أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سفانة بنت ابن الشاطئ - على ناصية الحرف : حوار جاد مع الروائي المبدع -سعد سعيد -















المزيد.....



على ناصية الحرف : حوار جاد مع الروائي المبدع -سعد سعيد -


سفانة بنت ابن الشاطئ

الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 10:41
المحور: الادب والفن
    



سعد سعيد روائي صاحب تجربة أدبية عميقة و رصينة و مؤثرة و مشاعر زاخرة..هو فنان بكل معنى الكلمة .. تجده من خلال كتاباته فنانا تشكيليا و عازفا سوناتة ماهر.. ذواق للجمال و الفن .. هو طائر يعشق الحرية يحلق بجناحين من ألق ..و يحترف الطيران باتجاهات مختلفة بل هو شخصية متفردة..متمكن من أدواته بارع في طرح فكرته و بلورتها و البناء عليها و ترك قسطا من الفهم و التأويل للقارئ .. يكتب على مبدأ واضح حيث يردد دائما:" أنا أكتب للجميع لأن على الجميع أن يفهم ".. هو دائم الهدوء و التأمل .. يجذبك بحره الهادئ ويجبرك على السباحة في أعماق أفكاره ..لــ يثير فيك فضول المعرفة .. فقد تجده مرهف الحس يُقلم بصمت أظافر الواقع ..وحين يجد الموقف أكبر من حجم الكلمات يتحول لـ كاتب ساخر يحترف المشي بخطوات باكية على شفاه مبتسمة لاختصار الكثير مما يقال و ما لا يقال ..يبهرك .... يخطف إعجابك دون أن تدرك إلى أي عالم سيحملك إليه ..هو مبدع يجيد الربط بين الإدراك الحسي و الكلمة ..

فكما قال بول كلوديل " إنّ العين تسمع " و كتابات المبدع سعد سعيد تؤكد أنّ معنى الجملة يتعلق بكل مشهد.. فهو يطلق دوما من وجهة نظر بليغة ذات دلالات واسعة تربط بين البنى اللغوية و البنى التمثيلية فيتكون الإنبهار الأخاذ من خلال نداء متصاعد للمعنى الجواني مع حضورا قويا لسيميائية الضوء والذي يتبدى في النص الإبداعي حين يخلقه فعّالية الإدراك الحسي..بالإضافة للدلالة في عوالم الخطاب فالابستمولوجيا تفتتحُ ميدانا جديدا للبحث بفضل البعد العاطفي للخطاب .. فهو باستمرار يحاول الإحاطة بالأسئلة الجديدة المطروحة و الإلمام بالظواهر و الاحداث ..و لـــ كلّ ما سبق لا بد لهذا القلم الباذخ أن يثير صبابة القارئ و في هدئة الليل تحاصره شخوص رواياته و تفانين السرد فـــ ينتصر المنطق أو يطغي الجنون ..

هو ابن العراق الجريح و بغداد الشامخة .. أهم اصداراته ومنشوراته .. رواية الدومينو 2007،قال الافعوان 2009يا حادي العيس 2011 ، فيرجوالية 2012 ، ثلاث عشرة ليلة وليلة 2013صاحب قناعات متفرِّدة لا تقف أمامها أمواج الإعجاب " هو القائل :

- "بدأتُ متأخرا وأرفض أن أكون مجرد رقم.. كتبت لأترك أثرا" و يقول أيضا :
-" كل رواية أكتبها إنما هي خطوة على طريق.. فإن كانت محصلة جهودي في النهاية هي (ربع) رواية أصيلة، فهي خير عندي من (درزن) روايات أكتبها باسلوب غيري!"

أرحب بالروائي المبدع سعد سعيد لــ نبدأ معا رحلة الإبداع على قارب من الدهشة و على أنغام الألق ..


- متى كانت البداية الجنينية لقلمك الروائي ؟

=عشت مع حلم كتابة رواية منذ أن عشقت أول رواية في حياتي في عمر مبكر، ولكن الكسل وعدم الثقة بالنفس منعاني طويلا، ولولا وعد أطلقته لحبيبتي قبل الزواج بأن أكتب من أجلها رواية بعد أن عرفت ولعي الطبيعي بالكتابة، لما تسنى لي أن أحقق ما حققته عام 2003 بعد أن أتممت كتابة روايتي الدومينو التي كتبتها من أجلها فقط، أي أنها لم تكتب من أجل النشر ابدا.. أهديتها إليها، ولكن الظروف شاءت أن تكون هي السبب في تعلقي بهذا العالم المتعب اللذيذ. علما أنني لم أستطع أن أنشرها إلا عام 2007 إبان وجودي في دمشق الحبيبة.


- الهدوء صفة ملاصقة لضيفنا فهل هو الهدوء بكل معناه أم الهدوء الذي يسبق العاصفة ؟

=أنا لا أعرف عن أي هدوء تتحدثين سيدتي، فأنا انسان دائم التوتر وأدرك جيدا أن فرصي في عيش حياتي بسلام في مجتمعي هو أن أكبح العواصف التي تكاد أن تفقدني السلام الداخلي الذي حققته بعد جهد جهيد في أعماقي.. الهدوء، كالسذاجة والبراءة، من الصفات التي لا يمكن أن تصلح لروائي حقيقي وأرجو أن تعفيني من المزيد من التوضيح لكي لا أخسر الجمهور الذي بذلتِ جهدا رائعا من أجل تقديمي إليه!


- لمن يكتب الروائي سعد سعيد هل تكتب لكي تُقرأ أم تكتب لتثير إعجاب النخب وإبراز العضلات الثقافية ؟

= لا يمكن لكاتب أن يستحق صفته إن لم يفكر أولا بالقارئ، فلولا القارئ لما كان له وجود ككاتب وهذا يجعله مدين أخلاقياً له، ولا يمكن لكاتب يحترم نفسه أن يتنازل عن الجانب الأخلاقي في مهمته إلا إن كان مجرد إنسان امتلك مهارة الكتابة فأراد أن يكتسب سمعة تجعله يتمتع بمجد زائف سرعان ما يضمحل ليعود إلى العدم الذي ظهر منه.. أنا بالحقيقة كتبت للنخبة في بداية مشواري الروائي، وكان السبب هو بدايتي المتأخرة إذ صدرت روايتي الأولى وعمري خمسين عاما، ولم يكن لدي من الوقت ما يمتلكه الروائي الشاب.. عرفت بخبرتي (العمرية) أنني لن أستطيع أن أنال لنفسي مكانا أريده بمخالفة النقاد والأكاديميين بآرائهم، ولذلك كتبت لهم روايتين، أعقبتها بثالثة أردت فيها أن أعيد تجربة روايتي الأولى التي شابها ضعف ناتج عن قلة التجربة، وحين شعرت بتوفيقي عدت إلى اهتمامي الأول.. القارئ، ولن أكتب بعد اليوم لغيره.


