جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 1326 - 2005 / 9 / 23 - 11:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عامين ونصف انصرما منذ الغزو الأمريكي للعراق وإطاحة نظام صدام حسين الديكتاتوري، وهذا البلد يتخبط في فوضى وفساد ودمار وبحر من الدماء تسيل يومياً في كافة أرجائه، والفساد ينخر مفاصل المجتمع، السرقات والنهب والصفقات المشبوهة هي القاعدة، وإعادة الإعمار هو الاستثناء، والنخب السياسية عاجزة عن إخراج البلد من هذه الهوة السحيقة، فهي منقسمة على نفسها وكل واحدة منها تسعى للحصول على مكاسب شخصية أو حزبية أو مذهبية أو عرقية أو قومية. وقبل ذلك، والأهم منه هو غياب القانون وشيوع الفوضى وإنعدام الأمن وعدم توفر أدنى مستوى من الخدمات العامة التي بدونها يصيب الشلل واليأس المجتمع برمته كالكهرباء والماء والوقود ووسائل النقل ووفرة المواد الغذائية والاستهلاكية بأسعار مقبولة وممكنة تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن. هذا هو حال العراق اليوم فشعبه تسكنه الهواجس ويسيطر عليه الخوف من المجهول ويصارع المعاناة اليومية التي لاتطاق والتي تحول وجوده اليومي إلى جحيم. الشعب بكافة مكوناته وانتماءاته مدجج بالسلاح والقوى السياسية الحاكمة والمعارضة التي تتواجد على الساحة العراقية في مرحلة مابعد صدام حسين كلها تمتلك ميليشيات مسلحة معلنة أو كامنة ونائمة يمكن إعادة تشكيلها في أية لحظة، أي أن العراق يوجد الآن على فوهة بركان جاهز للانفجار في أي وقت، والمسؤول عن هذا الوضع الكابوسي هو الولايات المتحدة الأمريكية. فقوات الاحتلال، ومنذ البدء بالتفكير استراتيجيا بالملف العراقي، تلعب على هذه الانقسامات وتغذيها للبقاء أطول فترة ممكنة لترسيخ وجودها العسكري والاستراتيجي والاقتصادي. فالشيعة منقسمون على أنفسهم رغم انضمام البعض منهم للائتلاف، فهناك تنافس غير معلن داخل الائتلاف بين المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة عبد العزيز الحكيم، وحزب الدعوة بقيادة إبراهيم الجعفري وبعض التيارات والشخصيات الشيعية التي تعمل على هواها إلى جانب معارضة تيارات شيعية مهمة كالتيار الصدري وتيار الخالصي وفوقهم جميعا المرجعية الدينية في النجف التي تمتلك الكلمة الأخيرة فيما ستؤول إليه الأوضاع المتوترة داخل المجتمع العراقي. فالموقف الحكيم للمرجع الأعلى السيد السيستاني هو الذي جنب العراق لحد الآن الإنزلاق في أتون حرب طائفية دامية ومدمرة تأكل الأخضر واليابس، وخير دليل على ذلك تصريحه الأخير بأن شيعة العراق لن ينجروا إلى حرب طائفية حتى لو قتل نصفهم في العمليات الإرهابية التي تستهدفهم عمداً كونهم شيعة.
والسنة العرب منقسمون على أنفسهم ويفتقدون للمرجعية السياسية الموحدة ويناقض بعضهم البعض في التصريحات والمواقف. فهناك مؤتمر أهل السنة بزعامة عدنان الدليمي ومجلس الحوار الوطني الذي يتحدث باسمه صالح المطلك وهيئة علماء المسلمين التي يقودها حارث الضاري والحزب الإسلامي العراقي بزعامة محسن عبد الحميد، كواجهات سياسية إلى جانب القوى المسلحة كأنصار السنة وجيش محمد وقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين والجيش الإسلامي وغيرها من التنظيمات المسلحة التي تعلن انتمائها إلى السنة العرب وتتحدث باسمهم وكلهم يرفضون العملية السياسية والانتخابية والدستورية الجارية في العراق بمعزل عنهم لأنهم يشعرون أنهم مهمشون ومغيبون عن تلك العملية السياسية الجارية بغطاء وتأييد أمريكي، والأكراد يخضعون لاحتكار القيادة السياسية وتقسيمها بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وهما الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطلياني. أما التيار الديموقراطي والعلماني فهو ليس منقسم على نفسه فحسب، بل ومفتت تقريباً بين عدة تيارات متناحرة كالتيار الماركسي والتيار القومي والتيار الليبرالي، ويضم مجموعة كبيرة من الأحزاب والشخصيات، بعضها ذو تاريخ عتيد والآخر يفتقد للقاعدة الاجتماعية، منهم من هو موالي للولايات المتحدة الأمريكية، ومنهم من يعاديها إلى حد رفع السلاح ضدها. وهناك بالطبع عناصر وبقايا النظام السابق من عسكريين وعناصر مخابرات واستخبارات وتنظيمات شبه عسكرية سرقت الأموال والأسلحة وتحالفت مع العصابات والمجرمين لإشاعة الفوضى والنهب والسلب والخطف وتدمير البنى التحتية للبلد. هناك في العراق قوى لها امتدادات إقليمية ودولية تعمل بكل ما لديها من قوة لتعميق التفرقة الطائفية واللعب على الاختلافات القائمة لجر العراق إلى الاقتتال الطائفي والتقسيم. فقد ذكر مراسل قناة الفيحاء في البصرة في برنامج فضاء الحرية، خبراً خطيراً مفاده أن قوات مكافحة الإرهاب والجريمة الكبرى العراقية في البصرة ألقت القبض على بريطانيين بملابس عربية يقومان بعمليات تخريب وتفجير إرهابية في البصرة، وقد اعترفا بذلك وينتميان للجيش والمخابرات البريطانية.
