أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمين حمداوي - مرضعة أبيها















المزيد.....


مرضعة أبيها


أمين حمداوي

الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 07:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظهرت فلسفة الفن والجمال مع نشأة الفلسفة في اليونان، وهذه البداية العلمية قد سبقتها بداية غير ممنهجة عند قدماء اليونان، ارتبطت بشكل وثيق مع أفاكرهم السائدة وقتها، والتي كانت لا تزال تلاحقهم ، وأخص بالقول ما قبل الفلسفة بقليل، تلك الأفكار الأسطورية التي تتعلق بتعدد الآلهة، وبتفسير تلك الخروقات التي تعرضت لها نواميس الكون، من (صواعق ،فيضانات ،زلازل...)، فَضَل التفكير اليوناني وقتها محصورا على إبداع أساطير تتوافق ومعهم فكريا، مما إنعكس إيجابا حتى على تصرفاتهم وقتها وزاد من إنتاجية الإبداع والفن والجمال عندهم، بل حتى أساطيرهم أصبحت قصص تروى لحدود الساعة، وأخص بالذكر تلك اللوحة الفنية التي تجولت جميع أرجاء العالم، وحازت على إعجاب جماهير كثر، رغم اختلاف الثقافات واللغات حيث أن الفن لغة كونية، وأقصد اللوحة الشهيرة مرضعة أبيها (سيمون وبيرو)... التي تفانى في رسمها مجوعة من الرسامين من بينهم الرسام الاسباني" Bartolome Esteban Murillo"، و ماكس ساوكو ولد 1969 في مدينة أركوتسك الذي رسمها حديثاً، وفان بابورين وتشارلز ميلين، وأخيرا لوحة روبنز الموجودة في متحف رايكس ميوزيام في أمستردام المرسومة سنة 1630.
إذا ما هو موضوع هذه اللوحة الفنية؟ وما التأريخ الذي نضعها فيه؟ وهل تتحقق في هذه اللوحة أي من معايير الجمال من منظور فلسفة الفن والجماليات؟ وما السبب الذي جعل هذه اللوحة تلقى كل هذا الإهتمام والنجاح؟
وهل إستطاع الرسام أن يحقق في هذه اللوحة صورة حقيقية عن هذه الأسطورة اليونانية؟

تترجم هذه اللوحات واقعة زعزعت مجد اليونان، وهزت أوتار العالم، لتعزف أنغاما لم تسمع من قبل، ابنة في ريعان شبابها ترضع والدها الكهل، لا شك أن هذا العنوان القصير له ترجمتين الأولى وهو فعل قد يراه البعض فعلا غير أخلاقي، و كسرا لرابط الابوة في علاقته بابنته، وتجاوزا أخلاقيا ...،والثانية وهذا الذي أؤكد عليه يرمز لمثال التضحية والحب وقوة العلاقة بين الاب وابنته.

تعددت الأقاويل والحكايات التي تروي هذه الواقعة، إلا أنني حاولت أن أصوغ قصة أقرب في حبكتها للحكاية الأسطورية التي تستعمل الآلهة لتفسير تلك المظاهر التي عاشتها اليونان القديمة، والقصة تحكي لنا ..." أن آلهة العدل عند اليونان حكمت على الأب سيمون بالموت جوعا وعطشا في زنزانة صغيرة إلى أن تفارقه روحه، إلا أن حراس الزنزانة كانوا أقل منه قسوة، فسمحوا لإبنته بيرو بالدخول إليه ساعة كل يوم لزيارته، دون إدخال أي طعام أو شراب مستغلين في ذلك تلمس نهديها الكبيرتين، كانت تظل صامتة غير مستجيبة لحركة الحراس حتى يدعوها تمر إلى داخل الزنزانة وينصرفوا غير مباليين لما يجري داخلها، وشغلهم الشاغل الثرثرة بزاوية الحائط، فتقتنص بذلك الفرصة المناسبة لتخرج ثديها وتطعم والدها الكهل الذي أعياه الجوع والعطش، لكنه كان يستجيب للأمر كأنه طفل صغير، وأمله أن ينجوا مما فيه، مرت أيام وشهور وكل آمال الآلهة والحراس أن يستفيقو صباحا ويجدوه جثة خامدة، إلا أنه لم يمت بعد شهر، ولا بعد شهرين، بل ظل بكامل قواه الجسدية، فانتشرت بذلك إشاعات في أرجاء السجن مفادها أن العجوز قديس، وأن الملائكة تأتيه بطعام من السماء كل ليلة، وبذلك أقدمت الآلهة بالعفو عليه وإطلاق صراحه ..." .