- مقولة ((إن الإبداع دائما يولد من رحم الأحزان ؟)) تتردد على ألسنة الأدباء كحقيقة لا يمكن نكرانها .. فهل بات الحزن المحفز الأول للقلم ..؟

= إنما هذه المقولة اسطورة لا وجود لها على أرض الواقع، فالابداع لا علاقة له بفرح أو حزن، إذ يولد المرء وفيه بذرة الابداع سواء إن عانى شظف العيش او كان قدره أن يكون ميسور الحال.. أنا أعتقد بأن هذه المقولة وليدة مجتمعاتنا المتخلفة التي عانت القهر قرونا طويلة حتى أصبح الحزن هواية وهوى!.. فنظرة بسيطة على أدب وحياة كاتب مثل ماركيز تجعلنا نؤمن بأن لا علاقة للحزن بالإبداع إذ لا يمكننا بكل الأحوال أن ندعي بأن ماركيز كان حزينا أو يعاني من مأساة حين كتب رواياته العظمى التي هي أمثلة حية على الابداع الروائي وكذلك هو الحال مع أدب محفوظ العملاق العربي الذي خاض في كل ظروف الزقاق المصري (القاسية) من دون أن يعطينا انطباع عن سوداوية أو حزن. نعم، انا أعتقد بأن مأساة ما يمكن أن تطلق الطاقات الإبداعية الكامنة في شخص ما، ولكن هذا لا يمكن أن يكون دليلا على ارتباط الإبداع بالحزن، فما الحزن هنا إلا محفز، ويمكن أن يكون المحفز شتى أنواع المشاعر الإنسانية، وإن بدا الحزن وكأنه المحفز الأقوى على الابداع في مجتمعنا، فإن هذا دليل على أننا نعاني كشعوب من شتى الأمراض النفسية ولا علاقة لهذا بالإبداع كظاهرة إنسانية سامية.


- في الساحة الأدبية الشاملة لمختلف الأجناس الأدبية أين يجد الروائي سعد سعيد " الرواية " التي يعشق خوض غمارها و يجد نفسه بين مخاضاتها ينمو فكريا و إنسانيا ؟

= أنا أؤمن بأن الرواية هي أرقى الأجناس الأدبية وأرفعها شأنا، ولا أرى أبدا أن إيماني هذا يمكن أن يتقاطع مع إيمان آخر بأن الشعر هو الأرقى أو أن القصة القصيرة هي الأرفع شأنا، فالأمر هنا يتعلق بشخصيات كل منا وطريقة تفكيره، ولعل شخصيتي هي التي جعلتني أفضل الرواية كقارئ على كل الأجناس الأخرى فكان أمرا طبيعيا جدا أن أختارها حين قررت أن أخوض غمار مغامرة الكتابة.أنا أعتقد بأن ما تتميز به الرواية على بقية الأجناس أنها يمكن أن تحتوي في داخلها على الأجناس الأخرى فيما لا تستطيع تلك الأجناس أن تستوعبها، وهذه ميزة حاسمة تجعلها في موقع أفضل نسبيا بالنسبة لخيارات القارئ، ولعل أغرب ما فيها هو أنها حين رشحت للإنقراض بسبب ايقاع الزمن المتسارع في عصرنا الحاضر، استطاعت هي أن تجعل هذا العصر عصرها!، وهذا
ما يعطي فكرة كاملة عن السحر الكامن في هذا المخلوق الجميل المسمى رواية.أنا على يقين من أنّ من سيقرأ جوابي هذا سيظن أنني منحاز للرواية!..الذي أرجوه هو أن لا يفهمني أحد (غلط) فأنا منحاز لها، وجدا.


- كيف تقيم الكتابة الروائيةبشكل عام ؟ و ما هي العناصر التي ترتكز عليها من خلال رؤيتك العميقة ومن منظور القارئ أيضا ؟

= المقدرة على التخيل وامتلاك المنطق والصبر هي أبرز عناصر الكتابة الروائية حسب اعتقادي، فالرواية كما تعرفين هي إما خيال يقدم بصورة واقعية أو واقع يصاغ بشكل خيالي، وبعيدا عن هذا لا يمكن للنص أن يكون روائيا، وحين تمتلك الفكرة البذرة، الروائي،فإنه يسعد كثيرا، ولكن دون تلك الفكرة وانتهاء النص كرواية متكاملة، جهد كبير لن يستطيع أحد أن يحتمله إن لم يمتلك صبرا جميلا يعينه على صياغة الأفكار التي تكبر وتتوالد بالطريقة التي يضمن بها أن تمتلك القارئ من خلال تمتعه بما يقرأ، وصولا إلى تحقيق مهمته الرئيسية وهي أن يمرر رسائله التي يريد، إلى وجدان وذهن القارئ الذي لا يهمه من أمر الكتابة الروائية الا أن يتمتع بقراءة النص الذي تولده.


- الإنفتاح على المقاربات و الأسلوبية و السيميائيات و إضفاء الحداثة و المعاصرة على النص السردي هل هو تكسير لقواعد النص الروائي الكلاسيكي التقليدي أم إضافة له؟

= المفترض هو أن تكون هذه الأشياء إضافة للنص الروائي الكلاسيكي، ولكنني أرى أن التطبيق الفعلي له قد كسر قواعد ذلك النص وأساء إليه كثيرا.أنا لا أريد ان أتناول بالبحث هنا التجارب العالمية بهذا الشان، فلا أنا بالناقد ولا الباحث، أنا مجرد روائي ومهمتي الكتابة فقط، ولكن من خلال إطلاعي الكامل على تجربة الرواية العراقية والعربية مع هذه المفاهيم، أرى أنها قد أفرغت هذه الرواية من واحد من أهم أسس الرواية، بل هو أهمها على الإطلاق، وأقصد المتعة، فالكثير من النصوص (الحداثوية) وأصر على سجن هذا المصطلح بتلك الأقواس، قد تحولت إلى نصوص غريبة تبعث في نفس القارئ الكثير من الإنطباعات ما عدا المتعة أو الدهشة، اللهم إلا الدهشة من شدة غموض النص الذي يقرأه!


