|
الرقص وهوية الشعوب
آثار زهران
الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 12:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الرقص وهوية الشعوب تترسخ إبداعات الهوية كإنعكاس دائم لثقافة الشعوب؛ أو بمعنى أدق مرآة تعكس روح الشعوب . فلقد ذكر "جوزيف ناى " أحد المنظرين السياسية بمجال القوى الناعمة؛ أن مصطلح الهوية يُعد ركيزة ثقافية يمثل قوى ذات دلالات داخلية تمتلكها الشعوب فى التعبير عن ذاتها ولعل معيار الهوية الثقافية للدولة يشكل درجة اعتزاز تلك الدولة بذاتيتها الحضارية في تاريخها وحاضرها؛ ولطالما كانت الهوية الثقافي للأمم منبعا للإلهام ومصدرًا حيويا للإبداع . لو لم تكن للامم ثقافة تحملها وتتوارثها وهوية تختزنها لما كان لها وجود اليوم ومن الطبيعي مادامت هناك شعوب مؤمنة بوجودها وتعتز بتاريخها وحضارتها اذن فهى موجودة. وحينما نقول الهوية، فإننا نعني مجموع الصفات أو الرموز المشتركة بين افراد الشعب الواحد إذ أن هذه الرموز هي التي تشكل هويتهم سواء هوية قومية ، وطنية و دينية. وتزداد الهوية غنىً وعمقاً كلما زادت الرموز المشتركة. ويتوقف نشوء الهوية ومدى قوتها وثرائها أو ضعفها وفقرها على توفر ثلاثة عوامل أساسية هي: الأرض التي تحتضن جماعة الهوية "المجتمع"، وافراد المجتمع، وتاريخ أو زمن يسمح بتفاعل الافراد مع الأرض . ومع مواكبة العصر طرأت تغيرات كبيرة على المجتمعات والشعوب بشكل عام واصبحت الهوية تواجة اكبر مخاطرها وهو "الضعف" ضعف الهوية بسبب الاخطار الناتجة عن العولمة التي تهدد كل الهويات القومية في العالم، ايضا الهويات المنافسة والمتصارعة التى تطرح مفهومها ومكوناته على الشعوب ومن ثم أشاعت فى الإدراك العام مجموعة من الصياغات والمعانى التى تغاير تراث الأمم وهويتهم ومن ثما تشكل هويات عولمية، تتعايش مع هويات الشعوب والجماعات الأخرى فى عالمنا لتمتد وتصبح جزء من صفات ورموز الهوية. وهكذا لم يتبق من العناصر المكونة للهوية غير التراث التاريخي وأهم ما فيه التراث الشعبي لأنه من أقوى الموروثات التي تشكل الرموز المشتركة لدى الشعوب، والتراث الشعبي يضم أقساماً تغطي مساحة حياتنا كلها ومنها : الادب الشعبي بأقسامه، المعتقدات والأساطير، الثقافة المادية والفنون اليدوية، الموسيقى والرقص والغناء وغيرهم. مع انحسار وتراجع الكثير من أشكال التراث الشعبى يظل الرقص الركيزة المهيمنة على هويات الشعوب، فهو يعد فنّاً من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان الأول للتعبير عن حاجاته، وهو الفنّ الأم لجميع الفنون، والرقص الشعبي شأنه شأن كل أشكال التراث الشعبي له ملكية عامة ويتصف بالتوارث من جيل إلى جيل، وبالعفوية والانتشار والجماعية وسائر صفات التراث الشعبي. وفي سياق الحديث عن الرقص ، قديما كانت رقصات الشعوب ، نوعا من طقوس العبادة أو رمزا من رموز الفرح والسعادة ، أو حتى طريقة شكر ووسيلة امتنان عن خبر ما تهبه الطبيعة الى شعب ما. لذلك لا يمكننا أبدا سهو الكلام عن الرقص الشعبي، فلكل شعب تراثه الفني المختلف، والرقص الفولكلوري أساس ذلك التراث، ولكن ثمة سؤال جوهرى يطرح نفسه بقوة وهو : هل للرقص علاقة بهوية المجتمعات والدول التى تتذوق انواعاَ مختلفة من الرقص؟ يبدو هذا السؤال غريبا على غير المتخصصين فى سوسيولوجيا الثقافة، فالعلاقة عميقة جدا ، فالرقص الشرقى ليس امرأة تقف على المسرح تتمايل بجسدها لتثير شهوات الرجال، أو تستفز حقد النساء..الرقص فن..حضارة..هوية.. حياة ، ولا نبالغ فى كون الرقص هوية وحضارة، فالرقص الشرقى مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمجتمعنا الشرقى. الرقص كان سمة مميزة للحضارة الفرعونية، فهل يمكننا طرح سؤالًا هنا، وهو هل كلما تقدمنا بالزمن، تأخرنا بالفكر والعكس؟