وسرعان ما طوقت القوات البريطانية مقر اعتقالهما لاستردادهما من العراقيين. والجدير بالذكر أنهما دخلا مع القوات البريطانية حسب اعترافهما. فأمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وإيران وسورية والكويت والسعودية وتركيا والأردن ومصر واليمن وبعض دول الخليج، ليسوا بعيدين عما يجري في العراق. وكل مايجري اليوم يعلق على شماعة الإرهاب وأبي مصعب الزرقاوي الذي لايعرف أحد إذا كان موجوداً حقا وهل مازال على قيد الحياة، لاسيما بعد تصريح جواد الخالصي الأخير لصحيفة لوموند الذي قال فيه أن أبو مصعب الزرقاوي قتل في الشمال مع جماعة أنصار الإسلام ويستخدم الأمريكيون إسمه للبقاء في العراق بحجة محاربة الإرهاب المتمثل بعميل القاعدة الأردني الجنسية الذي حول العراق إلى ساحة معركة ومواجهة مع الولايات المتحدة، رغم أنه يحارب العراقيين أكثر من محاربته أمريكا ويعلن الحرب الشاملة على الشيعة، ويهدد بارتكاب مذابح ضدهم، والهدف من ذلك كما يقول الشيخ جواد الخالصي هو دفع الشيعة للاقتراب أكثر من أمريكا والاحتماء بالقوات الأمريكية ومنعهم من الالتحاق بعناصر تخوض الكفاح المسلح وتسمي نفسها بالمقاومة الوطنية. الولايات المتحدة الأمريكية ليست جادة في تسليم الملف الأمني للعراقيين، وهي لاتثق بالقوات العراقية في الجيش والشرطة، لذلك تعارض تسليحها بالأسلحة الثقيلة والمتطورة، وبالتالي فهي غير مؤهلة حاليا لمواجهة النشاط الإرهابي المدجج بكافة أنواع الأسلحة بما فيها الصواريخ وربما الأسلحة الكيمياوية لاحقاً. كل شيء يجري في العراق وفق أجندة أمريكية وليست عراقية, فمسودة الدستور أعدت على عجل بما يتناسب مع التوقيت الأمريكي والاستحقاقات الأمريكية، لدفعه إلى الاستفتاء في الموعد المحدد له في قانون إدارة الدولة المؤقت الذي سنه الحاكم المدني الأمريكي السابق بول بريمر. وهو دستور لايحظى بتوافق ورضى كافة شرائح ومكونات المجتمع العراقي، ولاينص على مبدأ المواطنة كأساس يتساوى فيه كافة أبناء الشعب العراقي، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والقومية والدينية والطائفية. لم يصوت الشعب العراقي لصالح هذه الفئة السياسية أو تلك، بل صوت طلبا لتوفير الخدمات والأمن والأعمال وإنهاء البطالة وتحسين مستوى المعيشة ورفع القدرة الشرائية، وهذا ما لم تنجح الحكومة المنتخبة في تحقيقه لحد الآن لأسباب عديدة يطول شرحها هنا.لذلك لن يكون هناك نفس الزخم ونفس الاندفاع للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، إلا إذا تدخل المرجع الأعلى السيد السيستاني ودعا العراقيين للمشاركة في التصويت، عند ذلك ستقوم القوى السياسية الدينية باستغلال إسم السيستاني مرة أخرى لصالحها وحث المواطنين على التصويت لها. فقادة تلك القوى السياسية الدينية منشغلون بتحقيق المكاسب الذاتية أكثر من انشغالهم بمصالح الوطن والمواطنين ولايمكنهم تحقيق نجاحات انتخابية وضمان الفوز من دون إقحام إسم المرجع الأعلى لجانبهم. من الممكن، إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة، البدء بوضع خطة خلاص وطنية، للخروج من المأزق الحالي تتفق عليها كافة القوى الوطنية العراقية، وتتلخص بتحديد سقف زمني لخروج قوات الاحتلال وسحب صلاحياتها وتسليمها تدريجيا لقوات سلام دولية تابعة للأمم المتحدة وتحت قيادتها بقرار دولي صادرعن مجلس الأمن وتحديد صلاحيات الحكومة الحالية بتصريف الأمور والتحضير لانتخابات جديدة حرة وديموقراطية نزيهة تحت إشراف دولي حقيقي تتم وفق قانون انتخابات شفاف وواضح يختار المواطن فيه مرشحيه حسب برامجهم الانتخابية التي تعرض على الجمهور بطريقة عادلة، وبعد ذلك تقوم الحكومة الشرعية المنتخبة القادمة بكتابة الدستور الدائم وفق أجندة عراقية يشارك في كتابته ممثلين عن جميع مكونات المجتمع العراقي ويأخذوا وقتهم الكافي لصياغته قبل طرحه على الاستفتاء.
فالعراق يتعرض اليوم لأشرس هجمة إرهابية على يد قوى الظلام التكفيرية، التي تريد زرع الفتنة الطائفية وإفشال العملية السياسية الديموقراطية الجارية اليوم وهو بحاجة إلى المجموعة الدولية وخبراتها للمضي بهذه العملية السياسية قدماً وقطع الطريق على الإرهابيين ومن ورائهم للخروج من النفق المظلم الذي دخل فيه العراق منذ سقوط نظام الطاغية.
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