- دقة تحديد الصفات الفيزيولوجية و الحالة النفسية والأخلاقية والإجتماعية لشخصيات المنجز الأدبي هل يأخذ مساحة اهتمام خاصة حيث تحدد معالمها مع أو قبل الولوج للرواية و لأي درجة ترتكز على هذه المقومات لتحميلها الرسائل؟

= أنا لا أهتم لمسألة تحديد الصفات الفيزيولوجية لشخصيات رواياتي إلا إن كان لها دورا فيما أود قوله، بل إن فلسفتي في هذا تتركز على منح القارئ الفرصة كاملة في أن يضع الوجه الذي يريد في خياله أمام كل شخصية أقدمها له وهو ما لن يتمكن منه إن حددت له أنا تلك الصفات، إذ أؤمن إيمانا كاملا بأن هذا الأمر يتيح له قدرا مضاعفا من المتعة.. ولكنني أهتم اهتماما بالغا بالحالة النفسية والاخلاقية والاجتماعية لتلك الشخصيات لأن مادتي الأولى في الرواية هي الانسان وهذه الحالات هي التي تبين حقيقته وهي التي تستطيع أن توصل رسائلي الكامنة بأبلغ أسلوب ممكن ولكنني اعمل جاهدا على وصف تلك الحالات بأسلوب غير مباشر لان التصدي لها بشكل مباشر يعطي الرواية نفسا وعظيا قد يضر بها.. أنا يا سيدتي لا أهتم بتفاصيل زائدة في روايتي، مثل الصفات الفيزيولوجية أو المكان أو حتى الطقس! إن لم يكن لها صلة مباشرة بما أقوله، وأتصور أن هذا ما يعطي رواياتي السمة التي تجعلها دلالة على أسلوبي وأنا بعيد عن أساليب الآخرين، أما مدى توفيقي في هذا فأمر تقييمه متروك للقراء طبعا.


- التقنيات السردية كالرؤية من الخلف وضمير الغائب يستخدمهما الروائي أحيانا للتحكم في الشخصية أو كما يسميه فلوبير " الإله الخفي " وهو شكل من أشكال التدخل في الخطاب المسرود على حساب الخطاب المعروض؟

= إنما هي مجرد مصطلحات تستخدم في عملية النقد وأنا لا أعتقد أن هناك كاتب يهتم لهذا الطرح حين يكتب، إذ ليس من المعقول ان يقول الكاتب لنفسه "اليوم سأستخدم الخطاب المسرود أو المعروض في روايتي!".. للكاتب همومه الكبيرة حين يكون متورطا بكتابة نصه وليس من المعقول أن يزيد همومه بالتفكير بالمناهج النقدية الي ستتناول روايته بالنقد.أنا شخصيا حين أكتب لا أفكر بالنقد أبدا ولسبب بسيط جدا وهو أن النقد يأتي بعد الكتابة زمنيا وأي إخلال بهذا الأمر سيؤثر سلبا على الرواية.. أما عن الإله الخفي فليعذرني الأخ فلوبير إذ لا اله في الرواية غير الكاتب نفسه والكاتب المعني الأول والأخير برصانة روايته وجماليتها ولذلك لن يألو جهدا في أن يقدمها بأفضل شكل ممكن للقارئ، وحين يتصدى لها النقد، يتبين الروائي الأفضل.


- تأثُّر بعض الروائيين العرب بالكتابات الغربية حيث أوقعت كثيرا من النصوص الروائية في مغبة التقليد .. متى يستطيع كتابنا القفز عن التقليد و الإصرار على تقديم عمل عربي بحت يدعم المنجز الأدبي؟

=لن يتمكن الكاتب العربي يوما من تقديم رواية أصيلة ما دام فاقدا لثقته بنفسه، فصحيح أن الرواية بشكلها الحالي قد وجدت في الغرب، ولكن هذا لا يعني أنها ملك خاص بالغرب، بل يستطيع كل كتاب العالم أن يضيفوا شيئا من أنفسهم عليها حتى يطوروا رواية خاصة بهم تتسم بسمات مجتمعهم وتستطيع أن تخاطب قرائه.. التقليد سهل جدا يا سيدتي ولكن مصيبته أنه لا يمكن أن ينتج إبداعا حقيقيا، أو حتى أن يقترب منه لأن الشرط الأول في اللإبداع هو الأصالة عن النفس والتقليد هو ضد الأصالة أساسا، وأنا أستغرب عدم انتباه الأغلبية من كتابنا لأمر واضح للعيان ألم يكتب نجيب محفوظ كما أراد هو ولم يحاول أن يقلد أحدا بل قال كل ما أراد وبالطريقة التي انتقاها لنفسه؟.. افلا تنظرون إلى المدى الذي وصل إليه؟!


- فطرية الخلق و الإلهام هما سلاحين لمواجهة التكلف و التصنع .. فماهي أسلحة ضيفنا القدير إضافة لما سبق و الغائبة عنا؟

= لا أسلحة عندي غير كراهية التكلف والتصنع والحرص على أن أكون أنا نفسي في كل مرة أكتب.. أنا أؤمن بأن المرء إما أن يولد روائيا أو لن يكون أبدا، فإن استطاع أحد أن يقنعني بأنني لست روائيا، فأنا على استعداد لأن أرجع قارئا كما كنت طوال عمري، وحتى يبرز لي أحد فأنا ماض الآن في مشروعي الروائي.


- من المعروف أن أوهام الفرد و نرجسيته الرعناء ووساوس الوعي و اللاوعي و الشاعرية سببا في ابتعاده عن الواقع السياسي و قضايا المجتمع بشكل عام .. فهل يحق للمبدع أن يعيش في كوكب خاص و يبني عالمه بعيدا عن كل ماحوله؟

= طبعا من حق الروائي أن يعيش في كوكب خاص به على مستوى حياته الإجتماعية، ولكن أدبيا فإنه سيخسر كثيرا إن لم ينطلق من مجتمعه ويعود إليه مرارا وتكرارا في نصوصه.. انا لست من أنصار النزعة الجمالية في الأدب لأنني أؤمن ايمانا كاملا بأن للأدب وظيفة وهذه الوظيفة هي التي تعطي للأدب شرعيته ومكانته المتميزة التي يتبوأها في المجتمعات المختلفة.. طبعا يستطيع الكاتب نظريا أن يفعل ما يشاء، ولكنني أتصور بأن عدم اهتمامه بمشاكل المجتمع الذي ينتمي إليه لربما ستكلفه الكثير على مستوى التميز.