، فمصر القديمة التى عرفت الرقص، بالطبع لم تكن ترى الرقص مفسدا للأخلاق كما يرى البعض الأن، بل احتل الرقص مكانة كبيرة فى حياة المصريين القدماء، ولعب دورًا مهمًا فى مجتمعهم، وكان الرقص جزءًا من الطقوس الدينية فى مصر القديمة، فأقيمت حفلات الرقص المقدس فى كثير من المناسبات والأعياد. ففى المجتمع الشرقى المعاصر وخصيصا فى مصر شغل الرقص الشرقي رمزاً قومياً فى فترتى الثمانينات و التسعينيات وما بعدها، ومَن يراجع العهد الناصري ومرحلة الرئيس أنور السادات وايضا زمن الحرب العالمية الثانية ، يلاحظ جوهر الالتباس في علاقة السياسيين بالرقص الشرقي. ومع ذلك بقي هامشياً ولم يتحوّل إلى علامة "وطنية" أو "قومية"، وبقي من الفنون التى وضعت في خانة أعمال "الإساءة الى مصر". ولكن ما وصل ﺇ-;-ليه الرقص الشرقي يدعو للأسف فقد حصلت الراقصة "دينا" على لقب "الراقصة المصرية الأخيرة" من مجلة أميركية "Newsweek"، وتزامن زمن دينا مع ظهور "عولمة الرقص الشرقي" وأيضاً مع "الصحوة الدينية" الحديثة إذ إكتشف بعض المصريين فجأة أن الرقص الشرقي حرام. لا يتوقف الامر عند ذلك، فعند ذكر الرقص الشعبى فلا يمكننا أن نتناسى الشعب الفلسطينى وهويته الوطنية من خلال تراثه الشعبى، إن الشعب الفلسطيني يمتلك تراثاً عريقاً من الألحان والموسيقى والرقص. لا يمكن أن نتصور حفل زواج فلسطيني دون الرقص، وفي العرس يرقص الرجال رقصاتهم وترقص النساء رقصاتهن. وقبل الاحتلال الاسرائيلي كانت تمتد الأفراح في العرس الفلسطيني حتى سبعة أيام يكون الرقص فيها هو العمود الفقري للاحتفالات. وإذا كان الرقص وسيلة للتعبير عن الفرح فهو أيضاً وسيلة للتعبير عن الحزن عند وفاة عزيز على العائلة أو على الشعب الفلسطيني كوفاة شخصية وطنية أو قومية أو استشهاد شهيد على أيدي قوات الاحتلال وهو ما يسمى بالرقص الجنائزي أو اللطم. وتصطف النساء في دائرة تلطم فيها المرأة على ألحان الأغاني الحزينة. ولـرقص الفسطينى أصوله المرعية اجتماعياً وفنّياً. فمن الناحية الاجتماعية فأماكن الرقص للنساء غير أماكن الرجال، فالرجال يرقصون في الساحات العامة في أمكنة منفصلة عن النساء، وحتى في الزفة كان الرجال يسيرون في المقدمة يغنون ويرقصون وتسير النساء خلفهم يغنين ويرقصن في الشارع في أثناء مسيرة الزفة. ولا يجوز أن يرقص الرجال والنساء معاً إلا ضمن العائلة فقط. بينما من الناحية الفنية يمكن رصد رقصات خاصة بالنساء، واخرى بالرجال واقدمها واشهرها "الدبكة"، التى تتسم بالقوة والصلابة وسرعة الحركة والانتظام. وذلك يرجع إنعكاسا لطبيعة الشعب ففى الرقص الشعبى الفلسطينى وخصوصا النسائي غنيٌّ بالأغاني الراقصة حتى أنه يمكن القول أن أغلب الأغاني النسائية هي أغان راقصة، وبالإضافة إلى الغناء التقليدي والرقص المرافق له هناك ألحان تغنى في المدن أو مناطق فلسطينية دون غيرها ومنها على سبيل المثال: رقص الجلوة حيث ترقص العروس بشمعدانين بهما شمعتان، وهي من رقص المدينة، ورقصة الشّربة وهي أداة فخارية أطول من الإبريق ودون فتحة جانبية حيث تحملها الراقصة على رأسها والشربة مملوءة بالماء دون أن تقع الشربة عن رأسها ودون أن تنزل منها نقطة ماء، وهي من رقص القرية، ورقصة السيف حيث تنزل امرأة ملثمة وسط الرجال وترقص رقصة المحارب والمدافعة عن نفسها، وهي رقصة بدوية. ونلاحظ تأثير البيئة بوضوح في مثل هذه الرقصات. لدبكة والموسيقى من الفنون الحركية الغنية بالرموز المشتركة للشعب الفلسطيني، وبألحان أغانيها الغنية المتنوعة، فحينما نذكر مجرد اسم: جفرا أو على دلعونا نربطها بالشعب الفلسطيني وهويته، وحينما نقول الدبكة الشمالية نربطها به أيضاً، وهكذا يشكل الرقص الفلسطيني مع الموسيقى والأغنية جزءاً مهماً من الرموز المشتركة أي من الهوية الوطنية الفلسطينية. ومن هنا جاء الاهتمام بالتراث الشعبي ككل،و إحياء الفنون الشعبية، وتطوير المستوى الفني لتقديم التراث بشكل متطور وبصورة افضل. لكل شعب تراثه الفني المختلف، والرقص الفولكلوري أساس ذلك التراث، فالتمسك بالتراث الفني، سعادة مطلقة فيها الكثير من الحكايات عن أمجاد شعب ما، فكيف اذن اذا كان رقصاَ شعبياَ يروي أمجاد ماضينا، اضافة الى ما فيها من سعادة في تَذكر الماضي والوقوف على أطلاله. وهنا نؤكد حرصنا في دعوتكم الى احياء "هويتنا"، هويتنا المفتوحة على ذواتنا وعلى عالمنا الرحب، انها المتعة بأسمى معانيها .
#آثار_زهران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|