفيات ورهانات هذه المطالبة. واستعر النقاش حول اللغة حين برزت إلى السطح المطالبة بإدماج "اللغة الوجدانية للطفل في الفصول الدراسية"، وأفرغ البعض شحنات عالية من ردود الأفعال بخلفيات سياسية، وهو ما أظهر تلك الحساسية المفرطة لبعض معتنقي ملة التقرب إلى اللغة العربية، فأصاب تلك المطالبة ما أصابها من تسفيه وتحقير، وأصاب أصحابها ما أصابهم من تخوين ومروق، ونال مناصريها ما نالهم من سب وشتم وقذف وقدح...
# سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المساواة على قاعدة الفعل السياسي المشترك
-
مساواة المرأة والرجل على قاعدة المواطنة
-
المساواة: بين الرؤية والتطبيق
-
الأحزاب السياسية والربط بين الجماهير الشعبية ومراكز القرار ا
...
-
شرعية السلطة تستمد من الشعوب وقوة القانون لا يتم تثبيتها إلا
...
-
حسابات القوة والمصلحة وتفادي السقوط في كنف الوحشية المدمرة
-
التطرف الديني وضعف الثقة في التخطيط للسياسات العمومية
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|