- حققتَ النجاح ضيفنا القدير منذ البداية ومع أول عمر روائي لك .. ولكن لهذه النجاح محطات سابقة مهدت لكتابة الرواية؟

= خضت في مجالات متعددة قبل أن أتفرغ للرواية نهائيا، بدءا من قصص الأطفال وليس سرا أن حلم كتابة رواية متميزة أو حتى قصة متميزة للأطفال ما زال يسكنني، ولكن يبدو أن ذلك أكبر من مؤهلاتي.. كما خضت في عالم الصحافة ككاتب مقالات لسنوات وفي شتى المجالات، ولي تجارب في كتابة سيناريوهات لأفلام وثائقية ولي مسلسل اذاعي واحد.


- من الذي يغري قلم كاتبنا للكتابة؟

= لم يغرني أحد كما أغرتني حبيبتي التي لها الفضل الكامل في وجودي في هذا العالم والاستمرار فيه.. وعدتها يوما وأوفيت لها بوعدي فوجدتني متورطا بهذا العالم المتعب اللذيذ، وما زلت أحاول أن أقدم الأفضل لكي أكون الرجل الذي يستحقها.


- للنجاح علاقة وطيدة في التقيم و الإنتشار على الساحة الأدبية في كل بلد .. فهل لاقى الروائي سعد سعيد اهتماما و تميزا يستحقه قلمه المتميز؟

= أنا أعتقد بانني حققت شيئا لا بأس به في بلدي العراق، ولكنني أكتب بلغة عربية فصحى وهذا يعني أنني أكتب لتلك الكتلة البشرية الهائلة الممتدة أراضيها من الخليج إلى المحيط وهي الرقعة التي لم أحقق الإنتشار الذي اشتهيه فيها.. أما عن الاهتمام فأنا لا أعتقد أنني لاقيته ولكن أعذريني لأنني لا استطيع ان أتحدث عن التميز شيئا فهذا شأن القراء أنفسهم.


- يقال أن الروائي يحتفظ بدفتر خاص للملاحظات يدون فيه مشاهداته و أفكاره أول بأول ثم يشرع في بلورة هيكلية العمل و بنيته.. فهل يدون مبدعنا ملاحظاته اليومية و مشاهداته ؟

= لا دفتر ملاحظات عندي لأنني أعتمد ذاكرتي فأنا أؤمن بأن ما لا تسعه ذاكرتي لن يفيدني شيئا إن دونته وأضعت مدونتي!.. الذي ينتابني أولا هي الفكرة البذرة والتي يعرفها الكاتب جيدا بواسطة حدسه، وحين تستقر تلك البذرة وتبدأ عملية التكوين أكون قد تجاوزت الحد الفاصل ما بين الحلم والواقع، وبعد البداية تبدأ مرحلة تدوين المشاهد والأفكار المتعلقة بالرواية التي أكتبها تحديدا وتكون في ورقة لا تفارقني طوال فترة كتابة النص وتكون على شكل نقاط متسلسلة أحذفها واحدة بعد الأخرى بعد اتمام التنفيذ.


- الديموقراطية لم تعد واقعيا إلا مهزلة صاخبة في عالمنا .. فكيف هي في رواياتك؟

= أنا لا أعترف بالديمقراطية، ففي نصوصي لا حرية لشخصياتي لأنني الإله هناك ولا يمكن لمخلوق فيها أن يناقض إرادتي ولا أخفيكِ فإني أستغرب أحيانا حديث البعض عن تمرد شخصياته عليه فهذا كلام غير معقول، فبئس الإله هو الذي تتمرد عليه مخلوقاته.. الكاتب الجيد هو الذي يسير شخصياته كما يشاء هو على أن يبدو الأمر في النص وكأنه تداعي حر!


- من منظور واقعي هل على الأقلام أن تسير على أطراف أصابعها كي لا تُصدر صوتا يستفز الساسة و المعارضين لكي تصل إلى المجد؟

=نعم، ففي واقعنا العربي من المهم جدا أن تسير الأقلام على أطراف أصابعها خشية الساسة والمعارضين، وخاصة المعارضات الدينية! ولكن الأكيد في الأمر أن تلك الأقلام لن تصل إلى المجد، فطريقه أمر آخر .... !! وأرجو أن لا تطلبي مني أن أشرح التفاصيل لأن قلمي هو الآخر يحتاج إلى السير على أطراف أصابعه.. حفاظا على حياتي، لا أكثر!


- الإنتاج الأدبي يفقد أهم شروط إبداعه عندما يفقد القلم حريته و يكتب من خلال الأطر الإجتماعية و السياسية و عندما يستخدم الكاتب مقص الرقيب بنفسه ، فهل استطاع قلمك الخروج من هذه البوتقة؟

= لو كنت أعرف أنني ساكتب كما تريد الأطر الاجتماعية والسياسية لما فكرت بالكتابة أساسا، فأنا أعي جيدا أن الكاتب لا يكتب للآخرين ما يريدونه، بل هو يكتب ما يراه وبغض النظر عن ما يراه الآخر. أنا لم أنشر قبل اللإحتلال كلمة واحدة في بلدي، والسبب هو الأجواء التي كانت سائدة بسبب قسوة السلطة وفرضها الرقابة الدائمة على الأدب والفكر، فلم يكن لي أن احاول ما أرى أنني فاشل فيه حتى قبل أن أجرب،ولكن بعد الفوضى التي ضربت أطنابها أثر الإحتلال،وجدت أن الفرصة سانحة لي لتحقيق حلمي بالنشر، وبنفس الوقت أحاول أن أشعل شمعة صغيرة لعلها تزيح جزء من الظلمة الأدهى التي حلت، ولكنني ما زلت أعاني من شرطي المجتمع الذي يأبى أن يدعني أقترب من صميم المشاكل التي أحاول أن أعالجها بكتاباتي.. الطريق ما زال طويلا أمامنا، ولطالما كان كذلك!