بتحديدنا للإطار الزماني للواقعة، نرجح أنها حدثت في القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد، لأننا نشهد تطورا كبيرا في الفكر الأسطوري الذي صاحب هذه الواقعة، مما يرجح أنها في الزمان القريب من زمان بداية الحكماء مع طاليس الملطي الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، ونلاحظ أيضا أن هذه الأسطورة لم تزل حية وترافقنا ليومنا هذا، وأيضا تم التعبير عنها بلوحات فنية في زمان متأخر مما يدل على أن الفكر الأسطوري لا زال مختبئا في الفكر الفلسفي ومنعشا لفلسفة الفن والجمال ومستمرا معنا في الزمان والمكان...

كما نجد في العصر القديم أفلاطون "الذي يرى أن الجمال هو تجلي للحقيقة"، وفي العصر الحديث هيدجر" الذي يرى بدوره أن الفن يكشف عن حقيقة الوجود الإنساني"،وهذان القولان يجسدان الحركة الفنية، والجمالية للوحة، وإن كان الأول مثاليا ،والآخر وجوديا.

أما على مستوى الداخلي للوحة، فتستوقفنا خلفية اللوحة الحاملة للضوء والضل حيث أن الضوء انعكاس للشمس، مما يدل على وجود نافذة في الزنزانة والضل يجسد لنا بعد المسافة بين النافذة ومستوى الأرض، أي أن النافذة متواجدة بأعلى الزنزانة، مما يجعلها مستحيلة المنال لأي سجين، والعمود الخلفي يمثل التصميم الفريد للأعمدة عند اليونان، الذي يحيلنا إلى أن اليونان القديمة كانت تعرف الفن ويتجسد ذلك في النحت، وصناعة التماثيل، التي كانوا يألهونها، وبالنظر إلى أسفل اللوحة نجد: الوالد جالس على حزمة من القش، والإبنة جالسة على مقعد صخري مما يمثل لنا تواضع الأب وحبه ووفاقه لإبنته، وتنعكس لنا صورة التضحية عندما نرى الإبنة وهي تقدم ثديها لأبيها الكهل، بعدما إشتد عليه الجوع والعطش، لترتسم لنا صورة التضحية والحب التي تجسدها اللوحة، أما عن إدارة الفتاة لوجهها فيمثل الحياء والقيم الأخلاقية التي تمتلكها وأن ما تقوم به فعل إضطراري وغايته إنقاذ حياة إنسان، ولاسيما أنه والدها.

بيد أن الألوان لها جماليتها الخاصة وما يستوقفنا في الألوان هو اللون الأحمر لأنه لون مريب ويدل على الخطر، من هنا نرى حكمة اليونان في استعمالها لهذا اللون وتخصيصه للسجناء حتى يتمكنوا من تمييزهم عن غيرهم من المواطنين، وإن لم تكن بعد عند اليونان وقتها، فإنها تعكس لنا حداثة اليد المبدعة لهذه اللوحة، أما عن إشتراكهما في نفس الرقعة البيضاء التي غطت بعض العورات والضفرة التي على الرأس فتدل على حاجتهم وفقرهم مما يعكس لنا مباشرة مستواهم الاجتماعي.

أحدثت هذه اللوحة جلبة وضجة، والسبب راجع للمقومات العمل الفني التي جسدتها اللوحة، حيث أن مبادئ الحب والوفاق والتضحية والتواضع حاضرة وبقوة في اللوحة بل بمظهر لم يسبق أن رآه أحد، وإن كانت اللوحة تظهر في المرة الأولى بصورة غير أخلاقية فسرعان ما تظهر في المرة الثانية بصورة تحمل أخلاقا وقيما عظيمة ...

في نهاية الأمر ما أكسب العمل الفني نجاحه هو الرسالة الباطنية التي تحملها، حيث تتمثل لنا ثلاثة تحولات يجب أن تحضر في كل عمل فني ليرقى لمستوى النجاح الذي حققته هذه اللوحة، فالتحول الأول يخص البطل الخير وهي الفتاة التي قامت بتضحية كبيرة، حيث أنها قدمت ثديها لإنقاذ والدها، والتحول الثاني هو المعترض والدافع في نفس الوقت الذي جعل الفتاة تقدم على ذلك الفعل،وهي آلهة العدل التي أمرت بسجنه دون أن يتلقى أي طعام أو شراب إلى أن تفارقه روحه، فتتحققت لنا النتيجة النهائية في التحول الثالث والأخير وهو خروجه من السجن بفضل تضحية إبنته، اذا وجود قيمة الخير مرهونة بوجود معترض كالشر، ليتحقق الخير كنهاية يصل اليها.

معلومات الإتصال:
[email protected]
FB: أمين حمداوي
TW: @aminexhamdaoui



#أمين_حمداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته ...
- نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف ...
- -الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر ...
- السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
- نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران ...
- نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب ...
- كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
- تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
- -مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت ...
- مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمين حمداوي - مرضعة أبيها