- التعبير الساخر للإيصال فكرة ما تستحق الإهتمام تأتي برؤى متفحصة من الكاتب و من ثم القارئ تفي بفك شيفرتها بطريقة أسرع أو تفي غرض الكاتب في التعبير عنها وعن الشخوص بشكل لاذع؟

= مهما كان الأسلوب الذي يتبعه الكاتب فإن المبدأ الأول له هو أن يؤثر على القارئ لكي يستطيع أن يمرر له رسائله التي يريد، وأنا أرى أن للتعبير الساخر أثر أقوى على القارئ حين يكون موفقا، ولكن الذي يجب أن ينتبه له الكاتب هو أن هناك شعرة واهية ما بين السخرية والتهريج وعليه الحذر لئلا يتجاوز تلك الشعرة من دون أن ينتبه.


- قلت أن ابحارك على أمواج الميتافيزقيا الجامحة يكون دوما للتخفيف من وطأة الحقيقة على القارئ ؟ كيف يستشعر كاتبنا نفور القارئ؟

= أحاول حين أكتب أن أتصور ردود فعل القراء على كل فقرة أو جملة أكتبها، وأحيانا حتى العبارة أو الكلمة، وأبذل قصارى جهودي لكي تكون ردود الفعل المحتملة إيجابية، ولكن اذا ما نفر قارئ ما مما أكتب، وهذا أمر وارد جدا، فما الذي أستطيع أن أقدم له غير أن أعتذر منه حين يصارحني بنفوره!.. أذواق الناس حقيقة واقعة وليس أمامي ككاتب غير أن أرضي قرائي الذين يرتضون بي.


- في تحليلات خارجة عن الريتم التفضيلي يقال أنه لا إبداع دون نقد، فهل أنت راض على مسيرة النقد و النقاد بشكل عام .. و هل ما كتب عنك من عروض و دراساتٌ نقدية وانطباعات مختلفة كانت مستوفية وهل أضافت لقلمك مساحة جديدة و ما الذي غفلت عنه؟

= رأيي بالنقد في بلادنا سيء جداً فهلا سمحت لي بأن لا أجيب عن هذا السؤال.... !!


- رغم أن رفضك زادني فضولا و لكن لك طبعا حرية الإمتناع عن الإجابة و دعنا نعود لوهج الحوار لنكمل حوارنا الشيق هذا بـــ :

- " الهلوسة " هي طريقة جديدة ابتدعها كاتبنا سعد سعيد لإيصال أفكاره المبرمجة على قياس الواقع .. فكم ساعدت هلوسات قلمك في إيصال رفضك و نقدك، و إعجاب القارئ بقلمك؟

= هذا يسأل عنه القراء انفسهم، عني فانا قد بذلت أقصى جهودي من أجل ذلك.


- يقول فوكو "السلطة و المعرفة و السياقات و الصراعات التي تعترضها و التي تتكون منها هي التي تحدد أشكال المعرفة و ميادينها الممكنة " فماهي رؤية الروائي المبدع سعد سعيد في هذه المعادلة و هل استطاع النفوذ منها وكيف؟

= أنا شخصيا لا أتوقف عند ما يقوله فوكو وأمثاله لأنه وليد مجتمعه وهو مجتمع مغاير لمجتمعي وناسه غير ناسي وأرجو أن لا يقول لي أحد أن الناس يلتقون في الأسس لأنني سأرفض تلك المقولة فورا.. للمعرفة نظرياتها الكبرى وقد نلتقي فيها مع هذا من المنظرين وقد نختلف مع ذاك ولكن مجتمعاتنا متخلفة سيدتي ويجب أن نتجاوز تخلفنا أولا قبل أن نتصدى لنظريات المعرفة! أما عن الجزء الأخير من سؤالك، فإن كان يخص العلاقة بالسلطة وتأثيراتها، فالجواب هو لا طبعا، لأنني كفرد لا أستطيع أن أتجاوز نفوذ السلطة إلا ضمن جهد جماعي ونظامي ومثل هذا لم يتوفر في مجتمعاتنا بعد، ولا تنسي يا سيدتي أني روائي لا مصلح إجتماعي وأثر جهودي الكتابية يحتاج إلى فترة طويلة جدا قبل أن يترك أثره المرجو.


- كيف تصف لنا بكلمات الصراع الأزلي بين السياسي و المثقف؟

= الصراع بين هذين الاثنين صراع وجود، لأن أساس السياسي هو اللاّأخلاق فيما ينطلق المثقف الحقيقي، وهذا اجتهاد شخصي طبعا في ظل انعدام الاتفاق على تعريف المثقف، من الأخلاق حتما، ولكن الحياة المعاصرة فرضت شروطها على الإثنين، الأمر الذي حتم تقاربهما، وهنا تبرز أمامنا إشكالية جديدة، فإن استشار السياسي المثقف، سيكون ثمة أمل للمجتمع، أما إذا ما وظفه عنده سيكون المجتمع الخاسر الأكبر لأن مثقفه ضيّع كل جهوده التي بذلها من أجل أن يستحق تلك الصفة.


- هل يحق للقلم أن يدس أنفه في كل شيء و يعري الحقائق تماما كما يعري الناقد الحقيقي النص فيقدم لنا سيمولوجيا بعيدة عن أي ضغوط أو شخصنة أو مصلحة أو خدمات علائقية؟

= أنا لا أعرف للقلم واجبا غير هذا ....


- الرمزية في الكتابة ألا تخفي ميكانيزماتها بعض الحقائق عن القارئ و خاصة إذا كان بعيدا عن الوسط الأدبي، أو ثقافته لا تسمح له الغوص أبعد من حدود الكلمة ؟ أم أنك مع الكتابة لشريجة محددة من القراء؟

= استخدمت الترميز مضطرا بسبب بدايتي المتأخرة ولأنني عرفت بأن أسلوبي الحقيقي وفهمي الخاص للرواية لن يعجب النقاد والأكاديميين عندنا، وللأسف هم الحكام على الأدب في مجتمعنا كما تعرفين، ولذلك كتبت ثلاث روايات على ذلك الأسلوب حتى حزت الشرعية (النقدية) وهاأنذا أصرح هنا بأنني لن أكتب للقراء بعد الآن إلا ما يفهمونه تماما لأن مسؤوليتي الوحيدة هي تجاه القراء أنفسهم، فهم الذي يمنحوني الشرعية، فلولاهم لما كان لي وجود ككاتب، وأنا أؤمن جدا بأن البيان في الرواية يكون أحيانا أهم من البلاغة نفسها.. أركان الرواية معروفة سيدتي، فهي الكاتب والناقد والقارئ، فمن دون الكاتب لن يكون هناك ناقد، ولكن من دون وجود قارئ لن يكون هناك كاتب كما قلت وهكذا يصبح القارئ هو الركن الأهم في عالم الرواية فكيف يمكنني أن اكتب لغيره.. للكتاب أن يختاروا لأنفسهم ما يشاؤون من أهداف ولكن القارئ نفسه هو قبلتي.. هذا قراري الأخير.


- قناعات عدة تترسخ في عمق الذات في كل المجالات و تشرع شرائع منبثقة من القناعات تبدأ من الإنسان و إنسانيته و تنتهي إلى أين؟

= تنتهي إلى خير المجتمع نفسه لأنه هو قمة انجازات البشرية، فلولا وجوده لما كانت هناك حضارة إنسانية.. العمل الجماعي يبقى هو أرقى أنواع الأعمال فإذا أردنا خير البشرية يجب علينا أن نعمل من أجل خير المجتمعات.


- متى يفقد أي عمل أدبي شروط قوته و متانته فيصبح معلقا على مشجب الانهيار؟

= حين يعجز عن امتلاك القارئ، فالرواية مثلا ليست مسألة موضوع، بل كيف نروي ذلك الموضوع.. الفكرة ليست في أن نختار موضوعا ما ونطلع على تقنيات الكتابة ونحاول أن نطبقها في المتن الذي نكتبه ويجب على القراء أن يقروا أنها رواية كما جنسناها.. لا أبدا، فأنا أؤمن بأن الشرط الأول للرواية هو أن تؤثر بالقارئ وتمتلكه وأن تجعله يتساءل دائما، ماذا بعد؟ بغير هذا لن يكون للعمل الأدبي أية قيمة.


- متى يمارس الكاتب سلطته على النص و يقاوم سلطة الغرائز المتراكمة في الأنا؟

= أنا دكتاتور داخل رواياتي ولذلك أمارس سلطتي كاملة منذ أول فكرة أعبر عنها من خلال نصي حتى أضع له النهاية التي ترضيني.. نعم فأنا أدير نصوصي (بقلم من حديد) إن صح القول، لأنني أعرف جيدا ان القارئ الذكي يتربص بي، إن لم تعجبه أفكاري فهو لا يستطيع أن يهاجمني إن بدت أفكاري منطقية ومتراصة ولكنني إن منحته الفرصة بارتكاب الأخطاء المنطقية فإنه سيمرغ كرامتي كروائي بتراب النقد القاسي، وأنا أؤمن بأن أفكاري لن تبدو مهلهلة إلا إن فقدت السيطرة على نصي.


أما عن الغرائز المتراكمة في الأنا، فأنا لا أعرف لم يجب أن أقاومها!.. أنا أكتب رواية ولست بصدد تقديم المواعظ أو الوصايا الأخلاقية.. الرواية تداعي وجداني كما هي سمو في الخيال بالقدر الذي هي فيه تفاعلات فكرية مستمرة فلم قد نخاف من التعبير عن الغرائز فيها؟.. وكيف يمكننا أن نقدم أصدق ما عندنا للقارئ إن أهملنا (اللاوعي) فينا؟! ونحن نعرف مدى أهمية هذا اللاوعي في تكوين الشخصية الإنسانية وتأثيره الكامل على طريقة تعاملنا مع البيئة المحيطة بنا.. لا يا سيدتي، أنا أتقبل غرائزي كما هي وأشركها مع عقلي في بناء رواياتي.


- ما يعيق القلم عن الابداع عموما و قلم ضيفنا القدير سعد سعيد؟

= الإبداع لا يتجزأ فإما هو موجود أو غير موجود، وحين يبدأ قلم المبدع بالتعبير عن نفسه فإن الأشياء التي تعيقه ستكون قليلة جدا، ولكن على شرط ان يمتلك الثقة بالنفس ويبدأ، ولكن على العموم، ومن ملاحظاتي الشخصية أنا أعتقد بأن المعاناة من شظف العيش وعدم توفر الظروف المناسبة للكتابة هي واحدة من أشر أعداء الإبداع في مجتمعاتنا المبتلاة بظروفنا الإجتماعية الظالمة.. ويجب أن لا ننسى الشرطي المجتمعي الذي تكونه الأعراف والتقاليد والتعاليم الدينية، وأنا أعتبر أن هذا واحد من أهم أسباب تفوق الغرب علينا في ميدان الأدب وذلك لأنهم لا يعانون ما نعانيه من المجتمع الذي نبذل قصارى جهودنا من أجل تطهيره من رجس التخلف والجهل، وحين أتساءل إن كان بإمكان ماركيز أن يقدم ما قدمه لو كان عراقيا، فأنا أتصور بأنني على حق في تساؤلي هذا.


- متى يصل كاتبنا الى ممرات الوحي و الإبتهاج و ألق السعادة الذي لا يتبدد؟

= لا سعادة كسعادة الإكتشاف والحل إلا متعة الإنجاز.. الكتابة بالنسبة لي مواجهة مستمرة مع مجاهيل كثيرة تعترض إمكانية تعبيري عن أفكاري، وواحد من أبرز مكامن البهجة بالنسبة لي هو حين أعالج ما يعترضني بالتدريج وصولا إلى المتعة الكبرى وأقصد بها متعة الإنجاز الكامل لنصي، لتبدأ بعدها حيرة الترقب والإنتظار لردود فعل الآخرين على ما أنجزته


- التلاقح الفكري و الثقافي بين الغرب و الشرق كيف يصوره لنا مبدعنا و ماهي انجازاته؟

التلاقح الفكري والثقافي هو سر تأريخ البشرية، فأنا أؤمن بأن لا فضل لأحد على أحد في درجة الحضارة التي وصلها العالم المعاصر.. اليوم الغرب هو حامل راية المدنية ولكن الحضارة انجاز البشرية نفسها وأنا حقيقة أستغرب من قصر نظر البشرية، فالغرب مبتلى بتجريدية عقله وخطورة شططه، ونحن في الشرق مبتلين بروحانياتنا الزائدة عن اللزوم التي قتلت الروح فينا!..لم لا يفكرون ببساطة بالانسان العاقل الذي يمتلك روحا؟!.. حقيقة أنا لا أعرف!


- الآلة أخذت تدريجيا حيزا مهما و كبيرا في حياتنا اليومية .. و أصبحت الملجأ الأول للكثير من الأقلام .. ولكن هنالك أقلام لم تستطع التماهي مع هذا التطور و حافظت على تقاليدها الكتابية فإلى أي الضفتين يرسو مبدعنا سعد سعيد وهل غدت عبئا ثقيلا على الروح الانسانية وقيمها؟

= الروح بأمان كامل ما دام هناك عقل يعتني بها، والتقاليد والطقوس الكتابية إنما هي وسائل توصلنا إلى غايتنا الأسمى ألا وهي المقدرة على الكتابة، فلم نحولها إلى غايات تمنعنا عن الكتابة حين لا تتحقق؟!الآلة نعمة حقيقية حين نتمكن من استخدامها، بل هي إضافة كاملة إلى مقدرتنا على التعبير عن أنفسنا بشكل أفضل، وهي لا تستطيع أن تكون عبئا على روحي وقيمي إن كنت جادا في الحفاظ على تلك الروح.. أنا شخصيا أعشق القلم الحبر وأفضل رائحة الأوراق، ولكن هذا لم يمنعني من كتابة روايتين من رواياتي على الحاسوب كاملة، وأن أمزج ما بين الحاسوب والقلم في رواية أخرى وما زلت أستخدم الاثنين وسأراجع الطبيب اليوم لأطمئن على حال روحي.. أمازحك سيدتي فروحي بأمان وسلام في داخلي ولم يؤثر عليها شيطان الحاسوب بعد.


- الأنثى في كتابات سعد سعيد هل هي تشكل النسيج الأساسي أم هي في حياته فقط أم في كليهما ؟

= ظلوا يعاتبونني لأنهم يتصورون أنني أهمل المرأة في رواياتي حتى كتبت لهم رواية بطلتها امرأة ستظهر قريبا.. ليس ذنبي يا سيدتي أنهم لم يفهموا ما أقول، فحين يكون بطل روايتي رجلا وأقول فيها أن الإسان جميل أو طماع أو طيب أو قاتل فأنا أقصد الإنسان بنصفيه، الرجل والمرأة، ومن عجز عن فهم هذا فأنا أعتقد بأن أي شرح أو تفصيل لن يفيده.. أنا يا سيدتي مشغول بحقيقة البشرية في رواياتي ولا يهمني إن كان بطلي رجلا أو امرأة فكلاهما يكونان الإنسان ولا أفهم هذه الحرب (الجندرية) الجارية بينهما! وهكذا تعرفين بأن المرأة أساس نسيج حياتي في الرواية والحياة بل وحتى في احلامي.


- في داخل كل منا طفل صغير يلهو و يحلم لذا نجدنا بكل أريحية نسرق من الزمن بعضا من الوقت ونعود لربوع تلك المرحلة ..و لهذا يقال أن الطفولة تستحق من الأقلام المبدعة الإحتفاء بها من خلال التوجه إلى عقولهم الكبيرة ..هل يحرص ضيفنا الراقي سعد سعيد على أن يكون الطفل على قائمة أهم قرائه؟ وماذا كتبت لهذا الجمهور المشاغب و أنت تتأمل الطفل العراقي البعيد كل البعد عن محطات الفرح حيث اختُطِف منه حتى أحلامه؟

= كتبت لهذا المخلوق الرائع الكثير قبل أن أنشغل بالرواية، ومنه ما ظهر كمسلسلات صور متحركة، ومنه ما نام في أدراجي حتى الآن بسبب قلة دور النشر المهتمة بهذا القطاع الأهم من القراء.. الكتابة للأطفال أصعب من الكتابة للكبار بكثير وخشيتي من أن لا أكون أهلا لها هو ما يجعلني ضنينا بما كتبت على (خبراء) الغفلة الذين أصبحوا مسؤولين عن ثقافة هذه الشريحة الأهم في مجتمعاتنا.. أستطيع أن أتحدث طويلا عن هذا، ولكنني لن أستطيع أن أفعل شيئا في ظل ظروفنا الحالية ولذلك سأحتضن حلمي القديم بكتابة قصة أو رواية متميزة للأطفال، وأسكت.


-إذا أردت أن تتحكم في جاهل عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني. هذا ما قاله الفيلسوف العقلاني ابن رشد فهل هذا المنطق يوافق رؤى كاتبنا في مكان ما؟

= مقولة صحيحة جدا ولكنك لن تجدي صدى مباشرا لها في أي من كتاباتي لأنني لا أريد حاليا أن اجهر بمعارضتي.. أريد اولا أن اكتسب عصمة الشهرة وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث.


- متى يكتب الكاتب لزمنه و أكثر من حدود هذا الزمن، وهل هنالك فعليا كاتب لكل زمن؟

= لا معنى لجهود الكاتب إن لم يكن لزمنه، بل وحتى حين يتحدث عن ماض أو حاضر فإنه بالتأكيد يقصد اسقاطات رمزية على الزمن الحاضر لأنه كل ما يهم، فما يهمنا مما سيحدث بعد مائة أو ألف سنة، وما نفع ماضينا إن كان حاضرنا بائسا؟ أما عن وجود كاتب لكل زمن فأنا أعتقد أن هناك كتاب لكل زمن لأن اختصار الجميع بواحد أمر غير منصف جدا.


- الثقة بما يكتبه الروائي هي جواز سفر إلى عالم أرحب و قراء أكثر .. هل توافقني الرأي؟

= بكل تأكيد أوافقك الرأي فعدم الثقة بالنفس تبدو واضحة في النصوص التي يكتبها المهزوز الشخصية، ومن دون الثقة الكاملة بالنفس لا يمكن للكاتب أن يتطور ليصل إلى عالم أرحب.


- متى سيشعر كاتبنا أنه وصل الى حافة الرضا و استوفى شروط طموحاته الأدبية؟

= لا أتصور أنني سأصل يوما إلى هذه الحافة لأنني أؤمن بأن الرواية الكاملة لم تكتب بعد، وهي شيء أشبه بالمستحيل، فكيف سأثق بأنني قد حققت المستحيل؟!


- قرأت لك منذ أيام " الحمد لله.. كتبت اليوم 400 كلمة من روايتي الجديدة.. هانت يا ربي..لم يبق أمامي أكثر من 40 ألف كلمة أخرى!" هذا يعني أنك تعيش مخاض ولادة حاليا و هذا
يدفعني لسؤالك عن تفاصيل هذا المولود الجديد؟

= نعم أنا أعيش ذلك المخاض وهذه الرواية هي ما سأعمل عليه طوال السنتين القادمتينن فإن انتهت قبل هذا سأبحث لنفسي عن رواية أخرى اذ يبدو أنني قد تعودت على حالة المخاض ولم يعد يهنأ لي بال بعيدا عن المخاضات!


- هل نداء الوطن و إلتزامك نحوه هو من دفعك باتجاه خوض غمار كتابة الرواية أم شخصيتك و طريقة تفكيرك .. و خاصة أنك ولجت عالم الكتابة الروائية من 2003 و هذا طبعا يذكرنا بتارخ احتلال العراق؟

= لا يا سيدتي، أنا خضت غمار الكتابة لأسباب شخصية بحتة وبالتأكيد كان لشخصيتي وطريقة تفكيري الدور الأول في هذا الاختيارن ولكن تصحيحا أقول، أنني بدأت بكتابة روايتي الأولى الدومينو عام 2000 وانهيتها عام 2003 ولكنني لم أفكر بنشر حتى تغيرت الظروف بعد الاحتلال.


- Speaking of Baghdad فيلم تسجيلي مر عليه فترة زمنية و حقق بعض الإنجازات و الإنتشار رغم قيمته الإبداعية و الحقائقية و رغم أنه يستحق الإنتشار على نطاق أوسع .. فماذا يحدثنا مبدعنا سعد سعيد عن هذه التجربة العالمية الآن؟

= عام 2004 وصلني خبر كاتب ومنتج مسرحي أمريكي بدأ مشروع كتابة مسرحية تعتمد مواد يكتبها كتاب عراقيين من الداخل، فاتصلت به لأنه ليس من المعقول أن يقدم الأمريكي لبلدي أكثر مما يمكنني ان أقدمه، وهكذا تواصلت معه لسنوات حتى تهيأت له مادة تكفي لإنتاج مسرحيته ولكن المسارح الأمريكية رفضت ويا للعجب أن تعرض مسرحية من وجهة نظر عراقية! ولكن السيد


- جورج لاركن - لم يقنط، بل اتصل باصدقائه الممثلين الذين يعرفهم والذين أبدوا استعدادهم لمشاركته بالمجان، فكان هذا الفلم الذي شارك به في مهرجانات عديدة، ثم حين لاحظ انتباه المشاهدين إلى قصد (ديك سامي) اقتطعها من الفلم وعرضها لوحدها كفلم وثائقي آخر في مهرجانات أخرى حتى نال جائزة أحسن دراما في أحد المهرجانات العالمية التي أقيمت في كندا.


- " كلهم أولادي و لا أميز بين أولادي " مقولة يرددها الكثير من المبدعين فهل يرددها ضيفنا الكريم .. أم لديه ميل تلقائي لأحد أعماله و لما؟

= أنا لا أردد المقولات التقليدية التي تثبت الظروف دائما عدم دقتها فحتى الأب أو الأم يفضلان أحيانا أحد أولادهما لأسباب مختلفة، ولذلك لا يمكن أن تكون قيمة رواياتي هي نفسها عندي.. أنا أحب الدومينو كثيرا لأنها بكري ولأنني كتبتها لحبيبتي تحديدا، وأميل إلى (يا حادي العيس) لأنني بذلت فيها جهدا كبيرا لأكتبها كما أشتهي وهو ما حدث.


- اقتنصت من جديدك خبر التزامك مع المبدع سلمان داوود محمد رئيس تحرير آفاق أدبية لتخصيص مساحة باذخة لقلمك ليقدم قصة ولكن تحولت الفكرة لرواية و نحن ببعض الفضول و الكثير من الحشرية نطلب من ضيفنا أن يحدثنا ببعض التفاصيل عن روايته هذه ..ومتى سيشعر قلمك أنه سدد دينه للثقافة و للعراق؟

= سلمان داود محمد صديق مشاكس دائما يورطني بمشاكل، ثقافية طبعا.. اتصل بي قبل فترة طالبا مني قصة وحين أخبرته بأنني لست بقاص قال لي "يبدو أنك لم تفهمني.. أنا لا أطلب منك بل الثقافة العراقية هي التي تطلب!" وهكذا ألزمني فظللت لأيام أفكر حتى اهتديت إلى موضوع تصورته يصلح لقصة، ولكنني ما أن أنهيت الصفحة الأولى منه حتى أيقنت أنني لا أستطيع أن أحيط بجوانب الموضوع إلا من خلال رواية كاملة وهكذا تحولت إلى رواية بالفعل ولكن هذا أبقى مشكلتي مع سلمان قائمة حتى كتبت له القصة التي طلبها وليته اكتفى، لأنه سرعان ما طلب مني مقالة كتبتها له مرغما.. الجميل في الأمر هو أنني أكملت مخطوطة الرواية الآن وأصبح عندي رواية العام المقبل شبه جاهزة، فليحيا سلمان داود محمد


و في الختام بعيدا عن الكتابة و بين أوتار الفن و الموسيقى و أهازيج الرياضة يتنقل الإنسان في أوقات تتوق ذاته المتعبة إلى أخذ قسطا من الراحة على وسائد اللاوعي و أرائك الخيال ..ضيفي الباذخ ... إلى أين الهروب؟

= الغريب في عالم الرواية هو أنه لا يمكن الهروب منه، فالرواية تجعل الكاتب يعيش في عالمين متوازيين بآن واحد، وهما ورغم توازيهما يتقاطعان بشدة أحيانا!.. في الرواية لا راحة لذهن فهي عملية تفاعل مستمر يستهلك وقت الكاتب فيضطره إلى معايشته مع العالم الواقعي ولكن هذا لا يعني أن لا ساعات راحة، وانا لست متشددا في خياراتي فأي شيء يوفر لي الراحة المطلوبة مشروع كالإضطجاع وأنا أدخن أو متابعة فلم أو مباراة رياضية وأحيانا الغوص في عالم الأنترنيت العجيب، المهم دائما هو أن نرتاح لنعود إلى العمل بنشاط وطاقات متجددة.


- مع فنجان يفيض أملا و باقة ياسمين تفوح إبداعا أترك لك مساحة حرة لتختم بها هذا اللقاء الباذخ بما تحب .. مع شكري الجزيل لقبولك الدعوة ..

= ههههههههههههه أبعد كل هذا تطلبين مني مزيدا من الكلام سيدتي؟! رأفة بنفسي ورأفة بالقراء سأقول ... "كونوا بألف خير" فقط!



#سفانة_بنت_ابن_الشاطئ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على ناصية الحرف : حوار جاد مع الشاعر العراقي الراقي -عواد ال ...


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سفانة بنت ابن الشاطئ - على ناصية الحرف : حوار جاد مع الروائي المبدع -سعد سعيد -